هل يؤمن العرب بأنهم جزء من المجتمع الدولي؟
يعلن العرب اندماجهم الكامل في المجتمع الدولي والتأثير فيه، وربّما التفوّق عليه، في كلّ ما يرتبط بمسائل التجارة والاستثمار والاقتصاد والرياضة، لكنّهم حين يتعلّق الأمر بالسياسة، وتحديداً قضية فلسطين، يتصرّفون وكأنّهم كائنات غريبة تحيا على هامش هذا المجتمع الدولي، وتتحرّك تبعاً لاتجاهات حركته، ولا تحاول أن تكون جزءاً منه، أو عاملاً مؤثّرأً فيه.
تتجدّد هذه الأيام موجات الاستجداء الرسمي العربي واستعطافه والتوسّل إليه، لكي يمارس ضغوطاً على إسرائيل، كي تهدّئ من إجرامها بحقّ الشعوب العربية، وكأنّ ثمّة إقراراً بأنّ لا وزن للعرب ولا تأثير، بل لا وجودَ حقيقيّاً لهم داخل إطار هذا المجتمع الدولي، وبالتالي، هم ليسوا معنيين بالضغط على الكيان الصهيوني، على الرغم من وفرة ما يملكونه من أدوات ضغط يمكنها أن تردع الاحتلال عن المضي في إبادة الشعب الفلسطيني، ومحاولات فرض الهيمنة الجغرافية والسياسية على أراضي أربع دول عربية على الأقل.
في اجتماع العرب تحت مظلّة ما سميّت "القمّة العربية الاسلامية" في جدة قبل يومين، وبعد ساعات من المشاورات والمداولات والثرثرات، انتهى الأمر بمناشدة المجتمع الدولي الضغط على إسرائيل، وكأنّ كل المجتمعين لا يروْن أنفسهم من هذا المجتمع، ولديهم ما يكفي للضغط على الاحتلال، اقتصاديّاً وسياسيّاً، إذ في الوقت الذي يتوغّل فيه الصهاينة في عمق أراضي الضفة الغربية، بالتوازي مع عمليات الإبادة والتطهير العرقي اليومية في غزّة، لا تزال دول عربية وإسلامية تتبادل المصالح الاقتصادية مع هذا الاحتلال تصديراً واستيراداً وتعاوناً تجاريّاً في مجالات شتّى، وتلك هي الجريمة الصامتة التي يشارك فيها النظام العربي الاحتلال أطماعه وجرائمه، منذ صعد اليمين الديني الصهيوني المتطرّف إلى قيادة الكيان المحتل.
في العام 2021 كان إقدام مجموعات من المستوطنين الصهاينة على مهاجمة بلدة حوارة وقرى فلسطينية أخرى جنوبي مدينة نابلس، لطرد سكانها والسيطرة عليها، ما فجّر انتفاضة فلسطينية عارمة توجّتها ملحمة الصمود الفلسطيني في حي الشيخ جرّاح فيما بعد، وكان المشهد أقرب إلى إعادة الصراع على فلسطين إلى جذوره في بدايات القرن الماضي: عصابات من اللصوص الغرباء القادمين من الخارج يهجمون على أراضٍ ومنازل لانتزاعها بالقوّة من سكّانها الأصليين وطردهم منها واتخاذها وطناً وسكنًا لهم. وكان المنتظر هبّة رسمية عربية تردع عصابات الاحتلال وتدعم صمود الشعب الفلسطيني في أرضه، غير أنّ ما جرى لاحقاً كان عكس ذلك تماماً، حين هرول عرب إلى اجتماع تحت قيادة إسرائيل فيما عُرِفت بقمّة النقب التي انعقدت في الأسبوع الثالث من مارس/ آذار 2022 وضمّت مصر والأردن والإمارات والبحرين والمغرب، وفيها لخّص وزير خارجية الإمارات، عبد الله بن زايد، موقف العرب الجدد من الصراع بالقول "إنها لحظة تاريخية وللأسف أضعنا هذه الأعوام الثلاثة والأربعين" (منذ أبرمت مصر وإسرائيل معاهدة السلام)، وخسرنا على مدار هذه الأعوام معرفة بعضنا بعضاً بشكل أفضل والعمل معاً، وتغيير السردية التي نشأت عليها أجيال من الإسرائيليين والعرب". مضيفًا "ما نحاول بلوغه اليوم هو تغيير هذه السردية وخلق مستقبل مختلف"، ليختم: "إسرائيل جزء من هذه المنطقة منذ وقت طويل، لكنّنا لم نتعرّف على بعضنا. لذلك حان الوقت لتدارك ما فاتنا".
كانت تلك القمّة الصهيونية بمثابة إعلان استقالة العرب رسميّاً من القضية الفلسطينية، والذهاب إلى التنافس في فنون النفاق السياسي، بمعنى كتابة بيانات التنديد بوحشية جرائم إسرائيل بيد، والتوقيع معها على صفقات سريّة وعلنية باليد الأخرى، ثم مناشدة المجتمع الدولي كي يضغط على الاحتلال، مع أنّ أهوال العامين الماضيين وفظائعهما كشفت للجميع أنّ هذا المجتمع الدولي تخلّى عن قانونه الدولي، والإنساني، وارتضى أن تصبح إسرائيل فوق القانون، بل هي القانون نفسه، إذ صارت القرارات تصدر، فقط، لكي تسخر منها إسرائيل وتنتهكها.
الآن، انحدر العرب إلى مستوى أدنى من التسوّل من المجتمع الدولي والتوسّل إليه، حين وضعوا الأمر كلّه بيد الإدارة الأميركية، التي منحت نفسها سلطة إدارة الكرة الأرضية، عوضاً عن المجتمع الدولي وهيئاته الأممية. وفي قاموسنا المعاصر، واشنطن مرادف تل أبيب، ومن ثم يصبح الاحتكام إلى أميركا نوعاً من الارتهان الصامت للمشيئة الإسرائيلية.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق