الاثنين، 18 أبريل 2016

هل تشتعل حروب الذهب الأزرق في المنطقة؟!

هل تشتعل حروب الذهب الأزرق في المنطقة؟!
شريف عبدالعزيز
ربما لا يعلم كثير من الناس السبب الحقيقي لاندلاع الثورة السورية التي أصبحت مع الوقت أوديسا الشرق الأوسط المعاصرة ، وأكبر ملاحم العرب والمسلمين في القرن الحادي والعشرين ، بعد سقوط مئات الألوف من القتلى وأضعافهم من الجرحى ، وعشرة أضعافهم من المهجرين والمشردين.
الشرارة الحقيقية لاندلاع هذه الثورة كان " المــاء " عندما غضب شبان من بلدة درعا في الجنوب السوري من تخصيص الحاكم المحلي الفاسد لخزان المياه الشحيحة، وكتبوا على الجدران عبارات مناهضة للحكم.وكان إلقاء القبض عليهم وتعذيبهم القشة التي قصمت ظهر القبائل التي ينتمي إليها الشباب المحتج.
وكانت قصة مشابهة جدا في اليمن، حيث بدأت الثورة في عام 2011 في تعز، أكثر المدن اليمنية نقصا في المياه.
فالمياه هي السلاح الأخطر في حروب القرن الجديد، لذلك لقبت المياه في العصر الحديث بالذهب الأزرق، لأن قيمته وأثره ودوره في تشكيل المشهد السياسي الإقليمي والدولي لن يقل عن أثر النفط والذهب.
فقد توصل أحدث التقارير بخصوص حرب المياه للمخابرات الأميركية إن إمدادات المياه العذبة لن تواكب على الأرجح الطلب العالمي بحلول عام 2040 الأمر الذي ينذر بالمزيد من عدم الاستقرار السياسي ويعوق النمو الاقتصادي ويعرض أسواق الغذاء العالمية للخطر.
وقال التقرير الصادر من مكتب مدير المخابرات القومية الأميركية إن مناطق منها جنوب آسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا ستواجه تحديات كبيرة في معالجة مشاكلالمياه التي قد تعوق القدرة على إنتاج الغذاء وتوليد الطاقة.
وقال التقرير الذي صاغته في الأساس وكالة مخابرات الدفاعبناء على تقديرات سرية للمخابرات القومية إن المياه في الأحواض المشتركة ستستخدمهاالدول على نحو متزايد للضغط على جيرانها – وضربت مثالا لذلك بسد النهضة بين مصر واثيوبيا والسودان - ، كما حذر التقرير من خطورة استخدام المياه كسلاح أو لأهداف إرهابية جديدة سيصبح أيضا أكثر احتمالا" مشيرا إلى ان البنية التحتية للمياه المعرضة للهجوم هدف مغر– وضربت مثالا لذلك فاستيلاء تنظيم الدولة على سد الموصل -،وطلبت وزارة الخارجية الأميركية التقرير كجزء من محاولة حكومة الرئيسالأميركي باراك أوباما لتقييم إلى أي مدى قد تؤثر قضايا مثل تغير المناخ على الأمنالقومي الأميركي ،وتعتقد أجهزة المخابرات انه لايوجد "حل سهل" تكنولوجيا في الأفق لتحسين إدارة المياه لكن التقرير قال إن اهم خطوةلمعالجة هذه المشكلة ستكون استخداما أكثر كفاءة لأغراض الزراعة التي تستحوذ على 70بالمئة من استخدامات المياه العذبة عالميا.
ومما لا شك فيه أن القرن الحادي والعشرين سيشهد نزاعات مقبلة في مناطق عدة من آسياوإفريقيا والشرق الأوسط على وجه الخصوص، وستقترن بالخلاف على منابع المياه والأحواض المائية من أجل تأمين احتياجاتها المتزايدة، وستغذيها المشاكل السياسية والنزاعاتالحدودية ،فالصراع, على الموارد الاستراتيجية, وفقاللمتخصصين, كان ولا يزال سمة من خصائص السيكولوجية البشرية، واختلفت أشكاله من عصرلآخر .
ففي القرن الماضي، تبلورت أوجه تنافس وصراع لم يعهدها العالم لتأمين المواردالطبيعية ومصادر الطاقة والسيطرة على الأسواق العالمية،ومن المرجح أن الدول ستستخدم المياه المصدر الرئيسي للحياة كأداة وهدف لإشعال الحروب والتي من شأنها أن تؤدي إلى زعزعة الاستقرار والأمن العالميين.
فدول كمصر والسودان وأوغندا وإثيوبيا وآخرين تشترك في مياه نهرالنيل، والعراق وسوريا وتركيا تشترك في مياه نهري دجلة والفرات، وتعاني كل من الأردن ولبنان وسوريا والأراضي الفلسطينية المحتلة من استغلال "إسرائيل" السافر لمياه نهرالأردن، ونهراليرموك، ونهري الليطاني والوزاني، ونهر الجليل في الجولان المحتل،كما تشترك عدة جمهوريات من آسيا الوسطى متضمنة قرغيزستان وكازاخستان وأوزباكستان وطاجيكستان وتركمنستان في عدد من الأنهار، وتشترككل من الهند وباكستان وبنجلاديش والنيبال في عدد من الأنهار الصغيرة ، فالأزمة إذا عالمية وتوشك أن تشن الحروب المدمرة بسببها.
فقد أشار تقرير صادر عن الأمم المتحدة تحت عنوان "المياه في عالم متغير" إلى أنه بحلول عام 2030 سيعيش نصف سكان العالم في مناطق شحيحة بالمياه، متضمنين ما بين 75 مليون نسمة إلى 250 مليون نسمة في إفريقيا وحدها، بالإضافة إلى أن شح المياه في المناطق الجافة وشبه الجافة سيؤدي إلى نزوح ما بين 24 مليون نسمة إلى 700 مليون نسمة، وذلك نظراً لتعرض موارد المياه للجفاف والنضوب، ما سيخلق أزمة عالمية لكل إنسان على وجه الأرض، في حين يواجه حالياً ما يقارب مليار فرد، أي سدس سكان العالم، نقصاً شديداً في المياه بشكل يومي، وبالأخص في المناطق الكثيفة سكانياً، إذ ستستهلك كميات كبيرةمن المياه، الأمر الذي سيؤدي إلى نضوب الإمدادات في غضون 20 عاماً، كما تتوقع دراسات الامم المتحدة ان تعاني 30 دولة من "ندرة المياه" في 2025 ارتفاعا من 20 في 1990، و18 من هذه الدول في الشرق الاوسط وشمال افريقيا وأضيفت مصر وليبيا الى القائمة التي أعدت عام 1990 وتضم أيضا إسرائيل والصومال، وتعني ندرة المياه ألا يتاح للفرد سوى 1000 متر مكعب او اقل من المياه سنوي ، جاءت موريتانيا والكويت والأردن ومصر بين الدول الأقل أمانا من حيث امدادات المياه حسب تصنيف اعدته مجموعة مابل كروفت البريطانيةلتحليل المخاطر، وذكرت المجموعة ان نقص المياه في الشرق الاوسط وشمال افريقيا قديسبب توترات سياسية وارتفاع لمعدلات توقع خطر الصدام العسكري،وأفادت الدراسة أن موريتانيا في غرب افريقياصاحبة أقل الامدادات امانا بين 160 دول شملتها الدراسة تليها الكويت والاردن ومصرواسرائيل والنيجر والعراق وسلطنة عمان والاماراتْ.
مع ظهور تنظيم الدولة الإسلامية "داعش " في قلب إقليم الثورات العربي حدث تغير جيوسياسي كبير في المنطقة ، إذ دخل على خط الأزمة المائية لاعب جديد لا يؤمن بقواعد النظام العالمي ولا يتحاكم إلى مؤسساته وهيئاته وآلياته ، لذلك كان من الطبيعي أن يكون ملف المياه أحد أبرز نقاط التوتر في ساحة الأحداث .
ففي إطار عملهم لإقامة دولتهم الجديدة، يدرك قادة تنظيم الدولة أن السلطة السياسية في بلاد ما بين النهرين استندت دائما، وعلى امتداد تاريخها القديم، إلى القدرة على توفير المياه لمواطنيها. لذلك فقد اختاروا موقع العاصمة لدوليتهم بعناية ، حيث يقع المقر الرئيس لتنظيم داعش في الرقة، لا تبتعد أكثر من 40 كلم عن أكبر خزان في سوريا، بحيرة الأسد، أسفل نهر الفرات.
وقد اعتمد اقتصاد الرقة لفترة طويلة على زراعة القطن المروية من قبل هذا الخزان، الذي تشكل خلف سد الطبقة أو الفرات الذي بناه الروس في عام 1973 ويهدف إلى ري حوالي 2500 ميل مربعا من الأراضي الزراعية.
في أغسطس سنة 2015، قاتل تنظيم الدولة بشراسة للسيطرة على أكبر سد في العراق، عبر نهر دجلة في الموصل. كما استولى مقاتلوها على اثنين آخرين عبر نهر الفرات، واحد في الفلوجة والآخر في مدينة حديثة.وقد اتهم تنظيم الدولة الحكومة التركية في أنقرة، بالحجز المتعمد لمياه الفرات من خلال بناء سلسلة من السدود على أراضيها، مما أدى إلى انخفاض منسوب المياه في بحيرة الأسد بنسبة قياسية بلغت ستة أمتار.
ولكن يبقى أن تضييق تركيا الخناق على دول المصب من جيرانها هو أمر حقيقي، وتعمل على تشديد قبضتها في عام 2015، مع انتهاء الأشغال من بناء سد "اليسو" لتوليد الطاقة الكهرومائية المثير للجدل على نهر دجلة )أكبر مشروع مائي في تركيا بعد سد أتاتور ويتألف من 22 سداً و19محطة لتوليد الطاقة الكهرومائية، سيتم إقامتها جميعاً على نهري دجلة والفرات وروافدهما في منطقة جنوب شرقي الأناضول، والذي ينشئ خزانا بسعة 10 مليارات متر مكعب على بعد 30 ميلا، فقط، إلى الشمال من الحدود السورية.
هذا مع الأخذ بعين الاعتبار أن صناعة النفط في العراق تتطلب 1.8 تريليون متر مكعب من المياه سنويا.وقد تبنت أنقرة سياسة خارجية ذكية ومتقدمة لسنوات حتى الآن، وتمتد تأثيراتها في كل مكان من الصومال إلى أفغانستان.
ما يحدث في الأناضول، "فالعثمانية الجديدة" ليست مجرد مواقف سياسية: إنها تشكل حقا المستقبل لهذا الجزء من منطقة الشرق الأوسط.
أما حرب المياه التي تشنها إسرائيل على فلسطين والأردن وعلى مصر بصورة غير مباشرة ، يمكن القول إن هذه القضية هي الأب الكبير لجميع الصراعات حول المياه.
فإسرائيل كانت ومازالت تعاني من مشكلة أزلية في توفير مصادر المياه اللازمة للشرب والري والزراعة، وجل اعتماد إسرائيل في توفير احتياجاتها المائية من بحيرة طبرية وما تسرقه من روافد الأنهار اللبنانية.
وهذا الفقر المائي عرض إسرائيل لخطر التلوث الدائم بسبب ملوثات النفايات الصلبة، من المجاري والمياه العادمة، المحروقات، المواد الخاموالمخلفات الصناعية.وكلها أمور أفسدت مصادر المياه بحيثتصبح غير صالحة للشرب وحتى للري، ناهيك عن الزيادة السكانية نتيجة الهجرة المستمرة إلى الكيان، وارتفاع مستوى المعيشة سوفيؤدي إلى تقليل كمية المياه المتوفرة لكلنسمة وأيضا إلى زيادة التلوث باستمرار، هذا غير مواسم الجفاف المتتابعة والتي ضربت الكيان الصهيوني عدة مرات آخرهم الصيف الماضي، مما جعل الصهاينة يحاولون باستمرار البحث عن مصادر بديلة للمياه من دول الجوار.
فإسرائيل دولة غاصبة تأسست على أساطير واوهام وأحلام ، منها حلم بن جوريون "جعل الصحراء تزهر"، بتحويل نهر الأردن قبل نصف قرن، شرقا وجنوبا نحو صحراء النقب، عبر قناة تسمى "الناقل الوطني للمياه".
كل هذا يأتي على حساب الفلسطينيين، الذين يتهمون إسرائيل بالتلاعب بإمدادات المياه لإخضاعهم. إذ تذهب نحو 85٪ من المياه في الضفة الغربية إلى إسرائيل، وفقا لبعض التقديرات.
وتقول سلطة المياه الفلسطينية إن الإسرائيليين يستهلكون سبع مرات من المياه أكثر من الفلسطينيين، وهذا يشكل حافزا لاستئناف الانتفاضة .
ناهيك عن دخول إسرائيل على خط المواجهة بين مصر وأثيوبيا بسبب " سد النهضة ".

أما أعقد الملفات المائية في هذه الحقبة والتي تنذر بصراعات سياسية طويلة المدى تحفل بمحفزات نشوب صراع عسكري؛ ملف سد النهضة وأضراره البالغة على مصر والسودان . 
فالواقع يشهد بوجود العشرات من بؤر التوتر المحتملة المتعلقة بالسدود حول العالم. ومحكمة التحكيم الدائمة في لاهاي، التي تعالج خلافات المياه الدولية، تقول إن 263 من الأنهار مُتنازع عليها في العالم.
وهناك بالفعل أكثر من 40 ألف من السدود على نطاق واسع حول العالم، تروي ملايين الأميال من الأراضي الزراعية وتنتج خمس الكهرباء في العالم من خلال الطاقة الكهرمائية.إذ إن بناء السدود الضخمة هي الآن من بين أكبر وأغلى المشاريع الهندسية على هذا الكوكب، وأيضا من أكثر أسباب الصراع والتوتر على وجه الأرض .
فأضرار سد النهضة على مصر والسودان أخطر وأكبر مما يتوقع المحللون والمتخصصون ، فعلى الرغم من أنه يوجد بالفعل على طول مجرى النيل 7 سدود، إلا أن سد النهضة يعد من أكبر وأخطر تلك السدود، حيث يبلغ ارتفاعه 145 مترا، وطوله حوالي 1800 متر، وتقدر تكلفة إنشائه بحوالي 5 مليارات دولار، ويقطع السد مجرى النيل الأزرق –أكبر فروع النيل- قرب الحدود مع السودان في ولاية بني شنقول قماز الإثيوبية، وتبلغ سعته التخزينية 74 مليار متر مكعب، أي حوالي مرة ونصف من إجمالي سعة النيل الأزرق من المياه سنويا، وتقدر القدرة المبدئية للسد على توليد الكهرباء بحوالي 6000-7000 ميجاوات، أي ما يعادل 3 أضعاف الطاقة الكهربائية المولدة من محطة سد أسوان الكهرومائية. كما تنوي أثيوبيا إضافة 3 سدود أخرى هيبسعات تخزينية تصل إلى 200 مليار متر مكعب.
ومكمن الخطورة في الفترة اللازمة لملء خزان السد المقدرة سعته بنحو 74 مليار متر مكعب، حتى يمكن للسد العمل بكامل طاقته، وبالطبع تريد إثيوبيا تقليص هذه الفترة لأقصى درجة ممكنة، فبافتراض كون هذه الفترة 5 سنوات مثلا، فهذا يعنى استهلاك السد لـ15 مليار متر مكعب من الماء سنويا على مدار 5 سنوات تخصم من مصر والسودان بنسبة حصتيهما الثلث بما يعنى تناقص حصة مصر السنوية بحوالي 12 مليار متر مكعب على الأقل لتصل إلى “40-43 مليار متر مكعب سنويا”، وهو ما قد يمثل كارثة بالنسبة لمصر التي تصنف كإحدى الدول الفقيرة مائيا، حيث حصة الفرد أقل من 650 متر مكعب من الماء سنويا، أي أقل من ثلثي المعدل العالمي "1000 متر مكعب للفرد"، كما أنه في مقابل كل مليار متر مكعب تناقص من حصة مصر المائية فإنه من المتوقع أن تخسر مصر 200 ألف فدان زراعيكل عام من أعوام التخزين . أيضا سيؤثر السد سلبا على الطاقة الكهربائية المتولدة منه بما يتراوح بين 20 و40%، بحسب خبراء في مجال المياه، مما سيعمق من أزمة الكهرباء التي تعيشها مصر فعليا ودفعتها للتفكير في المحطات النووية .
الدول العربية والإسلامية أمام واحدة من أعقد وأخطر قضايا الأمن القومي، فقضية المياه هي قضية مصيرية، حياة أو موت، وفي نفس الوقت خياراتها الإستراتيجية ضئيلة ومحدودة، ومعدل الأخطار في ارتفاع لأن الحاضر مطالب بالتعامل مع وضع مأزوم تكلس عبر سنوات طويلة، ودفع ضريبة عهود من السياسة الشوهاء في العمق الإستراتيجي الجنوبي، خلقت فراغا جيواستراتيجي نفذ منه أعداء الأمة، وإن محدودية وندرة وتناقص موارد المياه في معظم الدول العربية والظروف الجغرافية والبيئية وتذبذب سقوط الأمطار، وتنامي الاحتياجات المائية تستدعي أن تضع الدول العربية إستراتيجية شاملة للمياه، وإلا فالبديل هو الحرب الشاملة المدمرة التي لا تبقي ولا تذر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق