الجمعة، 1 أبريل 2016

خطاب الملك

خطاب الملك

ديفيد هيرست

كان تاريخ 11 يناير/كانون الثاني 2016 يوماً سيئاً بالنسبة للملك عبدالله الثاني، ملك الأردن، فالرئيس الأميركي أخلف موعده معه ولم يأت، رغم أن الملك كان قد التقى بنائب الرئيس جو بايدن، وكان هناك موعد آخر مزمع في واشنطن عبارة عن جلسة غير رسمية مع كبار أعضاء الكونغرس. مع ذلك عقد الملك عزمه وشد الرحال إلى هناك لحضوره.

أراد عبدالله استيضاح كل جزئية من جزئيات سياسة أميركا في سوريا، أراد أن يعرف أين تقف أميركا.

هل تريد أميركا التخلص من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) أم من الأسد فقط؟

ألم تدرك أميركا أن الحرب الباردة انتهت وأنهم الآن في معمعة حرب عالمية ثالثة يقف فيها المسيحيون والمسلمون واليهود في خندق واحد ضد الخوارج؟

قال الملك: "على الولايات المتحدة أن تسأل نفسها: لماذا وصل داعش إلى ما وصل إليه الآن. هذا غير مقبول".


لم تكن تلك المرة الأولى التي يشكو عبدالله فيها أوباما إلى الكونغرس، فحسب جيفري غولدبيرغ الذي أجرى لقاء مع الرئيس الأميركي لجريدة "ذي أتلانتيك"، كان أوباما قد سحب الملك جانباً أثناء قمة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في ويلز عام 2014 وواجهه قائلاً إنه سمعه يشتكي قيادته - أوباما - أمام الكونغرس الأميركي، وأنه إن كانت لديه شكوى فعليه مصارحته بها مباشرة.

في وقت لاحقٍ نفى الملك أن تكون صدرت عنه أية تعليقات مشينة أمام الكونغرس في 2014، لكنه كذلك نفى التعليقات التي سجلت عليه في يناير/كانون الثاني هذا. يبدو أن الإنكار بات أسلوب حياة بالنسبة للملك.

تابع عبدالله زاعماً أن تركيا تقف وراء مشاكل المنطقة مع الإسلام الراديكالي المتطرف، وزعم أن التطرف صناعةٌ تركية.فلا عجب أن مسلحي "داعش" باتوا يظهرون في أوروبا على الدوام لأن سياسة تركيا قائمة على تصديرهم. تلقت تركيا توبيخاً من أميركا، لكن أوروبا لم تحرك ساكناً إزاء تركيا. علاوة على ذلك، تركيا تشتري نفطاً من "داعش".

لماذا؟ لأن الرئيس أردوغان في نظر الملك عبدالله "يدعم حلاً إسلامياً متطرفاً لمشاكل المنطقة".

مشكلة الأردن مع تركيا كانت على صعيد استراتيجي وعالمي.

ما الذي تفعله تركيا في الصومال؟ سؤال يريد الملك له جواباً.

لم يكن من الحكمة أبداً، حتى بين الأصدقاء، أن يهاجم الملك دولة حليفة يحتاجها الأردن الغارق في الديون ومشاكل اللاجئين. وقد انكشفت تفاصيل زيارة يناير/كانون الثاني هذه إلى واشنطن قبل زيارة رسمية تستغرق يومين لرئيس الوزراء التركي داوودأوغلو إلى العاصمة الأردنية عمّان.


فلماذا قام الملك عبدالله بهذا؟ وباسم مَنْ كان يتحدث؟


كانت تركيا قد هُوجمت من قبل واتهمت بأنها السر وراء قوة وصمود "داعش"، فمحمد دحلان، أحد كبار حركة فتح والمستشار الأمني لولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، كان قد أدلى بتصريحات مماثلة لمؤسسة "حلف الأطلسي في بروكسل"، وهي مركز دراسات استراتيجية تابع للناتو.

اتهم دحلان الغرب بأنه يمثل النفاق في أبشع صوره، فقال: "حسناً، وصل الإرهاب إلى أوروبا، لكن كيف وصل؟ ما من أحد يخبرنا. حسناً، إن كل تجارة النفط العالمية وكل القارة الأوروبية تعرف من يتاجر مع من - مع تركيا.

 ومع ذلك أنتم صامتون. لو كانت تجارةٌ كهذه تتم مع مصر مثلاً - والتي ليست لديكم أي مصلحة معها ولا تحبون نظامها السياسي - لكنتم أشعلتم حرباً سياسية ضدها".


وتابع دحلان: "إن كل حركة التطرف والإرهاب في سوريا دخلت عبر تركيا وأنتم تعلمون ذلك، لكن هذا لا يزعجكم، والسبب أن لديكم مصلحة سياسية، أو ربما أنا غير قادر على إيجاد تفسير لهذا الذي يحدث. أنا لست ضد تركيا، لكنني أقف ضد عدم كشف حقيقة من لا يواجهون داعش، أولئك الذين يعطونها الدعم والتسهيلات الاقتصادية ويتاجرون معها بالنفط أو يهربون الأسلحة إليها".


من ثم عبّر دحلان صراحةً عن نقطة أيديولوجية تخصّ الدين والسياسة في دولة مسلمة، إذ مدح بلده الجديد الإمارات العربية المتحدة (حيث يُحبس ويعذَب المعارضون وتموّل الانقلابات العسكرية في مصر والتدخلات في ليبيا والاغتيالات في تونس)، وصوّره على أنه دوحة الحرية وواحتها بكنائسها ومساجدها وشواطئها الترفيهية. فقال: "هنا التطور والاهتمام بالشعب وتقديم الرعاية له، ولهذا إن أردنا بناء المستقبل فنعم بالتأكيد علينا اتخاذ نموذج ناجح".


هاجم كلٌّ من دحلان وعبدالله تركيا ليس فقط زاعمين أنها الممول والمسلّح لداعش، بل كذلك هاجموا نموذجها السياسي بديلاً لأنظمتهم الاستبدادية في الأردن والإمارات.


المفروض أن تكون تركيا والأردن والإمارات جميعها في خندق واحد في سوريا، فجميعها جزء من التحالف العسكري بقيادة السعودية، لكن كلاً من عبدالله والإمارات يتعاملان مع هذا التحالف على أنه مجرد كلام. وقد اعترف الملك عبدالله في أثناء جلسة الكونغرس بأن الأردن لم تدخل ذاك التحالف إلا لأنه "غير ملزم".


ما أراه حتى الآن هو أنهم يخوضون جميعاً حروباً مختلفة في سوريا. الأردن والإمارات ومصر سعداء ببقاء الأسد طالما كان مستمراً في قمع الربيع العربي في سوريا. إن آخر ما يريده الملك على حدوده الشمالية هو وجود انتخابات حقيقية، أو تشكيل حكومة تحالف تتقاسم السلطة والثروة. وكانت تركيا قد تفاوضت مع الأسد على مدار 8 أشهر لمحاولة إقناعه بقبول إصلاحات سياسية، في حين أن السعودية وقطر تقبلان وتدعمان بعض المتشددين الإسلاميين ضمن الجيش السوري الحر المعارض أملاً في استمالتهم بعيداً عن المجموعات التابعة لتنظيم القاعدة في حال حدوث انتخابات حرة.


في المقابل، ظهر تحالف ثالث مُخالف للاتجاهين الماضيين، ويتكون من الأسد وروسيا وإيران، وجميعهم يقاتلون من أجل الهدف نفسه، وهو استمرار النظام. يرى بوتين سوريا من منظور التمردات السابقة في الشيشان وداغستان وطاجيكستان، ويشعر بالخيانة حول التأكيدات التي تصل لبلاده بشأن ليبيا. في الوقت نفسه فقد يأس باراك أوباما من الوضع في سوريا، كما يأس من الشرق الأوسط بشكل عام.


في مقابلته مع صحيفة "ذي أتلانتيك" اعتبر أوباما عدم ضربه نظام الأسد بعد استخدامه السلاح الكيميائي بمثابة لحظة تحرر من سياسة واشنطن الخارجية التقليدية، كما وصف ما يحدث في ليبيا بـ"المشهد المقرف" بعد الإطاحة بالقذافي.


كتب غولدبيرغ عن حديث أوباما معه لصحيفة "ذي أتلانتيك" قائلاً: "لقد أثبتت ليبيا له أن الحل الأفضل هو تجنب الشرق الأوسط. لقد قال لأحد أصدقائه القدامى في مجلس الشيوخ إنه لا توجد أي طريقة يمكن أن نلتزم بها تجاه حكم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأن محاولة فعل هذا الأمر سيكون خطأً جوهرياً".


يبقى الرهان حالياً هو أن أحداً لن يستطيع السيطرة على سوريا، لا التحالف الداعم للأسد، ولا التحالف الذي تقوده السعودية. الاحتمال الأكثر ترجيحاً لوقف إطلاق النار الحالي هو ظهور سوريا جديدة مقسمة على أساس طائفي إلى دويلات فيما يشبه الطريق الذي سار فيه العراق بعد الغزو الأميركي.


يمكن اعتبار هذه النتيجة كأقل الاحتمالات سوءاً لجميع القوى الأجنبية التي تتدخل في سوريا، فبالنسبة للأردن والإمارات ومصر ستنتهي حالة الخوف لديهم من تغيير النظام، في حين ستتمكن السعودية من إيقاف إيران وحزب الله، فيما ستؤسس روسيا قاعدتها البحرية وتضع قدماً دائمة في الشرق الأوسط.


من جانبه، سينجو الأسد بدولة أصغر من سوريا الحالية تقوم على أساس طائفي، بينما سيستطيع الأكراد تأسيس مقاطعتهم في الشمال، وستتمكن الولايات المتحدة من الخروج من المنطقة مرة أخرى.


الخاسر الوحيد وسط كل هذه الأمور هو سوريا نفسها، حيث سيضطر 5 ملايين سوري للعيش في المنفى للأبد، كما سينتهي الحلم بوجود العدالة وتقرير المصير والتحرر من الاستبداد.


ربما يعطي تاريخ المنطقة لتلك القوى الخارجية بعض الدروس، فما يؤكده التاريخ أن التقسيم لا يقود سوى للمزيد من الفوضى، وأن ما تحتاجه المنطقة بالفعل حالياً هو المصالحة والمشاريع المشتركة والاستقرار أكثر من أي وقت مضى، وهو ما لن يأتي على الإطلاق بتقسيم البلاد إلى دويلات صغيرة مدعومة خارجياً.

في الوقت نفسه، يمثل تنظيم داعش إلهاءً عن الصراع الحقيقي في المنطقة، والذي هو بالأساس التحرر من الديكتاتورية وميلاد حركات ديمقراطية حقيقية. "داعش" ليس تبريراً للأقوياء، إنه نتاج مقاومتهم للتغيير.


لم يبدأ التاريخ في 2011 ولن ينتهي الآن، فثورات 2011 لم تكن سوى نتيجة لعقود من سوء إدارة البلاد، وهو السبب الذي قاد الملايين من العرب - بشكل سلمي في البداية - للخروج ضد حكامهم، ومازال هذا السبب قائماً حتى اليوم.


في الوقت الذي لا يوجد أي حل ديمقراطي حقيقي للشرق الأوسط، سيستمر تنظيم داعش في التحور مثل المرض الذي أصبح مقاوماً لكل المضادات الحيوية الموجودة في جسد الشرق الأوسط، حيث يتمكن من تغيير شكله في كل مرة، ويصبح أكثر ضراوة من ذي قبل.

سيستمر الصراع والنضال والفوضى في المنطقة إلى أن تتمكن الشعوب من كسر القيود المفروضة عليها واستعادة روح ميدان التحرير. في ذلك الوقت، سيكون أمثال الملك عبدالله ومحمد بن زايد والسيسي ودحلان قد ولَّى زمنهم منذ زمن بعيد.

 مترجمة بتصرف عن النسخة الأمريكية لـ "هافينغتون بوست".

 للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق