استهداف خصوبة المصريين!
عامر عبد المنعم
في إطار عملية تفكيك وتدمير الدولة المصرية جاءت تصريحات وزير الصحة عن خطة الحكومة لتخفيض نسبة الخصوبة لدى المصريين، ليعيد طرح المخططات التي ظننا أنها توقفت لتصادمها مع ثوابتنا الدينية والأخلاقية؛ فاستهداف نسل المصريين هدف صهيوني قديم لوقف التمدد السكاني الذي يشكل تهديدا مباشرا للكيان الإسرائيلي كما أنه جزء من استراتيجية أمريكية تعمل على وقف الزيادة السكانية لدول العالم الثالث.
قال الدكتور أحمد عماد الدين راضي وزير الصحة في احتفالية اليوم القومي الأول للسكان في مصر بحضور رئيس الوزراء إن خطة الحكومة ستركز على خفض معدل الخصوبة، للوصول إلى 110 ملايين نسمة 2030، وزيادة استخدام وسائل تنظيم الأسرة من 59% في 2014 إلى 71% في 2030.
تصريح وزير الصحة يأتي في إطار سلسلة من التصريحات لكبار المسؤولين في الدولة في الآونة الأخيرة، بما يوحي بأن هناك توجها رسميا يعمل على تنفيذ ما لم يتم تنفيذه في عهدي السادات ومبارك؛ فمنذ أسابيع طرح الدكتور علي الدين هلال أستاذ العلوم السياسية موضوع التعقيم وتنفيذ الإجراءات التي استخدمتها الصين والهند كحل للسيطرة على النمو السكاني.
المقلق في كلام الوزير هو طرح فكرة "تخفيض معدل الخصوبة" فهذا المصطلح له دلالات خطيرة، فهو جزء من خطط واستراتيجيات أمريكية تم الإعلان عنها للسيطرة على الزيادة السكانية في دول العالم، وخاصة في الدول الإسلامية ومنها مصر.
تحديد النسل على المستوى العالمي أصبح استراتيجية أمريكية تقف خلفها الحكومة الأمريكية والمنظمات الدولية التي يحركها البيت الأبيض منذ سبعينيات القرن الماضي، ويرتبط تخفيض معدل الخصوبة بممارسات لا إنسانية أجريت في الولايات المتحدة ضد الهنود والسود، وتمت عمليات السيطرة على الزيادة السكانية لغير البيض بتعقيم النساء وإخصاء للرجال في حملات مدعومة رسميا في العديد من الولايات التي أصدرت القوانين لإضفاء الشرعية على هذه الجرائم بزعم البقاء للأصلح.
ويعد كتاب منير العكش " أميركا والإبادات الجنسية" من الكتب المهمة في هذا الموضوع حيث جمع كما هائلا من الوثائق التي تكشف تطور فكرة "تخفيض الخصوبة" والتعقيم باعتبار الزيادة السكانية تهديدا للأمن القومي الأمريكي، والتعامل مع خصوبة نساء العالم على أنها خطر ينبغي مواجهته.
الاستراتيجية الأمريكية
كانت نظرية مالتوس تقول إن الزيادة السكانية تتم بمتوالية هندسية، وإن إنتاج الغذاء يتم بمتوالية عددية، وبنى الأمريكيون على هذه الفرضية تصورات خاطئة مفادها أن الغذاء لن يكفي البشر إذا استمر معدل التناسل على النحو الجاري بدون تدخل. فكانت هذه الأفكار التي تم دمجها مع فكرة داروين "البقاء للأصلح" بمثابة الدافع الذي جعل العرق الأنجلوساكسوني الأبيض البروتستانتي (الواسب WASP) الذي استوطن أمريكا يشرع في إبادة الهنود والتخلص مما يزيد عن 100 مليون إنسان من الأمة الهندية.
ارتكب الأمريكيون الأوائل المذابح ومارسوا الإبادة للخلاص من سكان أمريكا الأصليين، وانتهت عملية القضاء على نسل الهنود بعمليات التعقيم الجماعي للفتيات الهنديات، وإخصاء الذكور في المراكز الصحية، التي انتشرت في كل مناطق الهنود الحمر، و بعد ذلك استخدموا ذات الأسلوب مع السود لكن الزمن كان قد تغير، وأوقفت حركة الحقوق المدنية في ستينيات القرن الماضي هذه الإجراءات اللا إنسانية.
من الوثائق المهمة التي توضح الاستراتيجية الأمريكية في السيطرة على الزيادة السكانية في دول العالم الثالث التقرير التي أعده هنري كيسنغر في عام 1974 عندما كان مستشار الأمن القومي الأمريكي، وقال إنه أعدها بتوجيه من الرئيس غيرالد فورد، ووضع فيه تفاصيل الاستراتيجية الأمريكية لوقف النمو السكاني وتعقيم النساء في 13 دولة من بينها مصر خلال ربع قرن.
وبعد تقرير كيسنغر بثلاث سنوات أي في عام 1977 أعلن مدير مكتب السكان في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID (هيئة المعونة الأمريكية ) الدكتور رايمرت رافنهولت عن خطة الوكالة لتعقيم ربع نساء العالم القادرات على الحمل وكان عددهن في ذلك الوقت 570 مليون امرأة، وأشار فيها إلى التركيز على تجنيد طابور من التابعين في الوزارات والمراكز الصحية بدول العالم يداروا بشكل مباشر من الولايات المتحدة.
تقرير كيسنغر
يعتبر تقرير كيسنغر الذي رفع البيت الأبيض عنه السرية في 1989 وهو بعنوان "عواقب النمو السكاني العالمي على أمن الولايات المتحدة ومصالحها في أعالي البحار" هو الأساس الذي تدور عليه السياسة السكانية الأمريكية في دول العالم عبر المنظمات الدولية، وقد وجهها كيسنغر إلى وزير الدفاع، ووزير الزراعة، ومدير الاستخبارات المركزية، ووكيل وزارة الخارجية، ورئيس موظفي البيت الأبيض، وتم اعتمادها وتبنيها.
ركز التقرير على إخصاء وتعقيم شعوب الدول الآتية: بنغلادش، باكستان، نيجيريا، إندونيسيا، مصر، تركيا، الهند، المكسيك، البرازيل، الفلبين، تايلاند، الحبشة، كولومبيا، وأشار التقرير إلى أن الزيادة السكانية في هذه الدول تمثل 47% من الزيادة السكانية على مستوى العالم.
اعتبر تقرير كيسنغر زيادة المواليد في هذه الدول المستهدفة يشكل تهديدا للأمن القومي الأمريكي، لما تمثله الزيادة السكانية من ضغط على الثروات، وما تشكله من تحد للحكومات الموالية لأمريكا وما ينتج عنه من اضطرابات سياسية داخلية، وعلى الصعيد الدولي، وتطرف وعنف وثورات وهجرات واستنزاف للموارد التي تعتمد عليها أمريكا، ووضع التقرير العديد من التوصيات التي تحولت إلى برامج وخطط عالمية تتم بإشراف دولي وتمويل أمريكي.
تثبيت عدد السكان
مارست الحكومات الأمريكية ضغوطا هائلة لتمرير الاستراتيجية السكانية من خلال المنح والمعونات والبرامج التدريبية للعاملين في مجال السيطرة على النسل في البلدان المستهدفة، ومن أجل هذا الغرض عقدت المؤتمرات الدولية والإقليمية للتمهيد لعملية الإخصاء وتخفيض الخصوبة.
كان مؤتمر السكان الذي عقدته الأمم المتحدة بالقاهرة عام 1994 من المحطات المهمة، إذ تم تمرير توصيات كيسنغر من خلال صياغات مضللة اعتمدت فيما بعد في كل المؤتمرات المتعلقة بالمرأة والسكان، لكن كان المكسب الأهم للسياسة الأمريكية هو الوثيقة التي وقع عليها 14 رئيس دولة إسلامية منها مصر والسودان والتي تنص على التعهد بتثبيت عدد السكان والعمل للوصول إلى نقطة التعادل بين الوفيات والمواليد.
ولأن موضوع التعقيم الإجباري غير ممكن ولا تستطيع حكومة مهما أوتيت من قوة أن تفرضه على الشعب، فإن سياسة السيطرة على الخصوبة اتخذت أساليب متنوعة تصب كلها في اتجاه تثبيت عدد السكان، من هذه الإجراءات التي نجحت السياسة الأمريكية في تنفيذها لوقف الزواج وبالتالي تجميد الخصوبة تماما تخلي الدولة عن دعم الشباب بالتوظيف والتسكين، من خلال تجريد الحكومات من ممتلكاتها، وإبعادها عن إدارة الاقتصاد، والذي عرف ببرامج الخصخصة، حيث تم انتزاع الثروة من الحكومات وإعطاؤها إلى قلة من المستثمرين الأجانب وبعض المرتبطين بالخارج، فتوقف الإنتاج وانهار الاقتصاد، فحل الفقر وتجمد الزواج وارتفعت حالات العنوسة وزادت العزوبية بما أصبح يشكل تهديدا للمجتمعات.
الإبادة بالأمراض
فيما يبدو أن المخططين لعمليات الإخصاء والتعقيم في مصر رأوا أنها ستأخذ وقتا، فكانت عمليات استهداف المصريين بالأمراض الفتاكة من خلال التدمير بالهرمونات والمسرطنات والمنتجات المهندسة وراثيا، في مقدمتها القمح الأمريكي والحبوب المعالجة وراثيا، التي أصبحت المصدر الرئيس لخبز المصريين، وبسبب هذا الاجتياح البيولوجي أصبحت مصر أكبر بلد منكوب صحيا في العالم، ففيها أكبر نسبة لمرضى السرطان والفشل الكلوي والكبدي الفيروسي (سي)، وهذه الهجمات المخططة أثرت بالفعل على خصوبة المصريين وأشاعت حالة من الانهيار والوهن في الصحة العامة تشهد عليها الإحصاءات الرسمية.
ما يجري في مصر من تفكيك وانهيار للمناعة يشجع الدوائر المعادية على استثمار حالة الضعف السياسي لتنفيذ ما عجزوا عن تنفيذه منذ سنوات، وأمام ما نراه من تفريط وبيع لكل شيء من أصول وقيم وثوابت نشعر بالقلق مما تطرحه الحكومة بشأن خصوبة المصريين، فالسياسة السكانية تضعها الولايات المتحدة، ومعظم المؤسسات – إن لم يكن كلها- العاملة في مجال السكان تعتمد على المنح والمعونة الأمريكية وتدار من الخارج.
ويبقى الموضوع الأخطر، الذي يثير الانزعاج هو استعداد الشركات الصهيونية لشراء مرفق مياه الشرب الذي تعمل الدوائر الخارجية على خصخصته وتسليمه للمستثمرين الأجانب كغيره من المرافق التي سيتم طرحها للبيع، ومن خلال هذا المرفق سيتاح للمكر المعادي أن يسرع بعملية إخصاء وتعقيم المصريين بيسر وبتكلفة بسيطة، وسيكون التدمير بالتعقيم وقطع نسل المصريين أكبر مما نتوقع وأسرع مما نتخيل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق