الاثنين، 18 ديسمبر 2023

تعامُلُ السلطةِ الفلسطينية في رام الله مع العدوان الإسرائيلي على غزة

 تعامُلُ السلطةِ الفلسطينية في رام الله مع العدوان الإسرائيلي على غزة

إعداد: عاطف الجولاني

تفاجأت السلطة الفلسطينية في رام الله بعملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، التي أعقبها عدوان إسرائيلي واسع على قطاع غزة، واقتحامات متواصلة لمختلف مناطق الضفة الغربية. وقد ظهر موقف السلطة مرتبكاً ومتردداً وعاجزاً وضعيفاً في التفاعل مع تطورات المواجهة، وفي القيام بدور عملي للتصدي للعدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع، الأمر الذي يطرح التساؤلات حول العوامل المؤثرة في موقف السلطة وطريقة تعاملها مع العدوان.

أولاً: المحددات والعوامل المؤثرة:

يبدو أنه من أهم العوامل المؤثرة في قرار السلطة في رام الله، وفي تحديد مواقفها من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ومن اقتحام مناطق الضفة الغربية، تتلخص فيما يلي:

1- خشية السلطة على وجودها ودورها، في ظلّ تهديدات الحكومة الإسرائيلية اليمينية بتقويض السلطة، وتحجيم دورها ومعاقبتها بتهمة تمويل الإرهاب، وعدم إدانة هجوم حماس في السابع من أكتوبر. وقد لوح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باستعداد الجيش الإسرائيلي لاحتمال خوض المواجهة مع الأجهزة الأمنية للسلطة، ووصف اتفاق أوسلو الذي أسس لقيامها بالخطأ التاريخي.

2- التباين في الآراء داخل السلطة الفلسطينية في التعامل مع العدوان على قطاع غزة، حيث برز موقفان متعارضان؛ الأول يدعو إلى الحياد والتريث وانتظار ما تؤول إليه نتائج المواجهة بين حماس وقوات الاحتلال. والثاني يرى ضرورة القيام بدور عملي تجاه ما يجري، حفاظاً على صورة السلطة ومكانتها، ولتجنب إدانتها واتهامها بالتواطؤ والخذلان. وتشير المعطيات إلى أن محمود عباس وحسين الشيخ وماجد فرج يتبنيان الرأي الأول الذي رجحت كفته، وهو ما يعبر عن قرار السلطة وموقفها الحالي من العدوان.

3- استحقاقات اتفاقية أوسلو الأمنية التي تفرض على السلطة التنسيق الأمني مع الاحتلال والقيام بمهماتها في ضبط الأوضاع الأمنية وفي منع أنشطة وعمليات المقاومة. وخلافاً للعديد من الحالات السابقة التي لوحت السلطة خلالها بتجميد التنسيق الأمني مع الاحتلال، فإن الملفت للانتباه أن السلطة لم تصدر عنها أيّ إشارة بهذا الخصوص في مواجهة العدوان الحالي على القطاع.

4- الدعوات الأمريكية للسلطة بالتساوق مع تصوراتها وترتيباتها لإدارة قطاع غزة في مرحلة ما بعد انتهاء المواجهة الحالية مع حركة حماس. وقد تجاوبت السلطة مع المطالب الأمريكية وأبدت استعداداً لإدارة القطاع بعد انتهاء المواجهة، على أن يتم ذلك ضمن تصور سياسي يشمل الضفة والقطاع.

5- التنافس السياسي مع حركة حماس، والرغبة بإضعافها كخصم سياسي قوي، وتقدير أوساط نافذة في السلطة الفلسطينية بأن المواجهة الحالية بين حماس وقوات الاحتلال تشكّل فرصة مهمة لحسم التنافس مع خصمها السياسي الأبرز، وللعودة إلى حكم قطاع غزة.

6- مواقف الأطراف العربية المؤثرة في توجهات السلطة، والتي ترغب هي الأخرى بإنهاء حكم حماس في قطاع غزة، وترغب بإضعافها وبتعزيز دور السلطة في الضفة والقطاع، وبوقف تصاعد أنشطة المقاومة في الضفة الغربية التي تهدد نفوذ السلطة.

7- خشية السلطة من معاقبتها اقتصادياً في حال تبنّت مواقف تستفز الجانب الإسرائيلي الذي قرر اقتطاع نحو 156 مليون دولار من أموال المقاصّة الشهرية، بحجة أن هذا المبلغ يشمل رواتب ومخصصات موظفين ومصاريف لقطاع غزة. وقد صدرت مؤشرات خلال الأيام الماضية إلى أن الحكومة الأمنية الإسرائيلية المصغرة تدرس إمكانية الإفراج عن أموال المقاصّة المحتجزة لديها وتحويلها للسلطة، وأنها تدرس كذلك إعادة السماح لعمال من الضفة بالعمل في الداخل الفلسطيني المحتل وفق شروط أمنية جديدة.

8- تدهور شعبية السلطة في الشارع الفلسطيني على خلفية مواقفها الضعيفة في مواجهة العدوان على قطاع غزة، وعجزها عن التصدي للاقتحامات الواسعة في الضفة الغربية. وقد شهدت العديد من المظاهرات الغاضبة في مدن الضفة هتافات تطالب باستقالة رئيس السلطة. كما أظهر استطلاع الرأي الأخير للمركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية بالتعاون مع مؤسسة كونراد أديناور، تراجعاً خطيراً في مكانة السلطة شعبياً، حيث طالب نحو 58% من المستطلعين بحلّها، في حين أيد 72% عملية طوفان الأقصى وعارض 64% مشاركة السلطة في لقاءات مع الولايات المتحدة ودول عربية لبحث مستقبل قطاع غزة بعد الحرب.

ثانياً: موقف السلطة من العدوان:

من خلال رصد أداء السلطة الفلسطينية ومواقفها خلال 70 يوماً من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والاجتياحات المتواصلة لمدن الضفة، يمكن تلخيص موقفها في النقاط التالية:

1- الاكتفاء بإعلان رفض العدوان الإسرائيلي وإدانته، دون القيام بأدوار عملية فاعلة ومؤثرة للتصدي له، والتخلي عن دورها في حماية الشعب الفلسطيني، أو على الأقل الاعتراف بعجزها الضمني عن القيام بذلك.

2- المشاركة في اجتماعات مؤسسات العمل العربي والإسلامي المشترك، وفي عضوية اللجان المنبثقة عنها لمتابعة القرارات الصادرة عن تلك الاجتماعات.

3- الحيلولة دون انخراط أفراد الأجهزة الأمنية في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة في الضفة الغربية، والاستمرار في ملاحقة مجموعات المقاومة، وشن عمليات الاعتقال في صفوف الناشطين الفلسطينيين.

4- كبح جماح الفعاليات الشعبية في الضفة المؤيدة للمقاومة والرافضة للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتضييق مساحات التحرك الشعبي، ومنع الاحتكاك مع قوات الاحتلال الإسرائيلي.

5- أداءٌ جيد للبعثة الفلسطينية لدى الأمم المتحدة وبعض السفراء الفلسطينيين في توضيح الموقف الفلسطيني ومواجهة الرواية الإسرائيلية، والتحرك لاستصدار قرارات بوقف إطلاق النار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومواجهة مشاريع القرارات الأمريكية لإدانة المقاومة.

6- تجنّب الدعوة لعقد أي لقاءات وطنية مشتركة لتعزيز الجبهة الداخلية في مواجهة العدوان الإسرائيلي، والانشغال بتأكيد أن السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير هي الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني، وليس أيّ طرف آخر.

خلاصة:

بشكل عام، تماهى موقف السلطة مع الموقف الرسمي العربي، الذي تغلب عليه النظرة السلبية للمقاومة العسكرية الفلسطينية، وللتيارات الإسلامية الحركية الإصلاحية؛ والذي يرغب في حلول سلطة رام الله مكان حماس في إدارة قطاع غزة.

وبالرغم من المواقف المعارضة للعدوان على القطاع، وتقديم نفسها كممثل للشعب الفلسطيني، وكمعبِّر عن معاناته وتطلعاته؛ إلا أن السلوك الميداني على الأرض في الضفة الغربية، خصوصاً من خلال متابعة التنسيق الأمني مع العدو، ومنع الحراكات الشعبية وقطع الطريق على أي تصعيد للانتفاضة والعصيان المدني والمقاومة المسلحة، أوجد بيئة “مريحة” للاحتلال، وحَيَّد عملياً أكثر من ثلاثة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية عن الفعل النضالي المقاوم، إلا ما يمكن لاتجاهات المقاومة أن تفعله في ظروف قاهرة؛ بالإضافة إلى عدم تجاوز الخطوط الحمراء للاحتلال.

كما بدا وكأن قيادة السلطة تُفضّل سياسة التَّرقب، بانتظار ما سيسفر عنه العدوان على غزة، مع تعامل عدد من قياداتها وكأن هزيمة المقاومة وسيطرة الاحتلال هي مسألة وقت. وبالتالي، فالسلطة هي المرشحة لاستلام إدارة غزة، غير أنها ترفض أن يظهر ذلك، وكأنه يأتي على ظهر دبابة إسرائيلية، مما سيتسبب في مزيد من تدهور شعبيتها المتدهورة أصلاً؛ وفقدان مصداقيتها. وستفضل وجود مرحلة انتقالية قبل استلامها مقاليد الأمور، وأن يكون ذلك ما أمكن ضمن حالة توافق وطني، وضمن رؤية أشمل للتقدم الجاد في مسار التسوية.

وبالتالي، فمن غير المرجح خلال الأيام القادمة أن يطرأ تَغيّرٌ جوهري على موقف السلطة من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، في ظلّ استمرار تأثير العوامل المشار إليها؛ وبانتظار انجلاء نتائج المعركة.

لقراءة الورقة كاملة اضغط هنا

(نقلا عن مركز الزيتونة)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق