الأربعاء، 13 أبريل 2016

صادم ومهين


صادم ومهين

فهمي هويدي

الموضوع صادم والشكل مهين. كانت تلك خلاصة انطباعي حين قرأت في عناوين صحف الأحد 10 أبريل أن مجلس الوزراء المصري أصدر بيانا قرر فيه أن جزيرتي تيران وصنافير سعوديتان وليستا مصريتين؛ إذ ليس سهلا أن يستيقظ المرء ذات صباح ليفاجأ بأن ما تعلمه في المدارس وما وقع عليه في الخرائط وما قرأه في النشرات السياحية وما ردده المطربون في بعض الأغاني، ذلك كله غير صحيح.

وتقترن الدهشة بالصدمة حين يجد أن الاكتشاف المثير ورد في بيان لمجلس الوزراء، وكأنه إحدى فقرات الاحتفال بزيارة العاهل السعودي. 

أعني أنه ليس ثمرة جهد الباحثين من أجل التحقيق والعلم، ولكنه قرار انفردت به السلطة وباغتت به الجميع في سياق الحفاوة بالزائر الكبير.
حتى إن صحيفة «نيويورك تايمز» حين نشرت الخبر في اليوم ذاته (10/4) صاغته على نحو يختلف عما أبرزته الصحف المصرية. فكان عنوانها كما يلي: مصر تهدي السعودية جزيرتين؛ تعبيرا عن الامتنان.

لست في وارد تحقيق الواقعة وحسم الجدل الذي فجره القرار في أوساط عموم المصريين، ذلك أن حسم الأمر يتطلب إحاطة بخلفيات الموضوع وأسانيده التي لا تتوفر لي.

 وإن أثار انتباهي في هذا الصدد أن حديث البعض منصب على المراسلات التي تمت مع السعودية بخصوص الجزيرتين في خمسينيات القرن الماضي، في حين لم يشر أحد إلى وضعهما قبل إقامة المملكة السعودية في عام 1932، حيث كانت كل خرائط المرحلة السابقة تدرجهما ضمن الحدود المصرية.

ومن المؤسف أن القرار السياسي وضعنا أمام أمر واقع، بحيث أضعف كل دور للبحث والتحقيق الذي لم يعد له جدوى، بل صار من قبيل الثرثرة في الموضوع التي لا تقدم ولا تؤخر.

بقدر ما كان عنوان إعلان القرار المفاجئ صدمة لي ولغيرى، فإنني شعرت بالإهانة حين قرأت عنوانا آخر تصدر الصحفة الأولى لصحيفة الأهرام في اليوم التالي (11/4) ذكر أن القاهرة أطلعت «تل أبيب» على الموضوع في وقت مبكر. وأن الاتصالات المصرية الإسرائيلية كان محورها توقيع اتفاقية تعيين الحدود البحرية في خليج العقبة، وما يترتب على ذلك من آثار تمس معاهدة السلام الموقعة بين مصر و
«إسرائيل» عام 1979. 

ذلك أني شعرت بغصة حين وقعت على هذا الكلام، إذ أدركت إن السلطة المصرية لم تخف الأمر عن الشعب المصري فحسب، وإنما أطلعت الإسرائيليين عليه قبل عدة أسابيع من إعلانه في القاهرة.

ذلك إن توجيه الرسالة إلى الحكومة الإسرائيلية التي يفترض أنها تولت دراستها؛ لأنها تقتضي تعديلا في معاهدة 1979.
 وذلك أمر ينبغي أن يتم من خلال الكنيست، ثم رد تل أبيب على السلطات المصرية، هذه الإجراءات لا تتم بين يوم وليلة وتحتاج إلى بعض الوقت.

وإذا علمنا أن المداولات بين مصر والسعودية حول موضوع الجزيرتين مستمرة منذ شهر يوليو من العام الماضي أي منذ نحو تسعة أشهر، فلن نبالغ إذا قلنا إن الحكومة الإسرائيلية علمت بالموضوع قبل مجلس النواب في مصر وقبل إطلاع الرأي العام المصري على الخبر.

استهولت هذه النتيجة التي ولدت عندي مجموعة أخرى من الأسئلة التي منها ما يلي:

بماذا يفسر تجاهل المجتمع المصري في أمر بهذه الأهمية؟
 وما هي الجهة المصرية التي تصدت لبحثه وأصدرت قرارها بشأنه؟ وهل هذه الجهة مؤهلة علميا وتاريخيا لحسم الأمر على ذلك النحو؟
وما قيمة توقيع الاتفاق وإعلانه ثم عرضه على مجلس النواب؟
 أما كان ينبغي أن يناقش الأمر في لجنتي الأمن القومي والشؤون العربية على الأقل قبل الإعلان؟
وحين تفاجأ الدولة بالقرار، كيف سيكون موقف ائتلاف دعم مصر أو مجموعة حماة الوطن؟
وألا يعني ذلك أن الدولة ومؤسساتها تم تجاهلها في الموضوع وإن السلطة وحدها، أو إحدى حلقاتها الضيقة هي التي تعاملت مع الملف؟ ثم هل انفراد حلقة السلطة الضيقة بالقرار مقصور على موضوع تعيين الحدود البحرية مع السعودية، أم أنها تتبنى نفس السياسة إزاء ملفات أخرى؟

ثمة تسريبات وهمسات تتحدث عن بلوغ الأزمة الاقتصادية في مصر حد الخطر، وأن مصر قدمت الجزيرتين إلى السعودية في مقابل المساعدات الاقتصادية الكبيرة التي قدمت لها أثناء الزيارة، وهو ما دعا الحقوقي المعروف الأستاذ جمال عيد إلى تدوين تغريدة قال فيها: «تجوع الحرة ولا تأكل بجزرها».

لم أتخلص من الغصة والشعور بالإهانة منذ وقعت الواقعة يوم الأحد الماضي.

لذلك لا أخفي تضامنا مع سيل التغريدات والتعليقات الغاضبة التي تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي.
 وأزعم بأنه كان يمكن تجنب كل ذلك لو أديرت الأزمة على نحو أكثر ذكاء ورصانة، بحيث أشرك المجتمع في الموضوع ولم يتم تجاهله، ولو اتسم إخراجه بكفاءة تحترم الرأي العام، وتعطي انطباعا بأن في البلد أناسا لهم ذكر، وأن زمن الفراعين الذين يتحكمون في المصائر ويصنعونها قد طويت صفحته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق