من الضاحية إلى باريس.. التفسير غير
التبرير
ياسر الزعاترة
كما أنه ليس من حق من يسكتون، بل يباركون براميل بشار المتفجرة، وقتله لشعبه، ويحتلفون بميليشيات الموت في العراق، ويعتبرون قاتلا محترفا مثل «أبو عزرائيل» رمزا ثوريا، ويرون أن ما فعله الحوثيون بالعدوان على ثورة شعب بالتعاون مع طاغية مخلوع مبررا.. من يفعلون كل ذلك لا يحق لهم أن يحاضروا على غيرهم في الإنسانية ونبذ الإرهاب.
سواء ردوا بالرصاص أم بالشتائم وإطلاق جحافل الشبيحة، فإننا لن نكف عن الحديث عن السياقات السياسية لهذه الموجة من العنف التي تضرب في العراق وسوريا واليمن، وتمتد لتشمل عواصم عربية وغربية أخرى.
كلما بادرنا إلى ربط هذه الموجة الأخيرة من العنف مع المشروع الإيراني، بل العدوان الإيراني، خرج لنا الشبيحة إياهم قائلين: إن العنف موجود قبل احتلال العراق، لكأننا نجهل هذه الحقيقة، أو كأننا نسينا أن بعض مَن يندبون اليوم كانوا يؤيدون القاعدة في العراق حين كانت تقاتل الاحتلال العراقي وأذنابه، أو نسينا أن المالكي هدد ذات يوم بشار الأسد بمحاكمته أمام محكمة الجنايات الدولية بدعوى أن المفخخات التي تضرب في بغداد وسواها تخرج من سوريا. ولا ينس أولئك أن يضيفوا أسئلة حول ما يجري في دول ليس لإيران دور فيها، وليس فيها شيعة كما هو الحال في ليبيا ومصر.
لا شك أن النشاط المسلح، بخاصة الداخلي، كان موجودا قبل احتلال العراق، لكنه كان في حالة تراجع، وجرت مراجعات كثيرة في بلاد عديدة عنوانها التخلي عن نهج السلاح في الصراع مع الأنظمة، فيما كان تنظيم القاعدة يتحول إلى أفراد مطاردين في أرجاء الأرض. جاء احتلال العراق ليمنح دفعة كبيرة للتيار الجهادي، فقد رد على احتلال همجي لحاضرة من حواضر الأمة على نحو أشعر جماهيرها بالإهانة، فكان أن منحت الحاضنة والمدد بكل أشكاله لأولئك الذين وقفوا يواجهون الغزو ويفشلونه، وهذا يُذكر لهم للتاريخ، لا أعني القاعدة وحدها، وإنما فصائل سنية كثيرة، فيما كانت غالبية القوى الشيعية تتحالف مع الاحتلال، من دون أن تجد أية إدانة من قِبَل إيران ونصر الله، بل كان الأخير يلتمس لها الأعذار.كانت تلك موجة أخرى قوية؛ ما لبثت أن بدأت في التراجع بعد صدام تنظيم الدولة الإسلامية مع مكونات المجتمع العربي السني في العراق، وذهاب غالبيته إلى الانتخابات عام 2010 تعويلا على العملية السياسية، وهو ما رد عليه المالكي بمزيد من الطائفية والإقصاء.
سواء ردوا بالرصاص أم بالشتائم وإطلاق جحافل الشبيحة، فإننا لن نكف عن الحديث عن السياقات السياسية لهذه الموجة من العنف التي تضرب في العراق وسوريا واليمن، وتمتد لتشمل عواصم عربية وغربية أخرى.
كلما بادرنا إلى ربط هذه الموجة الأخيرة من العنف مع المشروع الإيراني، بل العدوان الإيراني، خرج لنا الشبيحة إياهم قائلين: إن العنف موجود قبل احتلال العراق، لكأننا نجهل هذه الحقيقة، أو كأننا نسينا أن بعض مَن يندبون اليوم كانوا يؤيدون القاعدة في العراق حين كانت تقاتل الاحتلال العراقي وأذنابه، أو نسينا أن المالكي هدد ذات يوم بشار الأسد بمحاكمته أمام محكمة الجنايات الدولية بدعوى أن المفخخات التي تضرب في بغداد وسواها تخرج من سوريا. ولا ينس أولئك أن يضيفوا أسئلة حول ما يجري في دول ليس لإيران دور فيها، وليس فيها شيعة كما هو الحال في ليبيا ومصر.
لا شك أن النشاط المسلح، بخاصة الداخلي، كان موجودا قبل احتلال العراق، لكنه كان في حالة تراجع، وجرت مراجعات كثيرة في بلاد عديدة عنوانها التخلي عن نهج السلاح في الصراع مع الأنظمة، فيما كان تنظيم القاعدة يتحول إلى أفراد مطاردين في أرجاء الأرض. جاء احتلال العراق ليمنح دفعة كبيرة للتيار الجهادي، فقد رد على احتلال همجي لحاضرة من حواضر الأمة على نحو أشعر جماهيرها بالإهانة، فكان أن منحت الحاضنة والمدد بكل أشكاله لأولئك الذين وقفوا يواجهون الغزو ويفشلونه، وهذا يُذكر لهم للتاريخ، لا أعني القاعدة وحدها، وإنما فصائل سنية كثيرة، فيما كانت غالبية القوى الشيعية تتحالف مع الاحتلال، من دون أن تجد أية إدانة من قِبَل إيران ونصر الله، بل كان الأخير يلتمس لها الأعذار.كانت تلك موجة أخرى قوية؛ ما لبثت أن بدأت في التراجع بعد صدام تنظيم الدولة الإسلامية مع مكونات المجتمع العربي السني في العراق، وذهاب غالبيته إلى الانتخابات عام 2010 تعويلا على العملية السياسية، وهو ما رد عليه المالكي بمزيد من الطائفية والإقصاء.
جاء الربيع العربي ليؤكد هذا المسار، فتنظيم الدولة أصبح تنظيما سريا مطاردا في العراق، واتخذ أسامة بن لادن موقفا مرحبا بالربيع العربي وسمّاه «تحولات تاريخية»، وطالب أتباعه بعدم الصدام معه، ولا بالحكومات المنبثقة عنه، والانشغال بالدعوة، والنتيجة أن مسار العمل المسلح كان في مرحلة أفول لصالح التغيير السلمي. هنا جاءت طائفية المالكي ورده على الاعتصامات السلمية بالسلاح، وبدعم إيراني، وجاءت دموية بشار في الرد على ثورة الشعب السوري السلمية، وبدعم إيراني كامل أيضا، جاء كل ذلك ليمنح قوة دفع للفصائل الجهادية، مشفوعة بخطاب مذهبي واضح، ثم جاءت قضية اليمن لتشكل ذروة الغطرسة الإيرانية، ولتدفع الأوضاع نحو حالة حشد مذهبي غير مسبوقة، ربما في التاريخ.
الجانب الآخر الذي يجري الاحتجاج به هو وجود عنف (لتنظيم الدولة أيضا) في مناطق أخرى لا صلة لها بإيران، ولا بالصراع المذهبي، وهنا نقول إن ذلك صحيح، لكنه جزء لا يتجزأ مما يجري في العراق وسوريا، فذلك التمدد للتنظيم وصولا إلى مشروع دولة وخلافة، جعل النموذج جاذبا لقطاع من الشباب (تماما كما كان نموذج القاعدة مطلع الألفية بعد هجمات سبتمبر)، وعلى هذه الخلفية جاءت البيعات المتوالية من مجموعات في دول عديدة للتنظيم «الدولة».
الجانب الآخر الذي يجري الاحتجاج به هو وجود عنف (لتنظيم الدولة أيضا) في مناطق أخرى لا صلة لها بإيران، ولا بالصراع المذهبي، وهنا نقول إن ذلك صحيح، لكنه جزء لا يتجزأ مما يجري في العراق وسوريا، فذلك التمدد للتنظيم وصولا إلى مشروع دولة وخلافة، جعل النموذج جاذبا لقطاع من الشباب (تماما كما كان نموذج القاعدة مطلع الألفية بعد هجمات سبتمبر)، وعلى هذه الخلفية جاءت البيعات المتوالية من مجموعات في دول عديدة للتنظيم «الدولة».
كل ذلك يمثل تفسيرا ضروريا لما جرى ويجري (وهو ليس تبريرا لكل تجلياته)، ليس في العراق وسوريا واليمن وحسب، بل حتى في الخارج أيضا، فحين يطالب التنظيم أتباعه بأن يفعلوا كذا وكذا، سيجد منهم من يستجيب. (فاصل: لا يقولن أحد لماذا تفجيرات الضاحية الآن؟ لأن المحاولات لم تتوقف أبدا، لكن تعقيد الوضع الأمني هو الذي أفشلها).
ينقلنا هذا إلى هجمات باريس الدموية، وهنا يمكن القول: إنها ترتبط بما ذكر آنفا من قوة النموذج الذي يمثله تنظيم الدولة الذي صعد ردا على العدوان الإيراني (العالم يحارب التنظيم ويجامل بشار والميليشيات الطائفية التي ترتكب أسوأ أنوع الجرائم في سوريا والعراق واليمن)، وقد طالب التنظيم مريديه بالرد على الدول المشاركة في التحالف ضده، وفرنسا واحدة منها، من دون أن يعني ذلك تبريرا لجريمة قتل المدنيين بتلك الطريقة، ليس فقط لأن هؤلاء لا صلة لهم بقرار المشاركة (رفضهم أو قبولهم لا يغير شيئا، وهم أصلا لم ينتبهوا لمشاركة بلدهم الهامشية في التحالف)، ولكن أيضا لأن الهجمات تشويه لصورة الإسلام، وإضرار بالمسلمين هناك، لما تنطوي عليه من غدر، وحيث يقتل إنسان يحمل جنسية البلد ويعيش فيه مواطنون آخرون قد يكون من بينهم مسلمون وأجانب من دول أخرى في عاصمة سياحية.
لا شك أن إيران وحلفها سيستثمرون الهجمات في الترويج لرؤيتهم الساقطة، لكن ما ينبغي أن يدركه العالم هو أن عدوانها (أي إيران) في سوريا والعراق واليمن هو أصل المعضلة، وما لم تحل المظالم هنا، فستستمر الفوضى وتتواصل دوامة العنف.
•  @yzaatreh
ينقلنا هذا إلى هجمات باريس الدموية، وهنا يمكن القول: إنها ترتبط بما ذكر آنفا من قوة النموذج الذي يمثله تنظيم الدولة الذي صعد ردا على العدوان الإيراني (العالم يحارب التنظيم ويجامل بشار والميليشيات الطائفية التي ترتكب أسوأ أنوع الجرائم في سوريا والعراق واليمن)، وقد طالب التنظيم مريديه بالرد على الدول المشاركة في التحالف ضده، وفرنسا واحدة منها، من دون أن يعني ذلك تبريرا لجريمة قتل المدنيين بتلك الطريقة، ليس فقط لأن هؤلاء لا صلة لهم بقرار المشاركة (رفضهم أو قبولهم لا يغير شيئا، وهم أصلا لم ينتبهوا لمشاركة بلدهم الهامشية في التحالف)، ولكن أيضا لأن الهجمات تشويه لصورة الإسلام، وإضرار بالمسلمين هناك، لما تنطوي عليه من غدر، وحيث يقتل إنسان يحمل جنسية البلد ويعيش فيه مواطنون آخرون قد يكون من بينهم مسلمون وأجانب من دول أخرى في عاصمة سياحية.
لا شك أن إيران وحلفها سيستثمرون الهجمات في الترويج لرؤيتهم الساقطة، لكن ما ينبغي أن يدركه العالم هو أن عدوانها (أي إيران) في سوريا والعراق واليمن هو أصل المعضلة، وما لم تحل المظالم هنا، فستستمر الفوضى وتتواصل دوامة العنف.
•  @yzaatreh
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق