تركيا
“الأمة الغاضبة”
قراءة وعرض محمد إلهامي
- الكتاب: تركيا..الأمة الغاضبة (Angry Nation; Turkey since 1989)
- المؤلف: كِرِم أوكْتِم (Kerem Oktem)
- المترجم: مصطفى مجدي الجمال
- تقديم: د. عاصم الدسوقي
- الناشر: دار سطور، القاهرة
- الطبعة: الأولى
- عدد الصفحات: 286
- سنة النشر: 2012م
كان من حسن حظ المؤلف أن دفع بكتابه هذا إلى المطبعة قبيل اندلاع الثورات العربية، أو لعل هذا من سوء حظه، إذ ما من مؤلف إلا ويود لو صدقت توقعاته وتحليلاته وبقيت على مرّ الزمان، ولذا لا يحب المؤلفون أن تتغير ساحة بحثهم بما يأتي فيها بجديد لتظل مؤلفاتهم صالحة لتحليل وتفسير الظاهرة أطول فترة ممكنة. فمن هنا كان من سوء حظ المؤلف أن تغيّرت ساحة بحثه بعد شهور من صدور الكتاب. أما حسن حظه من جهة أخرى، ذلك أنه لو أمسك شهورا لما كان الكتاب قد صدر بحال! فالمؤلف الذي بدا حريصا ومتحرجا وهو يكتب تاريخ سنوات (2007 – 2010) باعتبارها مضطربة ولم يزل غبارها بعد، كيف به حين تجتاح المنطقة عاصفة الربيع العربي ثم عاصفة انقلاباته وحروبه الأهلية فيتغير كل المجال الحيوي المحيط بتركيا وهي موضع بحثه؟!
على أية حال فإن إنتاج المؤلف بعد هذا الكتاب اقتصر على الشأن التركي وصار متخصصا فيه، فقد شارك في كتب “معركة تركيا مع الحداثة” (2010)، و”إمبراطورية أخرى.. عقد من سياسة تركيا الخارجية تحت حزب العدالة والتنمية” (2012)، و”تركيا ما بعد القومية” (2013). وهو زميل باحث في مركز الدراسات الأوروبية، كلية سان أنتوني، حاصل على الدكتوراه بكلية الجغرافيا جامعة أكسفورد (2006)، يهتم بمسائل القومية والعرقية وحقوق الأقليات، وهو الآن أستاذ دراسات جنوب شرق أوروبا، والشأن التركي.
صدر الكتاب في نسخته الإنجليزية ضمن سلسة (Zed) للتاريخ المعاصر، وهي سلسلة ترصد التاريخ منذ عام انهيار الاتحاد السوفيتي (1989م)، إلا أن المؤلف أصرَّ على أن يبدأ من الانقلاب العسكري عام (1980م) مفسّرا هذا بأن هذا الانقلاب هو تحول تركي مبكر نحو اعتناق الليبرالية والتخلي تماما عن آثار الاشتراكية واليسار، ثم إنه قضى نحو ثلث الكتاب في مقدمة تاريخية منذ إسقاط الخلافة وتأسيس الجمهورية العلمانية وحتى الوصول إلى لحظة انقلاب (1980م).
مقدمة الكتاب
أول ما يطالع المرء من الكتاب مقدمة للمؤرخ المصري د. عاصم دسوقي، ولكنها مقدمة متغربة حتى النخاع، متغربة أكثر بكثير من الكتاب نفسه! ولم يكن الكتاب بحاجة إليها إذ لم تضف إليه جديدا ولم تلق ضوءا عليه، بل يوحي خروجها عن موضوع الكتاب وقضاياه أن صاحب التقديم لم يقرأه أصلا.
تقسيمات الكتاب
يقسم الكتاب التاريخ التركي إلى عقود، وهي قسمة تكاد تكون مستقرة، ذلك أن تركيا قد عرفت الانقلابات العسكرية كل عقد، حتى وصفها راينر هيرمان في كتابه “تركيا بين الدولة الدينية والمدنية” بأنها بلد الانقلاب كل عشر سنوات، وكعادة الانقلابات فإنها تقطع الطريق على مسار طبيعي لتعيد العجلة إلى الخلف. مع التركيز بقدر أوفر على فترة الدراسة (1980 – 2010م) حيث يسير بتمهل منذ عهد تورجت أوزال ويرصد التغييرات الواسعة التي أنجزها بين فوزه برئاسة الوزراء ثم انتخابه رئيسا حتى وفاته المفاجئة (1983 – 1993م)، ثم يعتبر عقد التسعينيات “العقد الضائع” الذي ارتدّت فيه تركيا تحت هيمنة “الدولة الحارسة” عن إصلاحات أوزال، ثم يبدأ بعدئذ عقد العدالة والتنمية.
يمثل الكتاب وجهة نظر غربية للوضع التركي، فهو موجز للتاريخ التركي من زاوية غربية، ومقدمة للقارئ الغربي، وحيث كان المؤلف متخصصا في مسائل القومية والعرقية فإن الكتاب جاء يركز بشكل أكبر على “قهر” الجمهورية التركية العلمانية للأقليات، وخصوصا: الأكراد والعلوييين والأرمن وبقايا اليونانيين واليهود ومن على شاكلتهم. فطفق الكتاب يهتم بهذه المسائل ويتتبع تفاصيلها بشكل كوَّن صورة واضحة عما عانته هذه الأقليات طوال عهد الجمهورية التركية العلمانية.
كذلك اهتم الكتاب بمسألة العلاقة بين كل من تركيا والاتحاد الأوروبي من جهة، وتركيا واليونان من جهة أخرى، وقد تداخل الملفان أحيانا حين كانت عقبة قبرص تمثل أزمة أمام انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، وهنا أيضا قدَّم الكتاب صورة جيدة عن تطور العلاقة التركية الأوروبية، وكان مهتما دائما بتأثير السياسة التركية الداخلية والخارجية على العلاقة مع أوروبا.
القضايا التي عالجها الكتاب
عالج الكاتب كثيرا من القضايا بحيادية، وكان مستوعبا وذا رؤية لكثير من التفاصيل، وكان طرحه في العموم موضوعيا، ولم يبد إعجابه بأحد إلا تورجت أوزال صاحب الإصلاحات الاقتصادية الواسعة، وبأحمد داود أوغلو الذي اعتبر أنه استطاع تطبيق نظريته السياسية الجديدة “العمق الاستراتيجي” أثناء توليه وزارة الخارجية وأنه استطاع فتح آفاق واسعة أمام تركيا بانفتاحها على العرب والبلقان والشرق الآسيوي إلى الحد الذي جعل التركي يستطيع الانسياح والاندماج والتأثير في فضاء واسع مما يرسم خريطة سياسية جديدة تنكمش فيها مساحة نفوذ أوروبا وأمريكا.
ويختم الكتاب بقراءة في سيناريوهات المستقبل هو أقرب إلى النصائح والتوصيات منه إلى الرصد والتوقع، وهو يرجو أن يتمكن حزب الشعب الجمهوري العلماني الكمالي من تطوير نفسه ليكون منافسا قويا وحقيقيا لحزب العدالة والتنمية فيتحقق بذلك شرط الديمقراطية التي تشترط وجود حزبين مختلفين معبريْن عن جماعات وطوائف اجتماعية مختلقة. كما أنه لا يستبعد عودة العسكر مرة أخرى ولكن في هذه المرة لن تبق تركيا موحدة بل سينفصل عنها الجزء الكردي، إلا أنه يرجح استمرار سيناريو الليبرالية مع ما سماه “الوصاية الإسلامية” ويعني بها التوجه الإسلامي لحزب العدالة والتنمية.
يتميز الكتاب بأنه مجهود بحثي محترم ويقدم صورة واضحة لملفات تغيب عادة في الكتابات العربية عن الشأن التركي كملف الأكراد والأرمن والعلويين.
ويؤخذ على الكتاب بعض أمور أهمها:
1. أنه لم يعط “الدولة العميقة” حقها من الاهتمام والتتبع، فلقد كان حجم استعراضه لقوتها وتأثيرها وشبكاتها أقل بكثير مما ينبغي للفاعل الرئيسي في التاريخ التركي المعاصر.
2. كما بدا من المؤلف انحيازات فجة إلى العلمانية والموقف الغربي في عدد من القضايا، منها لهجته لدى الحديث عن الإسلاميين؛ فهم مثيرون للمخاوف ومرتكبون للجرائم بخلاف لهجته الأرفق كثيرا باليساريين رغم إثباته لعدد من الجرائم التي ارتكبوها إلا أنه يغلفها بالثورية وبالمناخ المناهض للإمبريالية. ومنها: تفهمه للموقف الأوروبي المنافق والمتلاعب بتركيا في مسألة انضمامها للاتحاد الأوروبي وكيف كانت تختلق الحجج والمعاذير وتبتكر السوابق التاريخية لمنع تركيا من دخول الاتحاد الأوربي، فهو وإن أثبت هذه المواقف إلا أنه يعتذر بالمخاوف الأوروبية الناتجة عن أحداث 11 سبتمبر ونحوها. بل إنه تفهم حكم المحكمة الأوروبية ضد طالبة كلية الطب التركية ليلى شاهين التي منعت من دخول امتحان السنة الخامسة لارتدائها الحجاب فقررت رفع القضية للمحكمة الأوروبية إلا أن المحكمة انحازت لعلمانية الدولة ضد حريتها الشخصية واختياراتها الدينية وأيدت حكم المحكمة التركية بحرمانها من الامتحان.. هنا يبدو الرجل المتسامح الذي حوَّل كتابه أحيانا إلى منشور مدافع عن الأقليات وحقوقهم إلى “متفهم لقرار المحكمة” النابع من الإسلاموفوبيا!!
3. إن الكتاب وإن كان مجهودا بحثيا رصينا إلا أنه يكاد يخلو تماما من المصادر، إذ لم يثبت المؤلف سوى مصدرين أو ثلاثة، بالإضافة إلى لقاءاته المباشرة مع بعض الشخصيات، وليس من بينها شخصيات ثقيلة كذلك. وهذه مخالفة لشرط أساسي من شروط البحث العلمي قُصِد بها –ضمن ما قُصِد- محاكمة الكاتب إلى مصادره في الدقة والأمانة وصحة المعلومة.
وفي كل الأحوال يظل الكتاب كتابا مفيدا جديرا بالقراءة.
المصدر: تركيا بوست
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق