الأربعاء، 16 أكتوبر 2019

جيفري لانج.. والهدف من الحياة! ج(6)

جيفري لانج.. والهدف من الحياة! ج(6)
14 أكتوبر, 2019



*ماجستير في العلاقات العامة والبروتوكول، باحث في علوم القرآن، ماجستير في أساليب التطور الشخصي، ماجستير في حل النزاعات.
مَرة أخرى يجد نفسه في امتحان صعب، أمام هذه الآيات الكريمات، فرغم أنه لا يؤمن بأي شيء، إلَّا أنَّ له خلفيَّة دينيَّة، أهلته إلى الإحساس بتوقع رد قاسٍ من الله عزَّ وجلّ. فكان وصف القرآن لمعصية آدم وزوجته في الجنَّة بِالزَّلَّة بمثابة زلزال داخلي رهيب، وصدمة؛ لأن الزلة حسب لغته وثقافته تطلق على الأخطاء البسيطة، وليست بأمر جَلل، وهذا كلام مختلف جدًّا عن ما تعلمه وتربى عليه سابقًا في دين آبائه؛ التي اعتبرت وأرخت معصية آدم وزوجته بالخطيئة الكبرى، في تاريخ البشرية جمعاء؛ لأنها تسببت في خروجهما من الجنة، ونزولهما إلى الأرض، وما سيترتب عنها من معاناة أزلية.
في هذه اللحظات العصيبة، وأمام هذه الآيات المباركة الكريمة التي جاءت بأحداث، ووقائع، وتساؤلات، وكذلك إجابات مختلفة كليًّا لقصة البشرية، مقارنة بالكتب السماوية السابقة، التي طالها التحريف. لم يستطيع تصديق نفسه، فكان أول ما قام به هو اللجوء إلى صديقه العربي، الذي أهداه هذه النسخة المترجمة من القرآن الكريم، للتأكد من صحة الترجمة أولًا، جملة جملة، وسطرًا سطرًا، حتى وصلوا لكلمة زلة، وأشار عليه بالوقوف عندها قليلًا، ليخبره معناها العربي الدقيق.
نظر إليه صديقه وقال له إنها زلة، نعم ترجمتها باللغة الإنجليزية صحيحة ودقيقة جدًّا. في هذه اللحظة تبيَّن له أنه لربما كان يحاول فرض مفهومه السابق على القصة، وربما كان الأمر مجرد زلة بالفعل، عندها أصبح يقول في داخله أنهم على أي حال لم يقترفا جريمة شنيعة، بل فقط أكلا قطعتين من الفاكهة، إذًا ليست أعظم خطيئة في تاريخ البشرية. هنا تأتي الآية الكريمة التالية: «فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ» [البقرة : 36]. ومعناها أن الشيطان أوقعهما في الخطيئة: بأنْ وسوَس لهما حتى أكلا من الشجرة، فتسبب في إخراجهما من الجنة ونعيمها. وقال اللّه لهم: اهبطوا إلى الأرض، يعادي بعضكم بعضًا – أي آدم وحواء والشيطان – ولكم في الأرض استقرار وإقامة، وانتفاع بما فيها إلى وقت انتهاء آجالكم.
بالرجوع إلى الآية المباركة يستوقفنا سؤال كبير ينتظر إجابة؛ ما الذي كانا فيه؟ فنعود من حيت بدأنا أولًا، والقصد أن الإنسان تَم تعليمه من قِبَل الله عز وجل، وأدركنا قدراته المعرفية، ثم عَلَّمنا ربّنا سبحانه وتعالى قدراته الأخلاقية. بمعى أن الإنسان كائن أخلاقي ينبغي له القيام بإتخاد اختيارات. ثم يعطيه الله هذا الاختبار. ليس الأمر شديد الخطورة، ولا يمكن الحكم على خطأ سيدنا آدم عليه السلام بالخطيئة الكبرى، أيًّا كان المقياس الذي سنستخدمه في تقييم هذا الخطأ.
لكنا ندرك أن الله تعالى، في الأصل خلق الإنسان، ليكون خليفة له على أرضه، وكانت هناك فترة تمهيدية له في الجنة لِيَنمو ويدرك كيف يكون كائن أخلاقي، لكن سيضعه الله سبحانه وتعالى على الأرض، عندما اتَّخد أول قرار في حياته، وارتكب على إثره زلة بتحريض من الشيطان، التي لا يمكن أن تتعدى أن تكون زلة تماما كما صورها القرآن الكريم، ولكنها كذلك علامة قوية، تضهر مَدى استعداد وجاهزية هذا الإنسان، على إتخاد القرارات المصيرية، بتصرف منفرد، وإنجاز الإختيارات، واجتياز الإختبارات بنفسه، لأن ربنا سبحانه وتعالى أعطاه القوة الفكريَّة، ووهبه القدرة التقريرية على ذلك.
هكذا بدت له الفائدة الوحيدة، والحكمة من الفترة التي قضاها سيدنا آدم وزوجته في الجنة، ثم يعود ليقول الدكتور جيفري لانج: لقد ظننت لوهلة، لربما أكون قد أخطأت الفهم والتحليل، أو الإستنباط أو التقدير، لربما سيغضب الله عز وجل، ويُظهر غضبه في الآيات القرآنية الكريمة التالية، لكن رب العرش العظيم، قال وقوله الحق: «فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ» [البقرة : 37].
لَوْ كان لدى جيفري لانج أدنى شَك حتى هذه اللحظة بخصوص أن كل هذا من أجل تجهيز آدم عليه السلام للقيام بمهمة على الأرض، فإنه قد تبددت كل شكوكه، لا محالة بهذه الآية العظيمة، بعد تحقق التوبة الإلهية، ووصول الرحمة الربانية. من الواضح أن نزول الإنسان إلى الأرض، صاحبه الكثير من الخوف والندم، إنه الأن في محيط جديد، لم يعتاد عليه فيما قبل. هنا توجَّه إليه مولاه؛ فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ، وربُّه في اللغة العربية تعني من سيرعاه ويحبه أكثر من الأب الشفوق، والأم الحنونة.
بالعودة إلى الآية الكريمة السابقة، نقف بوضوح على كلمات الشفقة، والرحمة والأمل، رسائل مباشرة تَحُثُّ أب الإنسانية على الاطمئنان، ثم تأتي الآية القرآنية الموالية، مواكبة ومؤكدة، بأن هذا الهبوط ليس عقوبةً، ولا كرهًا. قال اللّه لهم: اهبطوا من الجنة جميعًا، وسيأتيكم أنتم وذرياتكم المتعاقبة ما فيه هدايتكم إلى الحق. فمن عمل بها فلا خوف عليهم، فيما يستقبلونه من أمر الآخرة، ولا هم يحزنون على ما فاتهم، من أمور الدنيا. أما الذين جحدوا وكذبوا، بآياتنا المتلوة ودلائل توحيدنا، أولئك الذين يلازمون النار، هم فيها خالدون، لا يخرجون منها بنص القرأن: «قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ» [البقرة : 38].
إنها صورة عاطفية عظيمة، فالزوجان يملؤهما الخوف والخجل، يشعران بالحزن والندم، لكن ربهما العزيز الكريم، ينظر لهما بنظرة العطف والحب والحنان، ويخبرهما أنه ليس هناك ما يُخيف أو يُحزن، وكأن الله سبحانه وتعالى يقول لهما: أعلم أن الأمر صعب عليكما، ولكنه تَم إعدادكما له بدقة، منذ خلقكم الأول حتى هذه اللحظة، يجب أن يحدث هذا، هذه مرحلة مهمة من مراحل نُموّّكما، تماسكا واتبعا هذين، وكونا مطيعين لربكم الأعلى، وسأساعدكما وأرشدكما للخير كله أوله وآخره، ولن يصيبكم خوف أو حزن أو ضعف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق