مصر: المفتي والحمير!
د. أحمد بن راشدبن سعيد
حصل في سنة 1437 للهجرة أن اشتدّ بمصر فقرُها، وغلب يسرَها عُسرُها، حتى ضجّ برّها وبحرُها، وارتفعت أسعار السّلَعْ، حتى اشتكى كلّ مواطن الوجعْ، ولم تفلح الإعاناتْ، في رفع المعاناةْ، ولا أكياسُ الرّزْ، في رفع الجباه بالعزْ، فكأنّ مصرَ باتت مسروقة، أو قِربةً من الماء مشقوقة، وضرب المصريون الأكُفْ، وخبطوا على الدّفْ، وطفقوا يخرجون من أزمةٍ إلى أزمة، ومن ظلْمةٍ إلى ظلمة، لا يرون نجماً في الأفُقْ، ولا ضوءاً في آخر النّفَقْ، وكلّما أوشكوا أن يخلصوا، عادوا من حيث بدؤوا!
قال سهم بن كنانة: واقترب عيدُ الأضحى، الذي يقول له المسلمون: مرحى، فيتقرّبون إلى الله بالنّحرْ، وألسنتُهم تلهجُ بالشكرْ، لكنّ مصر في الحزن مأسورة، لا ضاحكة ولا مسرورة، لم تستطع شراء الأضاحي، تستوي في ذلك المدنُ والنواحي، وكيف ينفق ويجودْ، من كان تُعوزُه النقودْ، ولم يرَع الناس إلا ولحومُ الحمير تغزو الأسواقْ، فيأكلونها بالعشيّ والإشراقْ، وهم يحسبونها من البقر أو الغنمْ، فندموا حيث لا ينفعُ الندمْ، وأصبحت الموائدُ بها عامرة، من الإسكندرية إلى القاهرة، يدخل المصريُّ السوق ليشتريَ لحم غنمْ، فيشتري لحمَ حمار وهو لا يعلمْ، وكان لا بدّ من فتوى ترفع الحرَجْ، وتأتي إلى الوالي بالفرج، فخرج مختار جمعة، وهو وزيرُ أوقاف سيءُ السّمعة، بجواز أكل الحمارْ، قائلاً إنه بلا أضرار، يمنحُ المرءَ الطاقة، وهو خيرٌ له من الفاقة، وقال مسؤول زراعي إن الحمير وفّرت البديلْ، وقد وردت في التنزيلْ، وإذا أنشب الجوعُ الأظفارْ، فما المانعُ من أكل الحمارْ؟
قال سهم بن كنانة: وسكت «الأزهر» عن أكل المصريين للحميرْ، وذهب شيخُه إلى روسيا في وفد كبيرْ، ليخرج ملايين المسلمين من مذهب السنّة، متّخذاً عمامتَه ومنصبَه جُنّة، وليت شعري كيف يُستغرب موقفه هذا وهو الذي غمس في الغدر أصابعَهْ، وسكت عن قتل آلاف المسلمين في رابعة، وفي مصر مبكياتٌ شتّى، تفتّ فؤادك يا صاحِ فتّا، لا سيما إذا قيل: قد أفتى، فقد أتى علي جمعة، شيخ العسكر، بقول ظاهر المنكر، فأعلن أن العُري من أجل السياحة، أمرٌ يستحق الإباحة، واستشهد بالجاهلية حين طافوا بالبيت عرايا، لكي لا تبقى لهم من الذنوب بقايا، وما كان يريد غير تعرّي النسوة، وإطلاق العنان للشهوة، وقد كان جمعة يلوم سيّد قطب على وصمه المجتمعات بالجاهلية، فها هو يثبت كلامه للبريّة، وكان قد اتهمه في لقاء مع قناة العربية، بأنه دعا إلى العُري في الشواطىء المصرية، فوقع فيما اتهم به الرجل ظلما، ومتى كان السّفحُ يطاول نجما؟
قال سهم بن كنانة: وقصة القوم لا ينتهي منها العجَبْ، فبينما صدّق مفتي مصر، شوقي علّام، على إعدام عشرات من إخوان قطبْ، كانت جرائد مصرية تنشر له مقالات سرقها من كتاب «في ظلال القرآن»، الذي ألّفه قطب قبل عقود من الزمان، لكن المفتي لم يَعدم للسرقة عذرا، فزعم أنّه إنّما سرق المقال برمّته ليُثبت أن سيّد استطاع برقيق بيانه، وبديع إتقانه، أن يمارس التجهيل، ويُضلّ النّاس عن سواء السبيل، فمن قرأ مقاله «لا يشعر بفرق بينه وبين كلام العلماءْ»، وهو ما من شأنه التغريرُ بالدهماءْ، وهكذا تبرّر جرائمَها اللصوصْ، ليُوفّيَهم سادتُهم الأجرَ غير منقوصْ.
قال سهم بن كنانة: ودعا شيخٌ مقرّبٌ من الوالي اسمه الجندي إلى منع الأذان بمكبّرات الصوتْ، حتى وإن خُشي على الصلاة من الفَوتْ، زاعماً أنه بغيضٌ إلى الأبرارْ، مُزعجٌ كصوت الحمارْ، مستشهداً بقول الله: «إنّ أنكرَ الأصوات لصوتُ الحمير»، فعظُم الخطْبُ على الناسْ، وضربوا أخماساً في أسداسْ، وتوالت على مصر المصائبْ، وباتت حُبلى بالعجائبْ، وعانى ولاتُها من القلقْ، وسُدّت في وجوههم الطّرُقْ، وردّد الأحرارُ في السجونْ، «فإنّهم يألمون كما تألمون، وترجون من الله ما لا يرجون».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق