الأربعاء، 27 أبريل 2016

هي والدكتورة هدى

هي والدكتورة هدى


 وائل قنديل

المرأة التي عضّها الفقر، ونهشها الجهل، وافترسها الخوف، فذهبت ترقص في الشارع، بحركاتٍ مفزوعة، تحت العلم السعودي، وتهتف ضد مصرية الجزيرتين.
وابنة جمال عبد الناصر، زوجة رئيس البنك، سيدة المركز الأهرامي، البروفيسور المنتفخة استعلاء أكاديميا كاذباً، فذهبت تنبش قبر والدها، وتستخرج منه روايةً ركيكةً وتافهةً، لكنها صالحة للبيع بأعلى سعر في سوق وثائق الجزيرتين.
هل تختلفان في شيء؟ هل تستويان؟
الأولى مصرية مغلوب على أمرها، صدقت ذلك "المقاول" الذي غزاها بالمال والترهيب، فخرجت ترقص وتهتف وتسب، أحياناً، علها تعود في آخر النهار بما يسد رمق جائعين ينتظرونها في منزلٍ يعافر كي لا تسقطه رطوبة تنهش في جدرانه، أو ما يسكت نداء الرأس المتعطش لجرعة "كيف"، أو اتقاء لشر أحد "البكوات"، سيعيدها إلى ظلام الزنزانة، إن عصت الأوامر.
أما الثانية، فما هو عذرها، كي تهين والدها في قبره، وتحتقر علم التاريخ وتبتذل الوثائق، وتعبئ صفحات"الأهرام" بسخام تأريخي، لا يرتقي إلى مستوى طالب في مبتدأ حياته الجامعية؟
ماذا ينقص ابنة عبد الناصر، أو يرهبها، حتى تخرج على الملأ بقصةٍ تنتمي إلى "فاتنازيا الأرشفة"، تخلص فيها إلى أن والدها كاذب، وتدحض ما جاء على لسانه في مقطع "فيديو" تداوله الملايين، يجزم فيه بأن "تيران وصنافير" مصريتان؟
ما الذي يخيفها إلى الحد الذي يدفعها لكي تخترع روايةً درامية بائسة، عن عثورها، مصادفة، في بيت الوالد، على حجة ملكية السعودية الجزيرتين؟
لماذا الآن، عثرت على الكنز، وهي التي لم تترك لحظةً إلا وقامت فيها بحلب أرشيف العائلة، وبيعه مبسترا ومعقما، سائلا ومجففا، في كل واد؟
لن أفيض في بيان تهافت ما كتبته هدى عبد الناصر، من الناحية العلمية، فقد تصدّى لهذا الأمر أساتذة في التاريخ والعلوم السياسية. لكن، ما يثير الأسى والوجع والقرف في القصة كلها أن ابنة الزعيم تختم مكتوبها في "الأهرام" بفقرة، هي للتسول والاستعطاف أقرب، توجهها إلى العاهل السعودي، وتقول فيها بالنص
 "أعتقد أن الشعب المصري في حاجةٍ إلى إيماءةٍ معنويةٍ من جانب الملك سلمان؛ لقاء الدماء التى بذلت من جانب المصريين فى سبيل المحافظة على هذه الأرض العربية، وإلا لكان الإسرائيليون احتلوها وصمموا على الاحتفاظ بها، كما يحدث الآن بالنسبة للجولان السورية".    

لم أفهم، وغيري كثيرون، المقصود بهذه "الإيماءة الملكية" هل تقصد نظرة، مثلاً، يعقبها انهمار سيل من عطايا حنان، ومكافآت تقدير وتشجيع، لمن ناضلوا كي يقتطعوا من الخرائط ويبيعوا، أو يهدوا أو يتنازلوا؟
ليس أكثر بؤساً، ولا مدعاة للخجل من استدرار هذه الإيماءة، سوى أن السيدة هدى تريد أن توظفها في عملية استثمار مزدوج، بحيث لا تفيد منها "مصر السيسية" فقط، بل تعم الفائدة أيضا على "سورية البشارية".

مرة أخرى، كفوا سخريتكم عن تلك النسوة البائسات اللاتي أتى بهن ذلك" القومجي المحترف" لكي يهتفن، ويرقصن، بأجر، احتفالاً بضياع الجزيرتين، واعتبار ذلك مناسبةً قوميةً بهيجة، ولا تدعوهم يهزمونكم حضارياً حين يلحون في ستوديوهاتهم الأجيرة، على أن من رقصوا وغنوا، في خضوعٍ مذل، يعبرون عن قطاع من الشعب المصري، فالقصة كلها محض عملية بيع واتجار في وطنية فاسدة، وتدين أكثر فساداً، يغرقون بها الساحة، للتغطية على عمليات استئصال منهجية للوطنية الحقيقية، والتدين السليم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق