الأربعاء، 20 أبريل 2016

لا تزعجوهم وهم يقتلوننا

لا تزعجوهم وهم يقتلوننا


 وائل قنديل

كان دم شهيد موقعة كوب الشاي لا يزال ساخناً، عندما كان المتحدث باسم الخارجية المصرية يدلي بتصريحاتٍ أكثر سخونة، ضد سكرتير عام الأمم المتحدة، بان كي مون، يرفض فيها أن تمارس المنظمة الدولية نوعاً من التشويش والإزعاج للسلطة المصرية، وهي تمضي قدما في قتل كل معنى للعدالة وحقوق الإنسان في البلاد.

يقول الخبر إن أحمد أبو زيد، المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، علّق على البيان الصادر عن المتحدث باسم سكرتير عام الأمم المتحدة يوم 19 إبريل/ نيسان 2016، بشأن القضية رقم 173 المعروفة باسم قضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني، مشدّداً على  رفض مصر أية بيانات أو تصريحات من شأنها أن تتدخل في عمل القضاء.
"أبو زيد" الدبلوماسية المصرية عنّف الأمم المتحدة، موجهاً لها لفت نظر شديدا، ومحذّرا من أن تلك البيانات تستهدف التأثير على عمل القضاء المصري وترهيبه، وهو ما لا يتسق مع صلاحيات ومسؤوليات الجهة الصادرة عنها، وإدعائها المستمر باحترام دولة القانون واستقلال القضاء.
جريمة سكرتير عام  الأمم المتحدة، بنظر الخارجية المصرية، أنه أصدر بياناً عبّر فيه من خشيته من أن المتهمين أمام القضاء المصري ربما لا يمنحون حقهم في الاستفادة من إجراءات التقاضي العادلة ومعاييره.
في كل مرة تصدر فيها عن منظمة دولية تصريحات أو بيانات تدعو إلى احترام قيم العدالة وحقوق الإنسان في مصر، تنتفض السلطات المصرية، وترتعد غضباً، ولسان حالها يقول"دعونا نقتل في هدوء"، انطلاقا من تلك الحالة من الانفصال النفسي والمعرفي عن العالم، والتي تجعل حكام مصر يتوهمون أن من حقهم ممارسة أبشع أنواع إجرام السلطة، ماداموا يجلسون تحت مظلة محاربة الإرهاب، وكما عبر عن ذلك، صراحة، جنرال السلطة في لقاءاتٍ ثنائية عديدة، آخرها مع الرئيس الفرنسي، حيث ردّد مقولات مبارك وعمر سليمان المحفوظة، مدّعياً أن قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان لا تصلح لدولة "وليدة" مثل مصر.
 هذا النظام الذي وُصف، منذ البداية، بأنه بلا أي أساس أخلاقي أو سياسي، قام على مغامرة قادها شخص وحيد، ووجدت ميلاً انتقامياً ثنائياً: من قبل نخب قررت الانتقام من أول رئيس مصري منتخب بعد الثورة، لاعتبارات حزبية وأيديولوجية ونفسية وعنصرية..
ومن جانب دولة عميقة عسكرية عرفت كيف تمتطي وجوهاً محسوبةً على الثورة، فاستطاعت تحريك كتلة جماهيرية في إطار ثورة مضادة، نفذت من خلالها انقلاباً عسكرياً مكتمل الأركان وواضح المعالم من المخاض إلى الميلاد.

ومنذ ذلك الوقت، والنظام يمنح نفسه حق الانتفاع بوضعية النظام المبتسر الذي لا يتحمل العيش خارج "حضانة"، ويتهم كل من يزعجه في أثناء ممارسته القتل والتصفية للمعارضين والمناهضين له بأنه عدو له ولمصر، مستفيداً من حالةٍ من صناعة الكذب القومي، اضطلع بها فريق من عجائز الزمن الناصري، تخيلوا أنه بالإمكان استنساخ شخصية جمال عبد الناصر.

وأزعم أن الأيام الحالية تشهد تصدعاتٍ هائلة في بنية النظام، بالنظر إلى احتراق تلك الصورة الخادعة التي رسمها لها مثقفون وسياسيون كاذبون، وهذا التآكل المتسارع في شعبيته وصدقيته لدى المضحوك عليهم، تحت تأثير وابلٍ من القصف الإعلامي المكثف، الأمر الذي يجعل من زيارة الرئيس الفرنسي القاهرة نوعاً من التجارة السياسية، انطلاقاً من قوانين السوق، ودهساً لكل المبادئ والقيم المحترمة التي يتيه بها الغرب علينا.

زيارة هولاند إلى القاهرة تأتي في سياق زياراتٍ لزعماء آخرين، بهدف الحصول منها على ما يريدون من خلال سلطة يرصدون إنها على وشك السقوط، وفي سبيل ذلك، تبدي استعدادها للتنازل عن أي شيء، مقابل بقائها في الحكم، فلماذا لا يغتنمون فرصة هذه التنزيلات والتنازلات الهائلة.
أكرّر، هنا، أن الظروف الدولية والإقليمية والمناخ الداخلي في مصر، بالإضافة إلى تهافت الأداء وركاكته، سياسيا واقتصاديا، كلها عناصر تؤشر إلى أن الحراك المتصاعد في الشارع حالياً يمكن أن يؤدي إلى تحرير ثورة يناير من خاطفيها، غير أن هذا مرهونٌ بالقدرة على التمييز بين راكبي الأمواج والأكتاف والثوار الحقيقيين.
وهذا موضوع آخر. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق