ثورة 25 زفت
وائل قنديلفي وعيهم ووجدانهم، هي النكسة، وفي عقلهم الباطن هي" 25 زفت"، وفي خطابهم المعتمد رسمياً، وغير المعلن، هي المؤامرة التي أطاحت دولة فسادهم، وفساد دولتهم.
تلك هي ثورة يناير، في نظر دولة عبد الفتاح السيسي، يكرهونها ويودون لو قتلوها في اليوم ألف مرة، يطاردهم طيفها في صحوهم ونومهم، يتأرجحون بين عمليات الإبادة والمحو، وبين محاولات الاحتواء والتدجين والسيطرة، في التعامل معها.
إن استشعروا أن الأمور استتبت لهم، واستقرّ لهم الملك، لا يتورعون لحظةً عن الاستمتاع بشواء لحمها في الهواء الطلق، داعين جمهورهم إلى ولائم الانتقام والكراهية والتشفي، كما حدث مع انتخاباتهم النيابية، المنقولة حرفياً من سجلات العام 2010، فيختفي حديث الثورتين، وتصبح هناك، من منظورهم بالطبع، ثورة واحدة، اسمها الثلاثون من يونيو، والأخرى وكسة أو نكسة أو جريمة أو مؤامرة.
وإنْ جاءت لحظةٌ بدا فيها أن الثورة المجهضة تستجمع شتاتها، وتحاول أن تستعيد كيمياءها، بمواجهة السلطة الحالية، تسارع أجهزة النظام، وخصوصاً الإعلامية، إلى الاشتغال على النص البديل: يونيو ويناير توأمان، أو أن يونيو هو المكمل ليناير، لتسمع ثرثرة كاذبة عن نبوغ الجنرال حامي الثورتين، وعظمة شعب الثورتين، ليقال، في النهاية، إن الأخيرة كانت تصحيحاً للأولى.
لم تكن زلة لسان من ذلك المذيع العائد إلى الانتقام، حين صرخ في وزارة الداخلية، بذعر يليق بفأر، من احتمالات تكرار سيناريو "ثورة 25 زفت"، بعد اشتعال الغضب ضد وقائع القتل تعذيباً، على غرار دراما مقتل الشاب خالد سعيد على يد الشرطة، وتحوله إلى أيقونةٍ، انطلقت منها ثورة يناير 2011.
في علم النفس يقولون إنه مع لحظات الانفعال الجامحة، خوفاً وحزناً وفرحاً وألماً، يكون الإنسان أصدق في تعبيره، عمّا يمور بداخله. لذا، يمكن اعتبار صرخة المذيع الكاره تجسيداً لحالة الـ"يناير فوبيا" التي تنتاب أركان النظام، وتتفاقم حدّتها، كلما اقتربنا من موعد الذكرى. جاء رد فعل النظام على التلويح بورقة الاصطفاف بين من تبقى من سكان "يوتوبيا يناير" سريعاً، إذ أعلن "بيت السيسي"، أو رئاسة الجمهورية، حالة الاستنفار، فنشرت صحفها ما أسمتها "خطة احتواء شباب يناير". وفي التفاصيل أن "اتصالات جرت بين مؤسسة الرئاسة ومجموعة من شباب ثورتي 25 يناير، و30 يونيو ، لعقد لقاء بين الرئيس عبدالفتاح السيسي وممثلي الائتلافات والحركات الاحتجاجية التى تشكلت عقب ثورة 25 يناير".
في اليوم نفسه، احتفلت صحف ومواقع "منظمة بيت السيسي" بنبأ الحكم على الضابط قاتل شيماء الصباغ، شهيدة اليسار، بالسجن 15 عاماً، في الوقت الذي يشدّد فيه النظام قبضته، ويواصل التنكيل بناشطين سياسيين وإعلاميين في زنازينه، فيتم تجديد حبس إسراء الطويل، والصحافي والباحث المعروف هشام جعفر، ويضاف إلى قائمة المعتقلين الصحافي إسماعيل الإسكندراني، الذي تم اقتناصه من مطار الغردقة، لدى عودته الطارئة لمعاودة والدته المريضة.
يأخذنا ذلك كله إلى السؤال الأهم، فيما يخص العلاقة مع نظامٍ حوّل الدولة كلها إلى كمين أمني متحرك، يقتل ويعتقل ويبتز ويسمح بالحياة مقابل رشىً لا تعرف الأقنعة: هل يصلح مع كل هذا القبح أن يصبح منتهى الحلم، وذروة المطالب تخفيف القبضة الأمنية، وإيجاد هامش للحريات، بإسقاط قانون التظاهر، أو العفو عن مجموعة من المعتقلين المشهورين، مثلا، أم أن التخلص من كل هذا الظلم وكل هذه البشاعة بات واجب الوقت، قبل أن تدخل البلاد إلى جحيم، يوشك أن ينقض؟
السؤال بصيغة أخرى: هل بات مجدياً الحديث عن ترقيعات للنظام، تجسدها دعوات إلى انتخابات مبكرة، أو ترحيب وإشادة بتعيين شخصياتٍ يشهد لها معارضون بالكفاءة، منذ كانت تخدم في حكومة حسني مبارك، في جهاز مشروعات السيسي الوهمية، كما هو حاصل مع تعيين الوزير أحمد درويش، في مشروع محور قناة السويس؟ حسناً، ماذا لو اختار السيسي أكثر من "أحمد درويش" في حكومته، وعينهم نواباً في برلمانه، وألغى لكم قانون التظاهر، وأفرج عن أصدقائكم، في الشلة والحزب والتيار، هل سيصير السيسي حلواً والنظام محترما؟ هل تعارض لتحقيق منافع مصالح، وتحسن شروط الحياة في ظل سلطة فاشية، أم تقاوم للانتصار لمبادئ وقيم، وأهداف نبيلة، تنحاز للحق، بما هو حق، بلا تلوين أو أصباغ، وتدافع عن الإنسان بما هو إنسان، بلا تعصب للشلة والجماعة والعشيرة؟