الأحد، 17 مارس 2024

عمَّ يتباحثون ؟ ..

  عمَّ يتباحثون ؟!..     

بقلم الدكتورة: زينب عبد العزيز.

عمَّ يتباحثون وعمَّ يتشدقون وقد تم إغتصاب أرض فلسطين حتى الثمالة؟!.. 
مَن يتأمل خريطة أرض فلسطين، كيف كانت عام 1948 وما آلت إليه عام 2005 (فما بالُنا عام 2009) بعد إحتلالٍ تواطأ فيه من تواطأ من حكام العالم الغربي والعالم الإسلامي، يدرك عملية الإبادة في لحظة.. 
وإذا ما أضفنا إلى هذا الإقتلاع خط سير "جدار العار" الأسمنتي، الذي تم غرسه بتعاريج وإلتواءات ثعبانية بحيث تحوّل المعسكرات الفلسطينية إلى معتقالات لا إنسانية، من ناحية، والمحاصرة القاتلة التي يمارسها الصهاينة على قطاع غزة بالحصار التام المفروض عليها منذ أكثر من عامين ولم يُرفع للآن، يدرك حقيقة الوضع الذي يتباحثون حوله .. 
بل ويدرك كيف أن عبارة "الدولتين" التي يتغنون بها حالياً ليست إلا فقّاعة من تلك الفقّاعات التى تنبثق من آن لآخر لتشغل الرأي العام العالمي والمحلي، بينما مخطط الإحتلال التام يتواصل ترسيخه بإصرار على مرأى ومسمع من الجميع بل وبمشاركة منهم!..

ولا يسع المجال هنا لإستعراض كافة نقاط هذه الكارثة الإنسانية بكل المقاييس، لكن تكفي الإشارة إلى بعض نقاط، في أهم المجالات المتعلقة بها، لتوضيح الخطوط الرئيسية لتلك المأساة المتفردة في العالم، علّها تعاون بعض الضمائر الحيّة على إستعادة الأرض السليبة لأصحابها:

*المجال السياسي:
إن القرار رقم 181 الصادر عن هيئة الأمم يوم 27 نوفمبر عام 1947 والخاص بتقسيم فلسطين قد حصل على 33 صوتاً من الـ57 للدول الأعضاء، ومثل هذا التقسيم لم يتم أصلاً، ثم أنه قرار لم يحصل على الأغلبية المطلقة للأصوات وإنما على أكثر من النصف بقليل، كما أنه لم يتم التصديق عليه من مجلس الأمن، لذلك فهو قرار لا شرعية له.. ومن الملاحظ أن القرار الخاص بإعلان إقامة دولة إسرائيل لا يتحدث عن عدد ضحايا المحرقة وإنما نص على: "أن المحرقة التي أبادت ملايين من يهود أوروبا"، أي أنه حتى ذلك التاريخ لم يكن رقم "الستة ملايين" التي يساومون بها العالم قد تحدد، وإنما أضيف فيما بعد عندما تم فرض الإيمان به بمحكمة نارنبرج (1945-1946)!. وهو ما يكشف عن مدى التلاعب فى كل خطوة من خطوات غرس ذلك الكيان. كما أن الجمعية العامة تبنت يوم 29 نوفمبر 1947 قراراً يهدف إلى "إنشاء دولة يهودية مستقلة فى دولة إسرائيل":
« La création d’un Etat juif indépendant dans le pays d’Israël »
ولا ذكر لدولة عربية أو حتى إلى أن هذه الأرض المحتلة هي فلسطين، ولا تحديد لمصير مدينة القدس المسلمة، ولا للأماكن المقدسة، وتعقبها عبارة: "أن إعتراف هيئة الأمم بحق الشعب اليهودي في إقامة دولته المستقلة لا يمكن إبطاله أو المساس به". أي أنه منذ البداية هي دولة عنصرية دينية لا سابقة لها في العالم بل ولا حق لها فيما استولت عليه .. وفي يوم 12 مايو 1949 تقدم ذلك الكيان بطلبٍ لقبول عضويته في هيئة الأمم بضغوط من الولايات المتحدة.. وبناءً عليه صدر القرار رقم 273 الخاص بقبوله بثلاثة شروط: عدم المساس بوضع القدس، والسماح بعودة الفلسطينيين إلى ديارهم، وإحترام الحدود التى حددها قرار التقسيم!. وقرار القبول هذا غير قانوني أساساً لأنه مبني على وضع غير قانوني.. كما أن هذه الدولة غير الشرعية تحتل أرض في دولتين ذات سيادة هما سوريا ولبنان، وتزدري كافة قرارات مجلس الأمن وهيئة الأمم التي تدينها. إضافة إلى أن هذا الكيان الصهيوني المحتل لأرض فلسطين قائم بلا دستور حتى الآن، وبلا تحديد لحدود رسمية له .. الأمر الذي يكشف عن حقيقة الأطماع المستقبلية الواضحة!.
*المجال الفاتيكانى:
منذ عام 1948، عام النكبة الكبرى، وحتى مجمع الفاتيكان الثاني (1965) الذى قلَب الموازين بين المسيحية واليهودية رأساً على عقب، بتبرأته اليهود من دم المسيح، كما تؤكد الأناجيل الحالية في أكثر من مائة آية، لم يكن الفاتيكان قد إتخذ موقفاً صريحاً بالنسبة لإنشاء "دولة إسرائيل"، بل وكانت هناك العديد من الدول التي رفضت الإعتراف بذلك الكيان لعدم شرعيته، حتى قام الكرسي الرسولي في 30 ديسمبر 1993 بتوقيع إتفاقية الإعتراف "بدولة إسرائيل".. وهي إتفاقية لها مغزاها في العلاقات الثنائية بين البلدين، إذ تنص المقدمة على: "التفاهم والصداقة المتبادلة لا بين البلدين فحسب وإنما بين الكاثوليك واليهود بصفتهما الذاتية"! وهو ما يفسّر التضامن المطلق، بكل مغالطاته، بين الغرب المسيحي المتعصب والكيان الصهيوني المحتل لأرض فلسطين.. وأول ما يلفت النظر أن موقف الكرسي الرسولي في هذه الإتفاقية قد تعمّد استبعاد عبارة "تدويل القدس"؛ كما أن الفقرة الثانية من البند 11 تنص على "أن الكرسي الرسولي يتعهد بإلتزامه الصارم بعدم التدخل في الصراعات المدنية وأن هذا يسري خاصة على الصراعات حول الأراضي وحول الحدود" !!. الأمر الذي يفسر المواقف والعبارات المائعة أو غير المحددة التي تبناها الفاتيكان والكرسي الرسولي في كافة الحروب الإقتلاعية التي شنها الكيان الصهيوني على الفلسطينيين ولا يزال..
ومن أكبر المغالطات الدينية التي إقترفها الفاتيكان والكرسي الرسولي أن كلاً منهما يعلم تماماً أن عودة اليهود، وفقاً لنصوص العهد القديم، مرهونة بعودة المسيح، أي أنه لا يحق لهما شرعاً أو ديناً السماح بإنشاء دولة لليهود قبل عودة المسيح !! كما أن هذه الأرض، في نفس تلك النصوص منحها سيدنا إبراهيم لذريته بلا أي تفرقة بينهم، وذرية سيدنا إبراهيم كما هي مكتوبة في نفس النصوص، تبدأ بابنه البكر إسماعيل، جد المسلمين، الذي تم عهد الرب بالختان على أيامه، وبعده بأربعة عشر عاماً أتى إسحاق.. وحق الإبن البكر معروف في هذه النصوص.
*موقف بنديكت السادس عشر :
منذ توليه منصب البابوية وهو لم يكف عن إعلان أنه ملتزم بقرارات مجمع الفاتيكان الثانى، الذي برَّأ اليهود من دم المسيح؛ وقرر تنصير العالم؛ وفرض المساهمة فى عملية التنصير على كافة المسيحيين بكل فرقهم.. ولم يكف البابا عن الإعلان عن التزامه بوثيقة "في زماننا هذا" التي حرّفت النصوص لاستبعاد إسماعيل من نسل سيدنا إبراهيم.. ومنذ توليه ذلك المنصب أيضاً وهو لم يكف عن سب أو استبعاد الإسلام والمسلمين والاستعانة بحفنة منهم لتنفيذ مآربه، ويكفي ما قام به البابا وأساقفته للحصول على خطاب ال138 الذي به فرية أننا نعبد نفس الإله!.. وكلها حقائق ثابتة لديه.
وإذا ما تأملنا جولته الأخيرة في الأراضي المقدسة لرأينا أنه ما من منطقة مسلمة إلا وغرس فيها كنائس جديدة وخاصة تلك الجامعة اللاهوتية التي "سيدرس بها المسلمون والنصارى" على حد قوله، والنصارى هناك يشكلون أقل من 2% من تعداد هذه الشعوب ذات الأغلبية المسلمة الساحقة.. ومن الملاحظ أنه تحاشى ذكر أو التحدث عن "الإحتلال" الصهيوني، مطالباً في أكثر من خطاب "بالأمن لإسرائيل" ، بينما راح يطالب الفلسطينيين بالتخلي عن "الإرهاب" للعيش في سلام – والإرهاب هي التهمة التى نجح الغرب المسيحي المتعصب في إلصاقها بالمسلمين باختلاقه مسرحية 11 سبتمبر 2001 التي سمحت لهم بالتلفع بشرعية دولية مفتعلة لإقتلاع الإسلام والمسلمين ..كما نلاحظ أنه دائم الإشاره إلى الله على "أنه الإله الذي تحدث إلى البشر في الكتاب المقدس" وأنه الإله الوحيد الحقيقي ولا إله سواه !.. كما أن سيادة الحبر الأعظم قد بدأ رحلته في إسرائيل بالإشارة إلى: "الرباط الذي لا انفصال فيه بين الكنيسة والشعب اليهودي" ، وهي نفس العبارة التي أنهى بها رحلته في الخطاب الذي ألقاه من مطار تل أبيب قبل عودته!. ولا نقول شيئاً عن خطابه في "ياد فاشم"، متحف المحرقة، الذي وصفه اليهود بالفتور الشديد، فاضطر إلى تعويض ذلك الفتور بعبارات ممطوطة واضحة الإفتعال قبل مغادرته .. ولا يليق بمن في مثل مركزه أن يوصف بالخضوع لضغوط الصهاينة!!.
فلا يسعنا إلا أن نتساءل عن أي دولة للفلسطينيين يتحدث، وفي أي مكان، بعد كل هذه المواقف المتعنتة المعلنة، وكلها مواقف بوجهين؟. عن أي دولة وقد أبى حتى أن يزور قطاع غزة الذي لا يزال يعاني من الجوع والمرض وانعدام أبجدية المكونات الأساسية للحياة اليومية بسبب المحاصرة وعملية الإبادة المفروضتين عليه من الصهاينة ؟!. وإن كان البابا جاداً في تأييده الشكلي للحق الفلسطيني لما غادر المكان فوراً معرباً عن غضبه، على حد ما نشرته جريدة "لموند" الفرنسية يوم 15/5، عندما قام الشيخ تيسير التميمي، بارك الله فيه، ليطلب منه "التدخل لوقف العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطينى"، ولما مرّت مجرد لحظات حتى أعرب المتحدث الرسمي باسم الفاتيكان عن "عدم رضاه لماحدث"!!.
لقد وصلت القضية الفلسطينية إلى نقطة الوضع الفاصل بين الحياة والموت .. ومثل هذه الكارثة الإنسانية المتعمّدة لا تُحل بإقامة أسبوع للصلاة في كافة كنائس العالم من أجل السلام في "إسرائيل فلسطين"، من 4 إلى 10 يونيو 2009 ، كما أعددتم العدة لذلك، وإنما بحاجة إلى قرارات حاسمة، إلى قرارات رادعة ملزمة تنفذ فوراً وبتدخل هيئة الأمم ومجلس الأمن اللذين لجأتم إليهما من أجل فرض حرية العقيدة وتنصير العالم - و هو ما يمارس حالياً في شعب أفغانستان وشعب العراق .. وأقل ما تبدأ به هذه القرارات هو تجميد الإعتراف من كافة دول العالم بالكيان الصهيوني المحتل لأرض فلسطين، وتجميد التعامل معه في كافة المجالات حتى يرضخ لمطلب الشعوب الغاضبة في المجتمع الدولي، فمن يطالع مطالبها يدرك مدى الغليان الذي يعتمل بداخلها غضبا وإهانة!
لذلك يجب على كافة أصحاب القرار المسلمين والعرب، فى كافة المجالات، أن يتقوا الله في دينهم وأن يتقوا الله في شعوبهم، وأن يكفّوا عن التنازلات التي يقدمونها في كل لقاء، والقيام بتعديل تلك المبادرة العربية المزعومة بالتمسك بالثوابت الأساسية، وأهمها: القدس كاملة عاصمة لفلسطين؛ وحق عودة جميع اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم؛ والمطالبة بتعويضهم عن كل الدمار الذي لحق بأرضهم وعن تدمير مئات القرى ببنياتها؛ وعن إستغلال ثرواتهم الطبيعية بأنواعها على مدى واحد وستين عاماً، فحدود 1967 التى يتشدق بها البعض تعني ضياع 80 % من أرض فلسطين!!.
أما البابا بنديكت 16، الذى أبى الذهاب إلى قطاع غزة، لأي سببٍ كان، فلا يسعني إلا أن أقدم له صورة حقيقية لما آل إليه أطفال غزة وسكانها من القذف المتواصل بالفوسفور الأبيض وبكافة الأسلحة المحرمة دولياً.. ذلك هو حال غزة: طفلة تفحّمت .. وبعدها نهشت جثتها الكلاب المدرّبة..
إتقوا الله جميعاً فالكفن لا جيوب له، ولا يبقى سوى صالح الأعمال ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق