من يحرك الصراع بين أردوغان وكولن؟ ولماذا الآن؟
بقلم: مجدي داود
تعرضت حكومة رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية، لأكبر هزة منذ سيطرته على مقاليد الحكم في البلاد العلمانية قبل أحد عشر عاما، استطاع خلالها أن يوطد قدمه في الحكم مع إصلاحات كبيرة وتقدم ملحوظ في كافة المجالات وخاصة الاقتصادية منها، حتى أصبحت تركيا تحتل الترتيب السادس عشر في اقتصاديات العالم، وذلك حين ظهرت فجأة قبل أسابيع قليلة قضية فساد كبيرة وألقت الشرطة التركية القبض على عدد من أبناء الوزراء وكبار المسؤولين في الحكومة التركية، ووجهت لهم تهم الفساد المالي.
قضية الفساد ظهرت فجأة باعتقال عدد من الأشخاص، واحتلت على الفور صدارة اهتمام وسائل الإعلام التركية بل والعالمية أيضا، لكن ظهورها المفاجئ أحدث صداما بين الشرطة والقضاء التركي من جهة والحكومة من جهة أخرى، وبدأ رئيس الحكومة الحديث عن مؤامرة تشترك فيها أطراف خارجية لاستهداف حكومته وبلاده، دون أن يحاول تبرئة المقبوض عليهم أو الدفاع عنهم، تاركا الأمر لسلطات القضاء، لكنه بدا وكأنه يشير إلى أن الظهور المفاجئ ليس بريئا ولكن خلفه أهداف أخرى.
سنتناول في هذا المقال جانبا من جوانب الصراع الذي ظهر بوضوح وصار حديث الإعلام والساسة، وهو سر التوقيت، فلماذا طفى الصراع الخفي منذ سنوات على الساحة بوضوح؟ ومن المستفيد منه؟ ومن المحرك والمخطط لهذا الصراع الحالي؟.
قضية "الخدمة"
كانت الحكومة التركية قد قررت قبل ظهور قضية الفساد إغلاق "المدراس التحضيرية الخاصة" أو ما يعرف بـ"الخدمة" المملوكة لجماعة "فتح الله كولن"، وهي جماعة إسلامية تنتهج النهج المعروف والمصنف لدى العالم الغربي بـ"المعتدل" بل وربما المعتدل جدا، وتعد هذه المدارس أحد أهم الموارد لدى الجماعة، وهي الوتر الذي يضعفها ويجعلها تصعد ضد الحكومة، لكن الحكومة التركية ترى أنها تضعف مستوى التعليم في البلاد، لأنها لا تجبر الطلاب على دراسة كامل المناهج التعليمية ولكنها تجهزهم فقط لاجتياز الاختبارات، لهذا قررت غلق هذه المدارس.
غير أن الصدام بين أردوغان وكولن لم يبدأ بهذه القضية، ولكنه بدأ منذ فترة طويلة، فقد بدأت المواقف تتباين بينهما منذ فترة طويلة، مثل قضية أسطول الحرية الذي قتل فيه نحو تسعة أتراك، واتهم كولن أردوغان بأنه خالف الشرعية وانتهك السيادة الصهيونية، والمفاوضات مع الأكراد التي أجراها رئيس جهاز الاستخبارات "هاكان فيدان"، وحاول كولن الإطاحة به ومحاكمته، وكذلك رفض كولن محاكمة جنرالات الجيش الذين اتهموا بالتخطيط للانقلاب على أردوغان، وموقفه من أحداث "تقسيم" وهجومه على أردوغان حينها، وغير ذلك من مواطن الصدام بين الطرفين، التي انتهت بأزمة المدارس التحضيرية.
من يحرك الصراع؟
ما يحدث الآن بين أردوغان وكولن، يثير تساؤلا هاما، عن المكاسب التي تجنيها الجماعة من الصدام مع أردوغان في مثل هذا التوقيت بالذات، فهل كانت تأمل الجماعة من وراء إثارة قضية الفساد وإعلان التحدي في هذا الوقت، أن يتراجع أردوغان عن قرار إغلاق المدارس، أم أنها تراهن على زعزعة شعبية حكومة أردوغان لكي تدخل هي بثقلها الساحة السياسية كبديل له، أم ثمة تحالف بينها وبين قوى سياسية تركية أخرى، تريد الجماعة أن تمهد لها الطريق للوصول إلى سدة الحكم في البلاد؟
أم أن هناك من دفع الجماعة للواجهة والصدام مع أردوغان، لزعزعة أردوغان داخليا وخارجيا؟.
هناك العديد من القوى السياسية والرأسمالية داخل تركيا وخارجها، متضررة بشدة من صعود أردوغان وحزب العدالة والتنمية، ومن المواقف السياسية الداخلية والخارجية لحكومته، وكذلك من الإنجازات الاقتصادية التي شهدتها تركيا خلال عهده، وهذه القوى تسعى لوقف صعود أردوغان وإزاحته من الساحة تماما إن أمكن ذلك، وهذه القوى قررت أن تكون الضربة التي يتلقاها أردوغان من أحد حلفائه السابقين، المتغلغل بشكل كبير وعلى مدى سنوات في مؤسسات الشرطة والقضاء.
عائلات الاقتصاد الكبرى
كان الاقتصاد التركي يسيطر عليه مجموعة من العائلات التركية، هذه العائلات تضررت بشدة من حكومة أردوغان، يأتي على رأسها عائلة "أوزان"، والتي كانت إحدى أكبر المجموعات الاقتصادية، كما وصل "جيك أوزان" إلى رئاسة حزب "الشباب" التركي، وكانت له شعبية كبيرة، إلا ان أردوغان أجبره في عام 2003 على تسديد 5.6 مليار دولار من الديون المتوجبة على المجموعة على إثر الإفلاس الاحتيالي لمصرفها إيمار وقتئذ، ووضعت الحكومة يدها على عدة شركات منها، وهو مقيم الآن في فرنسا بعد الحكم عليه غيابيا بالسجن لمدة 23 سنة.
المجموعة الثانية التي تضررت بوجود أردوغان وحكومته، فهي مجموعة شركات دوغان للإعلام، والتي كانت تمتلك صحيفتي "حرييت" و"ملييت" وخمس جرائد أخرى ما يعادل نسبة 40 في المائة من الجرائد اليومية التركية تقريبا، إضافة إلى ما نسبته 45.9% من سوق القنوات التلفزيونية التركية، وقد تربحت هذه المجموعة على مدى سنوات من علاقاتها الحميمة بالحكومات العلمانية، التي أعاقت قيام صحافة تركية محايدة، وقد فرضت حكومة أردوغان غرامة مالية كبيرة على هذه المجموعة بلغت قيمتها أربعمائة مليون يورو، كما فتحت العديد من ملفات الفساد لها، وهو ما أثر عليها بشدة.
أما المجموعة الثالثة فكانت مجموعة "كوتش" أثرى العائلات التركية، والتي تعمل في كل قطاعات الاقتصاد التركي، من التغذية وصولا إلى الصناعات العسكرية، وقد اتهم مقربون من حكومة أردوغان المجموعة بدعم الأحداث التي شهدها ميدان تقسيم في اسطنبول مطلع الصيف الماضي.
قبل ثلاثة أشهر من الآن تم الكشف عن اجتماع رباعي بين الرئيس الأسبق سليمان ديميرال ورحمي كوتش الرئيس السابق لمجموعة كوتش، وتايلان بيلغان عضو مجلس إدارة مجموعة دوغان للإعلام، وساري غول ممثلا عن حزب الشعب الجمهوري، الذي تم اختياره رجلا للمرحلة القادمة ورئيسا للحكومة بعد أردوغان، وأعلن بالفعل قبل أيام ترشحه في الانتخابات البلدية القادمة في مارس المقبل، وذلك بعد زيارة وفد من حزبه إلى الولايات المتحدة ولقائه بعدد من رجالات جماعة فتح الله كولن، بدأ بعدها مباشر في التودد للجماعة والدفاع عن مواقفها والمدارس التابعة لها، التي قال إنها "مهمة للحفاظ على المعتقدات الدينية"!.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل كشفت "سيفيلاي يوكسالير" وهي إعلامية تركية شهيرة، عن صفقة بين حزب الشعب الجمهوري وجماعة كولن، ونقلت عن ساري غول نفسه أنه عقد اتفاقا مع جماعة كولن بدعمه في الانتخابات القادمة، وأعلنت تحديها له في أن يخرج ليكذبها.
قوى خارجية
يقيم فتح الله كولن منذ عام 1999 في ولاية بنسلفانيا الأمريكية، ورفض الاستجابة لدعوات رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان والرئيس عبد الله جول بالعودة بعد تسوية القضايا التي كان ملاحقا فيها، وتمسك بالبقاء في منفاه الاختياري، ومن هناك يدير جماعته في تركيا وخارجها، ويقيم علاقات قوية مع العديد من دول العالم، وفتحت العشرات من المدارس التابعة له في الدول الغربية وروسيا، كما تم تصنيفه وجماعته كجماعة معتدلة في تقرير مؤسسة "راند" الأمريكية، وتشير الكثير من المصادر والأدلة على وجود علاقة خفية بين جماعة كولن والكيان الصهيوني، وليس بعيدا عن الأذهان الانتقادات التي يوجهها كولن لأردوغان بسبب موقفه من الكيان الصهيوني والمقاومة الفلسطينية.
هذه الدول الغربية والقوى الخارجية تسعى للتخلص من أردوغان صاحب الكاريزما والمواقف الجرئية، ومحاولة الخروج عن السيطرة الأمريكية، وهو هدف كفيل وحده بدفع أمريكا الولايات المتحدة للتحرك لإسقاطه، لأنها تدرك مدى خطورة ذلك، كما أن الكيان الصهيوني لديه خصومة مع أردوغان وقد توعدت وزيرة العدل الصهيونية "تسيبي ليفني" كلا من مرسي وأردوغان بدفع ثمن مواقفهم من الاحتلال الصهيوني، وقد شارك الكيان الصهيوني في التخلص من مرسي، وجاء الدور على أردوغان، كما كشفت بعض المصادر الإخبارية منذ شهور وقبل تفجر الأزمة في تركيا أن الإمارات تتواصل مع قوى تركية لترتيب الإطاحة بأردوغان، دون تسمية هذه القوى، وأنها تقدم تمويلا هائلا لهذا الهدف.
هذا البعد الخارجي في الأزمة تطرق إليه أردوغان في خطابه الذي قال فيه "سنكسر الأيادي التي تحاول المساس باستقلاليتنا" وختمه بالقول: "انتظروا منا الكثير"، محذرا سفراء بعض الدول من مغبة التدخل في الشأن التركي.
هذه القوى جميعها الداخلية منها والخارجية "الغرب والكيان الصهيوني" تدفع كولن للتصادم مع أردوغان، وهم يعرفون جميعا أنهم سيجنون المكاسب من وراء ذلك الصدام، في الوقت الذي لن يجني فيه كولن نفسه مكاسب كثيرة، لأن هؤلاء يدركون مدى خطورته في حال تبدلت مصالحه وقرر التحالف مع غيرهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق