الاثنين، 10 فبراير 2014

الدين الرابع..!


الدين الرابع..!!


د. محمد عباس

لكم كنت مخطئا عندما ظننت أن الإسلام هو الديانة الثانية في مصر، وكنت قد وصلت –مندهشا- إلى هذه النتيجة بعد أن اكتشفت أن المسيحية هي الديانة الأولى؟!.
لا أتحدث عن الإحصائيات فالإحصائيات لا تهم، ولا عن الحقيقة، لأن الكذب الممهور بخاتم السلطة هو الحقيقة ، والعملة المزيفة تطرد العملة الأصيلة.
بالنسبة للسلطة لا يهمها العدد المجرد لهؤلاء أو أولئك، ولا يهمها المادة الثانية من الدستور، بل لا يهمها الدستور كله، إنما يهمها فقط، القدرة على الإيذاء، أو على رده.
كأي قائد لكتيبة متخلفة في الأدغال، فإنه لا يفكر في عدد من يواجهونه سواء كانوا عشرات أو مئات أو آلاف، و إنما في تسليحهم، وقدرتهم على التصدي له أو الانتصار عليه، فإن كان ذاك، فأنه يتحول إلى منافق كبير ومداهن أكبر، ويكون رقيقا دمثا كيسا مجاملا، أما بالنسبة لمن لا يجدون إلا الله ناصرا فإن هذا القائد يتحول إلى وحش مسعور وتتحول كتيبته إلى عصابة.
جملة اعتراضية: أليس هذا هو موقف الحضارة الغربية كلها، وفحوى حضارتها عبر تاريخها الدامي المدنس.
أليس هذا هو موقف فلسفتها ذاتها بامتداداتها التي بدأت بالمادية ووصلت إلى البراجماتية بتشعباتها من الحداثة وما بعد الحداثة، ولم يتسن لهذا كله أن يوجد إلا من خلال العلمانية.
أقول أنني اكتشفت أن الإسلام ليس حتى الدين الثاني في مصر، فالمسيحية تسبقه في الترتيب، بيد أنها –لمزيد من الدهشة- لا تشكل الديانة الأولى- فالمسيحية ذاتها تسبقها اليهودية، تلك التي تحظي من النظام بكل التبجيل والتقدير بل والرعب من خدش شعور أو نقل مقبرة.
الغثاء الذي لا يأبه به النظام أبدا هو المسلمون.
إلا أن هناك دين آخر – و أرجو أن يلاحظ القارئ هنا أنني أستعمل كلمة الدين بمفهوم يختلف عن مفهومنا كمسلمين- يسبق هذه الديانات جميعا، وهو الذي يحظي في بلادنا – كل بلادنا الإسلامية - بالمركز الأول دون منازع، دين تجمع فيه شذاذ الأفاق والمحتالون واللصوص والخونة والمنافقون والكفار والزنادقة والملحدون، دين اسمه العلمانية، وتتضاعف خطورة هذا الدين من أنه يجمع كثيرا من المرتدين عن الأديان جميعا.
العلمانية إذن هي الدين الأول في بلادنا، لا أقصد مصر، بل أقصد العالم الإسلامي كله.
تحتاج العلمانية إلى مقالات مستقلة، لكنني أثبت هنا، أن جل علماء المسلمين، يقررون أن العلمانية في الإسلام كفر صريح بواح، وثمة دراسة مستفيضة ممتازة للدكتور سفر الحوالي عن الموضوع، ودراسة أخرى للدكتور يوسف القرضاوي الذي لا يمكن لأحد أن يتهمه بالتطرف أو التشدد.
كما أننا نثبت هنا مرجعا رائعا للدكتور عبد الوهاب المسيري حيث يرى نفس الرأي بالنسبة للعلمانية الشاملة، لكن الأمر يختلف عنده بالنسبة للعلمانية الجزئية.
 وهنا لابد أن أذكر و أذكّر، أن معظم من يصفون أنفسهم بالعلمانية ليسوا علمانيين في الواقع، إنما هم مثل الاشتراكيين والشيوعيين في فترة الستينيات، حيث كان الكثيرون يظنون أنفسهم كذلك دون أن يعرفوا عن الشيوعية والاشتراكية كلمة واحدة.
ولقد عايشت بعضهم بنفسي، ولا أنسى أحدهم الذي واجهته بالأدلة الدامغة من كتبهم، ثم أرسلته إلى أحد أساطينهم ليسأله عن موقفه الحقيقي من الدين، وعاد الرجل لينفجر بالبكاء قائلا :
- أنا اشتراكي ولم تفتني صلاة الجماعة منذ عشرين عاما.

نعم.. الإسلام في بلادنا هو الدين الرابع..
لكم حيرتني الظواهر السياسية والاجتماعية والثقافية في الفترات الماضية حتى حل لي هذا الاكتشاف اللغز.
كنت أحتار على سبيل المثال في مظهر حاكم يدعي الوقار ومكارم الأخلاق، وبيت اختيارات هذا الحاكم لمعاونيه من العملاء واللصوص والشواذ.
كنت أحتار كيف يتعاون جلاد الأمن المتوحش والمثقف الشيوعي وعضو منظمة حقوق الإنسان في نظام واحد.
كنت أحتار لتحولات سعد زغلول وعبد العزيز جاويش وطه حسين والنقراشى.. و إسماعيل صدقي.. والملك..
كنت أحتار للعلاقة بين جابر عصفور وفيفي عبده.. بين عبد العظيم رمضان واعتماد خورشيد..بين الدكتور: ر.س. الذي كان يتقاضى مرتبا من المخابرات الروسية كما نشرت صحيفة الأهرام ثم انقلب ليتقاضى الشيكات والأموال من بعض الجماعات المصرية القبطية في أمريكا كما جاء في اتهام مباشر له في حوار معه على قناة الجزيرة. اتهام وجهه له مسيحي مصري.
كنت أحتار في تحول صلاح عيسى من الشيوعية الوقحة إلى التأييد الأعمى لأمريكا..
كنت أحتار لموقف كموقف جمال الغيطاني مسئول الترويج للحداثة والفرعونية في مصر ودفاعه عن الموالد ( كان كرومر أيضا يدافع عنها.. بل ويمولها)..
كنت أحتار في العلاقة بين ناقد وأستاذ جامعي كصلاح فضل.. وضابط مفصول من الجيش لسوء سلوكه عينوه ناقدا كبيرا!!.
كنت أحتار لمواقف رؤساء تحرير الصحف والصحافيين والكتاب والسفراء وكبار المسئولين..
كنت أحتار للعلاقة بين فاروق حسني ومن حوله.. لكن من المؤكد أنهم – جميعا على الأقل – ليسوا مثله فكيف تسير الأمور بينهم..
كنت أحتار لمواقف أولئك الذين دافعوا عن الاجتراء الكافر على المقدسات في رواية " وليمة لأعشاب البحر"..
كان ذلك كله يحيرني حتى اكتشفت السر الذي فسر لي اللغز.. وهو سر بسيط بساطة معجزة.. وكان أمامنا طول الوقت لكننا لم نتنبه له..
السر الذي يجمع أولئك جميعا هو أنهم على دين واحد.. هذا الدين هو العلمانية..
وفي هذا الدين فإنك تستطيع أن تدافع في المساء بكل حماسة عما هاجمته في الصباح بكل شراسة.. تستطيع أن ترتكب كل الموبقات باسم الحرية الشخصية.. و أن تعهر كل النساء بحجة حقوقهن، و أن تقترف كل الجرائم تحت راية أن الأخلاق نسبية..
تستطيع أن تتحول من العمالة للمخابرات الروسية إلى المخابرات الأمريكية أو حتى الإسرائيلية بكل سهولة ويسر ، ودون أي إحساس بالتناقض أو الذنب، تماما كمن يصلي الصبح على مذهب الإمام أبي حنيفة ثم يصلي الوتر على مذهب الشافعي – رضي الله عنهما- فكلاهما جائز وكلاهما صحيح وكلاهما مأجور، ذلك أن الشيوعية والنازية والفاشية والصهيونية وحتى البروتستانتية الصهيونية كلها مذاهب مختلفة في نفس الدين.. دين العلمانية.

الخطورة في هذا الدين أن أتباعه لا يعترفون أنه دين.. بل قاموا بنوع من الغزو الاحتلالي الاستيطاني أزاحوا فيه – على سبيل المثال لا الحصر- علماء الإسلام ليقوموا هم بالإفتاء وشرح الإسلام للأمة بدلا منهم.
وهذا وضع لا يقل خطورة وغرابة عن أن يذهب حاخام فيلبس ملابس شيخ ويؤم الناس في المسجد الحرام. أو أن يأتي ضابط إسرائيلي، نعم إسرائيلي، ويدعي أنه مصري ويتقلد منصب رئاسة المخابرات.
أكاد أجزم يا قراء أن هذه الخدعة المزدوجة هي التي ضيعتنا و أنزلتنا هذا المنزل الذليل الوعر الذي ننزله الآن.
هي السر في هزائمنا وخيبتنا وهواننا على العالمين.. هزمنا دون أن نخوض المعركة، والحقيقة أنهم هم الذين هزموا، لكن عار الهزيمة لحق بنا نحن.
من المؤكد أنني سأعود مرات كثيرة لأناقش هذه النقطة الخطيرة، متسائلا كيف تمكنوا من ذلك، إنهم بين أقرانهم يعلمون تماما ما يفعلون ويتصارحون به، وكان أكثر ما حماهم من الأمة نهج الأمة وموقف فقهائها من عدم تكفير المعين. كان هذا هو الذي لم يكشفهم للأمة في الوقت المناسب.

بدأ الهجوم على الأمة منذ قرنين على الأقل، كانت كتائب الهجوم خفية، فمن يتصور أن الهجوم على الإسلام يمكن أن يأتي من بعثة أثرية تنقب عن الآثار، أو من بحث لغوي في الشعر الجاهلي، أو من قصيدة شعر أو رواية.
وحتى عندما تعاقبت الأحداث على نفس الوتيرة لتنطلق نزعات القومية في الشام والحجاز وتركيا والبلقان في نفس الوقت، لم تتنبه الأمة أن كل أولئك على دين واحد.
وعندما صدرت طوابع البريد تحمل صورة أبى الهول في مصر، والذئب في تركيا وحدائق بابل في العراق، لم يلفت نظر الأمة أنها عودة جماعية لجاهلية قبل الإسلام.
و..
و..
و..
وكل موضوع من هذه الموضوعات يحتاج إلى بحث مستقل.

لكنني أريد أن أنفذ الآن إلي موضوع واحد يكشف بعضا من سلوك أتباع ذلك الدين اللعين.. الدين الأول في عالمنا الإسلامي.. العلمانية.

في قضية " وليمة لأعشاب البحر" دافع العلمانيون عن الاجتراء الفاسق على المقدسات، وكان مما قالوه أنهم مسلمون لكنهم يحترمون الإبداع في نفس الوقت، دعنا الآن من تهافت حججهم، دعنا الآن من دنسهم وقذارتهم، لكنني أذكر القراء برأي علماء الدين الذي حكم بالكفر ليس على من اجترأ هذا الاجتراء الفاجر فقط، بل على كل من أعجب به.
دعنا من كل ذلك الآن.. لأننا نرى أنهم لم يدافعوا عن الفن والإبداع أبدا.. لم يدافعوا إلا عن الاجتراء الكافر، ولو خلت الرواية من هذا الاجتراء الفاجر على المقدسات ما دافعوا عنها أبدا..

نعم..
هدف أتباع هذا الدين العلماني كان الاجتراء على المقدسات ، وتعويد الناس علي ذلك وما كان الفن والإبداع سوي وسيلة..
و إلا فلتفسروا لنا دفاعهم عن واحد منهم هو خليل عبد الكريم الذي رزئت بقراءة بعض أعماله في الأعوام الماضية، ثم فجعت في شهر رمضان المبارك بأحد العلمانين المعينين برتبة " كاتب كبير" يشيد به..
خليل عبد الكريم ليس كاتب رواية مثل حيدر حيدر.. ومع ذلك.. لو طلب مني أن ألخص كتب هذا وروايات ذاك.. لكان تلخيص الكتب هو بذاته تلخيص الروايات.
الغريب أن العلمانيين الذين تقووا بموقف آلهتهم الجديدة وعلى رأسهم رب أربابهم بوش لم يراعوا فينا إلا ولا ذمة.. ونسوا ما قالوه من أنهم في دفاعهم عن حيدر حيدر كانوا يدافعون عن الخيال الإبداعي.. فإذا بهم يسبغون على خليل عبد الكريم نفس الهالة من التقديس المزيف.. رغم أن ما يكتبه خليل عبد الكريم ليس رواية بل كفرا صريحا بواحا روج له أتباع الدين العلماني بأن آراءه تشكل الرؤى التقدمية في الإسلام.
جمعت أقوال الرجل أمامي.. وما أن شرعت في الكتابة حتى تجمدت..
صرخت الحروف..
أنّت الكلمات..
بكت الجمل..
أبت السطور..
تجمد القلم..
تضرعت المعاني..
تذللت الصفحات..
وتمردت اللغة فلم تطاوعني..
فقد كنت أنتوي أن أنقل لكم في هذا المقال كلمات – ولا أقول مقتطفات- من كتب خليل الكريم، التي يشيد بها وبه العلمانيون.. كنت أنتوي ذلك.. وفي البداية شملتني هيبة وردني روع وصدني فزع و ألجمني ورع.
غالبت كل ذلك..
أعددت الأوراق..
أما قلمي فقد براه ألمي..
وشرعت أكتب..

حاولت أن أصوغ من يصفه العلمانيون بأنه كاتب ديني مستنير، و أن أنقل جملة من كتاب له كان اسمه الأصليّ "تصنيع نبيّ" فالرجل لا يرى في نبوة أشرف الخلق وخاتم النبيين رسالة من السماء، بل مؤامرة جرت فصولها بين السيدة خديجة رضي الله عنها وورقة بن نوفل، اللذان تعهدا محمدا صلى الله عليه وسلم ( والصلاة على النبي الخاتم من عندي لأن خليل عبد الكريم لم يكتبها) تعهداه.. و أخذا يصنفرانه ويقلوظانه حتى أصبح نبيا..
نعم.. يصنفرانه ويقلوظانه..

لا خطأ في الكلمات فلا تفرك عينيك ولا تمسح عويناتك أيها القارئ..
لا خطأ في الكلمات..
لكن الألم ينفجر..

وتصرخ الحروف وتئن الكلمات وتبكي الجمل وتأبى السطور ويتجمد القلم وتتمرد اللغة فلا تطاوعني فأعجز عن المواصلة..

لتسمحوا لي الآن يا قراء أن أعرض عليكم ثبتا موجزا بكتبه، كتب خليل عبد الكريم، الذي تصر صحف العلمانيين دائما على أن يسبق اسمه وصف : "الكاتب الإسلامي"، وهي التي تضن على أي كاتب إسلامي حقيقي بهذه التقدمة، بل وتعترض على المعنى أصلا، بحجة أن المعنى يتضمن أن الآخرين غير إسلاميين.
.. يتبع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق