الخميس، 8 سبتمبر 2016

المنازلة الأخيرة لمحمود عباس


المنازلة الأخيرة لمحمود عباس



ديفيد هيرست

كان الرئيس الفلسطيني غاضبا حين قال: "لا أحد يملي علينا رأيا. نحن صناع القرار ونحن الذين نقرر ونحن الذين ننفذ ولا سلطة لأحد علينا. هذا هو الذي نريده". جاء ذلك في مقطع فيديو سجل له وبث يوم الأحد الماضي.

في ظاهر الأمر، جاء ضرب محمود عباس للطاولة بقبضته متأخرا نوعا ما، فهو الآن في الحادية والثمانين من عمره، ولم يعد يعني شيئا بالنسبة لإسرائيل. تلك هي النقطة التي عبر عنها بجلاء، وإن كان فجا ومؤلما، أن مبعوث روسيا إلى الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف، الذي تحدث يوم الثلاثاء مع وفد فلسطيني في رام الله، قال إن بنيامين نتنياهو لم يعد مهتما بإجراء محادثات مع عباس.

أحد المسؤولين الفلسطينيين الذين حضروا اللقاء صرح لصحيفة "ميدل إيست آي" بما يأتي: "أخبرنا بوغدانوف بكل صراحة أن نتنياهو لم يرفض الشروط الفلسطينية لعقد الاجتماع فحسب، مثل تجميد الاستيطان وإطلاق سراح سجناء ما قبل أوسلو، وإنما ذهب إلى أبعد من ذلك قائلاً إن الاجتماع بمحمود عباس لم يعد من أولوياته".

ونقلاً عن بوغدانوف، قال نتنياهو: "إذا ما صنعت سلاما مع عباس، فإن عباس سينضم إلينا، إذن دعوه يقف وحيدا".

لقد ماتت أوسلو. فهذا هو البرلمان الفلسطيني لم يجتمع منذ تسعة أعوام، وانتهت فترة رئاسة عباس قبل سبعة أعوام. 
ولم تعد منظمة التحرير الفلسطينية "الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني"، وإذا ما أجريت اليوم انتخابات برلمانية فعلى الأغلب ستفوز بها "حماس" وخاصة داخل مخيمات اللاجئين.

حركة فتح نفسها وصلت إلى حالة متقدمة من التعفن والتهالك، وتعصف بها من الداخل الصراعات القبلية والفصائلية، لدرجة أنهم حينما قرروا عقد مؤتمر وحصل جدل حول من يدعى إليه، كانت الصفة الوحيدة التي استطاعوا أن يتوافقوا عليها هي دعوة كل من يتقاضى راتبا من الحركة.

لقد بات عباس واحدا من آخر الساكنين في مبنى يكاد يكون فارغا من السكان. قد يكون غاضبا، وقد يشعر بالمرارة، إلا أن غضبه أمر يصعب فهمه. فعلى من كان يصب جام غضبه؟ على زيارة نتنياهو إلى موسكو؟

كان عباس صريحا وواضحا بشأن من كان يتكلم عنه: "لأن هناك أشخاصا يعملون في عواصم معينة. خلصونا من العواصم، خلصونا من أموال العواصم، خلصونا من نفوذ العواصم. علينا أن نعمل كفلسطينيين. هل بإمكاننا أن نفعل ذلك؟ هذا هو المطلوب منا".

مثل هذا الكلام لا يمكن أن يكون موجها إلا لمحمد دحلان، رجل فتح القوي الذي طرده عباس من قبل. جاءت كلمة عباس بعد ورود تقريرين إخباريين من عمان. 
زعمت صحيفة الرأي الأردنية الرسمية أن اللجنة المركزية لحركة فتح قررت قبول عودة أشخاص مقربين من دحلان وأن هناك محاولات لإعادة دحلان نفسه.

وبالفعل، فإن هناك لجنة فتحاوية تبحث في الوسائل الممكنة لإعادة جماعة دحلان إلى بيتها (الفتحاوي). المثير للانتباه في هذا التقرير أن الصحيفة الأردنية أشارت بوضوح إلى أن خطة إعادتهم تتم برعاية خارجية.

وقالت إن مبادرة فرض مصالحة بين عباس ودحلان تجري برعاية من الأردن ومصر والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة. 
هذا في الوقت الذي نقل فيه تقرير إخباري ثان لوكالة القدس الإخبارية عن الكاتب الفلسطيني الأردني حمادة فراعنة، والمعروف بعلاقاته الوثيقة بالسلطات الأردنية، قوله: "سوف يجري ذلك عبر ثلاث خطوات: 
أولاً، سيتم توحيد جناحي حركة فتح.
ثانيا، سيتم التعامل مع تداعيات الانقلاب والانقسام والمصالحة بين حركتي فتح وحماس.
وثالثا، سوف تجري تحركات على المستوى الدولي لإحياء مسار المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية في القاهرة وفي باريس وفي موسكو".

تلك هي الخطة التي كنت قد كشفت عنها للمرة الأولى في موقع "ميدل إيست آي" في شهر مايو (أيار) الماضي. يستخدم واضعو الخطة لغة الوساطة بكل ما تحمله من حساسيات، ويحاولون تصوير عودة دحلان كما لو كانت مصالحة بين متنافسين متصارعين، إلا أن عباس يعلم يقينا ما الذي سيحدث بعد ذلك، أي بعد أن يسمح لدحلان بالعودة إلى الوطن في ظل الأوضاع الحالية لحركة فتح.

بوجود مروان البرغوثي في سجن إسرائيلي، والأغلب أنه سيبقى محتجزا هناك، وباستعداد محمود عباس لسلوك طريق المغادرة، فإن دحلان سوف يصبح هو القوة التي تقف من وراء التاج (أو صلاحيات صناعة القرار) في كافة المواقع الثلاثة التي يحتلها حاليا عباس: رئاسة حركة فتح، ورئاسة منظمة التحرير، ورئاسة السلطة. إذا ما وصل دحلان إلى أي من هذه المواقع فإنه سيتحكم، لا ريب، بمن يشغل الموقعين الآخرين.

يناضل عباس حاليا في سبيل الحيلولة دون أن يحصل ذلك، وقد تكون تلك هي آخر مهماته على الإطلاق. بالنسبة لقادة "فتح" من أمثاله، كانت عملية السلام موتا سياسيا بطيئا، وهو الآن يخوض قتالاً، وإن جاء متأخرا جدا، لاستعادة شرعيته كرئيس بعد أن فقدها كمفاوض.

سعيا منه لتوحيد حزبه، أعلن رئيس الوزراء رامي الحمد الله، إجراء انتخابات محلية في الثامن من أكتوبر، علما بأن حركة فتح هي التي تتحكم بسجلات الناخبين. حتى الآن تبدو نتائج هذا التكتيك مختلطة.


المصدر: ميدل إيست آي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق