الأحد، 9 فبراير 2014

في مرآة الحقيقة

في مرآة الحقيقة
فهمي هويدي

"الذكرى الثالثة للثورة شوهتها وحشية الشرطة"
 
كان ذلك هو العنوان الذي تخيرته منظمة العفو الدولية في تقريرها عما شهدته مصر في 25 يناير هذا العام، والذي جرى بثه يوم الخميس الماضي 6 فبراير. 
وكانت المنظمة الدولية ذاتها قد أصدرت تقريرا في 23 يناير ــ قبل يومين من حلول المناسبة ــ تحت العنوان التالي:
خارطة الطريق إلى القمع، لا نهاية تلوح في الأفق لانتهاكات حقوق الإنسان.
 والتقريران يرسمان صورة قاتمة للوضع الراهن في مصر. وقد فصَّل فيها التقرير الذي صدر في 23 يناير، والذي جاء في 49 صفحة.إذ خلص إلى أن مصر شهدت خلال الأشهر السبعة الأخيرة «ضربات موجعة سددت إلى حقوق الإنسان، ارتكبت فيها الدولة أعمال عنف على نطاق غير مسبوق.. حتى باتت مطالب 25 يناير في الكرامة وحقوق الإنسان بعيدة المنال أكثر من أي وقت مضى»..
 إذ انحدرت مصر سريعا باتجاه مسار المزيد من القمع والمواجهة، حيث عمدت السلطة إلى تضييق الخناق على حرية التعبير عن الرأي والتجمع، كما سنَّت «قوانين قمعية تسهل على الحكومة إسكات صوت منتقديها وقمع الاحتجاجات، وإطلاق العنان لقوات الأمن كي تتصرف فوق القانون كما يحلو لها، ودون إمكانية مساءلتها عما ترتكبه من انتهاكات.. حتى أصبح العرف السائد الآن هو القمع والإفلات من العقاب».
تقرير الخميس 6 فبراير رسم صورة سجلت بعضا مما نعرفه ولا نعرفه مما حدث في يوم 25 يناير إذ ذكر أن «عدد الاعتقالات كان مروعا، فقد ألقي القبض على أكثر من ألف شخص في يوم واحد فقط، حسب تصريحات وزارة الداخلية. كما قتل 64 شخصا على الأقل (المصادر المستقلة ذكرت أن عددهم 103، وأن أسماءهم موجودة على الإنترنت)، كما جرح مئات في أعمال العنف التي اندلعت إثر محاولة قوات الأمن فض الاحتجاجات المعارضة للحكومة». 
ونقلت المنظمة عن أحد المحتجين المفرج عنهم قوله:
إن المتظاهرين بمن فيهم الفتيات والنساء تعرضن للضرب عند إلقاء القبض عليهن، مضيفا أنه لاحظ أن جدران الزنزانة التي احتجز فيها كانت ملطخة بالدماء. وأنه شخصيا تعرض للضرب على الرأس والصفع على الوجه لانتقاده الشرطة والجيش.
ونقل التقرير عن إحدى الفتيات قولها إن ضابطا ضربها بالحذاء في جميع أنحاء جسدها وعلى وجهها، وإن ذلك تكرر مع كل المحتجزين في مركز الشرطة الذين كانوا معصوبي الأعين، بمن فيهم الأطفال، كما ذكر أن فتاة عمرها 15 عاما تم اعتقالها لأنهم وجدوا في حقيبتها قناع غاز وبعض الإسعافات الأولية.
وحين تم اقتيادها إلى مبنى عسكري وجدت أن الرجال أجبروا المعتقلين الذكور على خلع ملابسهم الداخلية وجعلوهم يركعون ثم صعقوهم بالكهرباء بينما كانت أعينهم معصوبة.
ونقل التقرير عن العديد من المحامين شكواهم من أن النيابة العامة رفضت عرض المعتقلين على الطب الشرعي لإجراء الكشف الطبي عليهم.
 أضاف المحامون أنهم رأوا بأعينهم آثار تعذيب واضحة على وجوههم وأجزاء أخرى من جسدهم في سجن طره، أثناء زيارتهم لهم، مشيرين إلى أن معظم التحقيقات جرت في غيابهم.
 وخلصت المنظمة في تقريرها إلى أن العديد من الرجال والنساء والأطفال المعتقلين كانوا يمارسون حقهم في حرية التعبير والتجمع أو كانوا من المارة، كما نقلت عن أحد المحتجين قوله إنه لم تطلق الشرطة سراحه إلا بعد أن أعلن تأييده للمشير عبدالفتاح السيسي.
عندي خمس ملاحظات على هذا الكلام هي:
إن الصورة التي رسمها التقريران تعيد إلى الأذهان عذابات ومسالخ عصر مبارك بالكامل، بالتالي فهي تشكل ردا دافعا على الذين يشككون في تلك العودة ويحاولون التمسح في ثورة 25 يناير، في حين أن تفاصيل الصورة تشكل إعلانا عن مشهد يمثل نكوصا عن الثورة وانتصار الثورة المضادة.
< إن تقرير منظمة العفو الدولية عن أحداث 25 يناير بمثابة «عينَّة» تقرب إلى الأذهان معاناة الواحد وعشرين ألف معتقل الذين ألقوا في السجون ومعسكرات الأمن المركزي خلال الأشهر السبعة الماضية. 
كما تذكرنا بالمصير الذي لقيه أكثر من 2600 شخص قتلوا في تلك الفترة.
• إن التقرير يفضح منظمات حقوق الإنسان في مصر التي التزمت الصمت إزاء تلك الانتهاكات التي تقشعر لها الأبدان. ويتهمها ضمنا بالتواطؤ مع الأجهزة الأمنية والتستر على ما جرى. أستثني من ذلك التعميم مراكز ومواقع لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة تبنت موقفا نزيها وحاولت أن تسجل الحقيقة بلا مجاملة أو مداراة.
• إن الجهات المعنية في مصر والأصوات المعبرة عنها تتعامل مع المشهد بأحد أسلوبين، أحدهما الإنكار التام والإدعاء بأن الذين يعدون تلك التقارير ليسوا مدركين لحقيقة الأوضاع في مصر، رغم أن ممثليهم موجودون في البلد ومن أقرب الناس إلى ما جرى، الأسلوب الثاني يتمثل في المسارعة إلى اتهام المسؤولين عن إصدار التقارير بالتحامل على مصر والتآمر مع الإخوان. وهي الاتهامات التي أطلقت بحق وسائل الإعلام الأمريكية والبريطانية والألمانية، ولم تسلم منها مؤسسات إعلامية كبرى مثل مجلة تايم والواشنطن بوست ونيويورك تايمز وصحيفة الجارديان، بل لم يسلم منها البرلمان الأوروبي أيضا.
• وفي الوقت الذي تتردد أصداء الفضيحة في أنحاء العالم التي وزع عليها تلك التقارير، فإننا في مصر «نستعبط» ونرسل وفودا شعبية إلى عواصم العالم لتحسين صورة البلد، في حين يظل وزير الخارجية يطرق أبواب مختلف العواصم الأوروبية والإفريقية لإقناع مسؤوليها بأن مصر بعد 30 يونيو تعيش أزهى عصور الحرية والديمقراطية.
إن إحدى أكثر المشكلات في مصر الآن أننا لم نملك بعد شجاعة التطلع إلى وجوهنا في مرآة الحقيقة، وفي حين نتصور أن بوسعنا أن نضحك على العالم المحيط، فإننا نواصل خداعنا لأنفسنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق