نهاية العالم في حلب
حلب تتعرض للإبادة.
لا شيء تغيّر منذ بدء الحصار الخانق على شرقي المدينة في 8 يوليو 2016، سوى عمليات ناجحة لفكّه في الأسبوع الأول من أغسطس الماضي، أعقبها إعادته مرة أخرى بعد ذلك بأربعة أسابيع في هجمات مفاجئة لعصابات الأسد والميليشيات الشيعية، مدعومة بغطاء جوي روسي كثيف يتمتّع بحرية مطلقة في صبّ القنابل «المحرّمة دولياً» على المناطق الثائرة.
يتّبع الطيران الروسي سياسة «الأرض المحروقة» ليجهض روح الثورة: محطتان لضخ الماء في شرق المدينة وغربها تعرّضتا للقصف، وتوقّفتا عن العمل، ما تسبّب في حرمان مليونَيْ حلبي من الماء، ولجوئهم إلى مصادر ماء ملوث؛ دمّرت الغارات كل المستشفيات في شرق المدينة خلال أسبوع واحد في يوليو، الأمر الذي دفع الأطباء القلّة المتبقين هناك (استُشهد كثير منهم ولم يبق إلا 33 طبيباً) إلى إنشاء «مشافٍ» ميدانية في شقق مهجورة من دون أسرّة ولا تجهيزات.
الدكتور محمد كاتوب، عضو الجمعية الطبية السورية الأميركية، أبلغ الإذاعة الألمانية (دويتشه فيله) أنه «يتوجّب على كل طبيب العناية بـ 9,000 مريض».
يرصد المواطنون الصحافيون المآسي الإنسانيةفي«المشافي» الميدانية: أنابيب المصل وهي تتدلّى على الجدران، صراخ الجرحى في الغرف الضيقة وهم رقود، الدماء تلطّخ الأرض وسط ذهول الأطباء والممرضين وعجزهم عن المساعدة.
ليز سلي، مراسلة «الواشنطن بوست» نقلت في تويتر (24 سبتمبر) عن أطباء في حلب قولهم إن 92 مواطناً قُتلوا في ذلك اليوم، وإن «المستشفيات تغصّ بالجرحى على الأرض». المراسلة ذاتها وصفت في تقرير لها بالصحيفة المشهد في حلب كما يلي: «موجات من الطائرات بعد موجات تضرب بعنف الأحياء» شرقي المدينة، «ومع هبوط الليل، كانت 100 قنبلة قد هبطت» على السكان، والمنقذون لا يملكون الإمكانات للوصول إلى كل الأماكن التي ضُربت.
عمّار السلمو، مدير الدفاع المدني (التطوعي) في شرق حلب، أبلغ سلي أن «الوضع مروّع الآن في حلب، ثمّة قتلى في الشوارع، والحرائق تشتعل من دون تحكّم. الناس لا يعرفون ماذا يعملون ولا أين يذهبون. إنّها تشبه نهاية العالم».
بِن هابرد، مراسل «النيويرك تايمز»، نقل أيضاً عن السلمو قوله: «إنها تشبه يوم القيامة في حلب». ثلاثة من مراكز الدفاع المدني في المدينة تعرّضت للقصف، بحسب السلمو، وبعض سيارات الإسعاف التابعة لها دُمّرت. هابرد تناول آثار قصف وحشي لحي المواصلات شرق المدينة ناقلاً عن ناشطين قولهم إن القصف «هزّ الأرض، وترك السكّان قابعين في منازلهم، والشوارع غير قابلة للمرور».
مضر شيخو، ممرّض في مستشفى الدقاق، أبلغ هابرد: «إنّك لا تعرف إذا كنت ستبقى حيّاً أم لا».
زاهر الزاهر، ناشط حلبي، قال لهابرد عبر واتسب: «لم تعد هناك طرقات نمشي عليها. حتى بين أحيائنا، الطرقات ملأى بالركام والحطام».
أحياء حلبيّة كاملة سُوّيت بها الأرض. فيديوهات كثيرة تُظهر رجالاً يحاولون انتشال أطفال ونساء من تحت تلال من الخرسانة. ثمّة أبطال يشبهون الأساطير لا يكفّون عن محاولة انتزاع أمل ما للحياة من تحت الأنقاض. أبطال ينبشون ما قد تعجز البلدوزرات عن نبشه. إنهم الفرسان الوحيدون، كما يخبرنا أمل دنقل، وسواهم المسوخ. يستدلّون بالأنّات والصرخات والأنفاس على الضحايا المطمورين تحت الرّدم، فيعيدون بأيديهم الحياة في عالم يحترف زرع الموت.
أيّ حياة يعيشها الناس وسط كل هذا الجنون؟
وكيف يتكيّف المرء مع هذا التقليب اليومي عن أحياء أو أشلاء؟ في غضون ذلك، يتبادل القتلة الاتهامات.
ليز سلي لخّصت (في تويتر 25 سبتمبر) نقاشاً حول حلب في الأمم المتحدة بين سامانثا باور، المندوبة الأميركية، ونظيرها الروسي، فيتالي تشوركين.
باور: إنه خطأ روسيا.
تشوركين: إنه خطأ أميركا.
إنها نهاية العالم، كما قال عمّار السلمو، نهاية الإنسانية المنسحقة مع عظام الحلبيين ولحومهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق