السبت، 2 أغسطس 2025

فخ التهدئة: الغدر الأمريكي بأبشع صوره

 فخ التهدئة: الغدر الأمريكي بأبشع صوره

د عز الدين الكومي


لم يعد خافيًا على أحد أن مفاوضات تبادل الأسرى في قطاع غزة، التي يتم الترويج لها تحت يافطة “وقف إطلاق النار المؤقت”، ليست سوى محاولة مكشوفة لإعادة ترتيب أوراق جيش الاحتلال الإسرائيلي بعد فشله العسكري والسياسي في تحقيق أهدافه منذ اندلاع انتفاضة الأقصى في أكتوبر 2023.

تصريحات ترمب: وضوح بلا مواربة
في تصريح لافت، قال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب إن 

“حماس تعرف ماذا سيحصل بعد استعادة كل الرهائن، ولهذا لا تريد التوصل لاتفاق”.

 ولا يمكن تفسير هذا التصريح إلا كاعتراف صريح بأن هدف جيش الاحتلال من التهدئة ليس إنهاء الحرب أو إنقاذ المدنيين، بل مجرد استعادة الأسرى تمهيدًا لاستئناف العدوان بكل شراسة.


إنها إذًا مجرد مناورة سياسية مغلفة بأوراق تفاوضية، والنية الحقيقية المبيتة هي الغدر، كما حدث في الصفقة السابقة التي خرقتها إسرائيل فور استعادة أسراها.


أين الوسطاء العرب؟!
يثير هذا سؤالًا جوهريًا: أين هم الوسطاء العرب من هذه التصريحات الصادمة؟
مصر وقطر، اللتان لطالما لعبتا دور الوسيط في ملفات غزة، تبدوان اليوم وكأنهما مجرد ناقلين لرسائل إسرائيلية أو أميركية، أكثر من كونهما أطرافًا ضامنة لحقوق الفلسطينيين.

صمتهما حيال نوايا واشنطن وتل أبيب الحقيقية يضع علامات استفهام كبيرة حول نزاهة وجدوى الوساطة.

 فالوسيط النزيه لا يصمت عند كشف الغدر، بل يعلن موقفًا مبدئيًا حتى لو كلّفه ذلك غضب الراعي الأميركي.
فهل أصبح دور بعض الوسطاء تأمين تمرير “السم في العسل” للفلسطينيين، بصفقات مؤقتة تُسلم الأسرى وتُبقي الاحتلال؟
لماذا تصر حماس على وقف دائم للحرب؟
ليست حماس رافضة لإنهاء معاناة شعبها، لكنها تدرك جيدًا أن أي صفقة لا تتضمن وقفًا دائمًا للحرب، وانسحابًا كاملاً للاحتلال من قطاع غزة، تعني خيانة لتضحيات آلاف الشهداء، وتمهيدًا لمرحلة أكثر دموية من العدوان.


وقد يتبع ذلك تسليم غزة لمجموعات مدجنة تخدم مشاريع الاحتلال، مثل ما يُخطط له تحت مسمى “سلطة جديدة” يقودها شخصيات فلسطينية مرتبطة بالمشروع الصهيوني، لتكون غطاءً فلسطينيًا للهيمنة الإسرائيلية.
التاريخ يعيد نفسه: طالبان نموذجًا
ما تحاول واشنطن تطبيقه اليوم مع حماس، جربته سابقًا مع طالبان في أفغانستان.
حاولت التفاوض وهي تضمر نية السحق، وأطلقت التهديدات، ثم اضطرت للرضوخ لشروط طالبان وخرجت منهزمة تحت ضغط الميدان.
وقد اعتبرت بعض الصحف الانسحاب الأمريكي من أفغانستان فضيحة سياسية كبرى.


واليوم، يبدو أن المقاومة الفلسطينية قرأت هذا السيناريو جيدًا، وهي تدرك أن الاحتلال لا يفهم إلا لغة القوة، وأن أي مفاوضات لا تقوم على نية واضحة لوقف العدوان، ليست إلا خدعة لتقويض قوة المقاومة وإطالة عمر الاحتلال.
هزيمة أخلاقية وعسكرية للغرب
العدوان على غزة لم يكشف الوجه الدموي للاحتلال فحسب، بل فضح الانحياز الغربي الفاضح.


منذ الأيام الأولى للحرب، هرع قادة الدول الغربية: أميركا، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، كندا، إلى إعلان دعمهم الكامل لما وصفوه بـ”حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، متجاهلين عشرات آلاف الضحايا المدنيين، معظمهم من الأطفال والنساء.
لكن اليوم، مع تصاعد الأصوات الشعبية والحقوقية المطالبة بوقف المجازر، يحاول بعض القادة، مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، غسل أيديهم من دماء غزة عبر تصريحات داعمة لـ”الدولة الفلسطينية”. 

خطوة متأخرة وواهية، كشفتها غضبة الاحتلال عليه، وأكدت هشاشة المواقف الغربية أمام آلة الإبادة الصهيونية.
وختاماً: ما بعد غزة لن يكون كما قبلها
الحرب على غزة ليست معركة عسكرية فقط، بل هي معركة إرادة وكرامة وهوية. 

والاحتلال، رغم جبروته ودعمه الغربي غير المحدود، لم ينجح في كسر إرادة شعب أو تصفية مقاومته، أو فرض روايته على العالم.


إن استمرار المقاومة في التمسك بمطالبها: وقف دائم للحرب، وانسحاب كامل من القطاع، وتبادل متكافئ للأسرى، ليس تشددًا بل هو موقف وطني وأخلاقي.
أما من يفاوض دون ضمانات، فهو كما قلتَ: 

“يعدم نفسه ويحكم على شعبه بالموت”.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق