هل تدمر طموحات ساويرس الاقتصاد المصري؟
شريف عبدالعزيز
كعادته في إثارة الجدل؛ شن رجل الأعمال نجيب ساويرس، الخميس الماضي، أعنف هجوم على نظام السيسي، ووجه انتقادات لاذعة للأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية في البلاد،وذلك خلال الكلمة التي ألقاها في المؤتمر العام السنوي لحزب المصريين الأحرار الذي أسسه عام 2011 في أعقاب ثورة يناير.
ولأول مرة منذ مشاركته الضخمة والفعالة في تمويل مظاهرات 30 يونيه، يشن ساويرس هذا الهجوم اللاذع وبعبارات صريحة وقوية ،حيث طالت انتقاداته الجميع من القمة إلى القاع ، فوصف البرلمان بالمولود الميت، وأن الدولة سعيدة بحملة التشويه التي يشنها الإعلام ضد مجلس النواب ،كما هاجم ائتلاف "دعم مصر"، ووصفه بالمدعوم من الأجهزة الأمنية ، ثم انتقل إلى الأوضاع الاقتصادية فقال أن الوضع الاقتصادي في مصر صعب،فالسياحة متوقفة ، والبيروقراطية تعرقل الاستثمارات،ثم صعّد من لهجة الهجوم حتى وصل لانتقاد السيسي نفسه،فاستنكر الدعوة التي أطلقها قبل عدة أسابيع بالتبرع لمصر بجنيه كل يوم،قائلا إنهم يطالبوننا بأن نصبح على مصر بجنيه بينما هناك ملايين تهدرها أجهزة الدولة بدون داع ، ثم هاجم مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس واصفا إياه بالفشل في إدارة القناة ، ثم هاجم الأجهزة الأمنية متهما إياها بالتصنت على أعضاء حزبه ، ومضايقتهم أمنيا .
ولكن النصيب الأكبر من الهجوم كان من نصيب طارق عامر رئيس البنك المركزي ، وذلك بسبب إفشال طارق عامر لصفقة سي آي كابيتال والتي كان يرمي ساويرس من ورائها الهيمنة على سوق المعاملات المالية في مصر ، ويبدو أن هذه النقظة تحديدا كانت سببا لثورة ساويرس وغضبه الشديد.
ففي مصر تعمل 21 شركة في مجال الخدمات المالية أبرزها المجموعة المالية "هيرميس"، "سي آي كابيتال"، "إتش سي"، "إتش إس بي سي"، "برايم" وغيرها ، وتقوم هذه الشركات بعدة خدمات أبرزها الوساطة وأمانة الاستثمار وإدارة الاستثمار والاستشارات المالية وإدارة الإصدارات والتمويل على الهامش وخدمات مالية أخرى، ويعد قطاع الخدمات المالية هو الأكثر حساسية في الاقتصاد المصري؛ نظرًا لقدرة هذا القطاع على اختراق كافة البيانات الاقتصادية والاطلاع على الصفقات التي تجري داخل الدولة، فضلاً عن أن القطاع هو الأكثر استقرارًا في الاقتصاد المصري حتى الآن على الأقل .
ساويرس ومنذ عشر سنوات يعمل جاهدا من أجل السيطرة على سوق الخدمات المالية ، ولكنه كان يخفق في كل مرة بسبب سيطرة مجموعة " هيرميس"وفي عام 2014 حاول أن يشتري 20% من الشركة نفسها ولكن أخفق مرة أخرى ، لذلك سعى ساويرس في ظل عرض الدولة للعديد من الشركات والبنوك لخصخصتها أو بيعها في البورصة للظفر بحصة الأسد منها، ما يمكنه من بناء كيان منافس لشركة هيرميس.
وبالفعل ففي خلال عدة أشهر استطاع ساويرس الاستحواذ على شركة دايناميك لتداول الأوراق المالية ، ثم استحوذ على شركة بلتون المالية بقيمة 83 مليون دولار في نوفمبر في العام الماضي.
ثم بدأ مفاوضات حثيثة من أجل الاستحواذ على شركة "سي آي كابيتال" المملوكة للبنك التجاري الدولي في صفقة قد تتجاوز 118 مليون دولار؛ حيث أعلن البنك عن تلقيه عرض شراء من قِبل شركة أوراسكوم للاتصالات بنسبة 100% .
ولكن محافظ البنك المركزي المصري طارق عامر تنبه لنوايا ساويرس في بناء لوبي اقتصادي سياسي في البلد، فدفع البنك "الأهلي المصري" الحكومي لتقديم عرض للاستحواذ على "سي آي كابيتال" من أجل قطع الطريق على ساويرس، مما أدى في النهاية لتعطيل الصفقة لتندلع ثورة غضب ساويرس ، ويلقي بالتصريحات الصادمة يوم الخميس الماضي .
فماذا يرمي ساويرس من وراء كل هذا التصعيد الكبير ضد نظام كان هو نفسه من أهم داعميه وصانعيه ؟! وهل طموحات التي لا تكاد تخفى على أحد ستكون سببا في تدمير ما تبقى من اقتصاد مصر؟!
في سنة 1985 كان نجيب ساويرس على موعد مع أكبر نقلة في تاريخ أسرته ، حيث استطاع نجيب ساويرس أن يحصل علي الجنسية الأمريكية بطريقة ما، رفض هو نفسه الإفصاح عنها في حواره مع إحدى شبكات التليفزيون الأمريكي وهي شبكة بلومبرج، وبعد حصوله علي الجنسية أسس شركة "كونتراك الدولية المحدودة"، بمدينة أرلنجتون، بولاية فرجينيا، وحيث أنه يحمل الجنسية الأمريكية، أصبحت الشركة مؤهلة للحصول علي عقود عديدة من المقاولات الممولة من الحكومة الأمريكية، خاصة وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون"، ولعبت هذه الشركة دوراً رئيسياً في تأسيس شركة أوراسكوم المتعددة في مصر والتي كانت واجهة ما يعرف اليوم بإمبراطورية "عائلة ساويرس" حيث فازت شركة "أوراسكوم للمقاولات" بعدة صفقات مع شركتي "هيوليت - باكارد" و"مايكروسوفت".
وبعد ذلك فاز بصفقات أخرى مع شركتي "سيسكو سيستمز" و"لوسينت" الأمريكيتين لبيع أجهزة تكنولوجيا المعدات في مصر . وتحولت شركة ساويرس من شركة يعمل بها خمسة أشخاص فقط لا غير سنة 1980 إلي إمبراطورية عملاقة بهذا الحجم المهول خلال أقل من عشرين سنة - في عام 1997 كان ساويرس قد دخل نادي المليارديرات .
ثم جاءت حقبة جاءت حروب الإمبريالية الأمريكية في الشرق الأوسط في العراق وأفغانستان لكي تقتل الملايين من جماهير البلدين وتدمر المنشآت والبنية التحية لهما، لكي تنتعش علي دمار هذه الحروب القذرة من جديد الشركات الأمريكية، مثل "هاليبرتون" و"بيكتل" و"ادفانسيد سيستمز". وانتعشت مع هؤلاء كونتراك ومعها الشركة التوأم "أوراسكوم للإنشاء والصناعة".
فعلي مدار فترة حروب الإمبريالية الأمريكية في الشرق الأوسط من 2002 إلي 2005 أصبحت شركة "كونتراك" أكبر مقاول لتشييد المنشآت والقواعد العسكرية الأمريكية في أفغانستان.
فقد فازت بعقود قدرت بنحو 800 مليون دولار هناك، أما في مرحلة ما بعد الحرب الأمريكية علي العراق، فقد حصلت "كونتراك" في عام 2004 علي عقد بقيمة 325 مليون دولار لإعادة بناء عدد من الطرق وشبكات النقل العراقية، وفي نفس الوقت حصلت شركة موبينيل للاتصالات علي رخصة شبكة المحمول بالعراق بأرباح سنوية ضخمة
ساويرس لم يكن يوما قانعا بدوره الأخطبوطي في عالم الاقتصاد والمال ، فعالم السياسية كان يستهويه بشدة ، وبعلاقاته الواسعة في عالم البيزنس استطاع التسلل إلى دهاليز السياسة في عصر مبارك وقد بدا أن دخوله للعبة السياسية في مصر قد جاء مواكباً مع ازدياد نفوذ رجال الأعمال في مجريات السياسية ودوائر صنع القرار،ساويرس دخل باب السياسة بأجندته الخاصة، وبأهدافه المحددة، دخل لعبة السياسة لتوجيه الضربات والطعنات للنظام الاجتماعي والديني والرسمي والتاريخي لبلاد مصر العريقة، دخل ساويرس السياسة من أجل بث الفرقة وإشعال الفتنة، ليس لمصلحة انتخابية أو حزبية أو منافع دنيوية، إنما دخلها مدفوعاً بالحقد والكراهية لكل ما إسلامي في بلد هو الأكبر والأعرق في الأمة الإسلامية في المنطقة ، وفي رغبة لا يخفيها من أجل جعل العلمانية شعار ، و الليبرالية دثار ، للمجتمع المصري .
بعد ثورة 25 يناير استطاع ساويرس أن يخط له مكانة بارزة داخل الحياة السياسية المصرية بخلطة سحرية فعالة أشرف على إعدادها نخبة من خلاصة المتخصصين في مجالات شتى ، خلطة شملت المال والسياسة والثقافة والاعلام والفن ،فقد خصص أموالا طائلة لاستقطاب الرموز وشراء الولاءات وإقامة العلاقات ، بدأها باستقطاب المثقفين بجوائز للإبداع الأدبي ينفق عليها، ثم استقطاب الفنانين بالإنفاق على مهرجان القاهرة السينمائي، والدخول بكل قوة إلى الفضائيات بقناة "أون تي في"، وتحويلها تدريجياً من المنوعات إلى السياسة، ولحقت بها وكالة أنباء، ومركز للتدريب على المهن الإعلامية ، وامتلاك عدة صحف ومواقع على الانترنت. وأخيرا تشكيل حزب المصريين الأحرار، والإنفاق على مرشحيه في أول انتخابات برلمانية بعد ثورة 25 يناير ، غير الانفاق على عدة أحزاب أخرى أصغر حجما تلعب دور الاسناد على المصريين الأحرار. ولكن هاجس الاستحواذ على سوق الخدمات المالية هو أحد أهم أهداف ساويرس في الأعوام الأخيرة .
فساويرس لم يعد قانعا بدور الممول للنظام ، فهو يبحث عما هو أكبر من ذلك ، حيث يعمل على خلق "لوبي اقتصادي سياسي" قد يمكنه من استخدام البرلمان في تمرير قوانين تخدم مصالحه الخاصة فقط، ويعترض على تشريعات يرى أنها تضر بمصالحه.
وفي ظل الانتباه الحكومي لمخططات الاستحواذ لدى ساويرس ، فإن تعطيل الصفقة الأخيرة قد أصابه بالغضب الشديد ، فأراد أن يهدم المعبد على من فيه ، فأطلق مثل هذه التصريحات الخطيرة ، ففي ظل عدم وجود قوانين اقتصادية في مصر تفصل في مثل هذا النوع من النزاعات، فإن وصف ساويرس بأن هناك تعنتًا حكوميًا بعدم إتمام الصفقة، يعتبر رسالة سلبية جدًا للاستثمار الداخلي والخارجي، وستضر بالقطاع المصرفي بنسبة كبيرة وخاصة بعد الشبهات التي تثار حول القانون الذي أصدره المركزي بشأن تحديد مدة رئاسة البنوك بـ 9 سنوات، وعدم الموافقة على تعين هشام رامز نائبًا لرئيس مجلس الإدارة وعضوًا منتدبًا للبنك التجاري الدولي، كل هذه الأمور تصنع صراعات داخل القطاع الذي يعد أكثر القطاعات تماسكًا بالاقتصاد المصري خلال السنوات الأخيرة ، ويضر الاقتصاد المصري المتداعي تحت وطأة الأزمات المتلاحقة.
ومن هنا بدا الطموح السياسي لنجيب ساويرس معبرا عن نفسه، أو عن القوى والأفكار والأيديولوجيات التي يمثلها تعبيراً واضحاً، حيث بدا من الواضح أنه لا يرى في نفسه رجل أعمال، فهو يعمل لحلم تمناه، وهدف سعى إليه،وهو الهيمنة والتحكم في قرار مصر السياسي.
ولكنها في الواقع طموحات مدمرة لأن الفشل هو مصيرها الوحيد ، فلن يقبل الشعب المصري مما وعده ساويرس بأنهار العسل واللبن أن يتحكم رجل مثل ساويرس بكل ما يحمله من أجندات خاصة وعداء كامل للهوية والمرجعية الدينية والثقافية للمجتمع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق