شريف عبد العزيز
التقدم التقني والبحثي والفكري الحادث في وسائل الاعلام وصل لمستويات غير مسبوقة من الهيمنة والسيطرة على العقول والمشاعر لمليارت البشر المنتشرين عبر أرجاء المعمورة من شرقها لغربها ، فالهيمنة قد وصلت لدرجة التحكم في ردود الأفعال والمشاعر الانفعالية ، بحيث لم يعد للاعلام حاجة في خطاب التجييش والتجنيد والتوجيه ، فالمتلقى قد وصل لحالة الاندماج الكامل والتماهي الكلي مع متطلبات وأهداف الاعلام ، وهو يندفع نحو تحقيقها بكل أريحية واقتناع ، يظهر هذا جليا مع كل حدث يقع في الغرب – مثل حادث باريس- فالجميع يتعاطفون وينددون ويشجبون ويتباكون ويوجهون أصابع الاتهام مباشرة – دون أدنى تفكير- إلى متهم واحد بعينه ، ولا يسمحون لأنفسهم بالتفكير في أسباب الحدث ودوافعه وأبعاده ومآلاته .
في حين إذا ما وقع أضعاف أضعاف مثل هذا الحدث في أي بلد مسلم ، لا تجد عشر معشار هذه الردود والانفعالات والهمة والنشاط في التفاعل مع الحدث ، فلا تهتز مشاعرهم ، ولا تذرف أعينهم ، ولا يسارعون بالشجب والانكار ، في ازدواجية لا يقف ورائها إلا وسائل الاعلام العالمية .
في شهر مايو من العام الماضي كان سدس سكان العالم -ونعني بهم سكان الهند - على موعد مع حدث سياسي ضخم ، كان له أثر كبير على وضع المسلمين بهذه البلاد الشاسعة ، والذين يمثلون أكبر أقلية في العالم – ربع مليار مسلم – ويمثلون في نفس الوقت خمس سكان الهند .
فقد فاز بالانتخابات حزب بهارتيا جاناتا (الشعب الهندي) ، وأصبح رئيس الوزراء الهند"نارديندرا مودي" هو هندوسي مؤيد لقطاع الأعمال، شغل منصب رئيس وزراء ولاية كوجرات شديدة الحيوية اقتصاديا .
وكان ذلك مبعث قلق شديد بالنسبة لمسلمي الهند والعالم الإسلامي ككل.
فمودي عضو نشط في الحركة الوطنية القومية منذ أن كان في العاشرة من عمره، وهي حركة هندوسية استلهمت أساسها من الحركات الفاشية في أوروبا، وعبر مؤسسها عن احترامه للنازية الألمانية وسماها "أوج الفخر العرقي"، وتسعى الحركة لسيطرة الهندوس على الهند بشكل كامل.
في 1948، قتل عضو من هذه الحركة، مؤسس الهند الحديثة "مهاتما غاندي" لكونه "لينًا كثيرا" مع المسلمين ، كما أن مودي نفسه، شديد التعصب، يُتهم بالتسبب في مذابح شديدة الوقع حدثت ضد المسلمين أثناء فترة ولايته لولاية الكوجرات، قُتل حينها أكثر من 2000 مسلم على الأقل في مذابح بشعة.
وبعد انتقال عشرات الآلاف من المسلمين إلى مخيمات لاجئين، وصف مودي تلك المخيمات بأنها "مراكز لتفريخ الأطفال!"، وفي مقابلات لاحقة، قارن بين أموات المسلمين والكلاب الصغيرة التي يتم دهسها من قِبل السيارات المسرعة، كما أنه مازال حتى هذه اللحظة يرفض تقديم الاعتذار عن مسئوليته تجاه تلك المجازر الوحشية ، الولايات المتحدة رفضت السماح له بدخولها عام 2005 على خلفية تلك المذابح، لكن الرئيس الأمريكي أوباما دعاه بعد فوزه بالانتخابات ، لزيارة أمريكا في أي وقت مناسب لكلا الطرفين !
خطاب مودي الذي اكتسح به سباق الانتخابات ، كان خطابًا طائفيًا عدائيًا من ذلك النوع الذي تُستخدم فيه كلمات من قبيل "الإرهابيين"، "الجهاديين" و"عملاء باكستان " ، ففي أول خطاب يلقيه بعد الانتخابات في مجلس النواب الهندي ، انتقد مودي بشدة الـ"1200 سنة من عقلية الاستعباد" التي سادت في الهند، ملمحًا من خلال ذلك ليس فقط إلى الـ200 سنة التي حكمت فيها بريطانيا الهند، بل إلى الـ1000 سنة السابقة التي حكم بها المسلمون الدولة أيضًا، وفضلًا عما تقدم، ومنذ تسلم مودي لمهامه، اطردت حوادث العنف الطائفي، فوفقًا لإحصاءات الحكومة الهندية، ارتفع العنف الطائفي في الهند بنسبة 30% في الأشهر الستة الأولى من عام 2015 مقارنة مع ذات الفترة من العام الماضي،كما صرح مودي في مناسبات عدة أن الهند قد تقوم بعمليات عابرة للحدود الباكستانية للتعامل مع "الإرهابيين الباكستانيين المعادين للهند" على الأراضي الباكستانية، كما أن خلفيته القومية المتطرفة، بالإضافة لقدراته اللوجستية من حيث سيطرته على سلاح غير تقليدي وكتلة بشرية بالغة الضخامة، تجعل من اندلاع توترات كبيرة أمرًا غير مستبعد .
ناهيك عن العلاقات المميزة بين مودي والكيان الصهيوني ، حيث يزيد مجموع التداول التجاري بين الهند وإسرائيل عن 5 مليارات دولار، ويُتوقع أيضًا أن تزيد نسبة التبادل التجاري بين الدولتين بما يخص مجال الزراعة والطب.
وتعتبرالقيادات الإسرائيلية أن فوز مودي بالانتخابات هو أفضل تطور يمكن أن يحسن العلاقات. فقد قال المحلل السياسي نير دوبري من القناة الثانية الإسرائيلية، "يجلب مودي معه روحًا جديدة من شأنها أن تؤدي إلى تحولات كبيرة بالسياسة الخارجية للهند وذلك سيؤثر كثيرًا على العلاقات الهامة مع إسرائيل. فالعالم الإسلامي عامة ومسلمو الهند خاصة قد ظهر لهم عدو جديد في هذه البقعة الحساسة من العالم ، لا يقل ضراوة وخطرا عن الأعداء التقليديين ، وما أكثرهم !
رويدًا رويدًا، بدأت أجندة رئيس الوزراء الجديد وحزبه الصاعد في التأثير على المجتمع المسلم، رُغم تعهداته الطويلة بألا تكون معاملة المسلمين مختلفة عن الأغلبية الهندوسية، وهي تحولات بطيئة لا تزال بعيدة عن أعين الإعلام الغربي، أو بالأحرى يتعمد تجاهلها ، بيد أن المسلمين على الأرض يلاحظون تلك التغيّرات الطفيفة يومًا بعد يوم، ففي شهر مارس الماضي خرج علينا سوبرامنيان سوامي، أحد أبرز قيادات حزب بهاريتا جنتا في ولاية مدراس (تاميل نادو)، وقال في خطاب له بأن المساجد ليست أماكن مقدسة كالمعابد الهندوسية، وبالتالي يحق للدولة أن تزيلها في أي وقت، وتبع ذلك بيومين إعلان من حاكم ولاية هريانا المنتمي للحزب بأن تعاليم البهاجواد گيتا، الكتاب الهندوسي المقدس، ستصبح إلزامية في كافة مدارس الولاية .
في الأشهر التي تلت فوز المتعصب مودي بالانتخابات ، أجج المتشددون التابعون لحزب بهاراتيا جاناتا والمنظمات التابعة للحزب التوترات الطائفية المشتعلة منذ فترة طويلة في الهند، حيث عمم نواب الحزب في البرلمان قرار حظر لحوم الأبقار في جميع أنحاء البلاد، ظاهرياً لحماية الأبقار، التي يعتبرها الكثير من الهندوس مقدسة، ولكن في حقيقة الأمر كان القرار ذريعة لتقسيم الهندوس والمسلمين، الذين يأكل بعضهم لحوم البقر ، وخلال الأسابيع السبعة الماضية، قتلت العصابات المتشددة، المدفوعة بغضب حملة منع تداول لحوم البقر العنيفة، أربعة مسلمين يشتبه بذبحهم أو سرقتهم أو تهريبهم للأبقار، وفي أغسطس، قتل مجهولون ماليشابا ماديفالابا كالبورجي، وهو باحث وناقد صريح للوثنية الهندوسية ، غير أن أسوأ حادث طائفي كان في أواخر سبتمبر، عندما قامت جماعة هندوسية في بلدة داردي شمالي الهند بقتل محمد أخلاق، الهندي المسلم الذي يبلغ من العمر 50 عامًا، بتهمة أكل وتخزين لحوم البقر ، حيث توجهت عصابة هندوسية، تتكون بأغلبها من أعضاء منظمة تدعى "انقذوا البقرة"، نحو منزل أخلاق، وحطمت جمجمته بآلة الخياطة العائدة لزوجته، وجروا جثته إلى الخارج، وفي المقابلات التي تم إجراؤها بعد الهجوم، لم يظهر هؤلاء القتلة الندم على الحادثة ، بل قال أندر ناجار، أحد أعضاء منظمة "انقذوا البقرة"، ووزير الدولة المحلي من جناح الشباب في حزب بهاراتيا جاناتا، لصحيفة نيويورك تايمز : " إننا أكثر تعلقا بالبقرة من أطفالنا " ،وبعد حادثة قتل أخلاق، قام راجا سينج، أحد مشرعي حزب بهاراتيا جاناتا، بنشر تغريدة تحتوي مقاطع من نص فيدا الهندوسي المقدس، تحض على قتل الأشخاص الذين يذبحون الأبقار، كأنه يشرعن لعمليات القتل المقبلة والتي أخذت في الانتشار بشكل واسع ومنهجي في شتى أنحاء الهند ، تأثرا باللون الطائفي الفاقع الذي عليه النظام الحاكم في الهند .
السياسة المسممة بالكراهية الدينية التي يتبعها مودي ستعمل حتماً على إهدار الإمكانات الاقتصادية للبلاد، في الوقت الذي يجب فيه على الهند أن تلعب دورا أكبر وأكثر إيجابية في جنوب آسيا والعالم، وتاريخ الهند يفيض بأمثلة عن العنف الديني والطبقي الذي ساعد على الحط من قيمة البلاد وتخلفها، وتلك الصراعات فترت وتراجعت خلال النمو الاقتصادي السريع الذي شهدته الهند، ولكن يخشى الكثير من الهنود اليوم عودة ظهور هذه النزاعات إلى سطح المشهد الهندي.
فمواقف مودي المترافقة مع موافقته الضمنية للعنف الجاري ضد المسلمين، شجعت أترابه الهندوتفا؛ فقد جدد القوميون الهندوس حملتهم لحظر التحويلات الدينية، في الوقت نفسه الذي كانوا يسعون فيه للسماح بإجراء التحويل من المسيحية والإسلام إلى الديانة الهندوسية، والمبرر الذي يضعه المتطرفون الهندوتفا لهذه الرؤية، يتمثل باعتبارهم لجميع الهنود بأنهم ذوي أصول هندوسية، وبالتالي، فهم لا يعتبرون التحول إلى الهندوسية تحولًا حقيقيًا، لأنه يمثل الرجوع إلى الأصل، لذا يطالبون باستثناء التحول إلى الهندوسية من حظر التحويلات الدينية، وهو الموقف الذي يوافقهم عليه مودي، ويتضح ذلك من خلال تصريحه في مقابلة صحفية مؤخرا حيث قال "إذا عدت إلى وطنك القديم، أي إلى الهندوسية، فإن هذا لا يعتبر تحولًا".
ومنذ أيام بدأ الترويج لأكبر مشاريع مودي المعادية للمسلمين ،حيث تدرس حكومة مودي قانونًا يحظر ذبح الأبقار على الصعيد الوطني .
إذن الرسالة واضحة في الهند التي يحكمها مودي، حياة البقرة لها قيمة أكبر من دماء المسلمين البائسة .
التقدم التقني والبحثي والفكري الحادث في وسائل الاعلام وصل لمستويات غير مسبوقة من الهيمنة والسيطرة على العقول والمشاعر لمليارت البشر المنتشرين عبر أرجاء المعمورة من شرقها لغربها ، فالهيمنة قد وصلت لدرجة التحكم في ردود الأفعال والمشاعر الانفعالية ، بحيث لم يعد للاعلام حاجة في خطاب التجييش والتجنيد والتوجيه ، فالمتلقى قد وصل لحالة الاندماج الكامل والتماهي الكلي مع متطلبات وأهداف الاعلام ، وهو يندفع نحو تحقيقها بكل أريحية واقتناع ، يظهر هذا جليا مع كل حدث يقع في الغرب – مثل حادث باريس- فالجميع يتعاطفون وينددون ويشجبون ويتباكون ويوجهون أصابع الاتهام مباشرة – دون أدنى تفكير- إلى متهم واحد بعينه ، ولا يسمحون لأنفسهم بالتفكير في أسباب الحدث ودوافعه وأبعاده ومآلاته .
في حين إذا ما وقع أضعاف أضعاف مثل هذا الحدث في أي بلد مسلم ، لا تجد عشر معشار هذه الردود والانفعالات والهمة والنشاط في التفاعل مع الحدث ، فلا تهتز مشاعرهم ، ولا تذرف أعينهم ، ولا يسارعون بالشجب والانكار ، في ازدواجية لا يقف ورائها إلا وسائل الاعلام العالمية .
في شهر مايو من العام الماضي كان سدس سكان العالم -ونعني بهم سكان الهند - على موعد مع حدث سياسي ضخم ، كان له أثر كبير على وضع المسلمين بهذه البلاد الشاسعة ، والذين يمثلون أكبر أقلية في العالم – ربع مليار مسلم – ويمثلون في نفس الوقت خمس سكان الهند .
فقد فاز بالانتخابات حزب بهارتيا جاناتا (الشعب الهندي) ، وأصبح رئيس الوزراء الهند"نارديندرا مودي" هو هندوسي مؤيد لقطاع الأعمال، شغل منصب رئيس وزراء ولاية كوجرات شديدة الحيوية اقتصاديا .
وكان ذلك مبعث قلق شديد بالنسبة لمسلمي الهند والعالم الإسلامي ككل.
فمودي عضو نشط في الحركة الوطنية القومية منذ أن كان في العاشرة من عمره، وهي حركة هندوسية استلهمت أساسها من الحركات الفاشية في أوروبا، وعبر مؤسسها عن احترامه للنازية الألمانية وسماها "أوج الفخر العرقي"، وتسعى الحركة لسيطرة الهندوس على الهند بشكل كامل.
في 1948، قتل عضو من هذه الحركة، مؤسس الهند الحديثة "مهاتما غاندي" لكونه "لينًا كثيرا" مع المسلمين ، كما أن مودي نفسه، شديد التعصب، يُتهم بالتسبب في مذابح شديدة الوقع حدثت ضد المسلمين أثناء فترة ولايته لولاية الكوجرات، قُتل حينها أكثر من 2000 مسلم على الأقل في مذابح بشعة.
وبعد انتقال عشرات الآلاف من المسلمين إلى مخيمات لاجئين، وصف مودي تلك المخيمات بأنها "مراكز لتفريخ الأطفال!"، وفي مقابلات لاحقة، قارن بين أموات المسلمين والكلاب الصغيرة التي يتم دهسها من قِبل السيارات المسرعة، كما أنه مازال حتى هذه اللحظة يرفض تقديم الاعتذار عن مسئوليته تجاه تلك المجازر الوحشية ، الولايات المتحدة رفضت السماح له بدخولها عام 2005 على خلفية تلك المذابح، لكن الرئيس الأمريكي أوباما دعاه بعد فوزه بالانتخابات ، لزيارة أمريكا في أي وقت مناسب لكلا الطرفين !
خطاب مودي الذي اكتسح به سباق الانتخابات ، كان خطابًا طائفيًا عدائيًا من ذلك النوع الذي تُستخدم فيه كلمات من قبيل "الإرهابيين"، "الجهاديين" و"عملاء باكستان " ، ففي أول خطاب يلقيه بعد الانتخابات في مجلس النواب الهندي ، انتقد مودي بشدة الـ"1200 سنة من عقلية الاستعباد" التي سادت في الهند، ملمحًا من خلال ذلك ليس فقط إلى الـ200 سنة التي حكمت فيها بريطانيا الهند، بل إلى الـ1000 سنة السابقة التي حكم بها المسلمون الدولة أيضًا، وفضلًا عما تقدم، ومنذ تسلم مودي لمهامه، اطردت حوادث العنف الطائفي، فوفقًا لإحصاءات الحكومة الهندية، ارتفع العنف الطائفي في الهند بنسبة 30% في الأشهر الستة الأولى من عام 2015 مقارنة مع ذات الفترة من العام الماضي،كما صرح مودي في مناسبات عدة أن الهند قد تقوم بعمليات عابرة للحدود الباكستانية للتعامل مع "الإرهابيين الباكستانيين المعادين للهند" على الأراضي الباكستانية، كما أن خلفيته القومية المتطرفة، بالإضافة لقدراته اللوجستية من حيث سيطرته على سلاح غير تقليدي وكتلة بشرية بالغة الضخامة، تجعل من اندلاع توترات كبيرة أمرًا غير مستبعد .
ناهيك عن العلاقات المميزة بين مودي والكيان الصهيوني ، حيث يزيد مجموع التداول التجاري بين الهند وإسرائيل عن 5 مليارات دولار، ويُتوقع أيضًا أن تزيد نسبة التبادل التجاري بين الدولتين بما يخص مجال الزراعة والطب.
وتعتبرالقيادات الإسرائيلية أن فوز مودي بالانتخابات هو أفضل تطور يمكن أن يحسن العلاقات. فقد قال المحلل السياسي نير دوبري من القناة الثانية الإسرائيلية، "يجلب مودي معه روحًا جديدة من شأنها أن تؤدي إلى تحولات كبيرة بالسياسة الخارجية للهند وذلك سيؤثر كثيرًا على العلاقات الهامة مع إسرائيل. فالعالم الإسلامي عامة ومسلمو الهند خاصة قد ظهر لهم عدو جديد في هذه البقعة الحساسة من العالم ، لا يقل ضراوة وخطرا عن الأعداء التقليديين ، وما أكثرهم !
رويدًا رويدًا، بدأت أجندة رئيس الوزراء الجديد وحزبه الصاعد في التأثير على المجتمع المسلم، رُغم تعهداته الطويلة بألا تكون معاملة المسلمين مختلفة عن الأغلبية الهندوسية، وهي تحولات بطيئة لا تزال بعيدة عن أعين الإعلام الغربي، أو بالأحرى يتعمد تجاهلها ، بيد أن المسلمين على الأرض يلاحظون تلك التغيّرات الطفيفة يومًا بعد يوم، ففي شهر مارس الماضي خرج علينا سوبرامنيان سوامي، أحد أبرز قيادات حزب بهاريتا جنتا في ولاية مدراس (تاميل نادو)، وقال في خطاب له بأن المساجد ليست أماكن مقدسة كالمعابد الهندوسية، وبالتالي يحق للدولة أن تزيلها في أي وقت، وتبع ذلك بيومين إعلان من حاكم ولاية هريانا المنتمي للحزب بأن تعاليم البهاجواد گيتا، الكتاب الهندوسي المقدس، ستصبح إلزامية في كافة مدارس الولاية .
في الأشهر التي تلت فوز المتعصب مودي بالانتخابات ، أجج المتشددون التابعون لحزب بهاراتيا جاناتا والمنظمات التابعة للحزب التوترات الطائفية المشتعلة منذ فترة طويلة في الهند، حيث عمم نواب الحزب في البرلمان قرار حظر لحوم الأبقار في جميع أنحاء البلاد، ظاهرياً لحماية الأبقار، التي يعتبرها الكثير من الهندوس مقدسة، ولكن في حقيقة الأمر كان القرار ذريعة لتقسيم الهندوس والمسلمين، الذين يأكل بعضهم لحوم البقر ، وخلال الأسابيع السبعة الماضية، قتلت العصابات المتشددة، المدفوعة بغضب حملة منع تداول لحوم البقر العنيفة، أربعة مسلمين يشتبه بذبحهم أو سرقتهم أو تهريبهم للأبقار، وفي أغسطس، قتل مجهولون ماليشابا ماديفالابا كالبورجي، وهو باحث وناقد صريح للوثنية الهندوسية ، غير أن أسوأ حادث طائفي كان في أواخر سبتمبر، عندما قامت جماعة هندوسية في بلدة داردي شمالي الهند بقتل محمد أخلاق، الهندي المسلم الذي يبلغ من العمر 50 عامًا، بتهمة أكل وتخزين لحوم البقر ، حيث توجهت عصابة هندوسية، تتكون بأغلبها من أعضاء منظمة تدعى "انقذوا البقرة"، نحو منزل أخلاق، وحطمت جمجمته بآلة الخياطة العائدة لزوجته، وجروا جثته إلى الخارج، وفي المقابلات التي تم إجراؤها بعد الهجوم، لم يظهر هؤلاء القتلة الندم على الحادثة ، بل قال أندر ناجار، أحد أعضاء منظمة "انقذوا البقرة"، ووزير الدولة المحلي من جناح الشباب في حزب بهاراتيا جاناتا، لصحيفة نيويورك تايمز : " إننا أكثر تعلقا بالبقرة من أطفالنا " ،وبعد حادثة قتل أخلاق، قام راجا سينج، أحد مشرعي حزب بهاراتيا جاناتا، بنشر تغريدة تحتوي مقاطع من نص فيدا الهندوسي المقدس، تحض على قتل الأشخاص الذين يذبحون الأبقار، كأنه يشرعن لعمليات القتل المقبلة والتي أخذت في الانتشار بشكل واسع ومنهجي في شتى أنحاء الهند ، تأثرا باللون الطائفي الفاقع الذي عليه النظام الحاكم في الهند .
السياسة المسممة بالكراهية الدينية التي يتبعها مودي ستعمل حتماً على إهدار الإمكانات الاقتصادية للبلاد، في الوقت الذي يجب فيه على الهند أن تلعب دورا أكبر وأكثر إيجابية في جنوب آسيا والعالم، وتاريخ الهند يفيض بأمثلة عن العنف الديني والطبقي الذي ساعد على الحط من قيمة البلاد وتخلفها، وتلك الصراعات فترت وتراجعت خلال النمو الاقتصادي السريع الذي شهدته الهند، ولكن يخشى الكثير من الهنود اليوم عودة ظهور هذه النزاعات إلى سطح المشهد الهندي.
فمواقف مودي المترافقة مع موافقته الضمنية للعنف الجاري ضد المسلمين، شجعت أترابه الهندوتفا؛ فقد جدد القوميون الهندوس حملتهم لحظر التحويلات الدينية، في الوقت نفسه الذي كانوا يسعون فيه للسماح بإجراء التحويل من المسيحية والإسلام إلى الديانة الهندوسية، والمبرر الذي يضعه المتطرفون الهندوتفا لهذه الرؤية، يتمثل باعتبارهم لجميع الهنود بأنهم ذوي أصول هندوسية، وبالتالي، فهم لا يعتبرون التحول إلى الهندوسية تحولًا حقيقيًا، لأنه يمثل الرجوع إلى الأصل، لذا يطالبون باستثناء التحول إلى الهندوسية من حظر التحويلات الدينية، وهو الموقف الذي يوافقهم عليه مودي، ويتضح ذلك من خلال تصريحه في مقابلة صحفية مؤخرا حيث قال "إذا عدت إلى وطنك القديم، أي إلى الهندوسية، فإن هذا لا يعتبر تحولًا".
ومنذ أيام بدأ الترويج لأكبر مشاريع مودي المعادية للمسلمين ،حيث تدرس حكومة مودي قانونًا يحظر ذبح الأبقار على الصعيد الوطني .
إذن الرسالة واضحة في الهند التي يحكمها مودي، حياة البقرة لها قيمة أكبر من دماء المسلمين البائسة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق