الأحد، 10 أبريل 2016

رسالة مفتوحة بمناسبة الذكرى الثالثة عشرة لاحتلال العراق


رسالة مفتوحة بمناسبة الذكرى الثالثة عشرة لاحتلال العراق


أصدرت الأمانة العامة رسالة مفتوحة إلى الشعب العراقي في الذكرى الذكرى الثالثة عشرة لاحتلال العراق، وفيما يأتي نصّها:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله، محمد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ها نحن نخاطبكم مرة أخرى أيها العراقيون الصابرون المصابرون في الذكرى الثالثة عشرة للاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق، ونحن نُكابد الأوضاع والظروف والمآسي نفسها بلا تغيير أو تعديل، بل زيادتها واشتدادها، ومن هنا فإننا لن نأتي بجديد في وصف ما يجري في العراق ويقع على أبنائه من مصائب، فقد أوضحنا ذلك كثيرا في رسائلنا وبياناتنا وأدبياتنا السابقة في ذكرى الاحتلال وغيرها، التي طالما أكدت على بقاء المشكلة وتزايد المأساة، وأن التشخيص القديم لم يزل غضا طريا، والاستشراف الذي قدمناه بيانا لما يجري، وعرضا لما ستؤول إليه الأوضاع، ووصفا للعلاج؛ مازال كما هو.
مع زيادة أن رافضيه ومعارضيه والمستخفين به من المتورطين في العملية السياسية، قد أقروا به هذه الأيام، وأخذوا يتبارون في كشفه وفضحه بما لم تحدثنا به أنفسنا، ومعلومٌ هذا فهم أُسُّ الخراب وأدرى به وبتفاصيله، وعادوا هذه الأيام ينقضون غزلهم الخائب، الذي غزلوه بدمائكم ووعود المحتلين المعسولة، وشدوا وثاقه بلُعاب مصالحهم الحزبية والفئوية الخاصة، التي أورثت العراقيين الحرمان والعوز والمرض، وأبدلتهم عن أمنهم خوفا، وعن شبعهم جوعا، وعن أمانهم واستقرارهم رُعبا وتهجيرا، في بلادهم وفي صحارى العالم وبحاره ومنافيه.
أيها الإخوة والأخوات
قلنا سابقا ومازلنا نقول: إن العراق مازال واقعا تحت تأثير احتلالين: (أمريكي مستمر ومهيمن) و(إيراني واقع ومتغول)، ومازال العراق فاقدا لسيادته الوطنية وقراره السياسي وإرادته الحرة فيما يملك، بخلاف من يقول غير ذلك أو يدعي خلاف ما هو واقع فعلا، وأن نواتج القوالب المعوجة لباطل العملية السياسية، مازالت هي الحاكمة والمتحكمة في رقاب العراقيين ومقدراتهم، ودمائهم السائلة نهرا ثالثا جاريا إلى جانب دجلة والفرات، وأن صراع أطراف الحكم فيما بينهم، وتناصرهم على بعض مؤذن بفتن لا أول لها ولا آخر، فهم حين يتوافقون على المصالح والمغانم، يتصالحون ويتصافحون، وتهدأ أصوات تصريحاتهم وتخف لغة تهديداتهم، وحين يختلفون على المصالح الخاصة، وليس على مصالح الوطن والمواطن، تعلو الأصوات بالتهديدات وفتح الملفات، والمطالبة بحقوق المظلومين والمظلومات والمهمشين والمهمشات، والمعتقلين والمعتقلات؛ وهذا عين ما يجري الآن ومطابق لما يحصل، ولا جديد في المشهد يدعو للأمل بهؤلاء.
 أيها الإخوة والأخوات
مازال مشروع إيران التوسعي يتمدد في المنطقة، وليس العراق إلا الحلقة الأولى فيه، وها هو يواصل محاولات التدخل والتخريب في دولها، وها هو الندم أيضا يضرب أطنابه وندفع أتعابه الباهضة، بعد أن طال الصمت على هذا العدوان، فتطاول أرضها وأمنها وحرياتها وثرواتها، وما سوريا واليمن عنا ببعيد، وصدق من قال: ((إن العراق هو الملاذ الوحيد من الجهة الشرقية، وعند حدوده من الشرق يتغير اللون والوجه واللسان، فكأن ذلك جعله حصنا؛ لأن أقل تسامح أو تساهل في هذا الأمر؛ يعرض كيانه للانهيار، وينذر بغلبة الجوار عليه)).
وبناءً على ما تقدم فإن الفرصة سانحة للتفكير بجد فيما يلزم اتخاذه لإنقاذ البلاد والعباد من هاوية منتظرة أكثر عمقا، وأخطر عاقبة، وتستدعي منا جميعا أن نقوم بواجبنا الذي يضمن الخروج بالعراق وشعبه مما هو فيه، والاستعداد للأخطار القادمة؛ لتجاوزها إذا وقعت بأقل قدر ممكن من الخسائر، وبما لا ينتهي بنا إلى التقسيم أو الصراع الدموي ــــ لا سمح الله ـــــ، فثمة الملايين من الأطفال المشردين، والملايين من الأرامل المثقلة، والملايين من المهجرين، والملايين من العاطلين عن العمل، فضلا عن عشرات الآلاف من المعتقلين ومثلهم من المغيبين، الذين لا يعرف لهم طريق؛ كل هؤلاء يتطلعون إلى سماء العراق ويتأملون من الرحمن أن يسعفهم بنخبة من أبنائه تنهي معاناتهم وعذاباتهم.
أيها الإخوة والأخوات
نحن في هيئة علماء المسلمين مازلنا على عهدنا ووعدنا، ونسعى لخدمتكم وتخفيف الأعباء عنكم بما نستطيع، ونرحب بأي عمل جاد، يسير في ضوء الثوابت التي التقت عليها القوى الخيرة في العراق منذ سنين، وما زالت وفية لها، ونتعهد بالحفاظ على هوية العراق ووحدته، وخدمة أبناء شعبه جميعا، ولا يهمنا أن نكون جزءا من هذا العمل أو لا نكون، ولا يهمنا أن يُرجع إلينا في حيثياته أو لا يرجع، فالمهم أن يُخدم العراق وأن تتحقق طموحات أبنائه، وأن يكون هذا العمل مقبولا لدى شعبه على اختلاف أديانهم ومكوناتهم وأطيافهم وأعراقهم؛ لنبرئ ذمتنا أمام ربنا أولا، ثم أمام شعبنا، ونكون عونا لمن يريد إنقاذ العراق، ونضع كل إمكاناتنا وقدراتنا لخدمة هذا الهدف النبيل؛ انطلاقا من ثوابت العمل الوطني المتفق عليها، ومن روح مبادرة (العراق الجامع).
وهنا لابد من إيضاح أمر مهم؛ فقد كنا وعدناكم في مطلع هذا العام بإعلان يتعلق بمشروع العراق الجامع، وقد حولنا الوعد _بفضل الله تعالى_ إلى عمل، وأطلقنا المرحلة الثانية من مشروع (مبادرة العراق الجامع)، وقمنا فيها خلال الشهرين الماضيين، بتحقيق التواصل والتشاور والتحاور مع قوى وطنية عديدة، وفئات مجتمعية مختلفة داخل العراق وخارجه؛ لغرض تفعيل تصور عملي ومجدي للعمل في المرحلة المقبلة.
وقد قطعنا خطوات عملية مهمة في هذه المرحلة من المبادرة، ولمسنا تفاعلا محمودًا من العديد من هذه القوى، والأمور تسير في مسارها الصحيح، وستثمر _إن شاء الله_ عما يعود بالخير على العراق وأهله جميعا وجيرانه والمنطقة، ونتجت عن هذه الحوارات نتائج عدة تراوحت بين التعاون في أعمال مشتركة، أو الاتفاق على أهدف محددة والعمل عليها من عدة اتجاهات، أو التنسيق عالي المستوى بين الجميع في التصدي للمواقف التي تقتضي ذلك.
وستبقى الهيئة مستمرة في التواصل النافع والتشاور الجاد مع الجميع، من: قوى وطنية ونخب مجتمعية وفعاليات شعبية؛ لإنضاج مراحل جديدة من العمل الوطني المبني على أسس صحيحة وسليمة تخدم العراقيين جميعا.
ونؤكد أخيرًا: على حقيقة مهمة لابد من بيانها، وهي إن المسؤولية فيما حدث ويحدث في العراق منذ الاحتلال وحتى الآن؛ هي مسؤولية (الولايات المتحدة الأمريكية) وحلفائها، وأن المجتمع الدولي مسؤول عما جرى طيلة هذه السنوات ويتحمل وزرًا كبيرًا مما جرى ويجري للعراقيين من مآسي وكوارث، وأنه لابد له بمختلف دوائره: جيران العراق، والمحيط الإقليمي، والمحيط الدولي؛ أن يقوموا بواجبهم الأخلاقي للتكفير عن هذا الخطأ الفادح، والعمل الحقيقي من أجل إنهاء معاناة العراقيين.
نسأل الله أن يلطف بالعباد والبلاد ويمن على النازحين والمهجرين بالاستقرار والعودة للديار، وأن يعم السلام ربوع العراق وعموم المنطقة، إنه سميع مجيب الدعاء.

الأمانة العامة
لهيئة علماء المسلمين في العراق
2/رجب/1437هـ
9/4/2016م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق