قضية ريجيني.. الثابت والمتغير الأوروبي في مصر
تكشف قضية الشاب الإيطالي "جوليو ريجيني" الذي قُتل في مصر أول فبراير/شباط الماضي بطريقة غامضة وبشعة بعض تشابكات الموقف الأوروبي من قضايا حقوق الإنسان في العالم العربي.
فمع أن النظام المصري قتل وعذب وأخفى الآلاف من المصريين قبل هذا الحادث بدون أي رعاية لقانون أو حقوق إنسانية، فإن الأوروبيين بدولهم ومنظماتهم لم يتحركوا ضده إلا على استحياء شديد لم نر له تأثيرا في الواقع، في حين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها في قضية الشاب الإيطالي القتيل.
جريمة مشتركة
ولا يحق لأحد أن يلوم الأوروبيين على تشددهم في حماية مواطنيهم والدفاع عن حقوقهم، بل لا أحد يمكنه أن يفرض عليهم -أخلاقيا ولا قانونيا- الدفاع عن مواطنينا ضد انتهاك الحكومات العربية لحقوقهم الآدمية بلا أي جناية.
فمع أن النظام المصري قتل وعذب وأخفى الآلاف من المصريين قبل هذا الحادث بدون أي رعاية لقانون أو حقوق إنسانية، فإن الأوروبيين بدولهم ومنظماتهم لم يتحركوا ضده إلا على استحياء شديد لم نر له تأثيرا في الواقع، في حين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها في قضية الشاب الإيطالي القتيل.
جريمة مشتركة
ولا يحق لأحد أن يلوم الأوروبيين على تشددهم في حماية مواطنيهم والدفاع عن حقوقهم، بل لا أحد يمكنه أن يفرض عليهم -أخلاقيا ولا قانونيا- الدفاع عن مواطنينا ضد انتهاك الحكومات العربية لحقوقهم الآدمية بلا أي جناية.
"حين تكون أوربا سندا لنظام دميم بشع بهذه الصورة، فمن حقنا أن نستغل الحادثة لنقول للأوروبيين: أنتم شركاء للنظام في قتل ريجيني وقتل المصريين؛ ليس لصمتكم المريب عن جرائمه السابقة، أو احتجاجكم السينمائي عليها فحسب، ولكن لمساندتكم المباشرة له وتآمركم على حق شعوبنا في الحرية"
ولكن حين تكون أوربا هذه سندا لنظام دميم بشع بهذه الصورة، فمن حقنا أن نستغل حادث الشاب الإيطالي -ضحية السعار الدموي- لنقول للأوروبيين: أنتم شركاء للنظام في قتل ريجيني وقتل المصريين؛ ليس لصمتكم المريب عن جرائمه السابقة، أو احتجاجكم السينمائي عليها فحسب، ولكن لمساندتكم المباشرة له وتآمركم على حق شعوبنا في الحرية، فالسيسي يلقى دعما وتأييدا تاما منكم، وقد حل بعد اغتصابه منصب الرئاسة في مصر ضيفا على كبريات العواصم الأوروبية (برلين، ولندن، و"روما"، وباريس) ومثلت هذه الزيارات دعما سياسيا وأمنيا قويا له، إضافة إلى ما أبرمه خلال زياراته من اتفاقيات تجارية تستغل الواقع المصري المأزوم في تحقيق بعض المكاسب الاقتصادية.
ولا ننسى -إضافة إلى هذا- ذلك التواطؤ الأوروبي المبكر للإطاحة بالتجربة الديمقراطية المصرية، الذي بدا واضحا فيما تناقلته وكالات الأنباء إبان الانقلاب المصري عام 2013 من قيام كاترين آشتون مسئولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي بالضغط على الرئيس محمد مرسي لقبول أي اقتراح يؤدي إلى تنازله عن سلطاته أو عن منصبه أو قبوله بانتخابات مبكرة.
وعلى المستوى الإيطالي خاصة فإن دعم رئيس الوزراء الحالي ماتيو رينزي لنظام السيسي القمعي جاء شبيها بالتقارب المشبوه الذي ربط بين الديكتاتور الليبي الأشهر معمر القذافي وبين السياسي ورئيس الوزراء الإيطالي الشهير بيرلسكوني؛ باعتبار أن هذا النوع من العلاقة يبدأ بمصالح اقتصادية واتفاقيات أمنية استغلالية، ثم يتطور إلى علاقات شخصية حميحة!
التشدد الأوروبي
إلى الآن يبدو الموقف الإيطالي الرسمي في قضية ريجيني متشددا إزاء النظام الانقلابي في مصر؛ خوفا من ضغط الرأي العام الإيطالي الذي يمكن أن يزيح الحكومة، فلم تقبل حكومة رينزي أيا من محاولات التلفيق التي سعت من خلالها السلطات الأمنية المصرية والجهات الدبلوماسية إلى الخروج من المأزق الخطير، على الرغم من أن إحدى هذه المحاولات أودت بحياة خمسة أشخاص بلا جريمة معروفة إلا محاولة إلصاق التهمة بهم، والخروج من الأزمة على حساب دمائهم.
وقد يذكرنا هذا بسخط موسكو الكبير على القاهرة عقب حادث الطائرة الروسية التي سقطت بعمل تخريبي في أجواء سيناء في أكتوبر/تشرين أول الماضي، وما زال هذا السخط قائما، وقد أدى إلى برودة واضحة في العلاقات المصرية الروسية، إلا أن موسكو -في الحقيقة- لم تعبر عصر القيصرية عبورا كاملا إلى الآن، وما زال الرأي العام فيها أقل من أن يحوّل دفة الأحداث في اتجاه لا يعجب القيصر بوتين.
ولا ننسى -إضافة إلى هذا- ذلك التواطؤ الأوروبي المبكر للإطاحة بالتجربة الديمقراطية المصرية، الذي بدا واضحا فيما تناقلته وكالات الأنباء إبان الانقلاب المصري عام 2013 من قيام كاترين آشتون مسئولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي بالضغط على الرئيس محمد مرسي لقبول أي اقتراح يؤدي إلى تنازله عن سلطاته أو عن منصبه أو قبوله بانتخابات مبكرة.
وعلى المستوى الإيطالي خاصة فإن دعم رئيس الوزراء الحالي ماتيو رينزي لنظام السيسي القمعي جاء شبيها بالتقارب المشبوه الذي ربط بين الديكتاتور الليبي الأشهر معمر القذافي وبين السياسي ورئيس الوزراء الإيطالي الشهير بيرلسكوني؛ باعتبار أن هذا النوع من العلاقة يبدأ بمصالح اقتصادية واتفاقيات أمنية استغلالية، ثم يتطور إلى علاقات شخصية حميحة!
التشدد الأوروبي
إلى الآن يبدو الموقف الإيطالي الرسمي في قضية ريجيني متشددا إزاء النظام الانقلابي في مصر؛ خوفا من ضغط الرأي العام الإيطالي الذي يمكن أن يزيح الحكومة، فلم تقبل حكومة رينزي أيا من محاولات التلفيق التي سعت من خلالها السلطات الأمنية المصرية والجهات الدبلوماسية إلى الخروج من المأزق الخطير، على الرغم من أن إحدى هذه المحاولات أودت بحياة خمسة أشخاص بلا جريمة معروفة إلا محاولة إلصاق التهمة بهم، والخروج من الأزمة على حساب دمائهم.
وقد يذكرنا هذا بسخط موسكو الكبير على القاهرة عقب حادث الطائرة الروسية التي سقطت بعمل تخريبي في أجواء سيناء في أكتوبر/تشرين أول الماضي، وما زال هذا السخط قائما، وقد أدى إلى برودة واضحة في العلاقات المصرية الروسية، إلا أن موسكو -في الحقيقة- لم تعبر عصر القيصرية عبورا كاملا إلى الآن، وما زال الرأي العام فيها أقل من أن يحوّل دفة الأحداث في اتجاه لا يعجب القيصر بوتين.
"هناك ارتباك واضح في الموقف المصري وهو يعني أحد أمرين: إما أن شخصيات كبيرة متورطة في الحادث، وقد أتاح هذا الاحتمال للشائعات أن تنتشر، حتى ادعى بعضهم أن السيسي أشرف بنفسه على التخلص من جثمان ريجيني. أو أن جهة أمنية ما قتلت ريجيني ثم تخلصت منه بدون علم من قيادات الشرطة"
إيطاليا -وأوروبا من ورائها- لن تصمت إذن -لهذا السبب أو ذاك- عن المطالبة بحل لعقدة التعدي الإجرامي على حياة مواطنها "ريجيني" النازل ضيفا على مصر وفي حماية حكومتها، فإلى أي مدى يمكن أن تمتد سهام الأوروبيين في هذه القضية؟
ثوابت ومتغيرات
وفي الإجابة عن هذا السؤال يجب أن ننطلق من ثوابت الموقف الأوروبي في مصر الحالية؛ فالقارة البيضاء لن تتراجع عن موقفها الداعم للانقلاب المصري بأي وجه، فهي كما لا يعجبها أن يعود العثمانيون إلى إسطنبول، فلن يعجبها أن يرجع الأيوبيون والمماليك إلى القاهرة ودمشق، مهما بدا هؤلاء متطورين وعصريين!
وهذا الثابت الأوروبي المناهض لحقوق الشعوب في الحرية وتقرير مصائرها، يمثل دعما لتوجه وليس مساندة لأشخاص؛ أي أن السياسات الأوروبية -كما تبدو للناظر- يعنيها "ماذا يجري" أكثر مما يعنيها "من الذي ينفذ"، فهي نفسها لم تكن تمانع قبيل الانقلاب أن يبقى مرسي رئيسا لمصر، ولكن منزوع الصلاحيات، على أن تدير البلاد وزارة لها كل الصلاحيات برئاسة محمد البرادعي أو أي وجه سياسي آخر من المعارضة؛ لأن تقديم شخصية عسكرية في ذلك الظرف لم يكن بالأمر المستساغ، وقد احتاج هذا الطرح حين اضطروا إليه إلى كثير من الجهود الإعلامية لأجل تلميعه وتصويره على أنه رسول العناية الإلهية الذي جاء لإنقاذ مصر دون أن تكون له مطامع في الحكم!
ولا يعني هذا أن إيطاليا أو المجموعة الأوروبية مستعدة للتضحية بالسيسي أو غيره من القيادات المصرية الحالية بسهولة، لكن الشطط العنتري الذي يصيب النظام المصري الحالي أحيانا قد يؤدي إلى أزمة؛ خاصة إن ظهر أن قيادات سياسية أو أمنية كبيرة قد تورطت في قتل ريجيني، وأنه لابد من تسليمهم ليحاكموا في أوربا، وهو ما من شأنه أن يقلق أحد أركان الانقلاب المصري، وهي الشرطة وقياداتها بعد أن حصلوا على إذن بالتصرف كيف شاءوا مع ضمان حمايتهم أمنيا وقانونيا.
استغلال الارتباك المصري
هناك ارتباك واضح في الموقف المصري من قضية الشاب الإيطالي الضحية، وهو يعني أحد أمرين:
الأول: وهو ما سبقت الإشارة إليه من أن بعض كبار الشخصيات الأمنية أو السياسية المصرية متورطة في الحادث. وقد أتاح هذا الاحتمال للشائعات أن تنتشر، حتى ادعى بعضهم أن السيسي أشرف بنفسه خلال اجتماع مغلق على التخلص من جثمان ريجيني بدفنه في الصحراء، بل ادعت صحيفة أن السيسي يضغط بهذه الجريمة على إيطاليا حتى لا تتدخل في ليبيا التي يطمع في بترولها.
الثاني: أن جهة أمنية ما -وقد أكدت التحقيقات الإيطالية من خلال العلامات التي عاينها المحققون والأطباء على الجثة هذه الصفة- قتلت ريجيني ثم تخلصت منه بدون علم من قيادات الشرطة. وهذا يضع الدولة المصرية برمتها في وضع حرج؛ فالنظام الذي يحصي على الناس أنفاسهم يعجز عن الكشف عن غموض قضية بشعة ذات فصول متتابعة -تغيب ريجيني قبل اكتشاف تعذيبه وقتله تسعة أيام- بهذه الصورة.
ثوابت ومتغيرات
وفي الإجابة عن هذا السؤال يجب أن ننطلق من ثوابت الموقف الأوروبي في مصر الحالية؛ فالقارة البيضاء لن تتراجع عن موقفها الداعم للانقلاب المصري بأي وجه، فهي كما لا يعجبها أن يعود العثمانيون إلى إسطنبول، فلن يعجبها أن يرجع الأيوبيون والمماليك إلى القاهرة ودمشق، مهما بدا هؤلاء متطورين وعصريين!
وهذا الثابت الأوروبي المناهض لحقوق الشعوب في الحرية وتقرير مصائرها، يمثل دعما لتوجه وليس مساندة لأشخاص؛ أي أن السياسات الأوروبية -كما تبدو للناظر- يعنيها "ماذا يجري" أكثر مما يعنيها "من الذي ينفذ"، فهي نفسها لم تكن تمانع قبيل الانقلاب أن يبقى مرسي رئيسا لمصر، ولكن منزوع الصلاحيات، على أن تدير البلاد وزارة لها كل الصلاحيات برئاسة محمد البرادعي أو أي وجه سياسي آخر من المعارضة؛ لأن تقديم شخصية عسكرية في ذلك الظرف لم يكن بالأمر المستساغ، وقد احتاج هذا الطرح حين اضطروا إليه إلى كثير من الجهود الإعلامية لأجل تلميعه وتصويره على أنه رسول العناية الإلهية الذي جاء لإنقاذ مصر دون أن تكون له مطامع في الحكم!
ولا يعني هذا أن إيطاليا أو المجموعة الأوروبية مستعدة للتضحية بالسيسي أو غيره من القيادات المصرية الحالية بسهولة، لكن الشطط العنتري الذي يصيب النظام المصري الحالي أحيانا قد يؤدي إلى أزمة؛ خاصة إن ظهر أن قيادات سياسية أو أمنية كبيرة قد تورطت في قتل ريجيني، وأنه لابد من تسليمهم ليحاكموا في أوربا، وهو ما من شأنه أن يقلق أحد أركان الانقلاب المصري، وهي الشرطة وقياداتها بعد أن حصلوا على إذن بالتصرف كيف شاءوا مع ضمان حمايتهم أمنيا وقانونيا.
استغلال الارتباك المصري
هناك ارتباك واضح في الموقف المصري من قضية الشاب الإيطالي الضحية، وهو يعني أحد أمرين:
الأول: وهو ما سبقت الإشارة إليه من أن بعض كبار الشخصيات الأمنية أو السياسية المصرية متورطة في الحادث. وقد أتاح هذا الاحتمال للشائعات أن تنتشر، حتى ادعى بعضهم أن السيسي أشرف بنفسه خلال اجتماع مغلق على التخلص من جثمان ريجيني بدفنه في الصحراء، بل ادعت صحيفة أن السيسي يضغط بهذه الجريمة على إيطاليا حتى لا تتدخل في ليبيا التي يطمع في بترولها.
الثاني: أن جهة أمنية ما -وقد أكدت التحقيقات الإيطالية من خلال العلامات التي عاينها المحققون والأطباء على الجثة هذه الصفة- قتلت ريجيني ثم تخلصت منه بدون علم من قيادات الشرطة. وهذا يضع الدولة المصرية برمتها في وضع حرج؛ فالنظام الذي يحصي على الناس أنفاسهم يعجز عن الكشف عن غموض قضية بشعة ذات فصول متتابعة -تغيب ريجيني قبل اكتشاف تعذيبه وقتله تسعة أيام- بهذه الصورة.
"كما أن الطرف المصري يقف في هذه القضية في نقطة حرجة جدا، ويريد أن يتخلص من الموقف بأي ثمن، لكن بدون خسائر إستراتيجية، فإن موقف الحكومة الإيطالية هو الآخر حرج أيضا أمام الرأي العام الداخلي، ولا حل أمامه إلا استغلال الارتباك المصري في إخراج القضية بصورة تقنع الشارع "
وكما أن الطرف المصري يقف في هذه القضية في نقطة حرجة جدا، ويريد أن يتخلص من الموقف بأي ثمن، لكن بدون خسائر إستراتيجية، فإن موقف الحكومة الإيطالية هو الآخر حرج أيضا أمام الرأي العام الداخلي، ولا حل أمامه إلا استغلال الارتباك المصري في إخراج القضية بصورة تقنع الشارع وجهات العدالة الإيطالية، مع المحافظة على الانقلاب ذاته.
أضف إلى ذلك أن السياسة الأوروبية قد ترى في أجواء الأزمة الحالية مناسبة لدعم ما يتردد من حاجة الانقلاب إلى تجديد دمه، بعد اهتراء صورة قائده، وفشله في تسيير الأمور في مصر في الاتجاه الذي يعيدها إلى سابق عهدها على الأقل؛ استقرار داخلي نسبي، مع دوران تام في فلك السياسة الدولية المفروضة على المنطقة.
ومهما يكن، فإن كل الاحتمالات الممكنة لقضية ريجيني ستلحق أضرارا بالغة بالانقلاب على المستوى الداخلي والخارجي، فعدم استعداد الأوروبيين للتنازل وحرص الحكومة الإيطالية على أن تقنع شعبها سيضع المصريين في ركن الحلبة بحيث يتلقون الضربات في كل حال.
وماذا عن الثوار؟
ما زال خصوم الانقلاب سلبيين تجاه هذه القضية التي تهمهم كثيرا، واكتفى أكثرهم بالمتابعة الشامتة، في حين راح آخرون يحرضون على مصر إعلاميا بقصد التخلص من نظامها الفاشي.
والحقيقة أن الغاية لا تبرر الوسيلة عند أصحاب المبادئ الراقية، وهو شرط مهم فيمن يقود ويشارك في قضية حقوق وحريات بحجم إعادة المسار الديمقراطي إلى مصر.
وتبدو قضية ريجيني فرصة ثمينة أمام المعارضة المصرية -خاصة المقيمين منها في الغرب- لشن حملة إعلامية ضخمة تستهدف كشف حلفاء الانقلاب وداعميه أمام شعوبهم، وأن قتلة ريجيني هم أنفسهم من دعموا انقلاب السيسي وحافظوا على نظامه، وأن اليد التي عذبت ريجيني وكسرت عنقه وأزهقت روحه وراءها ألف يد أوروبية وأميركية وإقليمية، ولولا أنه أعانت على سفك دم المصريين وامتهان كرامتهم لما دارت الدائرة على مواطن أوروبي بريء.
ويلزم للمعارضة المصرية هنا أن تؤكد على أنها ترفض أي تدخل خارجي في مصر بحجة سفاهات النظام التي طالت المواطنين والأجانب، وأن أحرار مصر كفلاء بمواصلة الكفاح ضد الديكتاتورية مهما طال الزمان حتى يسقطوها.
أضف إلى ذلك أن السياسة الأوروبية قد ترى في أجواء الأزمة الحالية مناسبة لدعم ما يتردد من حاجة الانقلاب إلى تجديد دمه، بعد اهتراء صورة قائده، وفشله في تسيير الأمور في مصر في الاتجاه الذي يعيدها إلى سابق عهدها على الأقل؛ استقرار داخلي نسبي، مع دوران تام في فلك السياسة الدولية المفروضة على المنطقة.
ومهما يكن، فإن كل الاحتمالات الممكنة لقضية ريجيني ستلحق أضرارا بالغة بالانقلاب على المستوى الداخلي والخارجي، فعدم استعداد الأوروبيين للتنازل وحرص الحكومة الإيطالية على أن تقنع شعبها سيضع المصريين في ركن الحلبة بحيث يتلقون الضربات في كل حال.
وماذا عن الثوار؟
ما زال خصوم الانقلاب سلبيين تجاه هذه القضية التي تهمهم كثيرا، واكتفى أكثرهم بالمتابعة الشامتة، في حين راح آخرون يحرضون على مصر إعلاميا بقصد التخلص من نظامها الفاشي.
والحقيقة أن الغاية لا تبرر الوسيلة عند أصحاب المبادئ الراقية، وهو شرط مهم فيمن يقود ويشارك في قضية حقوق وحريات بحجم إعادة المسار الديمقراطي إلى مصر.
وتبدو قضية ريجيني فرصة ثمينة أمام المعارضة المصرية -خاصة المقيمين منها في الغرب- لشن حملة إعلامية ضخمة تستهدف كشف حلفاء الانقلاب وداعميه أمام شعوبهم، وأن قتلة ريجيني هم أنفسهم من دعموا انقلاب السيسي وحافظوا على نظامه، وأن اليد التي عذبت ريجيني وكسرت عنقه وأزهقت روحه وراءها ألف يد أوروبية وأميركية وإقليمية، ولولا أنه أعانت على سفك دم المصريين وامتهان كرامتهم لما دارت الدائرة على مواطن أوروبي بريء.
ويلزم للمعارضة المصرية هنا أن تؤكد على أنها ترفض أي تدخل خارجي في مصر بحجة سفاهات النظام التي طالت المواطنين والأجانب، وأن أحرار مصر كفلاء بمواصلة الكفاح ضد الديكتاتورية مهما طال الزمان حتى يسقطوها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق