الجمعة، 29 أبريل 2016

تحت البيادة.. عند الخصية

تحت البيادة.. عند الخصية
             أى بؤس                 


وائل قنديل
يقولون إن الضابط قال للسائق قبل أن يطلق الرصاص على خصيتيه "إما أن تعيش كامرأة، مثل أمك، أو تموت"، وقبل أن تنتهي الجملة، كانت دماء غزيرة تسيل من السائق الذي عصى رغبة الضابط.

كان هذا في المساء، وفي الصباح كانت مواقع التواصل الاجتماعي تتناقل خبر براءة الضابط قاتل شيماء الصباغ، شهيدة اليسار المصري، التي أطلقوا النار عليها، لدى محاولتها ارتكاب جريمة وضع وردة وإيقاد شمعة، إحياء لذكرى شهداء الثورة المصرية، بالقرب من ميدان التحرير، قبل عام مضى.

كان الأمس، يحمل أيضا نبأ إعادة تشغيل ماكينة الإعدامات التي يقودها كاره الثورة والثوار، ناجي شحاتة، بسرعتها وطاقتها القصوى، لتفرم اثني عشر مواطنا في جلسة واحدة، صبيحة انتهاء الحفل الفني الساهر الكبير، الذي أقامه عبد الفتاح السيسي، على شرف ملك البحرين.

طوال الليلة الفائتة كان الثوار يتناقلون أخبارا عن التحقيقات مع مئات المعتقلين والمعتقلات، في يوم تظاهرات الأرض 25 أبريل/ نيسان، لتمتزج في الفضاء الإلكتروني صيحات الفرح بقرارات الإفراج وإخلاء السبيل، مع الدعوات بنجاة باقي المحبوسين والمحبوسات.

هم بارعون في لعبة خفض السقوف، عن طريق الإمعان في الاستخدام المفرط للوحشية والإجرام، بحيث يتم اختطاف الحشود من منطقة المطالبة بإسقاط النظام، إلى مساحة أخرى، يصعد فيها الإفراج عن الدفعة الجديدة من المقبوض عليهم إلى مرتبة المطلب الأول ومعركة الوقت الأهم، لتستهلك الرموز الثورية في الركض خلف المحبوسين والمحبوسات، بين النيابات وأقسام الشرطة، مع تعمد السلطة ممارسة كل فنون صناعة الفتنة والانقسام، داخل الكتلة الثورية، من خلال التمييز اللحظي، المقصود، بين المعتقلين، على أسس طبقية وأيديولوجية وعنصرية كذلك.

 لكنهم هذه المرة، يطورون أداءهم من خفض السقوف، إلى تعمد الإهانة والإذلال للثورة، مدفوعين بنشوة زيارات الرعاية الملكية، ومدججين بغطرسة حصيلة التنازل عن الجزر، وتدفقات الأرز من منابع رعاية الانقلاب، فيوجهون بمنتهى الخسة صفعة إلى نقابة الصحافيين، عن طريق إنزال مجموعات من غزاة الثورة المضادة، فوق عتبات سُلّم النقابة، الذي اكتسب رمزية نضالية وثورية مستحقة، منذ زمن حسني مبارك، في مشاهد لا تختلف كثيرا عن عربدة المستوطنين في ساحات المجلس الأقصى..
ويعتقلون عشرات الصحافيين، ويمنعون آخرين من دخول بيتهم، ضاربين أطواقهم الأمنية حولها.. 
والمقصود معاقبة النقابة على احتضانها زهور الغضب في تلك الجمعة الحاشدة التي قضت مضاجع النظام في الخامس عشر من الشهر الجاري.

يطال شبق الإذلال والإهانة أيضا اليسار المصري، وتحديدا القسم الأكبر منه الذي مازال يتذكر ثورته ويستعصي على العسكرة، فيصدر قرار محكمة النقض، أمس، بتبرئة قاتل شيماء الصباغ، بعد مرافعة من محامي حسني مبارك وأولاده.. وتمتد الإهانة إلى التيار الناصري أيضا، من خلال نجاحهم في توظيف ابنة عبد الناصر في مشروع "سعودة الجزيرتين".

الرسالة واضحة، لا يختلف مضمونها  من واقعة الضابط مطلق الرصاص على السائق، إلى وقائع القاضي مطلق أحكام الإعدام على المتظاهرين، أو زميله الذي برأ قاتل شيماء الصباغ: تعيش تحت قوانين بياداتهم العسكرية، أو تقتل.. تتنازل عن كرامتك أو ثوريتك، أو تموت تعذيبا، أو كمدا، أو إهانة.
غير أن رد الثورة يظل الأقوى، كما صاغته عبارات سناء سيف في وجه النيابة، معلنا رفضها لعبث المشهد كله، وكما نطقت به سجلات المعتقلين والمعتقلات، فلم تفرق بين "تقوى" و"ميريت" أو بين "مينا" و"إسلام"، وكما عبرت عنه مسيرة الأقلام والعدسات من نقابة الصحافيين إلى دار القضاء.
تظل الثورة أقوى، ما دامت قادرة على مقاومة التصنيفات الأيديولوجية والفرز الطائفي، وهذا ما أصاب النظام بالرعب والسعار، بعد تظاهرات الاثنين الماضي، حيث تحقق الاصطفاف، من دون تنظير أو شعارات.
لا تخذلوا ثورتكم.. لا تهدروا إنسانيتكم في اللهاث خلف سراب التقسيمات العنصرية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق