عبدالرحمن يوسف يكتب: سيكرهك الناس
الشاعر عبدالرحمن يوسف
يهاتفني كثيرون وهم يظنون أنفسهم ناصحين مخلصين لكي يقولوا لي "إن موقفك في الأزمة الفلانية غير صحيح، صدقني، أنا مش عايز الناس تكرهك، أنا عايز الناس كلها تحبك"...!
كثير من الناس على يقين بأن مقياس "الجماهيرية" مؤشرلصحة الموقف (أخلاقيا)، وهذا لعمري خطأ بل خطيئة، فقد تصل درجة العمى المؤقت (أو الكُلِّي) ببعض الناس أن يؤلهوا قاتلا، أو أن يوقروا صعلوكا، أو أن ينقادوا لتافه، أو أن يُرَأِّسوا ذيلا...!
مَنْ قال لكم إن الذين تعودوا على قول كلمة الحق حريصون على "جماهيريتهم" المزعومة أكثر من حرصهم على إرضاء ضمائرهم؟
إن مقياس الجماهير خَدَّاع، ولا ينبغي لمن يتصدى للعمل العام أن ينخدع به، أو أن يُبْتَزَّ به أيضا، إلا إذا كان هدفه رضا الناس على كل حال، وأصحاب المبادئ والغايات العظمى لا يحركهم إلا ضمائرهم.
مَنْ هؤلاء "الناس" الذين يطالبنا البعض بكسب حبهم؟
إنهم الذين قالوا لنا قبل خلع مبارك بسنوات أنتم تحرثون في البحر، وتفنن بعض من يزعمون أنهم شعراء منهم لكي يقنعونا بالذل، "حاتطلع حاتنزل ... حاجيب لك جمال ...!"، وكأنهم جابوا التايهة !
إنهم نفس الأشخاص الذين كانوا يبيعون لنا خسران الضمير، والرضى بالذل في عهد المخلوع مبارك بحجج فارغة، "سيفعلون بك وبعائلتك كذا وكذا، لو كان هناك فائدة مما تفعل لقلت لك استمر، ولكن أنت تعلم وأنا أعلم أن الأمر قضي، وأنه لا فائدة ترجى من هؤلاء الناس"!
وهم نفس الأشخاص الذين كانوا يتصلون بنا ونحن في الميدان بعد كل خطاب للمخلوع لكي يقنعونا "كفاية كده، واحنا كنا نحلم باللي حصل ده؟، ادوله فرصة، ستة اشهر ويغور، إذا لم تنصرفوا من الميدان الناس سوف تكرهكم...الخ"...!
وهم نفس الأشخاص الذين قالوا لنا في عهد المجلس العسكري "مبارك مشي، ولازم نصبر ع اللي بعده"، وكأن طنطاوي وعنان هما الجيش، وقالوا لنا أيام محمد محمود "لا تهاجموا مؤسسات الدولة، لا فائدة مما تفعلونه، ماذا تريدون أكثر من ذلك؟" !
وهم نفس الأشخاص الذين قالوا لنا بعد ذلك (في عهد مرسي وبعد إعلانه الدستوري) "لماذا تتظاهرون؟ ولماذا لا تعطون الرجل فرصة؟ لماذا تعترضون على الإعلان الدستوري؟ لماذا لا تقولون نعم للدستور؟ هل تظنون أنفسكم أقوى من الدولة؟ نريد الاستقرار"
إنهم نفس الناس الذين يقولون لنا "سيكرهكم الناس لأنكم رفعتم شعار رابعة، أو لأنكم استنكرتم قتل المواطنين المصريين بدم بارد دون جريمة، أو بعد تلفيق الجرائم لهم لتبرير قتلهم، أو لأنكم تدعون لمقاطعة الدستور" ...الخ!
هؤلاء "الناس" لهم حق علينا، هو حق توعيتهم، وحق أن نقول لهم كلمة الحق حتى لو كرهونا مؤقتا، وحتى لو ظنوا بنا الظنون، ومن العار أن نجاري هؤلاء في مسلماتهم الخاطئة، أو في اندفاعاتهم غير العقلانية التي يروجها لهم إعلام مجرم.
سحقا لأي جماهيرية تأتي بقتل الضمير أو بتخديره، وهؤلاء الذين تزعمون أنهم سيكرهوننا سوف يزداد احترامهم لنا حين نخوض معركة لا هدف منها إلا نصرة الحق، وعزة وكرامة هذا الشعب الذي طال شقاؤه.
إن احترام الناس وحبهم عمل تراكمي، لا يأتي فجأة، ولا يذهب فجأة، والجماهيرية الفجائية التي يبنيها البعض بجعل نفسه ريشة في مهب ريح الرأي العام تزول بسرعة البرق، ومع أول اختبار حقيقي، وهؤلاء أناس لا يصلحون لقيادة الأمم، لأنهم معدومو الضمير، وعديمو البصيرة.
إن الوقوف في وجه الطغيان، والسباحة ضد التيار، من أجل مبدأ لا طمعا في مغنم، أو خوف مغرم، عمل يثاب عليه المرء في الدنيا والآخرة، في الدنيا باحترام الناس، وفي الآخرة بما شاء الله له من جزاء حسن.
لكل ذلك...لا تصدعونا بفخ حب الناس وكرههم، لأن أصحاب المبادئ لن يؤثر فيهم ذلك، ووالله لو وقف الإنس والجن أمام مقاومي الانقلاب لكي يتراجعوا ... لما تراجعوا!
ما يحدث في مصر اليوم لا يمكن أن يسكت عليه إنسان صاحب ضمير، إنه ظلم بيِّنٌ لشعب كامل، وتراجع مطلق إلى عهود ظلام من العار أن نعود إليها، وها هو الدستور قد كتبت فيه كل ضمانات الحرية وما زالت الانتهاكات تتصاعد يوميا.
بوابة الخير لهذه الأمة ستفتح بالصبر، وعلى حراك الشارع أن يتحرك وفق منطق جديد، وبنفس أطول، وكل من يتصور أن المعركة ستحسم في يوم وبضربة قاضية مخطئ، وكل من يظن أن الوضع الهش الذي نعيش فيه سيستمر طويلا واهم، نحن في مرحلة لن تطول، وهي مرحلة من أسوأ الأيام التي مرت على هذا البلد منذ آلاف السنين.
بيننا وبين الانفتاح الديمقراطي الكامل خطوة صغيرة، قد تستغرق أسابيع، وقد تستغرق شهورا،ولا بد أن يعمل الجميع من أجل ترشيد حراك الشارع، وفي جميع الأحوال، ستكون النتيجة واحدة...نصر للشعب على كل سلطة غاشمة.
قد يسأل البعض "وماذا نفعل لو انتصرنا؟"
والجواب واضح، عدالة انتقالية صارمة تحقق القصاص من كل القتلة، لا فرق بين إسلامي وليبرالي ومدني وعسكري، ولا غالب ولا مغلوب، والثورة وأهدافها هي دستورنا.
النصر معناه أن يتحقق العدل للبسطاء أولا، قبل أن يربح السياسيون.
النصر معناه أن يتقاعد كل عجائز السياسة، بعد أن خربوها وقعدوا على تلها.
سيضحي هذا الجيل من أجل نقلة للديمقراطية لا تراجع بعدها، ولن يبالي بابتزاز الناس وقولهم "سيكرهك الناس"...!
عاشت مصر للمصريين وبالمصريين ...
كثير من الناس على يقين بأن مقياس "الجماهيرية" مؤشرلصحة الموقف (أخلاقيا)، وهذا لعمري خطأ بل خطيئة، فقد تصل درجة العمى المؤقت (أو الكُلِّي) ببعض الناس أن يؤلهوا قاتلا، أو أن يوقروا صعلوكا، أو أن ينقادوا لتافه، أو أن يُرَأِّسوا ذيلا...!
مَنْ قال لكم إن الذين تعودوا على قول كلمة الحق حريصون على "جماهيريتهم" المزعومة أكثر من حرصهم على إرضاء ضمائرهم؟
إن مقياس الجماهير خَدَّاع، ولا ينبغي لمن يتصدى للعمل العام أن ينخدع به، أو أن يُبْتَزَّ به أيضا، إلا إذا كان هدفه رضا الناس على كل حال، وأصحاب المبادئ والغايات العظمى لا يحركهم إلا ضمائرهم.
مَنْ هؤلاء "الناس" الذين يطالبنا البعض بكسب حبهم؟
إنهم الذين قالوا لنا قبل خلع مبارك بسنوات أنتم تحرثون في البحر، وتفنن بعض من يزعمون أنهم شعراء منهم لكي يقنعونا بالذل، "حاتطلع حاتنزل ... حاجيب لك جمال ...!"، وكأنهم جابوا التايهة !
إنهم نفس الأشخاص الذين كانوا يبيعون لنا خسران الضمير، والرضى بالذل في عهد المخلوع مبارك بحجج فارغة، "سيفعلون بك وبعائلتك كذا وكذا، لو كان هناك فائدة مما تفعل لقلت لك استمر، ولكن أنت تعلم وأنا أعلم أن الأمر قضي، وأنه لا فائدة ترجى من هؤلاء الناس"!
وهم نفس الأشخاص الذين كانوا يتصلون بنا ونحن في الميدان بعد كل خطاب للمخلوع لكي يقنعونا "كفاية كده، واحنا كنا نحلم باللي حصل ده؟، ادوله فرصة، ستة اشهر ويغور، إذا لم تنصرفوا من الميدان الناس سوف تكرهكم...الخ"...!
وهم نفس الأشخاص الذين قالوا لنا في عهد المجلس العسكري "مبارك مشي، ولازم نصبر ع اللي بعده"، وكأن طنطاوي وعنان هما الجيش، وقالوا لنا أيام محمد محمود "لا تهاجموا مؤسسات الدولة، لا فائدة مما تفعلونه، ماذا تريدون أكثر من ذلك؟" !
وهم نفس الأشخاص الذين قالوا لنا بعد ذلك (في عهد مرسي وبعد إعلانه الدستوري) "لماذا تتظاهرون؟ ولماذا لا تعطون الرجل فرصة؟ لماذا تعترضون على الإعلان الدستوري؟ لماذا لا تقولون نعم للدستور؟ هل تظنون أنفسكم أقوى من الدولة؟ نريد الاستقرار"
إنهم نفس الناس الذين يقولون لنا "سيكرهكم الناس لأنكم رفعتم شعار رابعة، أو لأنكم استنكرتم قتل المواطنين المصريين بدم بارد دون جريمة، أو بعد تلفيق الجرائم لهم لتبرير قتلهم، أو لأنكم تدعون لمقاطعة الدستور" ...الخ!
هؤلاء "الناس" لهم حق علينا، هو حق توعيتهم، وحق أن نقول لهم كلمة الحق حتى لو كرهونا مؤقتا، وحتى لو ظنوا بنا الظنون، ومن العار أن نجاري هؤلاء في مسلماتهم الخاطئة، أو في اندفاعاتهم غير العقلانية التي يروجها لهم إعلام مجرم.
سحقا لأي جماهيرية تأتي بقتل الضمير أو بتخديره، وهؤلاء الذين تزعمون أنهم سيكرهوننا سوف يزداد احترامهم لنا حين نخوض معركة لا هدف منها إلا نصرة الحق، وعزة وكرامة هذا الشعب الذي طال شقاؤه.
إن احترام الناس وحبهم عمل تراكمي، لا يأتي فجأة، ولا يذهب فجأة، والجماهيرية الفجائية التي يبنيها البعض بجعل نفسه ريشة في مهب ريح الرأي العام تزول بسرعة البرق، ومع أول اختبار حقيقي، وهؤلاء أناس لا يصلحون لقيادة الأمم، لأنهم معدومو الضمير، وعديمو البصيرة.
إن الوقوف في وجه الطغيان، والسباحة ضد التيار، من أجل مبدأ لا طمعا في مغنم، أو خوف مغرم، عمل يثاب عليه المرء في الدنيا والآخرة، في الدنيا باحترام الناس، وفي الآخرة بما شاء الله له من جزاء حسن.
لكل ذلك...لا تصدعونا بفخ حب الناس وكرههم، لأن أصحاب المبادئ لن يؤثر فيهم ذلك، ووالله لو وقف الإنس والجن أمام مقاومي الانقلاب لكي يتراجعوا ... لما تراجعوا!
ما يحدث في مصر اليوم لا يمكن أن يسكت عليه إنسان صاحب ضمير، إنه ظلم بيِّنٌ لشعب كامل، وتراجع مطلق إلى عهود ظلام من العار أن نعود إليها، وها هو الدستور قد كتبت فيه كل ضمانات الحرية وما زالت الانتهاكات تتصاعد يوميا.
بوابة الخير لهذه الأمة ستفتح بالصبر، وعلى حراك الشارع أن يتحرك وفق منطق جديد، وبنفس أطول، وكل من يتصور أن المعركة ستحسم في يوم وبضربة قاضية مخطئ، وكل من يظن أن الوضع الهش الذي نعيش فيه سيستمر طويلا واهم، نحن في مرحلة لن تطول، وهي مرحلة من أسوأ الأيام التي مرت على هذا البلد منذ آلاف السنين.
بيننا وبين الانفتاح الديمقراطي الكامل خطوة صغيرة، قد تستغرق أسابيع، وقد تستغرق شهورا،ولا بد أن يعمل الجميع من أجل ترشيد حراك الشارع، وفي جميع الأحوال، ستكون النتيجة واحدة...نصر للشعب على كل سلطة غاشمة.
قد يسأل البعض "وماذا نفعل لو انتصرنا؟"
والجواب واضح، عدالة انتقالية صارمة تحقق القصاص من كل القتلة، لا فرق بين إسلامي وليبرالي ومدني وعسكري، ولا غالب ولا مغلوب، والثورة وأهدافها هي دستورنا.
النصر معناه أن يتحقق العدل للبسطاء أولا، قبل أن يربح السياسيون.
النصر معناه أن يتقاعد كل عجائز السياسة، بعد أن خربوها وقعدوا على تلها.
سيضحي هذا الجيل من أجل نقلة للديمقراطية لا تراجع بعدها، ولن يبالي بابتزاز الناس وقولهم "سيكرهك الناس"...!
عاشت مصر للمصريين وبالمصريين ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق