الصهاينة يدعون لحرب عالمية ثالثة على الإسلام
بدت أوساط الحكم الصهيونية والنخب الإعلامية والثقافية في تل أبيب كما لو كانت تنتظر على أحرِّ من الجمر هجماتِ باريس من أجل الترويج لفكرة تدشين تحالف غربي وعالمي ضد "الإسلام المتطرف"، مع التشديد على أن الكيان الصهيوني يمثل "رأس الحربة" في هذه المواجهة، على اعتبار أنه يمثل الغرب في الشرق.
وتحاول النخب الصهيونية - سواء في الحكم أو في الإعلام - قَطْع الطريق على صناع القرار في أوروبا من خلال محاولة فرض التعريف الصهيوني لمصطلح "الإسلام المتطرف"، والذي يشمل بشكل أساس أيضاً "الإسلام السياسي".
فقد حذَّر وزير الأمن الداخلي الصهيوني يغال أردان الحكوماتِ الغربيةً من ضرورة شمل حركات "الإسلام السياسي" وضمنها جماعة "الإخوان المسلمين" ضمن قائمة منظمات "الإسلام المتطرف" التي يتوجب محاربتها.
وفي مقابلة أجرتها معه الإذاعة العبرية أمسِ الإثنين حثَّ أردان على ضرورة تدشين تعاونٍ شاملٍ وواسع في مواجهة الحركات الإسلامية في جميع أرجاء العالم، مشدداً على ضرورة استفادة العالم من "تراث" التجربة الصهيونية في هذا المجال.
ويصل أردان إلى استخلاص بالغ الخطورة عندما يعتبر أن العبرة الرئيسة من هجمات باريس هو ضرورة دعم الأنظمة القائمة في العالم العربي والإسلامي، والتي تسهم في الحرب على "الإسلام المتطرف"، كما تعرفه تل أبيب.
ويجد أردان الفرصة لتحذير الغرب من خطورة السعي لدمقرطة العالم العربي على اعتبار أن التحول الديمقراطي سيفضي إلى صعود الحركات الإسلامية، وهو ما لن يكون لصالح الغرب على حد زعمه.
وقد سارع الكيان الصهيوني إلى توظيف هذا التعريف في تبرير قراره الذي اتخذه فجر اليوم بحظر أنشطة الحركة الإسلامية بقيادة الشيخ رائد صلاح.
وعلى حسابه على "الفيس بوك" كتب وزير التعليم الصهيوني نفتالي بنات مبرراً القرار: "هذه الحرب تمتد من باريس إلى القدس، إنها حرب العالم الحر على الإسلام المتطرف، نحن نقوم بدورنا الريادي في هذه الحرب".
وقد ذهبت بعض النخب الصهيونية إلى ما هو أبعد من ذلك؛ حيث استغلت الهجمات لتدعو إلى شن "حرب عالمية ثالثة" على الإسلام، كما يقول المعلق العسكري الصهيوني رون بن يشاي.
وفي مقالة نشرتها صحيفة "يديعوت أحرنوت" في عددها الصادر الأحد الماضي يدَّعي بن يشاي أن "الإسلام المتطرف" هو من أطلق رصاصة البدء في هذه الحرب وأنه "يتوجب على الغرب أن يرد على هذه الحرب بحرب لا خيار فيها إلا الانتصار"، على حد تعبيره.
ويدَّعي بن يشاي أن هجمات باريس "ليست نتاج فشل استخباري فقط، بل بالأساس يعكس أيضاً قصوراً في تشخيص الأوروبيين لطابع الخطر الإسلامي الداهم الذي يواجه القارة العجوز والخطوات التي يتوجب اتخاذها للتصدي له".
ويواصل بن يشاي تحريضه الفج قائلاً: "النجاح في مواجهة الإسلام الراديكالي يتطلب مواجهته في البر والبحر والجو؛ فعلى قادة أوروبا أن يتعاملوا مع هجمات باريس على أساس أنها ردًّ على الحرب التي شنها الإسلام على الحضارة الغربية"، مدعياً أنه بدون الانتصار على "الإسلام المتطرف فإن الغرب سيكون مطالباً بالخضوع لإملاءاته"، على حد تعبيره.
وشدد بن يشاي على أن النجاح في هذه الحرب يفرض على الولايات المتحدة وفرنسا وكل الدول الغربية إرسال فِرَق عسكرية للقتال براً داخل سوريا والعراق من أجل تأمين القضاء على خطر الجهاديين "مرة وللأبد".
لكن مما لا شك فيه أن أخطر المحاولات الصهيونية لتوظيف هجمات باريس تمثلت في محاولة إيجاد مماهاة بين عناصر المقاومة الفلسطينية الذين يقاتلون الاحتلال وبين أعضاء تنظيم "الدولة الإسلامية" المسؤولين عن هذه الهجمات في مسعى واضح لشيطنة المقاومة الفلسطينية ونزع الشرعية عنها.
وقد استغل نتنياهو هجمات باريس صراحة محاولاً إضفاء شرعية على عمليات القمع التي تقوم بها تل أبيب لمواجهة انتفاضة القدس، معتبراً أن جنود الاحتلال والمستوطنين الذين يسقطون خلال عمليات المقاومة الفلسطينية يشبهون الفرنسيين الذين سقطوا في هجمات باريس.
وقد بدا نتنياهو حريصاً على استغلال هجمات باريس تماماً كما فعل سلفه شارون الذي استغل تفجيرات 11 سبتمبر في حشد شرعية دولية لقمع انتفاضة الأقصى بشكل غير مسبوق، وهو القمع الذي تمثل في شن حملة "السور الواقي".
ويواصل نتنياهو الرقص على دماء الفرنسيين متناسياً أنه أمر بطحن جماجم آلاف الفلسطينيين خلال الحرب الصهيونية الأخيرة على غزة بالقذائف والقنابل التي يزن بعضها طناً من المتفجرات.
وعلى المنوال نفسه، حاول الكاتب اليميني أمنون لورد تقليص الفروق بين هجمات باريس وعمليات الطعن بالسكاكين والدعس التي ينفذها الفلسطينيون ضد المستوطنين وجنود الاحتلال في الضفة الغربية.
وفي مقال نشرته صحيفة "ميكور ريشون" في عددها الصادر الأحد الماضي اقتفى لورد أثر مَنْ سبقه؛ حيث اعتبر المقاومة الفلسطينية جزءاً من "حرب دينية يشنها المسلمون على الغرب"، معتبراً أن الانتفاضة الأولى والثانية وكل حلقات المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال جاءت في إطار هذه الحرب.
لكن لورد لم يتردد في تعيير الأوروبيين بأنماطهم الاجتماعية والثقافية، حيث اعتبر "تجرؤ" الجهاديين على استهداف أوروبا أنه "نتاج تبنيهم "اتجاهات ثقافية عدمية ومنحطة تقوم على تقديس المتعة والجنس ورقص الروك" وهو ما أفضى إلى انعدام القدرة على مواجهة المتشددين الإسلاميين"، على حد تعبيره.
وهناك من استغل هجمات باريس من أجل شيطنة حملات المقاطعة الدولية على الكيان الصهيوني.
وقد اعتبر وزير الشؤون الاستخبارية الصهيوني يسرائيل كاتس أن هجمات باريس يفترض أن تقنع القيادات الأوروبية بالتصدي لأية محاولة لمقاطعة الكيان الصهيوني بسبب سيطرته على الضفة الغربية، زاعماً أن هجمات باريس تثبت أهمية وحيوية سيطرة الصهاينة على الضفة الغربية.
وشدد كاتس على وجوب أن تصدر أوروبا تشريعات تحرم مقاطعة الكيان الصهيوني وتجرمها بصفتها "إرهاباً وسلوكاً غير ساميٍّ" منتقداً القرار الأخير الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي القاضي بتمييز بضائع المستوطنات.
لكن مظاهر التوظيف الصهيوني لا تقف عند هذا الحد، فقد استغلت تل أبيب هجمات تفجير في محاولة لتصفية الحسابات مع تركيا.
فقد حمَّلت مصادر حكومية في تل أبيب الحكومةَ التركية جزءاً من المسؤولية عن هذه الهجمات لأنها سمحت "بإغراق أوروبا" باللاجئين السوريين.
ونقلت قناة التلفزة الصهيونية الثانية عن مصدر حكومي في تل أبيب قوله إن الأتراك خططوا لإغراق أوروبا بالمهاجرين من أجل تفجير المشاكل الأمنية والاجتماعية والثقافية داخل أوروبا.
لكن مشكلة الصهاينة تكمن في أن المستوى الرسمي غير قادر على التحكم بما يصدر عن المرجعيات الدينية اليهودية التي لم تتردد بالشماتة بالفرنسيين ودمائهم.
فقد وصف الحاخام دوف ليئور - أحد أبرز المرجعيات الدينية اليهودية وصاحب التأثير الكبير على التيار الديني الصهيوني، الذي يمثَّل بقوة في حكومة نتنياهو - ضحايا الهجمات بـ "الأشرار".
ونقل موقع صحيفة "ميكور ريشون" عن ليئور قوله خلال كلمته في تأبين مستوطنَين قُتلا في هجوم للمقاومة الفلسطينية مساء الجمعة الماضي إن "ما حصل للأشرار في أوروبا يستحقونه بسبب ما فعلوه ضد شعبنا قبل 70 عاماً".
ويذكَر أن نتنياهو قد أشاد كثيراً بالحاخام ليئور ووصفه مؤخراً بأنه "السرية التي تقود شعب إسرائيل".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق