السيسي في مكتب الإرشاد
السيسي ومرشده العام للقوات المسلحة
شيئان يحرص عليهما عبد الفتاح السيسي، كلما تكلم: محاولة إشاعة أكبر قدر من الترهيب والتخويف، بوجه معارضيه.. والثاني، إطلاق أكبر قدر من النكات العبيطة، على طريقة الكوميديا السوقية الهابطة.
ذهب السيسي إلى "غيط العنب"، ليقول جملة واحدة: أنا والجيش سوف نسحق الشعب، إن فكّر في الاقتراب من ملكنا.
يلح، طوال الوقت، على أنه في حماية الجيش، منه جاء وإليه يخصص الحصيلة، لا يتحرّك وحده، بل محاطاً بكبار الجند، يشهرون ترسانتهم في وجه الجميع: من يقترب نبيده في ست ساعات.
كانوا يحاربون الرئيس المدني المنتخب، انطلاقاً من أنه مرشّح الجماعة، وأن مكتب الإرشاد يحيط به من كل اتجاه، ويحدّد مسارات حركته، وينطلق في مشروع "أخونة الدولة"، وبعيداً عن أن الوقائع والأرقام أسقطت هذه الأكاذيب، فإن الثابت أن مصر كانت أكثر مدنيةً، وعقلانيةً، من الوضع الحالي الذي يلخصه مشهدٌ بائس المضمون، وفقير الإخراج لرئيس دولةٍ لا يجرؤ على زيارة أسرةٍ فقيرة بها، إلا تحت حراسةٍ وفي معية وزير دفاعه، فيما وقف رئيس حكومته "غير العسكري" مع الحرّاس في الخارج، إلى حين انتهاء "الجماعة العسكرية" من تمثيل مشهد تناول الإفطار، على مائدة الأسرة الفقيرة.
الرسالة بوضوح أكثر: أنا الحاكم المنتدب من جماعة العسكر، ومرشدي العام هو القائد العام للقوات المسلحة، والجنرالات الكبار مكتب إرشادي، نحكمكم بالسيف، ونسحقكم في غضون ساعات، إذا فكّرتم في استرداد وطنكم منا.
من المهم، هنا، التذكير بأن السيسي هو مرشّح القوات المسلحة للرئاسة، بنص بيان 27 يناير/ كانون الثاني 2014، وفيه
"وقد استعرض المجلس ما قام به الفريق أول عبدالفتاح السيسي، منذ توليه مهام منصبه، من أعمال وإنجازاتٍ لتطوير القوات المسلحة، ورفع كفاءتها القتالية والارتقاء بمهارات أفرادها، وشحذ روحهم المعنوية. ولم يكن في وسع المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلا أن يتطلع، باحترام وإجلال، لرغبة الجماهير العريضة من شعب مصر العظيم في ترشيح الفريق أول عبدالفتاح السيسي لرئاسة الجمهورية، وهي تعتبره تكليفاً والتزاماً. ثم استمع المجلس إلى الفريق أول عبدالفتاح السيسي، وقدر أن ثقة الجماهير فيه نداء يفترض الاستجابة له في إطار الاختيار الحر لجماهير الشعب".
هكذا، بكل الوضوح، ومنذ البداية، أعلن المجلس العسكري أن السيسي مرشحه المكلف بالاستحواذ على رئاسة الدولة، هو الذي يحاسبه على الأداء، ويحدّد استمراره من عدمه، استبداله أم منحه فرصة أخرى. ومن هنا، تأتي ملامح الرعب الواضحة في خطاب الجنرال المكلف وملامحه، إذ لم يكن عبد الفتاح السيسي خائفاً ومذعوراً، كما بدا هذه المرّة.
غير أن اللافت أكثر إصراره على التنكّر التام لفريته التي كان يتشبث بها، مقدّماً نفسه على أنه رئيس مدني جاء عبر انتخابات. هنا، يصل به الخوف إلى الحد الذي يضع تركيزه كله في توصيل رسالةٍ وحيدة، مفادها نعم هذا حكم عسكري، يلحّ عليها في كل كلمةٍ وكل لفتة، معلناً التراجع الكامل مع حلفه الكذوب السابق "لا والله ما حكم عسكر"، ليضع بدلاً منه قسماً جديداً "والله هذا حكم عسكر"، فمن ناحية، يريد توجيه رسالة ردعٍ شديدة اللهجة للجماهير، خصوصاً مع انتشار دعوات 11/11 للخروج ضده. ومن ناحيةٍ أخرى، يسعى إلى تجديد الولاء والبيعة لجماعته، والالتزام الأعمى بما يمليه عليه مكتب إرشاده، وكأنه يستشعر تململاً وقلقاً لدى "الجماعة العسكرية" من استمرار سقطاته وإخفاقاته التي باتت تهدّد مصلحة الجماعة ذاتها.
هذا هو مربط الفرس، أو فصل الخطاب، أو محور "دراما غيط العنب"، وليس "مونولوغ الفكة" إلا جرعة المسخرة التي تغلف النص الأساسي، وتخفف من حدّة الرسالة الأهم، وأيضاً تخطف الأبصار بعيداً عن جريمة النظام في بوغاز رشيد، حيث ترك 600 شخص يواجهون الموت غرقاً، من دون أن يحاول إنقاذهم، أو يسمح لأحدٍ بانتشالهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق