الاثنين، 18 أغسطس 2025

آلاف من الإسرائيليين يتظاهرون في تل أبيب ضد قرار احتلال غزّة

 آلاف من الإسرائيليين يتظاهرون في تل أبيب ضد قرار احتلال غزّة

 

وائل قنديل

كلّما يمعن الكيان الصهيوني في الوضوح، إلى درجة الوقاحة، يطالبه العرب بتقديم إيضاحاتٍ، يقول نتنياهو إن حدود كيانه، كما يستقرّ في عقيدته، تشمل مصر ودولًا عربية أخرى، فتدّعي القاهرة أن الأمر ملتبسٌ، وبحاجة إلى الإيضاح. لماذا والحال كذلك يتوقف الصهيوني عن التوسّع في أحلامه ليفرض سيطرته على جغرافيا المنطقة بالكامل، إذا ردّ فعل العرب لا يتجاوز المطالبة بإيضاحات في وقتٍ يمارس هو على أرض الواقع فعل الضمّ واحتلال مزيد من المساحات؟

في الحالة المصرية، كان الاختبار الصهيوني الأول لحدود ردّات فعل القاهرة بعد العدوان على غزّة إعلان الجيش الإسرائيلي، الأربعاء 29 مايو/ أيار 2024، اكتمال سيطرته العسكرية الكاملة على محور صلاح الدين (فيلادلفي) بين قطاع غزّة ومصر، وذلك بعد أربعة أشهر من إعلان نتنياهو أن "محور فيلادلفي يجب أن يكون تحت سيطرتنا، ويجب إغلاقه... وأي ترتيب آخر لن يضمن نزع السلاح الذي نسعى إليه". فماذا فعلت القاهرة؟ خرج رئيس هيئة الاستعلامات المصرية الرسمية، ضياء رشوان، في بيانٍ له، يؤكّد أن احتلال "فيلادلفي" خطٌّ أحمر، وأن أي تحرّك إسرائيلي باتجاه احتلال المحور سيؤدّي إلى تهديد خطير وجدّي للعلاقات المصرية الإسرائيلية، وأن مصر قادرةٌ على الدفاع عن مصالحها والسيادة على أرضها وحدودها".

بعد 15 شهرًا بالتمام والكمال من احتلال إسرائيل محور فيلادلفي أدرك الصهيوني، أو لعله كان يدرك منذ البداية، أن موضوع الخط الأحمر ليس أكثر من نكتةٍ سياسيةٍ فاقعة تتكرّر كثيراً في الخطاب الإعلامي المصري، كما تبيّن أن علاقة مصر مع الاحتلال أقوى وأكبر من كل "تهديد خطير وجدّي للعلاقات"، كما زعم ضياء رشوان، والأدلّة كثيرة، من صفقات الغاز الضخمة إلى التعبّد في محراب الوساطة التي لم تحقن دمًاً ولم توقف حربًاً.

كل يوم يمرّ يؤكّد الحقيقة المرة: أن العرب دفعوا وسوف يدفعون أثمانهم باهظة لمواقفهم التي جاءت أشبه بالانتحار الجماعي في 7 أكتوبر (2023)، عندما اندفعوا في إصدار بيانات الإدانة لعملية طوفان الأقصى، ويصطفّون مع الموقف الأميركي الإسرائيلي في وصف المقاومة المسلحة للاحتلال بالإرهاب، وينهالون عليها بسياط مما يمكن وصفه بالدونية السياسية والاستسلام لمنطق غطرسة القوة.

اليوم يقول لهم نتنياهو إن مشروعه يتجاوز غزّة وفلسطين ولبنان والأردن وسورية، وقائم على فرض هيمنة "مملكة إسرائيل" على "دويلات وكيانات" المنطقة العربية. وفي سبيل ذلك، لن يسمح ببقاء مقاومة لهذا المشروع في فلسطين أو في غيرها، فلا يجد من النظام العربي سوى ممارسة الضغوط على المقاومة ومحاولة إقناعها بأن تحفر قبرها بيدها.

استباقاً للغزو الإسرائيلي مدينة غزّة بتحلدف احتلالها، طالب محمود عبّاس رئيس ما تسمى "سلطة فلسطينية" فصائل المقاومة الفلسطينية بتسليم أسلحتها. 

المطلب نفسه فرضته دولة "عون- سلام" على المقاومة اللبنانية، خضوعاً لإملاءات أميركية تضمّنتها ورقة مبعوث واشنطن توم برّاك. وهكذا مطلب إنهاء وجود المقاومة المسلحة صار نقطة التقاء رغبات قيادات الاحتلال والقيادتين الفلسطينية، في رام الله، واللبنانية في بيروت، على الرغم من أن الكيان الصهيوني يواصل بالقوة العسكرية الباطشة التهام أراضٍ في الضفة الغربية وجنوب لبنان، ليكتشف الفلسطينيون المحاصرون في غزّة أنهم وحدهم يواجهون أطماع الكيان الصهيوني في المنطقة العربية كلها، ولا شيء لدى العرب سوى التسوّل من القوى الدولية أن تتدخّل وتضغط على نتنياهو، أو الاختباء خلف تظاهرات المجتمع الصهيوني ضد نتنياهو التي تطالب باستعادة "المختطفين" في غزّة، ليندفع خلفهم الخطابان، الدبلوماسي والإعلامي، العربيان، معتمداً مصطلح "المختطفين" في وصف جنود الاحتلال الذين ذهبوا للقتال في حرب إبادة الشعب الفلسطيني، فوقعوا في أسر المقاومة الباسلة، التي يشاطر النظام العربي نتنياهو العداء لها، لكنه يحاول لعب دور الوسيط معها.

صارت قضية العشرين أسيراً من جنود الاحتلال قضية العرب المركزية، فيما لا تهزّهم مأساة قتل أكثر من ستين ألف شهيد فلسطيني، عمداً وقصداً وهدفاً رئيساً للحرب، كما اعترف بذلك الرئيس السابق للموساد الصهيوني، وكما يؤمن بذلك كل صهيوني يعيش على أرض فلسطين، من نتنياهو إلى هؤلاء المتظاهرين ضده والذين يلحّ الإعلام الرسمي العربي على أسماعنا وأبصارنا لإقناعنا بأنهم طيّبون، وأنهم الأمل الوحيد للتصدّي لأطماع اليمين الصهيوني المتطرّف.

لم يعد الأمر بحاجةٍ إلى إيضاحات أو توضيحات، فالكيان الصهيوني الآن في لحظة غير مسبوقة من تقديم نفسه على الوجه الصحيح، عصابات احتلال يقودها مجرمون، وليس دولة يحكمها سياسيون. هكذا بدأت إسرائيل، وهكذا تحيا، وهكذا سوف تنتهي، حيث يعتبر المستعمرون فلسطين كلها ساحة حرب، يتقدّم فيها المستوطنون على الجنود، ويتفوّقون في الكراهية والرغبة في الاجتثاث والإبادة، بحيث صار المستوطن (المدني البريء بمقاييس الملهاة) أكثر شراسةً في القتال والعدوان. وفي مقابل ذلك، يناضل النظام العربي في محاولة إعادة تعريف نفسه على الوجه الزائف، ثم يصبح مطلوباً منك أن تدين فعل المقاومة وتجرّمه، وتصف المقاومين بالقتلة، لتحصل على شهادة حسن سير وسلوك.

هنا تسطع الشقية الإيطالية فرانشيسكا ألبانيز تنير عتمة القلوب والضمائر وتقدم درساً جديداً في الكرامة حين تعلن: يجب التوقف عن وصف حركة حماس بالقتلة فقد تم انتخابهم ديمقراطيّاً، فمتى يدرك الرسميون العرب أن الأرض العربية سوف تتوقف عن كونها عربية إذا عقمت عن إنبات المقاومة؟.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق