الخميس، 21 أبريل 2016

مخدّرات 25 إبريل

مخدّرات 25 إبريل

                 خلاصة الثورة أمام بوابات "العقرب"                 


وائل قنديل
طيّروا الخبر المزلزل في الفضاء الإلكتروني، نصف ساعة فقط ثم سحبوه.
يقول الخبر إن والدة الشهيدة وزوجة أحد فرسان الثورة، محمد البلتاجي، نشرت على صفحتها الشخصية أن طائرة رئيس الأركان (صهر عبد الفتاح السيسي) هبطت على أرض سجن العقرب (غوانتنامو مصر)، والتقى خيرت الشاطر، وتفاوضا بشأن صفقةٍ، بموجبها يضحّي العسكر بالسيسي، في مقابل تضحية "الإخوان المسلمين" بالرئيس محمد مرسي، وتشمل الإفراج عن المعتقلين والمسجونين، والذهاب إلى انتخابات مبكرة.
سيناريو، على الرغم من غرابته، لطيف ويصلح لتهدئة النفوس الغاضبة، وهدهدة الثورة كي تغفو على فراش الأوهام الوثير.
بعد نصف ساعة فقط، عادت الدكتور سناء عبد الجواد، زوجة البلتاجي، ونشرت اعتذاراً على صفحتها، نافية صحة الرواية التي أعلنتها.
من أبلغ إلى "خنساء الثورة" هذه الرواية، ولماذا سحبتها؟ 
وما المقصود بهذه الصدمة السريعة، والهزة الخاطفة، في وقت تستعد فيه قطاعات واسعة من مختلف التيارات للتظاهر في مليونية 25 إبريل/ نيسان؟
معلوماتنا عن السيدة الجليلة أنها ليست من مروّجي الشائعات والأخبار المكذوبة، كما أنها وهي تنفي القصة وتعتذر، لم تقل، مثلا، إن قراصنة اخترقوا صفحتها ودسّوا الرواية، ما يعني أنه بالفعل كانت هناك رواية، وكانت جهة أو جهات تريد تمريرها وتركها تشتعل بعض الوقت، قبل سحبها من التداول.
بعدها بساعات، كانت"الشروق" تنشر خبراً آخر من الحجم الكبير، يقول إن عبد الفتاح السيسي قلق للغاية ممّا هو قادم في الخامس والعشرين من إبريل/ نيسان الجاري. لذا، استدعى قادة الأمن وشدّد عليهم بأنه لن يسمح بتكرار ما جرى في يوم الجمعة الماضي، من تظاهراتٍ عارمة، هتفت "الشعب يريد إسقاط النظام"، وقالت للسيسي: ارحل أيها الفاشل، فمصر ليست للبيع.
وبعد ساعات، أيضا، من نشر القصة في "الشروق"، كانت الرئاسة تصدر بياناً مقتضباً وغامضاً، تنفي فيه قصة اجتماع السيسي والأمنيين، من دون التطرّق إلى مضمون الرسالة، أو فحوى ما جرى، وهو أن السيسي لن يسمح بتكرار التظاهر ضده.
معلوماتنا عن "الشروق" أيضاً، أنها ليست من الصحف التي تحبّذ الخروج عن النصوص السيسية المقدسة، ولا تفضّل إغضاب الجنرال، وتتحسّس حروفها، إذا كان الأمر يتعلّق بأمن مصر القومي، حسب مفهوم دولة الجنرالات للأمن القومي، وبالتالي، يمكن القول إن الصحيفة لم تخترع روايةً من عندياتها، ولم تجتهد فيما يعرّضها ويعرّض "الأمن القومي" للخطر.
إذن.. كان المطلوب بث رسالةٍ خاطفة، بعض الوقت، ثم سحبها، بعد أن تكون قد أدت الغرض المطلوب، حتى وإن دفع حاملوها ثمناً كبيراً.
تأتي الروايتان في سياق عمليات تخدير وامتصاص لغضب متصاعد، من خلال بعثرة الأوراق وخطف الناس بقصص وسيناريوهات، تفتح مجالاتٍ واسعة لسحب الشك والتخوين والتخويف، والتنويم على وسائد محشوّة بالحكايات السعيدة عن أن النظام يأكل بعضه بعضاً، وأن الأجهزة تتصارع وتتسابق في خدمة الثورة وتدليل الغضب.
أخطر ما تستدرج إليه الثورة المصرية أن تنشغل بما يلقى إليها من حكايات عن صراع الأجهزة، وعن انقلاب الانقلاب على الانقلاب، بمعنى أن النظام قد يضحي برأسه، ويأتي ببديل من عنده يفرغ الزنازين من حمولتها، ويطلق السياسة من محبسها، وهو الأمر الذي يعيدنا إلى المسار الدامي الذي فرضه العسكر على الجميع منذ 11 فبراير/ شباط 2011.
وفي هذا المناخ المعبأ ببخار الشائعات والقصص، ليس أفضل من أن يواصل الثائرون الحقيقيون حشدهم لاستحقاق 25 إبريل، وهو الموعد الذي ضربه المبادرون إلى قيادة موج الغضب، وضبط إيقاع حركته (خالد علي نموذجاً)، لكي يعود الثوار إلى الميادين، لاستئناف ما انقطع من نضال ضد السلطة العاجزة، المفرّطة في الأرض، المنتهكة للعرض والحق في الحياة، مع الوضع في الاعتبار أن هذا الفاصل الطويل طلبه من تصدّوا لقيادة التظاهرات الأخيرة.
ويبقى هتاف عائلات السجناء والمعتقلين أمام بوابات سجن العقرب، أمس، معبّراً عن معنى الثورة، في نقائه ووضوحه، ومسقطاً كل الادعاءات الخاصة بأن الأبطال في الزنازين، وذويهم، لا يعنيهم إسقاط النظام، بقدر ما يعنيهم خروجهم من السجن، ولا يهمهم استعادة الثورة، بقدر ما يشغلهم أن تسمح لهم السلطة بالحياة الطبيعية في كنفها.
وأزعم أن هؤلاء الذين تظاهروا وهتفوا واعتصموا أمام سجن العقرب، أمس، هم المناضلون الحقيقيون، طلبا للحرية والكرامة، للوطن، من دون انفصال عن حرية المواطن وكرامته.
هؤلاء هم الثورة، بسموّها الإنساني والحضاري.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق