الأربعاء، 13 أبريل 2016

الغل الطائفي يحاصر الفلوجة


الغل الطائفي يحاصر الفلوجة


السيد أبو داود
لم يكن أحد يتخيل أن مدينة كبرى من بلاد الرافدين يتضور أهلها جوعًا، لدرجة أن يموت عدد منهم من قلة الطعام.

لكن هذا هو الحاصل في "الفلوجة" .. مدينة البطولة والصمود، ولو نحن قلنا هذا الكلام وأعددنا تقارير خاصة بنا بهذا الخصوص، لخرج علينا الطائفيون المتطرفون يكذّبون تقاريرنا، لكن من شدة الأزمة ووضوحها فإن الإعلام العالمي هو الذي يتحدث عن مأساة الفلوجة.

فها هي صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية تكتب تقريرًا عن حصار الفلوجة تؤكد فيه أن عشرة مدنيين على الأقل لقوا حتفهم بسبب الجوع، عقب حصار المدينة من قبل الجيش والمليشيات الشيعية منذ نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ونقلت الصحيفة عن مواطنين بالفلوجة قولهم إن الأسعار تصاعدت ولجأ كثير من الناس إلى أكل الأعشاب والحشائش.
وأكدت الصحيفة أن المتاجر والأسواق خالية تمامًا، ونقلت عن أحد المواطنين المحاصرين أنه شاهد مجموعة من المواطنين الجوعى يهجمون على شاحنة تحمل أكياسًا من البطاطس قبل أسابيع عدة، كما شاهد في حادثة أخرى حشدًا من الناس يقتحمون متجرًا قبل أن يتعاركوا على محتوياته وهي كيسين من الدقيق وبعض القوارير من زيت الطبخ.
ونقلت الصحيفة عن مصادر في الجيش ومواطني المدينة قولهم إن الحصار يمنع دخول معظم المواد الغذائية والأدوية والوقود، في محاولة لخنق تنظيم الدولة والضغط على عدة آلاف من المدنيين المتبقيين بالمدينة للخروج منها أو مقاومة من يحتجزونهم داخلها.

قوات الأمن العراقية – التي يسيطر عليها الطائفيون – تكذب وتقول إنها فتحت ممرات آمنة لدخول الطعام للمدينة وللمدنيين للخروج منها، لكن متحدثين باسم الجيش والمليشيات التي تقود الحصار أقروا بأن المدينة محاصرة بالفعل منذ الخريف في إطار الحرب ضد تنظيم الدولة.

قادة المليشيات الطائفية التي تحاصر المدينة يتحججون ويقولون إنه من الصعب عليهم السماح للأطعمة بالدخول للمدينة لأن ذلك يعني التعامل مع "داعش"، لأنها هي التي ستتسلم هذه المواد وتستخدمها.

أما المتحدث باسم وزارة الدفاع العراقية فيطلب من المواطنين الضعفاء المحاصرين ما لا يقدرون عليه، ويقول إن الحكومة لا تستهدف المدنيين، ويدعو المحاصرين إما إلى المغادرة وإما إلى مقاومة محتجزيهم، وهو يعلم أن كلا الطلبين مستحيل، فمقاتلو التنظيم يمنعون المدنيين من المغادرة لاستخدامهم دروعًا بشرية ضد غارات التحالف، وإذا كانت الدولة عاجزة بجيشها وقواتها الأمنية وكل إمكاناتها عن هزيمة "داعش" فكيف تطلب من مواطنين عزل محاصرين أن يفعلوا ما عجزت عنه. ثم إن هؤلاء الضعفاء لا يستطيعون التغلب على مقاتلي التنظيم ومغافلتهم والخروج من بين صفوفهم.
لو صدقت النوايا واختفت الأحقاد الطائفية الانتقامية لتم فتح ممرات آمنة لدخول الغذاء والدواء، ولكن القوم لا يريدون ذلك، إنما يريدون الإجهاز على ما تبقى من هذه المدينة التي عز عليهم كسر كبريائها وإذلالها.

فالفلوجة تحاصر اليوم لتصفية حسابات قديمة ولوقوفها الباسل في وجه الاحتلال الأمريكي وخوضها معركتين سجلهما التاريخ ضد الأمريكان، ومن يومها والسادة والأتباع يحاولون دومًا الانتقام من المدينة الباسلة.

ولعل هذا هو ما جعل عدد من مثقفي وعلماء محافظة الأنبار العراقية؛ بينهم العلامة عبد المالك السعدي، يوجهون الاتهام للحكومة العراقية بالامتناع عن إغاثة مدينة الفلوجة، وقالوا في بيان لهم: إن أكثر من عشرة آلاف قتيل وجريح من سكان المدينة سقطوا مؤخرًا. ودعوا المجتمع الدولي للتحرك سريعًا وإنقاذ سكان المدينة المحاصرة.
وإزاء شيوع المأساة ووصولها إلى كل مكان في العالم، لم يجد البرلمان العراقي بدًا من إعلان محافظة الأنبار منطقة منكوبة، وقال أعضاء البرلمان العراقي عن محافظة الأنبار إن هذا يأتي نتيجة انهيار البنية التحتية في كافة القطاعات بالمحافظة، وطالبوا المجتمع الدولي بتقديم الدعم المادي لأهالي المحافظة.
وإذا كان المتفائلون يرون أن قرار البرلمان له جوانب معنوية، وسيلزم الحكومة بضرورة الإسراع في بنائها وتقديم الخدمات الأساسية للمدينة، فإن هذا عشم بعيد من حكومة غارقة في الطائفية وتريد الانتقام من قطاع من شعبها.
وهكذا وقعت المدينة الباسلة بين فكي الرحى، فمن الداخل حصار "داعش" ومن الخارج حصار مليشيات "الحشد الشعبي" الطائفية، التي تتلقف الذين تمكنوا من الهرب والخروج لتقتلهم بحجة إنهم داعمون لـ"داعش" ومتعاونون معهم.
ويزداد الغل الطائفي برفض السلطات الأمنية في بغداد السماح لنازحي محافظة الأنبار جميعهم بدخول العاصمة بغداد من دون كفيل، الأمر الذي يعقّد معاناة عشرات آلاف النازحين ويجبرهم على البقاء في مخيمات بالقرب من بغداد.
والنازحون ليسوا أعدادًا قليلة تحصى بالعشرات أو المئات، ولكنهم سواد سكان المحافظة الذين يحصون بمئات الآلاف، فوفق إحصاء أممي فإن أكثر من نصف مليون شخص نزحوا من الأنبار هربا من المعارك منذ الأول من أبريل/نيسان 2015م فقط، يقيم معظمهم في مخيمات لجوء تفتقر لأبسط مقومات الحياة.
ولمن لا يعلم فإن الأنبار السنية تشكل 33% من مساحة العراق، وبدلاً من تنميتها والنهوض بها، فإنه تحت الحكم الطائفي الشيعي المتطرف منذ عام 2003م، فإنه جرى تدمير البنية التحتية لهذه المحافظة بشكل كبير، بالإضافة لتدمير أغلب منازل المدنيين وتهجير مئات الآلاف منهم.
وإذا كانت الحكومة الطائفية في بغداد تخطط حاليًا لدخول الفلوجة وطرد "داعش" منها، فإن الكارثة ستكتمل بدخول ميليشيا الحشد الشعبي في المدينة، فمثلما حدث في تكريت وفي المناطق التي تم نزعها من سيطرة "داعش"، سيتم قتل الناس بحجة حبهم لـ"داعش" وتعاونهم مع التنظيم كما يجري هدم المنازل وإشعال النار في المحلات التجارية والممتلكات.
ولا يمكننا وصف الحالة التي يعيشها المحاصرون في فلوجة الصمود سوى باستحضار المشهد الذي هز العالم أجمع وهو مشهد السيدة العراقية التي لم تجد مخرجًا من المدينة سوى برمي نفسها وأطفالها الثلاثة – بعد أن ربطتهم بخصرها – في نهر الفرات، لعلهم يستطيعون النجاة، ولكن هيهات، فقد ماتت المرأة وأولادها في مشهد هز العالم ولكنه لم يهز أركان الدولة العراقية الطائفيين المتطرفين.
وفوق هذه المأساة فإن القصف مستمر على المدينة بحجة أن بها مقاتلي "داعش"، وتكون النتيجة أن المقاتلين يعرفون كيف يختبئون وكيف يردون على القصف، أما الضحايا فهم من المدنيين المحاصرين في المدينة الذين لا يستطيعون سبيلاً.
إزاء ذلك كله لم يبق في المدينة إلا أكثر من مائة ألف مواطن مدني محاصر، يصب فوق رؤوسهم الغل الطائفي صبًا بشكل يومي، فالحكومة العراقية تتآمر على الفلوجة، وتريد أن تبيد المدينة تمامًا، خاصة وأنها لا تأتمر بأوامر مستقلة لكنها تأخذ أوامرها من إيران وتنفذ أجندات خارجية، في ظل سماحها ورضاها وإشرافها على 45 ميليشيا بـ"الحشد الشعبي"، تقتل أهل السنة والجماعة في كل مكان، والجيش العراقي أصبح اليوم مجموعة من الميليشيات يقتلون أبناء شعبهم، وينفذون المجازر اليومية بحقه، وهكذا فإن ما يحدث في الفلوجة إنما هو إبادة جماعية، والعرب والعالم يعلمون ويشاهدون ولكن الجميع لا يتحركون.
القصة كلها يلخصها كثير من قادة "الحشد الشعبي" الإرهابي الطائفي، ومنهم الإرهابي أبو مهدي المهندس "جمال جعفر" الذي أوعد وأربد وهدد ودعا لتدمير الفلوجة على رؤوس أهلها الكرام بعد أن وصفها بكونها "رأس الأفعى"وهو نفس تصرف وأسلوب الإرهابي هادي العامري قائد قوات "الحشد الشعبي" الذي وعد جماهيره بصلاة العيد قبل عام مضى في الفلوجة وعلى جثث أهلها!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق