التطبيع والمطبعون في القرآن
الشيخ عبدالحميد جاسم البلاليقال الله تعالى في سورة «المائدة»: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (المائدة: 51).
المعنى العام لـ«لا تتخذوهم أولياء»: لا تجعلوا اليهود والنصارى حلفاء وأصدقاء مقربين لكم، ولا تتخذوهم عونًا لكم على المؤمنين، فهل يتعظ من يعمل ليل نهار من مدعي التدين، وبعض الحكومات الإسلامية للكف عن الضغط على المقاتلين لليهود الصهاينة في غزة، وإجبارهم على التخلي عن السلاح والجهاد، موالاة لليهود والنصارى، بحجة إنقاذ أهل غزة من القتل والجوع؟!
الصورة الحديثة لموالاة اليهود
ومصطلح «التطبيع» الصورة الحديثة للمصطلح الشرعي «الموالاة»، حيث يعرف الشيخ ابن باز «موالاة الكفار» بأنها «المحبة، والنصرة، والتأييد لهم على المسلمين، والرضا بدينهم، وأخلاقهم»، وهذا تمامًا ما يحدث مع المطبعين تجاه اليهود وكيانهم المزعوم، فهم:1- يحبونهم، ويثقون بهم، ويصدقون عهودهم ووعودهم.
2- ينصرونهم على المسلمين المقاتلين في فلسطين، ويساعدونهم في محاصرتهم، ويمنعون وصول الطعام والشراب والدواء لهم، بل ويمدونهم بالمعلومات الاستخباراتية، ويفتحون أجواءهم لقتل المجاهدين، ويمدونهم بالوقود والطعام ليواصلوا حربهم ضد المجاهدين.
3- التأييد لهم ضد المجاهدين، سواء في المحافل الدولية، أو في الإعلام، أو تسفيه آراء المجاهدين ومتطلباتهم.
الخلط بين السماحة والولاء
يقول سيد قطب: إن المسلم مطالب بالسماحة مع أهل الكتاب، ولكنه منهي عن الولاء لهم بمعنى التناصر والتحالف معهم، وإن طريقه لتمكين دينه وتحقيق نظامه المتفرد لا يمكن أن يلتقي مع طريق أهل الكتاب، ومهما أبدى لهم من السماحة والمودة، فإن هذا لن يبلغ أن يرضوا له البقاء على دينه وتحقيق نظامه، ولن يكفهم عن موالاة بعضهم لبعض في حربه والكيد له.. وسذاجة أية سذاجة وغفلة أية غفلة، أن نظن أن لنا وإياهم طريقًا واحدًا نسلكه للتمكين للدين! أمام الكفار والملحدون فهم مع الكفار والملحدين، إذا كانت المعركة مع المسلمين!وهذه الحقائق الواعية يغفل عنها السذج منا في هذا الزمان وفي كل زمان؛ حين يفهمون أننا نستطيع أن نضع أيدينا في أيدي أهل الكتاب في الأرض للوقوف في وجه المادية والإلحاد -بوصفنا جميعاً أهل دين- ناسين تعليم القرآن كله، وناسين تعليم التاريخ كله.
مبررات المطبعين
لا بد أن نعلم بأن الله سمى المطبعين، أو الموالين لليهود والنصارى بـ«المنافقين»، وذكر مبرراتهم في عهد الرسالة، التي لا تختلف عن مبررات المطبعين في العصر الحديث، حيث يقول تعالى:(فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ) (المائدة: 52).
يقول الإمام الطبري: فتأويل الكلام إذًا: فترى، يا محمد، الذين في قلوبهم شكٌّ، ومرضُ إيمانٍ بنبوّتك وتصديق ما جئتهم به من عند ربك، (يُسَارِعُونَ فِيهِمْ)؛ يعني في اليهود والنصارى، ويعني بمسارعتهم فيهم: مسارعتهم في مُوالاتهم ومصانعتهم (يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ) يقول هؤلاء المنافقون: إنما نسارع في موالاة هؤلاء اليهود والنصارى، خوفًا من دائرة تدور علينا من عدوّنا، ويعني بالدائرة الدولة، كما قال الراجز:تـرُدُّ عَنْــكَ القَــدَرَ المَقْــدُورَا وَدَائِـــرَاتِ الدَّهْـــرِ أَنْ تَــدُورَا
يعني: أن تدول للدهر دولة، فنحتاج إلى نصرتهم إيانا، فنحن
نواليهم لذلك،
فقال الله تعالى لهم:(فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ)؛ سبحان الخالق العليم، وكأنه يتحدث عن واقعنا الذي نعيش فيه، بدقة متناهية، فهذا هو موقف معظم الحكومات الإسلامية هذا الزمان، وتبريرهم للمولاة والتطبيع مع اليهود، وخذلان المدافعين عن أرضهم من المسلمين، (نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ) و«إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ»!
من عجائب آية موالاة اليهود
عندما نتدبر الآية الكريمة، لقوله تعالى: (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ) نستخلص منها بعض العجائب، التي لو أدركها المطبعون حق الإدراك، لما أقدموا على مثل هذه الخيانة، فمن عجائب هذه الآيات:1- تسمية الموالين للكفار من اليهود والمشركين والمطبعين معهم بـ«مرضى القلوب».
2- هذا المرض ناشئ من خلل بالإيمان، وعدم الإدراك الحقيقي لصفات الإله، واعتقاد بأن المخلوق هو الذي يملك النفع والضرر.
3- قوله تعالى على لسان الموالين للمشركين (نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ) هو تلخيص لمبررات المطبعين في كل زمان ومكان، التي من أبرزها: نخشى أن تغضب علينا الدول الكبرى من المشركين فتتآمر علينا، وعلى أنظمتنا.
ونخشى أن تحاصرنا اقتصادياً، كما فعلت مع دول أخرى عارضتها.
وتحيك المؤامرات علينا.
سبحان الله! الله يتحدث عن المنافقين، حيث لا يتغير سلوكهم ودوافعهم في كل زمان ومكان.
الخوف من المخلوق أكثر من الخالق
لو تحقق المعنى العميق للإيمان والتوحيد في نفوس المطبعين الموالين لليهود، الذي من بينه بأن الله هو وحده الذي ينفع ويضر، والبشر ليس لهم حول ولا قوة إلا بإذنه، لما أقدموا على التذلل لليهود والتطبيع معهم، ومحاربة المجاهدين، الذين يدافعون عن حقهم وأرضهم من المغتصبين.
يقول الشيخ السعدي: قوله تعالى على لسان المنافقين الذين يسارعون في موالاة اليهود والنصارى (نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ)؛ أي: تكون الدائرة لليهود والنصارى؛ فإذا كانت الدائرة لهم؛ فإذًا لنا معهم يدٌ يكافِئونا عنها، وهذا سوء ظنِّ منهم بالله، قال تعالى رادًّا لظنِّهم السيئ: (فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ): الذي يُعِزُّ الله به الإسلام على اليهود والنصارى، ويقهرهم المسلمون، (أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ): ييأسُ به المنافقون من ظَفَرِ الكافرين من اليهود وغيرهم، (فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ)؛ أي: أضمروا، (فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ): على ما كان منهم، وضَرَّهم بلا نفع حَصَلَ لهم، فحصل الفتحُ الذي نصر الله به الإسلام والمسلمين، وأذلَّ به الكفر والكافرين، فندموا وحصل لهم من الغمِّ ما الله به عليم.
هذه بعض الآيات من سورة «المائدة» التي تتحدث عن التطبيع في عهد النبوة، والتي لا تختلف عما يحدث في هذا الزمان، عسى أن يكون في ذلك عبرة لمن يعتبر.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق