في عام 1971، سحبتْ بريطانيا قوّاتها العسكريّة من مناطق واقعة في "شرق السويس"، ممّا حدا بـ "إمارات الساحل المتصالح" إلى تأسيس دولة الإمارات العربية المتّحدة القائمة حالياً.
واليوم، وبعد مرور 45 عاماً على الانسحاب البريطاني من المنطقة، يركز هذا البلد العربي اهتمامه بشكل متزايد على استعراض قوّته العسكرية في منطقة غرب قناة السويس.
وقد أدّت الأحداث الأخيرة التي شهدتها الساحة العربية، كـ "الربيع العربي" الذي انطلق في عام 2011، وثقة إيران المتنامية وإفلاتها من العقوبات النووية، بالإضافة إلى صعود تنظيم «الدولة الإسلامية» («داعش»)، إلى ترسيخ قناعةٍ لدى القادة الإماراتيين بضرورة تفعيل دورهم من أجل إدارة المخاطر التي يواجهها اتّحادهم.
وقد أدى ذلك إلى تحفيز هذه الدولة الخليجية الصغيرة في الآونة الأخيرة إلى إنشاء أوّل قاعدةٍ عسكرية لها خارج حدود شبه الجزيرة العربية وتحديداً في ميناء عصب الإريتري الذي تمّ بناؤه خلال العام الماضي فتحوّل من صحراءٍ قاحلة إلى قاعدةٍ جوية حديثة وميناءٍ عميق المياه ومنشأةٍ للتّدريب العسكري.
ومن المثير للاهتمام إستعراض التطوّر الذي واكب العمليات الإماراتية السريعة في الخارج. ففي ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، أرسلت الإمارات العربية المتّحدة قواتٍ لنزع الألغام إلى لبنان، وشاركت قوّاتها المسلّحة ضمن قوات حفظ السلام في الصّومال، ودعمت تدخّل حلف شمال الأطلسي في كوسوفو عبر نشر سربٍ من مروحيات هجومية من طراز" أباتشي".
أما في بداية الألفية الثالثة، فقد زوّدت دولة «الإمارات» لبنان بمروحياتٍ هجومية كاملة التسليح وجهّزت القوات الحكومية اليمنية بعربات مدرعة وأسلحة لمحاربة التمرّد الحوثي في شمال البلاد. وعلى مدى إثني عشر عاماً شاركت قوات إماراتية خاصة وقوات دعم الإستقرار ضمن "قوة المساعدة الأمنية الدولية" ["قوات المساعدة الدولية لإرساء الأمن في أفغانستان"] ("ايساف") التّابعة لحلف شمال الاطلسي.
وفي أعقاب "الربيع العربي" في عام 2011، أرسلت دولة «الإمارات» قواتها المسلّحة لمشاركة الجيش السعودي في إعادة الاستقرار إلى العاصمة البحرينية المنامة.
وتزامناً مع الحملة المحلية التي شنّت ضد عناصر «الإخوان المسلمين» في دولة «الإمارات»، تدخّلت القوات العسكرية الإماراتية في ليبيا من أجل دعم القوميين والميليشيات القبلية ضدّ نظام معمّر القذافي، والمتشدّدين السلفيين، ومؤخراً ضدّ تحالف مجموعة ميليشيات إسلامية متمركزة في طرابلس وتُعرف بإسم "فجر ليبيا".
وقد رحّبت دولة «الإمارات» بالإنقلاب العسكري الذي أسقط حكومة «الإخوان المسلمين» في مصر عام 2013، ودأبت منذ ذلك الحين على توطيد علاقاتها العسكرية مع القاهرة، بما في ذلك شن غارات جوية مشتركة من قواعد جوية مصرية إلى داخل ليبيا، وتدريبات بحرية، وتزويد مصر بطائرات مكافحة التمرّد من طراز "IOMAX AT-802U" التي تملكها الإمارات بهدف دعم الحملة التي أطلقتها مصر ضدّ تنظيم «الدولة الإسلامية» في سيناء.
في البحر الأحمر: خسارة جيبوتي، ومكسب إريتريا
بعد ذلك، حوّلت الإمارات أنظارها إلى "القرن الأفريقي" والمحيط الهندي. ويُعزى ذلك إلى تدخّلها الحازم في اليمن الذي بدأ عندما أطيح بالرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي من قبل مجموعة من المتمردين الحوثيين من عدن، الأمر الذي دعا الرئيس هادي إلى مناشدة [الدول الخليجية] بالتدخل عسكرياً في بلاده باستناده على مبدأ الدفاع عن النفس المنصوص عليه في المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة، وكذلك ميثاق جامعة الدول العربية. وفي 26 آذار/مارس، أعلنت المملكة العربية السعودية بدء عملية "عاصفة الحزم" - العملية العسكرية العربية التي أُطلقت لوقف زحف المليشيات الحوثية في اليمن.
في البداية، سعت المملكة العربية السعودية ودولة «الإمارات» إلى استخدام جيبوتي، التي تقع مباشرة عبر خليج عدن، من أجل دعم عملية تحرير عدن، ولكن شاء القدر أن يتدخل في ذلك. ففي أواخر نيسان/أبريل 2015، أدّت مشادةٌ كلامية بين رئيس "سلاح الجو الجيبوتي" ودبلوماسيين إماراتيين إلى إفساد العلاقات بين البلدين، بعد أن حطّت طائرة إماراتية كانت تُشارك في الضربات الجوية لتحالف "عاصفة الحزم" في اليمن، في "مطار جيبوتي الدولي" من دون ترخيص. وقد تطوّرت تلك المشادة بالفعل إلى تضارب بالأيدي تلقّى خلالها نائب القنصل الإماراتي علي الشحي لكمةً أدّت إلى نشوب نزاع دبلوماسي بين البلدين. وسرعان ما تفاقمت حدّة الخلاف في ظلّ التوتر الذي كان مخيًّماً في السابق على العلاقة بين البلدين على خلفية نزاعٍ قانوني استمرّ فترةً طويلة حول عقدٍ لـ "محطة حاويات دوراليه"، وهي أكبر ميناء للحاويات في أفريقيا تديرها "شركة موانئ دبي العالمية" التي تشغّل "المحطات البحرية الإماراتية" التي مقرها في دبي، وتُعتبر واحدة من أكبر أصول القوة الناعمة في الإمارات. وفي 4 أيار/مايو 2015، قطعت الإمارات العربية المتحدة وجيبوتي رسمياً العلاقات الدبلوماسية بينهما وأقدمت جيبوتي على طرد القوات السعودية والإماراتية من منشأةٍ كائنة في منطقة هراموس المجاورة لـ "معسكر ليمونييه"، وهي قاعدةُ (تستخدمها "القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا" و"قوة المهام المشتركة في القرن الأفريقي") كان قد أنشأها في السابق "الفيلق الأجنبي الفرنسي" واستأجرها في مطلع شهر نيسان/أبريل تحالف دول الخليج لدعم عملياته في اليمن.
ولكن، كان للمملكة العربية السعودية ودولة «الإمارات» بديلاً لجيبوتي في متناول اليد، هي إريتريا المجاورة والمنافسة الإقليمية لجيبوتي التي تضمَ موانئ بدائية على البحر الأحمر تبعد 150 كيلومتراً شمالاً. ففي 29 نيسان/أبريل، اليوم الذي صادف فيه طرد جيبوتي للقوات الخليجية من أراضيها، أجرى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس الإرتري اسياس أفورقي جلسة مباحثات أسفرت عن اتفاق تعاون عسكري وأمني مع دول الخليج منحها حق إقامة قواعد عسكرية لها في إريتريا. وفي وقتٍ سابق من ذلك العام، كانت وفود رفيعة المستوى من «مجلس التعاون الخليجي» قد التقت بمسؤولين إريتريين للبحث في امكانية استخدام إريتريا كقاعدة للعمليات العسكرية. وبالفعل، كانت إريتريا الورقة الرابحة للسعودية إذ عوّضت في غضون أيامٍ قليلة وبسهولةٍ بالغة عن خسارة جيبوتي، وهي خسارة كانت لتشكّل خطراً استراتيجياً محتملاً من شأنه أن يقف حجر عثرة أمام الحملة المناهضة للحوثيين.
بناء في عصب
وقّعت دولة الإمارات العربية المتحدة عقد ايجار لمدة ثلاثين عاماً كجزءٍ من اتفاقية الشراكة المبرمة، لغرض إقامة قاعدةٍ عسكرية للإمارات في ميناء عصب العميق وغير النشط ومطار عصب المجاور الذي يتميّز بسطحه الصلب ويضمّ مدرجاً يمتد على طول 3500 متر قادراً على استقبال طائرات نقلٍ ضخمة، من بينها طائرات "بوينغ سي-17 غلوب ماستر 3" التي يقودها السلاح الجوي الإماراتي. كما وافقت دول الخليج على تقديم حزمةٍ من المساعدات المالية وتعهّدت بتحديث "مطار أسمرة الدولي"، وإنشاء بنيةٍ تحتية جديدة، وزيادة إمدادات الوقود إلى إريتريا.
وكانت العمليات الأولى في عصب متسرعة ولكنها فعالة. ففي 13 نيسان/أبريل، نقلت طائرة "بوينغ سي إتش-47 تشينوك" فريقاً مؤلّفاً من ثمانية عناصر من مشغّلين خاصين في "الحرس الرئاسي" الإماراتي و"مراقبي الهجوم النهائي المشترك" (JTACs) إلى وسط شبه "جزيرة عدن الصغرى"، التي تحوي مصفاةً وصهاريج لتخزين النفط. وقد أوعِزَ إلى تلك القوات شنّ غارات جوية والقيام بمهمات إطلاق النار البحري، مما مكّن القوات الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي ولجان المقاومة الشعبية المحلية في عدن من التمسّك بجيبين دفاعيين والبحر من ورائها. كما قامت سفن إماراتية بإنزال قوات أمن سعودية وإماراتية، بالإضافة إلى ميليشيات محلية درّبتها دولة «الإمارات» في الجيبين الدفاعيين في شهر أيار/مايو.
وقد أتاح شريان الحياة البحري الذي يغذّيه كلّ من ميناء عصب وقاعدة عصب الجوية، قيام القوات الموالية للهادي باستعادة عدن في إطار "عملية السهم الذهبي"، في آب/أغسطس 2015. فقد تنقّلت سفن الإنزال والسفن التجارية المستأجرة الإماراتية بين القاعدة الإماراتية البحرية الجديدة في الفجيرة على خليج عمان، وميناء عصب البدائي، كما شوهدت طائرات من طراز "سي-17" و"سي-130" تابعة لـ "سلاح الجو الإماراتي" في "مطار أسمرة الدولي" في العاصمة الإريترية. وبحلول أواخر تموز/يوليو 2015، انتهى العمل من بناء مطار عصب، وبدأت القاعدة تُستخدم كمنطقة دعمٍ لوجستي ومنصةٍ للمدرّعات الإماراتية بحجم لواء التي سوف تتقدّم كرأس الحربة في عملية تحرير عدن. وقد ضمّ هذا اللواء سربين لدبابات القتال الرئيسية من طراز "لوكليرك" وكتيبة من عربات المشاة القتالية من طراز "بي ام بي- 3" وبطاريتين من مدافع "الهاوتزر ج6". كما عمدت الإمارات إلى نقل قوةٍ ضاربة مؤلّفة من 1500عنصرٍ من القوات اليمنية على متن مدرّعاتٍ قامت الإمارات بتزويدها، بعد أن انتهت من تدريبهم وتجهيزهم في عصب.
وفي منتصف تموز/ يوليو 2015، بدأت مجموعات القتال الإماراتية تهبط في محطة النفط الكائنة في "عدن الصغرى"، وقامت سفن الإنزال الإماراتية من "فئة الفطيسي" وغيرها، بما في ذلك سفينة البحرية الأمريكية السابقة "سويفت"، بالتنقّل بين ميناء عصب وعدن. وفي تشرين الأول/أكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر 2015، اسْتُخدمت عصب كمركزٍ لوجستي لنشر ثلاث كتائب آلية ضمّت كلٌّ منها 450 عنصرٍ سوداني إلى عدن. ومن بين هذه الكتائب، قطعت كتيبتان سودانيتان مسافةً طويلة من كسلا الكائنة على الحدود بين السودان وإريتريا وصولاً إلى ميناء عصب، وأبحرتا إلى عدن على متن سفن إماراتية. واسْتُخدم ميناء عصب أيضاً كقاعدة لفرض حصار بحري على مينائي المُخا والحُديدة على البحر الأحمر، حيث قام العديد من السفن البحرية الإماراتية، بما فيها طرادات جديدة من "فئة بينونة" وسفن "رماح" اللوجستية، بالرسو في الميناء بين أواخر عام 2015 وعام 2016. ومنذ الهجوم الذي شُنّ على معاقل تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» في حضرموت في نيسان/أبريل 2016، كان عصب أيضاً بمثابة مركز لعبور السفن الإماراتية من أجل إمداد المُكَلا بالمساعدات الإنسانية ومواد إعادة الإعمار، من بينها مولدات الكهرباء والوقود.
محور جوي رئيسي وقاعدة تدريب
أدى التوسّع الكبير الذي شهده مطار عصب إلى تحويله من موقع تشغيلٍ أمامي متقشّف إلى قاعدةٍ عسكرية قوية هي الأولى للإمارات خارج حدود الاتحاد. وقد ضاعفت القوات الإماراتية مساحة المدرج وأقامت برجاً لمراقبة الحركة الجوية وحظائر جديدة.
وفي أوائل 2016، استضاف المطار عدّة مروحياتٍ هجومية من طراز "أباتشي" تابعة لـ "قيادة الطيران المشتركة الإماراتية"، بالإضافة إلى مروحياتٍ "تشينوك" و"بلاك هوك" و"بيل 407MRH" التابعة لـ "قيادة العمليات الخاصة" في "الحرس الرئاسي" والتي تقوم بعمليات جوية فوق جنوب غرب اليمن. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2015، بدأت أيضاً المقاتلات الحربية من طراز "AT-802" ذات المحرّكات التوربينية من "مجموعة 18" التابعة لـ "قيادة العمليات الخاصة الإماراتية"، بتنفيذ طلعاتٍ هجومية فوق "مضيق باب المندب" انطلاقاً من عصب. وقد جرى تدريب الطيارين الجدد في سلاح الجو اليمني على مروحياتٍ تبرّعت بها الإمارات العربية المتحدة، وجرى التدريب في عصب، قبل نقلهم في تشرين الأول/أكتوبر 2015 إلى "قاعدة العند الجوية" شمال عدن.
ومن جهةٍ أخرى، تمّ بناء مساكن داخل حاوياتٍ ومدينةٍ ضخمةٍ من الخيام لإيواء الجنود حيث كانت القاعدة العسكرية قيد التطوير لتدريب عناصر قوات مكافحة الإرهاب اليمنية وتجهيزها من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة، بهدف تحرير مدن يمنية جنوبية مثل المكلا التي وقعت في قبضة تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب». [وبالفعل]، تم نقل وحدات من قوة عدن لمكافحة الإرهاب والمشاة المتنقّلة الخاصة بـ "اتحاد قبائل حضرموت" إلى مدينة عصب لتتلقى تدريبها وتجهيزها من قبل دولة «الإمارات». إن حجم هذه البرامج التدريبية وسرعتها هما مثار للإعجاب: فقد خضعت وحدات جديدة للتدريب باستخدام مركباتٍ تكتيكية قامت دولة «الإمارات» بتقديمها، ثمّ أعيد نقلها إلى عدن لشنّ الهجوم ضد تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» في أيار/مايو الماضي. وبقي الأسطول الإماراتي المختلط بحجم كتيبة متمركزاً في قاعدة عصب طوال فصلي الربيع والصيف من عام 2016، الأمر الذي سمح للجنود الإماراتيين من الأسطول المماثل في الحجم والذي يُشارك في تنفيذ ضربات ضدّ تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» في اليمن بالتناوب إلى موقع قريب للاستراحة والتعافي.
وفي أواخر 2015، بدأت الإمارات العربية المتحدة ببناء مرافق جديدة لميناء المياه العميقة على الساحل المجاور مباشرة لمطار عصب، وبذلك انتفت حاجة القوافل العسكرية الإماراتية إلى عبور مدينة عصب خلال تنقلاتها بين القاعدة الجوية والميناء البحري الذي يقع على بعد عشرة كيلومترات جنوباً. وفي أواخر العام نفسه، باشرت السفن الخاصة بـ"شركة الجرافات البحرية الوطنية الإماراتية" عملها. وبحلول شهر أيار/مايو 2016، تم حفر شريطٍ ساحلي وجَرفه على مساحة 60,000 متر مربع، وأقيم رصيفٌ بحري امتدّ على طول 700 متر. فضلاً عن ذلك، قامتْ القوات الإماراتية بتوسيع المحيط الأمني الذي يحتضن مرافق المطار والميناء، وأعادتْ تحديد مسار الطريق السريع الساحلي "P-6" بين عصب ومصوع حول المحيط الخارجي للقاعدة العسكرية.
البصمة الإماراتية المتنامية في القرن الأفريقي
على الرغم من أنّ المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة قد تعاونتا في مشاريع أمنية كبرى مثل التدخّل العسكري في المنامة في عام 2011 وحرب اليمن منذ عام 2015، إلّا أنّ هاتين القوتين العسكريتين الخليجيتين البارزتين تتنافسان في مجالات أخرى. فالمملكة العربية السعودية تتفوّق بأشواط على دولة «الإمارات» من حيث عدد السكان وإنتاج النفط والإنفاق على الدفاع، بينما الإمارات عاقدة العزم على الانخراط في مشاريع تفوق قدراتها. وفي اليمن، تتباين أهداف هاتين الدولتين الخليجيتين بعض الشيء، ففي حين يدعم السعوديون ميليشيات إسلامية ضد الحوثيين في الشمال، تُركز الإمارات على التصدّي لتنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» في جنوب البلاد.
في منطقة القرن الأفريقي أيضاً، ثمة دلائل أخرى تكشف عن أوجه المنافسة بين البلدين. ففي تشرين الأول/أكتوبر 2015، قامت المملكة العربية السعودية باحتواء الخلاف مع جيبوتي واستعادت نتيجة ذلك حق العودة إلى المطار الكائن في كامب ليمونييه بينما حصلت جيبوتي على زوارق دورية ومروحيات وأسلحة وسيارات إسعاف قامت السعودية بالتبرّع بها. وفي آذار/مارس 2016، كانت المباحثات جارية على قدمٍ وساق بين الرياض وجيبوتي لتوقيع اتفاق أمني ثنائي شامل يتضمّن إعادة إنشاء قاعدة عسكرية سعودية طويلة الأمد في جيبوتي.
ويبدو أن الإمارات تتبنى نهجاً يقوم على قاعدةٍ أوسع في القرن الأفريقي وشرق أفريقيا ومنطقة المحيط الهندي. فلطالما كانت أبو ظبي متبرّعاً سخيّاً وخير مستثمرٍ في الدول الجزرية في المحيط الهندي مثل جزر سيشل وجزر المالديف وموريشيوس ومدغشقر وجزر القمر، حيث قامت البنوك والمؤسسات الاستثمارية الإماراتية الكبرى بدعم السياحية والموانئ والمشاريع الإنسانية. كما أنّ منطقة شرق أفريقيا هي أيضاً محطّ اهتمام دولة «الإمارات»، لا سيما في مجالات الغاز الطبيعي والموانئ والأمن الغذائي. ومن أجل دعم سياسة دولة الإمارات العربية المتحدة في المحيط الهندي وشرق أفريقيا وتطويرها وتوسيعها، كان لا بدّ لها من الانخراط في علاقات تعاونٍ أمني مع مجموعة من دول القرن الأفريقي تهدف إلى الحدّ من عدم الاستقرار ونمو الميليشيات الإسلامية في المنطقة.
والصومال هي خير مثال على ذلك. ففي أوائل أيار/مايو 2015، وسّعت دولة «الإمارات» شراكة التدريب والتجهيز المستمرة منذ منذ أمد طويل مع وحدة مكافحة الإرهاب و"جهاز الامن والمخابرات الوطني" في الصومال، حيث تمّ افتتاح مركز تدريبٍ جديد بتمويل إماراتي في مقديشو وقامت مجموعة من عناصر القوات الخاصة الإماراتية بتدريب عدّة وحدات من قوات المغاوير الصومالية. وفي أواخر أيار/مايو 2015، زوّدت الإمارات "إدارة جوبا المؤقتة" في مدينة كيسمايو الصومالية بمجموعةٍ من "مركبات مقاومة للألغام ومحمية من الكمائن" من طراز "RG-31 Mk. V" ومركبات أخرى من طراز "تويوتا لاند كروزر"، أعقبتها في شهر حزيران/يونيو شحنة من ناقلات الجند المدرعة من طراز "Reva Mk. III" وشاحنات ناقلة للمياه ودراجات نارية للشرطة لصالح "وزارة الأمن الداخلي والشرطة" التابعة للحكومة الاتحادية الصومالية. وفي تشرين الأول/أكتوبر 2015، تعهّدت دولة «الإمارات» بدفع رواتب قوات الأمن الحكومية الاتحادية الصومالية على مدى أربع سنوات.
وقد تودّدت دولة «الإمارات» أيضاً إلى منافس الصومال الإقليمي، منطقة "أرض الصومال" (أو صوماليلاند) المستقلة. ففي أيار/مايو 2016، فازت "شركة موانئ دبي العالمية" بعقدٍ مدته ثلاثين عاماً لإدارة ميناء بربرة وتوسيعه ليصبح مركزاً إقليمياً للخدمات اللوجستية، الأمر الذي أدّى إلى كسر احتكار جيبوتي الظاهري القائم على الشحن الاثيوبي عبر "محطة حاويات دوراليه"، وذلك من خلال التطوير المشترك لـ "ممرّ بربرة" كطريقٍ لوجستي بديل قامت به "أرض الصومال" وإثيوبيا. ويُقال أيضاً إن دولة «الإمارات» تسعى إلى الوصول إلى ميناء بربرة ومهبط الطائرات فيه من أجل دعم عملياتها في اليمن، وقد تُقدم حزمة من المساعدات المالية إلى "أرض الصومال" وتقوم ببناء مركز للتدريب العسكري فيها.
وفي "أرض البنط" (أو بونتلاند) أيضاً، وهي منطقة حكم ذاتي في شمال شرق الصومال، موّلت دولة «الإمارات» "قوات الشرطة البحرية في أرض البنط "[أو "قوات الشرطة البحرية"] التي شُكّلت في عام 2010 لمواجهة ظاهرة القرصنة البحرية من خلال برنامج تدريبي لمكافحة القرصنة قدّمته سلسلة من شركات الأمن الخاصة، الأمر الذي أثار بعض الجدل. وتُشغّل "قوات الشرطة البحرية في أرض البنط" عدّة قواعد في بوساسو، وهو الميناء الرئيسي لبونتلاند على ساحل خليج عدن، وفي إيل الواقعة على ساحل المحيط الهندي. ويشغّل الجناح الجوي لـ "قوات الشرطة البحرية" ثلاث طائرات من طراز "أيرزS2R ثراش" وطائرة هليكوبتر من طراز "ألوات III" تبرّعت بها جميعاً دولة «الإمارات». كما تقوم الإمارات بتمويل "وكالة الاستخبارات في أرض البنط" وتدريب عناصرها. ويبدو أن الاستثمار الإماراتي في "أرض البنط" و"أرض الصومال" قد أتى بثماره، إذ قطع الطريق على إعادة الشحن الإيرانية في مواقع معروفة مثل بوساسو وبربرة، عندما سعى الحصار البحري الذي فرضه تحالف دول الخليج إلى اعتراض عمليات تهريب الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين.
هل دنت ساعة قطف الإمارات العربية المتحدة ثمرة جهودها في "غرب السويس" ؟
إلى جانب تطوير علاقة عسكرية أوثق بين مصر والسودان، فإنّ بناء قاعدة عسكرية إماراتية رئيسية في إريتريا تمتدّ على مدى عدة عقود كفيلٌ بمنح الإمارات دوراً رائداً في حماية الممرات البحرية في السويس وباب المندب. وقد تبدأ دولة «الإمارات» في البروز كلاعبٍ قوي في منطقة القرن الأفريقي وشرق أفريقيا وغرب المحيط الهندي. وعلى غرار الإمبراطوريات التجارية السابقة بدءً من البرتغالية ووصولاً إلى العمانية، تبذل الإمارات جهوداً حثيثةً لكي تصبح لاعباً مهماً على طول الساحل الشرقي لأفريقيا، من خلال انتهاجها سياسة تقوم على مزيجٍ من القوة العسكرية الحاسمة ومقاربات القوة الناعمة.
ثمّة مؤشّر آخر يدلّ على إمكانية أن تصبح دولة «الإمارات» محرّكاً أساسياً له تأثيره القويّ على توازن القوى في المنطقة، يكمن في رفع قدرات القوات اليمنية الكبيرة وتسليحها جيداً في قاعدة عصب. ففي غضون بضعة أشهر فقط قامت الإمارات بتدريب بضعة آلاف من عناصر المشاة المتنقلة وتجهيزها، وجرى نقلها على متن "مركبات مدرّعة مضادة للكمائن والألغام" ["أو مركبات مقاومة للألغام ومحمية من الكمائن"] وتزويدها بأسلحة متقدمة مضادة للدبابات. ولطالما كان النصر حليف مثل هذه القوات المدمجة والمتماسكة والمدعومة من قبل قوة جوية خارجية وقوات خاصة في كثيرٍ من الصراعات الإقليمية. وقد يكون لذلك انعكاساته أيضاً على النضال ضد جماعات متطرّفة محلية، مثل حركة "الشباب"، التي قد تحوّل الإمارات أنظارها إليها في المستقبل. وقد يكون للتعاون الأمني الإماراتي إنعكاسات على صراعات إقليمية وحروب أهلية أخرى، لا سيما فيما يتعلق بقدرة الإمارات على تقديم أعداد كبيرة من المركبات الحديثة والأسلحة إلى القوات العسكرية التي تشارك في حروب بالوكالة. وبالتالي، قد تبدأ دولة «الإمارات» بالإضطلاع بدور صانع الملوك في جميع أنحاء المنطقة.
أما الأثر المحتمل النهائي، فيتجلّى في تعزيز الموقف الإماراتي الرادع ضدّ إيران. فالتدّخل العسكري في اليمن كان موجّهاً بطريقة غير مباشرة إلى إيران، في مسعى حثيث من قبل دول الخليج، التي وفقاً لنظرتها، لمنع الحركة الحوثية التي تدعمها إيران من بسط سيطرتها على اليمن. وقد أدّت القاعدة البحرية والجوية الإماراتية في عصب دوراً حاسماً في محاصرة الموانئ التي سيطر عليها الحوثيون على البحر الأحمر ومنع إيران من إعادة تزويد المتمردين بالأسلحة. وعلى مدى العامين الماضيين، ازداد الصخب حول إمكانية تطوير إيران لقدرات "المياه الزرقاء" البحرية التي قد تسمح لطهران باستعراض قوتها العسكرية في غرب المحيط الهندي والبحر الأحمر. وفي الواقع، كانت دولة «الإمارات» هي التي حققت ذلك أولاً، حيث أقامت البنية التحتية الأساسية لمواصلة العمليات من خلال منصات قتالية قويّة مثل الطرادات من "فئة بينونة".
وبالإضافة إلى دور القواعد العسكرية مثل قاعدة عصب في تقويض التوسّع البحري الإيراني، فقد تسهم أيضاً في منح الإمارات عمقاً استراتيجياً في أيّ صراعٍ مستقبلي مع إيران، إن كان ذلك تهديداً بقيام اشتباك أم اندلاعه فعلياً. وفي حين أن الوطن الإماراتي يقع بأكمله ضمن مدى مجموعة الصواريخ الإيرانية، يوفّر ميناء عصب عمقاً قد يسمح لقوة احتياطية تضمّ سفناً حربية إماراتية وطائرات وحتى غواصات بالبقاء نشطة وقادرة على اعتراض حركة الملاحة والنقل البحري الإيرانية على طول الخط الساحلي خلال حرب طويلة الأجل.
لقد كانت مشاركة دولة «الإمارات» في العمليات السريعة في الماضي غير مدروسة أو محدّدة المعالم إلى حدّ ما، إذ حرصت الإمارات على مجرّد "المشاركة" في أنواع مختلفة من العمليات في أجزاء كثيرة من العالم الإسلامي من دون أن يخدم ذلك بالضرورة أيّ خارطة طريق استراتيجية أوسع نطاقاً. ولكن، على الرغم من أنّ قاعدة عصب العسكرية قد نشأت عن ضرورة عسكرية لدعم حرب اليمن، إلا أن تطويرها قد يكون بداية مرحلة جديدة لتوسّع عسكري إماراتي سوف تكون له أهدافه ومقاصده.
*أليكس ميلو هو المحلل الأمني الرئيسي في "هورايزن كلاينت آكسس"، وهي مؤسسة للخدمات الاستشارية تعمل مع شركات الطاقة الرائدة في العالم.
*مايكل نايتس هو زميل "ليفر" في معهد واشنطن. وقد عمل في دول الخليج واليمن كمستشار لقوات الأمن المحلية وكمحلل للصراعات الإقليمية بما في ذلك حروب اليمن ضد كل من الحوثيين، والانفصاليين الجنوبيين وتنظيم «القاعدة في جزيرة العرب».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق