حياة حشرة مصرية
أحمد عمر
ليس المقصود بحياة حشرة، حياة رئيس عربي ليس له سيرة سوى جاكت أحمر، ونور عينين، وكفتة.. ورغيف تلت أرباع. نوى كثيرون تحويل سيرته إلى مسلسل طويل، ليصير قدوة للأجيال الناشئة، فالرئيس العربي له احترامه وجاذبيته، وعلى رأسنا من فوق، المقصود هو مقارنة فلم كرتون مع ثورة كرتون.
"بوعزيزي" القارئ: حياة حشرة فيلم رسوم متحركة من إنتاج شركة والت ديزني وشركة بيكسار بنظام الجرافيكس صدر في الولايات المتحدة 1998، يحكي قصة إحدى قرى النمل ،تسيطر عليها عصابة من الجراد الشرير، وتفرض عليها إتاوة هي جمع "الرز". إلا أن "فليك" بطل الفيلم يقرر الاستعانة بحشرات مقاتلة لتحرير بلده.
ويوافق حكماء النمل على إيفاده للنجدة، من أجل التخلص من متاعبه واختراعاته التي أفضل من اختراعات اللواء الركن عبد العاطي، وتتوالى الأحداث الطريفة، حيث ينجح في الحصول على مساعدة من مجموعة من الحشرات، يكتشف بعد عودته معهم إلى المستعمرة أنهم حشرات سيرك مهرجين، لكنه يخفي هذا الأمر على قومه، وفي النهاية يوفق ببعض الحيل والعروض والهجص القضاء على "هبار" زعيم عصابة الجراد الشرير. انتصر فليك بالسيرك والمهرجين! لكنها في مثالنا مقلوب؟ فالذي يستعين بالمهرجين هنا هو الجراد، فهو انقلاب يا حباب.
أدهشت ثورة ( 25 يناير) المصرية العالم، ولا يعرف التاريخ مثيلا لها في رقتها، وإنسانيتها، وحُسن عروضها، ولافتاتها، ومآثرها، وتضحياتها، فهي مسرحية حية، عفوية، أبطالها هم أبناء الشعب، ومسرحها ميدان التحرير، رافقها دم كثير، لكنه قليل مقارنة بثورات التاريخ.
ثم كان أن مَكَر بها أعداؤها الجراد، فعالجوا الداء بنفس العلاج والدواء، فسيّروا عرضا مشابها، ثورة شم نسيم، ثورة سواريه، بعد أن نكلوا بثورة يناير بالبلاك بلوك والبلطجية، سيروا ثورة الشعب الكومبارس، فالشعب يمكن تحويله إلى كومبارس، لعبوا بحجم الثورة بالفوتوشوب، ورعوها بالطائرات والهدايا، وكان أن هبار بجاذبيته، ونور عينيه، وفلاتره عاد محتلا لقرية النمل المصرية العملاقة، بصفة بطل ومحرر هذه المرة!
أحب أن أتذكر فلم "حياة حشرة"، ليس بقصد المقارنة بينها وبين حياة رئيس عربي، يشبه الدودة هملش في الفلم المذكور، ليس في حياته سوى الوشايات والمؤامرات، والصور التذكارية بجانب الممثلات أو الزعماء الكبار. ذكرنا بداية، أن جهات عدة وكتاب دراما وعدت بكتابة سيرة حياة قاهر الإرهاب المحتمل في مسلسل يكسر الدنيا مثل البسكويت!
هناك حشرات مفيدة مثل النحل، وأخرى معلمة مثل النمل .إحدى أحب الآيات إلى قلبي من القرآن الكريم هي آيات الحوار بين النبي سليمان والنملة: ( فَتَبَسَّمَ ضَاحِكا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ).
وكتبت مقالا قصيرا من سنوات، عن براعة الدبلجة المصرية، ولا أظنُّ أن أية لهجة عربية يمكن أن تدانيها أو يمكن أن تنجح في نقل تفاصيل هذا الفلم، لغياب الإرث المسرحي في البلدان العربية الأخرى، فمصر الوحيدة السباقة في هذا المضمار، والفصحى ستكون صارمة، وخشنة في الدبلجة، وهكذا استمتعنا بأسماء الحشرات: بتافلي وجبسي وقرني( قرني هو الحشرة الخصي أو المخنث) والحشرتان الأكروبات طق ورول.. الصوت المصري باللهجة الحلاوة شكل تاني وقشطة.
وأعتقد أن الدبلجة أمتع من الأصل. ماسبيرو تعتمد على ما اعتمدت عليه النملة فليك، وهي الانتصار بالعرض والمشهد والسيرك، وسرقة الكحل من العين، فقد قُتل مرسي بالمسرح، وذُبح ذبحا بعروض البتافلي الشهير في برنامجه الذي استقطب الملايين، والقرني الفنان الكوميدي، وبقية الحشرات المتحدين في الفضائيات المدعومة برز جراد الخليج، أما الفتك فهو زعيم حزب مصري معروف؟
أذكر أن أول سيرك وآخر سيرك رأيته في حياتي، كان مصريا، في السبعينات، والمشهد الوحيد الذي أتذكره هو مشهد مصري بجانبه مصرية ترتدي زيا لاصقا مثل الجلد، وكان البتافلي يصيح وفي يده لمبة غير موفرة: حط اللمبة على أي حتة من جسمها تنور .. كان يضعها على أي حتة من جسم الصبية السمراء فتضيء .. وانتظرنا نحن الأكباش الصغيرة التي لم تنبت قرونها بعد، أن يضيء جسدها مصباحا، في الحتة التي بالي بالك.. فلم يفعل. الرقص الذي اشتعل بعد ثورة الثلاثين من سونيا يذكر بالصبية إياها.
إنّ المقارنة بين سوريا ومصر إعلاميا مخزية وغريبة، فأنا أعتقد على العكس من زميلي الناقد السوري محمد منصور، الذي قال في إشعار قبل أيام أن الإعلام المصري وصل إلى درك غريب لم يبلغه الإعلام السوري! والإعلام السوري ثلاث فضائيات ممدودة بفضائيات إيرانية مسوّمة حليفة أكثر حذاقة وذكاء.
في الأيام الأولى من الثورة السورية، اعتُقلت متظاهرات، وخُطفت أخريات، بعضهن كن سافرات، وأخريات قاصرات، فألبسن الحجاب على الفضائية السورية، فالحجاب رمز وراية وعلامة لا تخفى على الناظر، ويجب إهانته. وأجبرن على الظهور على التلفزيون، والإقرار بأنهن ضحايا سفاح محارم! ولاحقا فضّل النظام الجمع بين الفضيلتين، سفاح المحارم والبدعة التي اختلقتها فضائية، وهي فرية نكاح الجهاد! وهو مالم يحصل في مصر إلا بمقدار، فالمرة الوحيدة التي اعتدي فيها على عرض الرئيس المصري محمد مرسي، انبرى فيها الضيف غاضبا، الرئيس مرسي محكوم بالإعدام حاليا، ومتهم بتهمتين واحدة مشرفة، وهي التخابر مع دولة عربية، والثانية هي الدكتاتورية، وهي تشبه اتهام الذئب بأكل دم النبي يوسف عليه السلام بالشوكة والسكين، علما أنهم في خطاب الجراد التقليدي خرفان ثم صاروا صقورا إرهابيين!
الفارق بين الإعلام السوري، وفضائيات السيرك المصري، أن الإعلام السوري يضرب فورا تحت الحزام، في مقتل، فلم يظهر معارض حقيقي على الإعلام السوري حتى الآن، حتى داعية السلام والليموناضة ارنستو تشي مناع ممنوع من الظهور فيها، أما إعلام السيرك، فيقدم عروضه المضحكة ليل نهار، وأجمل العروض نراها على الفراعين في حواريات الهبار عكاشة مع الفراشة الوحيدة في الفضائية روزي، قبل أيام طالب المخرج بأن يحضر له البرسيم، لأنه حمار، وجعان! هنيئا مريئا.
كثرة الفضائيات والثرثرة فيها لها فوائد سنراها في قادم الأيام، وهي أن ثمت من ينبري من الإعلاميين بحب التميز أو مدفوعا بهواجس مالك القناة وأطماعه، فيقوم بانتقاد زميل في فضائية أخرى بدافع الغيرة، كما فعل توفيق عكاشة مع القزمة القصيرة، أو ما فعل أكثر من "فرنسيس" مع الفراشة الإعلامية التي شمتت بالسوريين، فأحيلت إلى المحاكمة، والقضاء في مصر عادل وسكر زيادة وشرم الشيخ..الإعلام المصري مولع بفن الأكروبات الكلامي والاستعراض و"الشو" .
تم ذبح مرسي بسكين السخرية، والعروض.. ومن تقادير الزمان، وتصاريف الزمان أن الهبّار الكبير سيذبح بالسكين نفسه، فلا يحتاج إلى السخرية منه، فهو غبي منه وفيه، لخمة راس، كوميدي بالفطرة، وكل ماسبيرو تحاول أن تحول "أفهياته" إلى وقار وهيبة، فلا تنجح، لأن العطار لا يصلح ما أفسد الدهر.
كنت أحب المشهد الذي ينزل فيه هبار مقتحما مع عصابته قرية النمل تحت الأرض، ويقول: رااااااح فين أكلي؟
وهو الآن يقول: نجوع ونبني مصر، وهو يرفع قبضة بروسلي!
تحيا أوكرانيا.
أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.
ردحذف