إلى أين يأخذ هؤلاء مصر؟!
ياسر الزعاترة
قديما قال المتنبي: «وكم ذا بمصر من المضحكات.. ولكنه ضحك كالبكا». ويبدو أن علينا أن نردد هذه الأيام مقولة مختلفة جوهرها: وكم ذا بمصر من المبكيات.. ولكن بكاء مدجج بالألم والحسرة، يثير الخوف من المستقبل.
حين يُكتب تاريخ مصر في هذه الحقبة، سيتوقف الناس عند مفارقات ليست من النوع الذي لم يعرف في مصر وحدها، بل لم يعرف في أي مكان من العالم، ذلك أن مصطلحات «المكارثية»، و «الفاشية» و «الشيطنة» و «التأليه» لم تعد كافية لوصف ما يجري.
حين يُكتب تاريخ مصر في هذه الحقبة، سيتوقف الناس عند مفارقات ليست من النوع الذي لم يعرف في مصر وحدها، بل لم يعرف في أي مكان من العالم، ذلك أن مصطلحات «المكارثية»، و «الفاشية» و «الشيطنة» و «التأليه» لم تعد كافية لوصف ما يجري.
وفي حين يمكن استهداف فئة بعينها في حقبة ما، في بلد ما، ثم يمر ذلك بقليل من الضجيج، بسبب هامشية الفئة المستهدفة، فإن الأمر في مصر يبدو مختلفا إلى حد كبير، إذ إن الفئة المستهدفة ليست هامشية بأي حال، حيث نتحدث عن فئة متجذرة في النسيج الاجتماعي المصري منذ عقود طويلة، وهي فئة فازت في خمس جولات انتخابية لم يمض على آخرها سوى أقل من عام (قبل شهور قليلة من الانقلاب)، وحازت على دعم وتأييد قطاعات عريضة من المجتمع المصري، ما يعني أن استهدافها على ذلك النحو من البشاعة، إنما يعني تدمير النسيج الاجتماعي، وصولا إلى دفع قطاعات منه، بخاصة من فئة الشباب إلى العنف دون التساؤل حول مداه ونتائجه.
واللافت أن المنطق يبدو غائبا أو مغيّبا، باستثناء أصوات محدودة تتحدث بصوت خافت، وتقدم بين يدي نقدها الكثير من الهجاء للطرف المستهدَف، فيما يشبه تبريرا لما يجري، وأقله البحث عن مسوغات له، وربما بهدف الهروب من سيف القمع.
ومع ذلك لم ينج بعض الذين انتقدوا ما يجري من سيف الجلاد، وما يجري لبعض النشطاء اليساريين والليبراليين، إنما يشكل دليلا على ذلك، مع أننا لا نزال في البدايات، الأمر الذي سيكون مختلفا بعد ذلك، حيث سيزداد الانقلابيون وحشية فوق وحشيتهم، وسيحاصرون على كل معالم الحرية، الأمر الذي يبدو طبيعيا، لأن أي نظام سياسي لا يمكنه العمل على سحق أكبر قوة سياسية في البلاد دون تحويلها إلى دولة بوليسية.
من الصعب الوقوف هنا على كل المفارقات التاريخية التي تابعها المراقبون خلال الشهور الماضية منذ انقلاب 3 يوليو، وربما قبله أيضا، والتي يأتي الاستخدام المبتذل لوسائل الإعلام في مقدمتها، إذ لم يحدث في تاريخ الإعلام الحديث أن استخدم على هذا النحو في شيطنة خصم سياسي، مقابل تأليه شخص أو حالة سياسية يمثلها الجيش كما جرى في مصر إلى الآن.
واللافت أن المنطق يبدو غائبا أو مغيّبا، باستثناء أصوات محدودة تتحدث بصوت خافت، وتقدم بين يدي نقدها الكثير من الهجاء للطرف المستهدَف، فيما يشبه تبريرا لما يجري، وأقله البحث عن مسوغات له، وربما بهدف الهروب من سيف القمع.
ومع ذلك لم ينج بعض الذين انتقدوا ما يجري من سيف الجلاد، وما يجري لبعض النشطاء اليساريين والليبراليين، إنما يشكل دليلا على ذلك، مع أننا لا نزال في البدايات، الأمر الذي سيكون مختلفا بعد ذلك، حيث سيزداد الانقلابيون وحشية فوق وحشيتهم، وسيحاصرون على كل معالم الحرية، الأمر الذي يبدو طبيعيا، لأن أي نظام سياسي لا يمكنه العمل على سحق أكبر قوة سياسية في البلاد دون تحويلها إلى دولة بوليسية.
من الصعب الوقوف هنا على كل المفارقات التاريخية التي تابعها المراقبون خلال الشهور الماضية منذ انقلاب 3 يوليو، وربما قبله أيضا، والتي يأتي الاستخدام المبتذل لوسائل الإعلام في مقدمتها، إذ لم يحدث في تاريخ الإعلام الحديث أن استخدم على هذا النحو في شيطنة خصم سياسي، مقابل تأليه شخص أو حالة سياسية يمثلها الجيش كما جرى في مصر إلى الآن.
سيشعر أي إعلامي في العالم بالعار مما يجري في مصر لجهة ذلك الاستخدام الساقط لوسائل الإعلام في تمرير الأكاذيب والافتراءات دون أي منطق أو دليل، وحيث يتحول شخص في برنامج «توك شو» إلى فيلسوف ومحلل سياسي واجتماعي ونفسي وناقل أخبار في الوقت ذاته، مع استضافة من يملك القابلية لقول ما يريد.
وكان اللافت هنا أن وسائل الإعلام كانت الأبرز في ترجمة عمليات الشيطنة والفاشية، مقابل التأليه لشخص بعينه، ويبدو أن حمّى الزفة لم تترك للعقل مكانا، مع أن عدد الذين يشاركون يبدو قليلا، وهم أنفسهم الذين يتنقلون من فضائية إلى أخرى لينقلوا فاشيتهم وهراءهم إلى الشارع.
حين يمر قتل ما يزيد على 2600 إنسان خلال شهور وسط احتفالات صاخبة، وغناء «تسلم الأيادي يا جيش بلادي»، كأنه يقتل ألد الأعداء، فذلك يعبر عن أقصى درجات الفاشية، لأن هؤلاء الذين قتلوا هم أبناء الوطن، ولهم آباء وإخوة وأمهات، ولا يمكن تبعا لذلك أن يمر الاحتفال بمقتلهم دون ترسيخ حالة البؤس والخصام والأحقاد في المجتمع.
إنهم لم يُقتلوا فقط، بل شيطنوا أيضا، حتى قال شيخ كان حتى وقت قريب مفتيا للديار المصرية «طوبى لمن قتلهم وقتلوه»، وإن «رائحتهم نتنة»، مع أنهم من خيرة أبناء المجتمع، ولا تسأل عن الفتاوى الفاشية مثل القول بتطليق الزوجة الإخوانية، وما شابه من الطروحات والفتاوى الفاشية.
هي معركة استخدم فيها السلاح، واستخدم فيها الكذب والافتراء، واستخدم فيها الدين ورموزه، بشقيه المسلم والمسيحي، مع أن الفئة المستهدفة متدينة، وهي التي صنعت الصحوة الإسلامية في البلاد.
ولا يتوقف الأمر عن حدود هذه الفئة، فمن تمردوا من الفئات الأخرى، على قلتهم، أو لم يشاركوا في الزفة، تم استهدافهم أيضا. وحين تعطى مكالمات بعض النشطاء الخاصة لمخبر يعمل إعلاميا في فضائية كي يبثها على الهواء، فهذا يعكس مستوى الابتذال الذي بلغه القوم.
في المقابل كان التأليه من نصيب شخص، إلى جانب مؤسسة بقدر أقل، مع أنه شخص لم يخض أيا من حروب مصر، ولم يتعد دوره التآمر للإطاحة برئيس منتخب، فتوضع صورته على الشوكولاتة، وملابس النساء، ويجري تدبيج المديح في شخصه على نحو طاعن في الابتذال، مما يجعل منه أكبر من فرعون، وأقرب إلى نصف إله.
إلى أين يأخذ هؤلاء مصر، وإلى متى ستستمر هذه السكرة، ومتى يصحو الناس على هذا الواقع البائس الذي يحمل ثورة حرية إلى آفاق من القمع وتكميم الأفواه والانسداد السياسي؟
قناعتنا أن هذا الوضع لن يطول كثيرا، ولن يلبث السكارى أن يستيقظوا، مع قناعتنا بأنهم قلة، وإن صوّرهم الإعلام على أنهم الكثرة الكاثرة من المجتمع، إذا لا يمكن لأي مجتمع، فضلا عن أن يكون مجتمعا حيا فجّر ثورة عظيمة، أن يعيش طويلا وسط هذا الزيف والقمع، وما هو أسوأ من الفاشية.
وكان اللافت هنا أن وسائل الإعلام كانت الأبرز في ترجمة عمليات الشيطنة والفاشية، مقابل التأليه لشخص بعينه، ويبدو أن حمّى الزفة لم تترك للعقل مكانا، مع أن عدد الذين يشاركون يبدو قليلا، وهم أنفسهم الذين يتنقلون من فضائية إلى أخرى لينقلوا فاشيتهم وهراءهم إلى الشارع.
حين يمر قتل ما يزيد على 2600 إنسان خلال شهور وسط احتفالات صاخبة، وغناء «تسلم الأيادي يا جيش بلادي»، كأنه يقتل ألد الأعداء، فذلك يعبر عن أقصى درجات الفاشية، لأن هؤلاء الذين قتلوا هم أبناء الوطن، ولهم آباء وإخوة وأمهات، ولا يمكن تبعا لذلك أن يمر الاحتفال بمقتلهم دون ترسيخ حالة البؤس والخصام والأحقاد في المجتمع.
إنهم لم يُقتلوا فقط، بل شيطنوا أيضا، حتى قال شيخ كان حتى وقت قريب مفتيا للديار المصرية «طوبى لمن قتلهم وقتلوه»، وإن «رائحتهم نتنة»، مع أنهم من خيرة أبناء المجتمع، ولا تسأل عن الفتاوى الفاشية مثل القول بتطليق الزوجة الإخوانية، وما شابه من الطروحات والفتاوى الفاشية.
هي معركة استخدم فيها السلاح، واستخدم فيها الكذب والافتراء، واستخدم فيها الدين ورموزه، بشقيه المسلم والمسيحي، مع أن الفئة المستهدفة متدينة، وهي التي صنعت الصحوة الإسلامية في البلاد.
ولا يتوقف الأمر عن حدود هذه الفئة، فمن تمردوا من الفئات الأخرى، على قلتهم، أو لم يشاركوا في الزفة، تم استهدافهم أيضا. وحين تعطى مكالمات بعض النشطاء الخاصة لمخبر يعمل إعلاميا في فضائية كي يبثها على الهواء، فهذا يعكس مستوى الابتذال الذي بلغه القوم.
في المقابل كان التأليه من نصيب شخص، إلى جانب مؤسسة بقدر أقل، مع أنه شخص لم يخض أيا من حروب مصر، ولم يتعد دوره التآمر للإطاحة برئيس منتخب، فتوضع صورته على الشوكولاتة، وملابس النساء، ويجري تدبيج المديح في شخصه على نحو طاعن في الابتذال، مما يجعل منه أكبر من فرعون، وأقرب إلى نصف إله.
إلى أين يأخذ هؤلاء مصر، وإلى متى ستستمر هذه السكرة، ومتى يصحو الناس على هذا الواقع البائس الذي يحمل ثورة حرية إلى آفاق من القمع وتكميم الأفواه والانسداد السياسي؟
قناعتنا أن هذا الوضع لن يطول كثيرا، ولن يلبث السكارى أن يستيقظوا، مع قناعتنا بأنهم قلة، وإن صوّرهم الإعلام على أنهم الكثرة الكاثرة من المجتمع، إذا لا يمكن لأي مجتمع، فضلا عن أن يكون مجتمعا حيا فجّر ثورة عظيمة، أن يعيش طويلا وسط هذا الزيف والقمع، وما هو أسوأ من الفاشية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق