الاثنين، 25 أغسطس 2025

حدود إسرائيل الكبرى من الخرائط الصهيونية

حدود إسرائيل الكبرى من الخرائط الصهيونية

ما المقصود بـ” نهر مصر” في الوعد المزعوم؟


تجدد الحديث عن إسرائيل الكبرى بعد تصريحات بنيامين نتنياهو في لقاء تلفزيوني مع قناة i24 الإسرائيلية، أعلن فيه أنه في مهمة تاريخية وروحية لتحقيق الحلم الصهيوني بإقامة إسرائيل الكبرى، وتعمد رئيس الوزراء الإسرائيلي إخفاء الخريطة المرسومة على التميمة التي أعطاها له المذيع هدية لزوجته سارة، ولكن صحيفة تايمز أوف إسرائيل كشفت بعض المعلومات عن اللقاء، وأن الخريطة تتضمن التوسع في أراضي أكثر من دولة عربية.

في كل مرة يثار فيها موضوع إسرائيل الكبرى ينطلق الإعلام العربي لنشر خريطة تضم الأراضي من الفرات إلى النيل، بغرض التحذير من الأطماع الصهيونية، وسبق أن ادعى البعض أن خريطة من الفرات إلى النيل مرسومة على باب الكنيست الإسرائيلي، رغم أن أعضاء من عرب 48 يدخلون ويخرجون ولم ير أحد منهم هذه الخريطة المتداولة!

الحقيقة أن كل الخرائط المنشورة في العالم العربي عن إسرائيل الكبرى مصدرها العرب، ولا يوجد لها مصدر يهودي أو صهيوني يعتد به، رغم أن الخرائط التوراتية والصهيونية عن إسرائيل الكبرى تمتليء بها الموسوعات والأطالس اليهودية والغربية، وتعمل الحكومات الإسرائيلية على تنفيذ هذه الخرائط بشكل علني، وبكل الوسائل العسكرية والسياسية، وبحيل وخدع غير عسكرية تمهد لضم المزيد من الأرض العربية.

ما المقصود بـ” نهر مصر” في الوعد المزعوم؟

التصورات الإسرائيلية قديما وحديثا تدور حول تفسير ما يزعمون أنه وعد إلهي لإبراهيم بأن الأرض الممتدة من الفرات إلى نهر مصر ملك لذريته من بعده، وهو الوعد الذي ورد في سفر التكوين وجاء فيه: «في ذلك اليوم عقد الله عهدا مع أبرام (إبراهيم) وقال: سأعطي لنسلك هذه الأرض، من نهر مصر إلى النهر العظيم نهر الفرات» وهو الوعد الذي انتقل بعد ذلك في نصوص أخرى وبصيغ متعددة إلى إسحاق ثم يعقوب، واستُبعد منه إسماعيل الابن الأكبر لإبراهيم.

حدث خلط بسبب تفسير المقصود بـ”نهر مصر” حيث فسره بعض العرب بأنه نهر النيل، رغم أن النيل ورد باسمه في مواضع أخرى من التوراة، والحقيقة أن المقصود هو نهر العريش وهو ما يعرف الآن بـ”وادي العريش” وهو مخر سيل تتجمع فيه المياه القادمة من الأودية كل عام وتصب في البحر المتوسط، وهذا النهر كان يجري منذ 3 آلاف عام حتى حدث تصدع أرضي بسبب زلزال سد المجرى الرئيسي، فتسبب في تشتت معظم مياه الأودية وجفاف البحيرات التي تخزن المياه وتغذي النهر.مملكة داود وسليمان

تدور خرائط إسرائيل الكبرى التي تنشرها المراجع اليهودية وأطالس التوراة والإنجيل حول حدود مملك

ة داود وسليمان، التي تمتد من الفرات إلى العريش، ومن المعلوم أن اليهود منذ خروجهم من مصر لم يدخلوا فلسطين إلا بعد التيه وموت الجيل الذي عبد العجل، وعاشوا قرونا وسط الكنعانيين والفلسطينيين في مستوطنات متناثرة يحكمهم قضاة فيما عرف بعصر القضاة.

ولأن داود وسليمان كانا نبيين وصل نفوذهما إلى مساحات شاسعة، خاصة سليمان الذي أعطاه الله ملكا لم يعطه لأحد من قبله، فقد سخر الله له الريح والجن والطير، وقد قص لنا القرآن الكريم قصة سليمان مع بلقيس ملكة سبأ في اليمن، وكان سليمان صديقا لجيرانه وعلاقته بهم طيبة، وحتى الحروب التي خاضها مع بعض الشعوب المجاورة كان غرضها الإخضاع ودفع الجزية مع تركهم في أراضيهم وفي مقدمتهم الفلسطينيون، وهناك فرق بين النفوذ وبين احتلال أرض الغير وإبادتهم ثم توطين اليهود فيها.

انقسام المملكة يكشف المبالغة في حجمها

لم تكن لليهود في فلسطين دولة موحدة إلا في فترة حكم داود وسليمان التي لم تزد على 80 عاما، ثم انقسموا بعد موت سليمان إلى مملكتين: الأولى اسمها “إسرائيل” في الشمال عاصمتها نابلس، بها 10 من القبائل اليهودية، والأخرى جنوبية اسمها “يهودا”عاصمتها القدس وبها قبيلتان، وقد ارتد يهود المملكة الشمالية عن تعاليم موسى وعبدوا البعل الذي يعبده الكنعانيون، وتم القضاء عليهم في الغزو الآشوري عام 722 ق. م، واختفت القبائل العشر منذ ذلك التاريخ، ولم يعثر لها على أثر.

وبقيت المملكة الجنوبية “يهودا” غرب البحر الميت في مساحة صغيرة تعمل لصالح الإمبراطوريات المجاورة التي استعادت قوتها مثل مصر والآشوريين ثم البابليين حتى ضاق الملك البابلي “نبوخذ نصر” بهم من كثرة مؤامراتهم وتمردهم، فقرر عام 586 ق. م القضاء عليهم وأسر اليهود وأخذهم إلى بابل، فيما عرف بالسبي البابلي حتى أعادهم الملك الفارسي قورش بعد 50 عاما، واستخدمهم في خدمته، وكرروا نفس الدور الوظيفي مع قدوم الإغريق ثم الرومان الذين أنهوا وجودهم نهائيا عام 135م وهجّروهم إلى خارج فلسطين، للتخلص من القلاقل التي كانوا يتسببون فيها.

حدود إسرائيل الكبرى من الخرائط الصهيونية

من بين عشرات الخرائط هناك ثلاث خرائط صهيونية توضح النزعة الاستعمارية التوسعية، التي لم تتقيد بحدود مملكة داود وسليمان المزعومة، وكلما وجدوا الطريق أمامهم مفتوحا والمقاومة العربية ضعيفة تزداد أطماعهم أكثر فأكثر.

الخريطة الأولى: منشورة على موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية وتحدد إسرائيل الكبرى من الأوهام باستعادة مملكة داود وسليمان في أقصى اتساع لها بين عامي 1004 و920 ق.م. حيث تمتد من نهر الفرات شمالا، وحتى خليج العقبة جنوبا والعريش في سيناء في الجنوب الغربي، وتضم معظم سوريا، والضفة الشرقية لنهر الأردن، والجزء الجنوبي من لبنان حتى نهر الليطاني، ويبدو في الخريطة أن الساحل اللبناني حتى حيفا كان يتبع ملك صور “حيرام” الذي كان صديقا لداود وسليمان.

من الملفت أن الخريطة تظهر عدم خضوع الساحل الفلسطيني الذي يضم غزة وعسقلان وأسدود وما بعدها لحكم سليمان، وأنها خارج إسرائيل الكبرى.


(1) خريطة إسرائيل الكبرى المنشورة على موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية

الخريطة الثانية: نشرها الحاخام صموئيل إيزاكس رئيس معهد التلمود والتوراة بنيويورك (1886-1887) في كتاب بعنوان  “The True Boundaries Of The Holy Land” صدر عام 1917 وهي من أهم الخرائط التي قدمها الجناح الأرثوذكسي في الحركة الصهيونية في بداية القرن الماضي للدول الراعية ولعرضها في المؤتمرات الصهيونية للتوعية بالحدود الصحيحة -حسب زعمهم- لـ”إسرائيل الكبرى” التي يريدون إقامتها في فلسطين.

الزيادة التي قدمها الحاخام إيزاكس في خريطته هي ترجمة الأسماء القديمة لحدود أرض إسرائيل التي وردت في سفر العدد بما جعله يوسع مساحة الأرض التي عاش عليها اليهود من دان حتى بئر السبع كما وردت في كتب التاريخ اليهودي، لتشمل كل ساحل البحر المتوسط من العريش حتى جبال طوروس بالمخالفة للحقائق التاريخية ولرسامي الخرائط اليهود، والأكثر غرابة أنه مد الخريطة من نهر الفرات إلى نصف سيناء لتضم معظم حوض نهر العريش الذي يمكن إعادته للحياة مرة أخرى، وقد قامت جامعتا بوسطن ونورث كارولينا الأمريكيتين مؤخرا بتمويل دراسة استخدمت المسح الجيولوجي وصور الأقمار الاصطناعية والاستشعار عن بعد، لمعرفة سبب توقف النهر وكيف يمكن إعادته إلى صورته الأولى.

الملفت أن الذين أعدوا ملف “وثائق فلسطين” في هيئة الاستعلامات المصرية في عهد عبد الناصر عام 1969، وهو من أهم المراجع التي لا يستغني عنها أي باحث مهتم بتاريخ القضية الفلسطينية أعادوا نشر خريطة الحاخام إيزاكس نقلا عن كتاب “إسرائيل الكبرى: دراسة في الفكر التوسعي الإسرائيلي” الذي أعده الدكتور أسعد رزوق، وتم تعديل الخريطة بحذف خط الحدود من الفرات إلى سيناء، ومن غير المفهوم لماذا فعلوا ذلك.

(2) خريطة الحاخام الصهيوني صموئيل ايزاكس

الخريطة الثالثة: نشرها إيتمار بن آفي وهو من رموز الحركة الصهيونية في بدايات القرن العشرين، في كتاب ”A Zionist Primer“ الذي أصدرته منظمة “شباب يهودا” في نيويورك عام 1917، ويضم مجموعة من المقالات لرموز من الحركة لتثقيف الشباب اليهودي في الولايات المتحدة، وتعريفهم بحدود أرض إسرائيل الموعودة، وتشجيعهم على الهجرة إلى هناك لإقامة أرض أجدادهم.

هذه الخريطة هي الأخطر على الإطلاق، إذ تجاوزت كل ما سبق من خرائط؛ فحسب إيتمار بن آفي فإن مساحة إسرائيل الكبرى “تبلغ نحو مليون كيلومتر مربع، أي ما يعادل مساحة ألمانيا مرة ونصفا، أو قدر إسبانيا وفرنسا مجتمعتيْن، وأكبر على وجه اليقين من إيطاليا وإنجلترا معًا وهي تساوي تقريبًا عُشر مساحة الولايات المتحدة”.

الجديد في خريطة بن آفي هو اتساع رقعة الأطماع الصهيونية، والرغبة في التهام فلسطين كلها وثلثي سيناء، وشمال المملكة السعودية، وكل الأردن، ونصف العراق، ومعظم سوريا، وجنوب لبنان، مما يؤكد أن الخطط التوسعية الصهيونية ليس لها حدود.

معرفة الخطط الحقيقية والخرائط المرسومة، وهي متاحة؛ يساعد في الوعي بما يهدف إليه صانع القرار الصهيوني، ويساعد في وضع خطط المواجهة على أسس علمية وواقعية، والعكس صحيح؛ فالجهل بالخرائط الحقيقية قد يتسبب في تضليل صانع القرار العربي، والتعمية على الحيل الصهيونية التي تستخدم القوة العسكرية مع دول ووسائل أخرى غير عسكرية مع دول أخرى لتمهيد الأرض لصالح إسرائيل الكبرى.

(3) خريـطة إيتمار بن آفي وهي الأكثر اتساعا على حساب الدول العربية

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق