الخميس، 6 فبراير 2014

قصص من الفلوجة


قصص من الفلوجة



إياد الدليمي
iyad732@yahoo.co.uk
http://twitter.com/iyad732


بداية لابد لي أن أتوجه بكلمة شكر أعتقد أنها لا تفي حق أولئك الزملاء المرابطين هناك في الأنبار، صحافيون عراقيون، أصروا على مواصلة المهمة رغم كل العوائق والظروف والمخاطر التي تحيق بهم، ومن غطى الحروب يعرف ويدرك جيدا حجم المعاناة التي يعيشها أولئك الذين ينامون وقوفا تحت وابل من قصف ومواجهات مسلحة.

زملاء ما زال بعضهم يدفع ثمن مهنيته وعدم انحيازه، متواجدون في الأنبار، يحاولون أن ينقلوا الصورة الحقيقة لما يجري بعيدا عن تضليل هذه القناة أو تلك، لا طمعا في رضا فلان أو علان، وإنما طمعا في أن يكونوا شهودا لنقل الحقيقة، خدمة لأهلهم في الأنبار، وأخص بالذكر منهم الزميل عثمان المختار، والزميل عمر الشاهر والزميل شاكر المحمدي.

أولئك المرابطون هناك نقلوا عبر تقاريرهم بعضا مما يجري، بعضا مما وصلت إليه أمانتهم المهنية، وبعيدا عن واقع الحرب المأساوي الذي يجري في الأنبار، أنقل لكم بعضا مما دونته تلك الأقلام من قصص إنسانية، علها تصل لمن لم تصل إليه من قبل.

يقول عثمان المختار: وأخيرا أبوأحمد بتسعة وثلاثين عاما مضت من عمره يصلي في الجامع ويبكي، معقول؟ اقتربت أكثر للتأكد نعم إنه أبوأحمد هو بعينه.

ياه يا أبوأحمد ما الذي ذهب إلى الجامع بعد كل تلك السنين أمضيتها لاهيا تضحك من كل شيء وأي شيء، تسكر وتدخن منذ عرفتك من أيام الدراسة، وتعشق قصص الجن وتلهث لسماعها عصرا من كبار السن في الجامع الكبير وتطير فرحا يوم الجمعة للذهاب إلى حمام السوق والجلوس تحت يدي حقي "المدلكجي" واستكان الحماض قربك، تتربص كل مولد أو وليمة للأكل حتى لو اقتضى ذلك المشي من حي نزال وحتى حي الجولان.. أين كرشك.. ابتسامتك؟ من أين جاءك الشيب سريعا هل كنت تصبغ شعرك أم إن الحزن غزاك؟؟

كل تلك الأسئلة راودتني عند مشاهدة أبوأحمد وهو يركع ويسجد ويطيل سجوده ويبكي من غير أن يكون هناك خطيب يستغيث أو قرآن يتلى في المسجد، كان منزويا نهاية الحرم لا يريد أن يراه أحد، أنهى صلاته توجهت إليه بسرعة قبلته سلمت عليه رحب بي وعرفت أنه عرف ما يدور ببالي من أسئلة عن وضعه الجديد فسارع باكيا مرة أخرى محتضنا لي قائلا مات أحمد مات أحمد!

يا الله، إنه أحمد ابنه البكر ذو السنوات السبع الذي جاءه بعد طول انتظار وبعملية زراعة أنابيب في عمان قد مات.. كيف يا أخي أخبرني؟ قال إنه مات مع ابن خالته الأسبوع الماضي في حي الشرطة بسقوط قذيفة دبابة من جيش المالكي، لم أشأ أن أتركه لكنه كان مستعجلا، توقف يا أخي أين تريد أن تذهب؟ لكنه مضى ملوحا بيديه بما معناه شكرا لك.

بعد ساعة التقيت شقيقه ناجي، أوقفته، طلبت منه أن يحدثني عن المصاب، لكنه صدمني أكثر أن أبوأحمد انخرط في كتيبة الانغماسيين ونحاول إقناعه بالعدول عن ذلك.

كتيبة الانغماسيين تلك استحدثت في الفلوجة مؤخرا بعد تهديدات ضباط جيش المالكي بالاعتداء على النساء وحرق البيوت حال دخولهم المدينة وانخرط بها عشرات الشباب بينهم طلاب جامعيون ومثقفون وأبناء عشائر مهمتها تقطيع العدو الذي يحاول أن يطأ أرض الفلوجة دون إذن أهلها إلى أشلاء متناثرة، هي كتيبة تحرص على الموت كما يحرص الغير على الحياة.

غادرت حي نزال الذي أقسم أن هذا الحي يتطلب الوضوء وخلع نعلينا عند دخوله لقدسية الدماء الطاهرة التي سالت على أرصفته وطرقاته الموحلة الوعرة منذ 10 سنوات وما زالت.

غادرت وأنا أشعر بالفخر تارة والخطأ تارة أخرى عندما شككت لوهلة أن هذه المدينة قد استنزفت كل رجالها سابقا حيث اكتشفت أنها مدينة ولادة بالرجال فليس كل ذكر رجل وأقول في نفسي ربح البيع أبا أحمد اللهم ارزقه وإيانا حسن الخاتمة.
رغم ضيق حال اليد، ورغم أن الفلوجة محاصرة، لا يدخلها غذاء ولا دواء، إلا أن الأهالي تكاتفوا بطريقة أكثر من رائعة، يذكر أحد الزملاء، أينما تَسِر في أرض الفلوجة تشاهد الآن يافطات عريضة على المحال التجارية "مجانا لمن لا يملك المال" في حين ارتفعت يافطات أخرى على عيادات الأطباء "العلاج بالمجان لمن لا يملك المال" في حين فتح بعض الأهالي ممن تقع أحياؤهم بعيدا عن مرمى نيران المالكي، أبواب بيوتهم لأولئك الهاربين من جحيم نيران المالكي.

مرة أخرى شكرا لتلك الأقلام التي وثقت بطولات الفلوجة وأهلها الكرام، وبطولات أهالي الرمادي وصمودهم الأسطوري بوجه آلة الحرب الحكومية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق