هل تشن إيران الحرب على السعودية؟
شريف عبدالعزيز
ـ لا جديد في السياسة الإيرانية
فالدولة التي تبني مواقفها السياسية وإستراتيجيتها الخارجية وفق رؤية طائفية ضيقة ونظرة أيديولوجية إقصائية يكون من السهل التنبؤ بمواقفها وقراراتها وتوجهاتها ، وإيران أوضح مثال على ذلك ، فهي دولة طائفية عنصرية تنطلق من أسوأ خليط فكري وسياسي ؛ خليط الطائفية والعنصرية ، لذلك فخطواتها وإجراءاتها معروفة سلفاً للجميع ؛ دولياً وإقليمياً .
ـ ومثل مواسم الأعاصير الاستوائية ، ومثل ريح السموم الحارة التي تلفح الوجوه وتعكر صفو الأجواء ، جاء موسم الهجوم الإيراني السنوي الاعتيادي علي المملكة السعودية ، فيما يشبه جوقة الكورال النشاز ، فقد اشترك ساسة وعسكريون ورجال حوزات وأئمة مساجد وآيات مشاهد وحسينيات ، ومن قبلهم المرشد خامنئي ورئيس الدولة روحاني في حملة تسييس موسم الحج ، وجعله مناسبة سنوية معتادة في الهجوم علي السعودية وخلط الملفات بعضها ببعض ، والرمي بالتهم والأباطيل ، وتفريغ شحنات الصدور المكبوتة بالحقد والغل والكراهية تجاه زعيمة العالم السني ، ولكن هذه المرة طاشت جرعات الكراهية والبغضاء الزائدة بعقول الجميع حتى وصلت لمستويات غير مسبوقة من الهجوم على المملكة السعودية ، مما يشعر بأن ثمة أمر أبعد وأخطر من الحرب الكلامية .
التصريحات الطائشة:
الهجوم الإيراني هذه المرة خرج عن الجرعات المعتادة من العداء للسعودية ، وخرج عن كونه محاولة استغلال موسم الحج لتسيسه والشغب به على الدولة السعودية ، فقد شن علي خامنئي المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية يوم الأربعاء الماضي هجوماً كلاميّاً عنيفاً على العائلة الحاكمة في المملكة العربية السعودية واصفاً إياها بـ«الشجرة الخبيثة الملعونة» ومعتبراً أنها «لا تستحق إدارة الأراضي المقدسة».
مبرراً هذا الهجوم بسبب عدم مشاركة الإيرانيين في أداء فريضة الحج هذا العام ، لعدم توصل الجانبين للاتفاق على تدابير السلامة والإجراءات اللوجستية وذلك بعد الكارثة التي حصدت أرواح 464 حاجّاً إيرانياً من أصل 769 حاجّاً لقوا حتفهم في حادث تدافع في منى العام الماضي.
وكان خامنئي قد شن هجوماً آخر قبل أيّام طالب خلاله بإدارة دولية لشعائر الحج ووصف فيه السلطات السعودية بـ«قتلة الحجاج» معتبراً أن حكامها «لا يعرفون الله ولا دين لهم».
التراشق الكلامي لم يقتصر على الزعماء الدينيين فقد تدخّل رئيس الجمهورية حسن روحاني بدوره ولكن تركيزه كان على موضوع «وضع العقبات أمام الحجاج»، وزعمه أن الرياض «تدعم الإرهاب» و«تقوم بإراقة دماء المسلمين في العراق وسوريا واليمن»، في خلط واضح للأوراق ، وكشف عن الأسباب الفعلية للهجوم الإيراني على السعودية .
أما وزير خارجيته محمد جواد ظريف الذي يعتبره الكثيرون وجهاً إصلاحياً بعيداً عن مفردات القاموس الطائفي للثورة الإيرانية الشيعية الفارسية ، إذا به يسفر هو الآخر بدوره عن طائفيته المقيتة ، وينغمس في مسائل التفاضل بين الشيعة والسنة فقال إن «ليس هناك وجه شبه بين إسلام الإيرانيين» و«التطرّف المتعصب الذي يدعو إليه كبار علماء الوهابية وأساطين الإرهاب السعودي»، في انحراف غير متوقع من كبير الدبلوماسية الإيرانية من السياسيّ إلى الدينيّ والمذهبيّ.
كما وصف هاشم بطحائي، عضو مجلس خبراء القيادة الإيرانية، السعودية بأنها دولة احتلال ولا يحق لها فرض سلطاتها على الحرمين الشريفين. ورأى أن مسألة إدارة شؤون الحج يجب أن تحل عن طريق تشكيل الشورى بين المسلمين، وأن جميع الدول يجب أن تشارك في إدارة شؤون الحج، على حد قوله.
ومن جانبه، قال كبير مراجع الشيعة في قم مكارم الشيرازي، إن السعودية بسبب هزائمها باليمن وسوريا والعراق، تحاول أن تنتقم من إيران عن طريق منع فريضة الحج للإيرانيين في هذا العام، وأضاف شيرازي: "نحن نجدد مطالبنا بخصوص تدويل إدارة شؤون الحج وإننا في إيران نتمسك بهذا الخيار لأن مدينتي مكة والمدينة تعود ملكيتهما لجميع المسلمين، ولم تكن هذه المدن الإسلامية أملاكا خاصة لآل سعود حتى يتصرفوا فيها كما يشاءون".
وبدوره طالب إبراهيم رئيسي، مدير شؤون الروضة الرضوية في مدينة مشهد التي تعد من أكبر المؤسسات المالية والتجارية التابعة لخامنئي، بـ"أن يتم تدريس ما وصفه بـ(جنايات آل سعود) في المدارس والجامعات والمعاهد الإيرانية حتى تبقى هذه الجرائم في ذاكرة الإيرانيين، وأن لا نسمح بنسيان جرائم الشجرة الخبيثة في إيران".
ورافق هجوم القيادات الإيرانية ضد السعودية عملية تحريض واسعة في المحافظات الإيرانية ضد المملكة، وقام الحرس الثوري بطبع صور كبيرة عن الملك سلمان وحكام السعودية بأوضاع ساخرة، ودموية ونشرها على الطرقات وعلى لوحات الإعلانات في المدن والأسواق الإيرانية. وقد امتدت هذه الحملة إلى العراق التي تخضع بدرجة كبيرة للنفوذ الإيراني ، واستيقظ العراقيون صبيحة يوم الثلاثاء الماضي على آلاف اللافتات التي تحمل عبارات ورسوم مسيئة لحكام السعودية ، وتردد عبارات السب والقذف التي أطلقها خامنئي بحقهم ، في إشارة إلى مدى النفوذ والتغلغل الإيراني بالعراق .
وبموازاة الدعوة الإيرانية لتدويل الأراضي المقدسة، استخدمت طهران جماعاتها السياسية وميلشياتها الإعلامية في لبنان واليمن لـ«تشييع» نزاعها المتأجج مع السعودية من خلال منع «حزب الله» و«الحوثيين» أتباعهما من المشاركة في طقس الحجّ هذا العام.
ووصل الأمر بالشطط والسعار الإيراني هذا العام باستغلال الرياضة في الأمر ذاته . فقد قامت إيران بإطلاق اسم " منى " على بعثتها الرياضية المشاركة في مسابقات دورة الألعاب البارالمبية بالبرازيل ، وقال محمود خورسافي رئيس البعثة البارالمبية الايرانية في تصريحات صحفية "نحن نحيي ذكرى ما حدث قبل عام، ذكرى مأساة منى والتي استشهد فيها الكثير من الحجاج الإيرانيين بجانب حجاج من دول أخرى. ولهذا السبب اخترنا اسم منى لكي نطلقه على البعثة.
" الأمر ذاته كان حاضرا في اختيار الزي الذي ارتدته الرياضية التي تقدمت البعثة الإيرانية. حيث تقدمت ايثرت كوردستان الرياضيين الإيرانيين حاملة علم بلدها بينما كانت ترتدي زيا شبيها بزي الإحرام!!
هذا الهجوم الإيراني الذي تشارك فيه جميع الإيرانيون بشتى أطيافهم ساسة ودنينين ورياضيين ودبلوماسيين ومعلمين وأكاديميين والذي افتقر للكياسة واللياقة ولم يتذرع بأدنى درجات الحذر والمواءمة دفع المراقبين للتساؤل عن ماهية هذا الهجوم وأسباب طيشه وهوجائيته الشديدة وأسراره ودوافعه الحقيقية ، ولماذا خلعت إيران لأول مرة قناع تقيتها الشهير الذي تحرص دائما على ارتدائه بحيث أسفرت بلا مواربة عن وجهها القبيح ومشاعرها السلبية للغاية تجاه العالم السنّي عامة ، والسعودية خاصة ؟!
فتش عن أمريكا:
الهجوم الإيراني هذا العام على السعودية لم يكن هجوماً اعتيادياً ، وذلك لعدة أسباب من أهمها :
وصول العلاقات الإيرانية الأمريكية لدرجة عالية من التنسيق والتكامل والتعاون ، فمنذ توقيع الاتفاق النووي الأخير بين إيران والغرب ، والعلاقات السرية ولقاءات الغرف المغلقة وصفقات الظلام ، خرجت للنور والعلن ، وكما قال الشاعر :
ألا اسقني الخمر وقل هي الخمر *** ولا تستتر وقد أمكن الجهر
إيران التي ظلت تهتف بسقوط قوى الاستكبار وتلعن الشيطان الأكبر ؛ أمريكا ، سراً لسنوات طويلة وهي تقيم معها علاقات سرية ودية ، أصبحت تتفاخر علناً بعلاقاتها مع أمريكا والدور الأمريكي الداعم والمفضل لمحور الشيعة في المنطقة ، وبالتالي لم تعد في حاجة للتسربل بالتقية أو اللياقة الدبلوماسية في خطاباتها السياسية . في نفس الوقت الذي أخذت العلاقات الأمريكية السعودية في التوتر بعد ظهور الخلاف في العديد من ملفات المنطقة العالقة .
ففي الوقت الذي يتحرك وزير خارجية أمريكا جون كيري في المنطقة يزرع الفتن والشرور ويأجج الخطاب الطائفي ، ويحاول فرض مشروع وصاية في اليمن يعمل على التمكين للحوثيين أزلام إيران في اليمن ، ويضغط على الساسة في السعودية واليمن من أجل قبول خطته المشئومة التي تضيع إنجازات واستحقاقات عاصفة الحزم ، وتعيد الصراع لمرحلة ما قبل العاصفة ، وهو الأمر الذي لا يخدم إلا إيران ومشروعها الطائفي التفتيتي في المنطقة ، في ذات الوقت نفسه يتحرك الكونجرس الأمريكي من أجل تمرير مشروع يتيح لعائلات ضحايا أحداث سبتمبر 2001 رفع قضايا على السعودية على اعتبار أنها مسئولة وضالعة في هذا الحادث ، وهو التشريع الذي حال إقراره سيضع العلاقات الأمريكية السعودية على المحك .
تصدير الأزمات الداخلية:
إيران نمر ورق ، حقيقة يدركها كل من اقترب من الداخل الإيراني واطلع على حجم الأزمات الداخلية المزمنة في هذا البلد الكبير والثري وصاحب الموقع الجغرافي الخطير ، إلا إنه أسير ولاية الفقيه أو بالأحرى السفيه الذي يضيع ثروات البلاد الكبيرة على طموحات وأوهام بناء إيران الكبرى وتنفيذ أحلام الهالك الخميني الذي كان وبالاً على العالم الإسلامي بأسره .
يثير الهجوم الإيراني الماثل قلقا على المستويين الداخلي والخارجي، ويجسد استمرار الحكومة الإيرانية في فبركة الذرائع واستنساخ الأعداء المحتملين، من أجل الهروب من المشكلات الداخلية وتحفيز الوعي الجمعي للالتفاف حول قضايا مفتعلة. إذ ثمة نزوع إيراني ملحوظ إلى التغطية على الأوضاع الداخلية المزعزعة بالتدخلات الخارجية في الشؤون الإقليمية، عن طريق افتعال الأزمات واختلاق الخصوم. ومن ثمّ فإن المحصلة الختامية لهذه الآليات السياسية الداخلية هي سياسة خارجية غريبة الأطوار ، شديدة التذبذب في معظم الأحيان.
فلقد بنى نظام الملالي في إيران شعبيته على مدار السنين على أكذوبة أن الدولة تواجه تحديات جيوسياسية خطيرة تهدد كيانها بسبب العداء الأميركي للجمهورية الإسلامية.
فلما حدث التصالح وراقت الأجواء ، أصبح من الطبيعي البحث عن شيطان جديد يلعنه الإيرانيون ويوجهون له كل طاقاتهم المكبوتة للتغلب على مشاعر الإحباط من تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في إيران .
ولا يوجد أفضل من العربية السعودية صاحبة التاريخ الطويل في التصدي لمحاولات الهيمنة الإيرانية على المنطقة وحاملة لواء العقيدة السلفية النقية والتي تعتبر العدو الأيديولوجي الأكبر للفكر الشيعي المنحرف .
إيران دولة مثل قطعة الجبن الرومي السويسري المليئة بالثقوب من كثرة أزماتها الداخلية في ظل انقسام المجتمع الإيراني في مذاهبهم، وأعراقهم، ولغاتهم، فهو مجتمع ينقسم إلى عدد من المجموعات العرقية واللغوية، وهم الفرس وهم الأغلبية، والأتراك والأكراد ثم العرب والتركمان، هذا إلى جانب ما يواجهه الشعب الإيراني من ارتفاع نسب البطالة والاعتقالات السياسية القمعية ، وفي المقابل وبالرغم من الغضب الشعبي تجاه سياسة الحكومة الإيرانية الداخلية، وعدم الالتفاف لمطالبهم، إلا أنها اتجهت ووضعت جل اهتمامها في السياسة الخارجية، وأنفقت ميزانياتها على المشروع النووي، ودعم الأحزاب والمليشيات المتطرفة، وزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وإثارة القلاقل في ظل مشروعها التوسعي في المنطقة، ولذلك فقط ألقت تلك السياسة الخارجية بظلالها على الشأن الداخلي الإيراني، مما سبب جملة من عمليات الاضطرابات والنزاعات والمظاهرات المستمرة، والغضب الشعبي التي تواجهه تجاه سياستها الداخلية، بل حتى الخارجية، لأنها كانت سبباً رئيسياً في تدهور الحياة الاجتماعية والاقتصادية في إيران .
ما تفعله إيران في الوقت الراهن هو محاولة تصدير الأزمات الداخلية إلى محيطها الإقليمي، لصرف أنظار الشعب الإيراني عما يحدث داخليا، وتجييش المشاعر القومية الإيرانية في مواجهة حروب وهمية يخوضها النظام في الخارج النموذج الأبرز لمحاولة النظام الإيراني افتعال صراع عسكري في المنطقة بإطلاق حرب كلامية مع المملكة العربية السعودية ، تكون مقدمة لحرب فعلية تستغلها إيران للتخلص من مشاكلها وأزماتها الداخلية المزمنة . وقد استخدمت الصحف الإيرانية في هجومها ضد السعودية، الخطاب نفسه الذي استخدمه الخميني عام 1979 ضد العراق وصدام حسين، حيث نتج عنه حرب مدمرة استمرت لمدة ثماني سنوات ساعدت الخميني في تصفية جميع خصومه السياسيين في الداخل والخارج.
هذا هو ما يحدث تحديدا من الجانب الإيراني، الذي يعاني خيبات إستراتيجية إقليمية عدة، سواء في اليمن أو سوريا، فضلا عما يعانيه نظام الملالي من فوران داخلي في أقاليم إيرانية عدة ، وتدرك إيران أنها تواجه لحظة تاريخية فارقة تهدد بزوال نظام الملالي، فأذرع هذا النظام في لبنان وسوريا واليمن تواجه مصيرا مدمرا في ظل الهزائم التي تتعرض لها في مناطق تمركزها ما يعني بالضرورة إهدار مليارات الدولارات التي استثمرها الملالي من أموال الشعب الإيراني في نشر الاضطرابات والقلاقل في دول المنطقة.
وعندما ينتقل الخطر إلى الداخل فإن المسألة تبدو ضاغطة بقوة على أعصاب النظام الإيراني، مما يدفعها لمثل هذه الحماقات التي أطلقها ساسة إيران في الأيام الماضية ، والتي قد تصل في مرحلة ما إلى إعلان الحرب على السعودية ، وهذا بلا شك سيكون نهاية ولاية الفقيه كدولة وكمشروع للأبد .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق