ثورة أم تظاهرة؟
عن 25 يناير نتحدث، واقتراب الذكرى السنوية الرابعة لذلك الخروج العظيم لطلائع الشعب المصري، ترفع، في البداية، شعاراً بسيطاً من ثلاث كلمات: "عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية"، وعن المآلات التي وصل إليها المصريون، في محاولة لاستشراف المستقبل.
بدايةً لا بد من الإدراك الواعي لما جرى، وبعيداً عن المصطلحات الأكاديمية وضبطها، والتي لن يتّفق عليها اثنان من المتخصصين في العلوم السياسية حول ما إذا كان ما جرى، في السنوات الأربع الماضية، كان ثوراتٍ أم مؤامرات أم انقلابات؟ وما إذا كانت المحركات الخارجية، سواء البعيدة، وأعني بها أميركا والغرب، أو القريبة، وتراوح ما بين حماس وحزب الله في البداية، وبين بعض دول الخليج في المشهد الأخير، هي صاحبة اليد الطولى في ما جرى من أحداث جسام؟ أم أنها كانت مجرد أدوات مساعدة؟
لتكن البداية من المشهد الأخير، وما آلت اليه الأمور، حيث رأت القوات المسلحة، عبر قادتها ومجلسها الأعلى، وبعد عامين ونصف من الخروج العظيم لطلائع الشعب المصري، في اليوم المشهود "25 يناير"، أن الوطن يتعرّض لخطر داهم، حيث أوصلت صناديق الانتخابات إلى سدّة الحكم رئيساً ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، والأخطر أنه يحمل مشروعاً إسلامياً لتغيير "الرچيم"، أي نظام الحكم القائم منذ 60 عاماً، ولأن القوات المسلحة، طبقاً لرؤية مجلسها الأعلى، هي الأمينة على الوطن، والرچيم والنظام، وإن هناك من أبناء الوطن مَن يطالبها بأن تقوم بدورها، فقد قررت أن تأخذ زمام الأمور بيدها، وترسم طريقاً جديداً للوطن، تشرف عليه بنفسها، كما جاء في بيان 3 يوليو/تموز 2013، وقد كان لها ما أرادت بطبيعة الحال وحسابات القوة. أزاحت الرئيس القادم عبر صناديق الانتخابات، وزجت به في السجن، وطوقت عنقه بعشرات التهم التي تراوح بين الهروب من السجن وسرقة المواشي! وحتى التخابر والخيانة!؟ ليس وحده، بل معه كل جماعته ورموزها، ومَن سانده أو تعاون معه.
لتكن البداية من المشهد الأخير، وما آلت اليه الأمور، حيث رأت القوات المسلحة، عبر قادتها ومجلسها الأعلى، وبعد عامين ونصف من الخروج العظيم لطلائع الشعب المصري، في اليوم المشهود "25 يناير"، أن الوطن يتعرّض لخطر داهم، حيث أوصلت صناديق الانتخابات إلى سدّة الحكم رئيساً ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، والأخطر أنه يحمل مشروعاً إسلامياً لتغيير "الرچيم"، أي نظام الحكم القائم منذ 60 عاماً، ولأن القوات المسلحة، طبقاً لرؤية مجلسها الأعلى، هي الأمينة على الوطن، والرچيم والنظام، وإن هناك من أبناء الوطن مَن يطالبها بأن تقوم بدورها، فقد قررت أن تأخذ زمام الأمور بيدها، وترسم طريقاً جديداً للوطن، تشرف عليه بنفسها، كما جاء في بيان 3 يوليو/تموز 2013، وقد كان لها ما أرادت بطبيعة الحال وحسابات القوة. أزاحت الرئيس القادم عبر صناديق الانتخابات، وزجت به في السجن، وطوقت عنقه بعشرات التهم التي تراوح بين الهروب من السجن وسرقة المواشي! وحتى التخابر والخيانة!؟ ليس وحده، بل معه كل جماعته ورموزها، ومَن سانده أو تعاون معه.
وقدمت القوات المسلحة قائدها العام مرشحاً للرئاسة، وقد فاز في انتخاباتٍ يختلف حولها كثيرون، لكنها جرت بعد تعديل للدستور الذي سبق الاستفتاء عليه في زمن قريب فات، وأيضاً تأكيداً لاستقرار أوضاع إدارة البلاد، تم تحصين القائد العام الجديد للقوات المسلحة ورئيس مجلسها الأعلى، ضد العزل أو التغيير من قبل أي سلطة سياسية، أيّاً كانت!؟ وإن كان ذلك للحق مدة دورتين، أي حوالي ثماني سنوات.
وتقرر اعتبار الرئيس الذي كان رئيساً منتخباً، هو وجماعة الإخوان المسلمين المنتمي إليها، بقياداتها وأعضائها ومنتسبيها ومؤيديها، جماعة إرهابية وأعداء للوطن وجب قتالها، واجتثاثها من المجتمع.
ولتعود مصر الكنانة، أم الدنيا، بزعامتها وقيادتها الملهمة، ومشروعاتها العملاقة، وتحالف قوى الشعب العاملة وغير العاملة، على قلب رجل واحد، (يطلب يلاقي 90 مليون فدائي، كانوا أيام عبد الناصر وصلاح جاهين 20 مليون فدائي)، ونعود إلى السؤال الأهم ما الذي جرى في اليوم المشهود من يناير/ كانون الثاني من العام ٢٠١١، وهل ما آلت اليه الأمور هو التداعي المنطقي لما جرى في ذلك اليوم؟
للإجابة على هذا السؤال، نعود إلى ثلاثة أحداث كبرى مرّت على الشعب المصري في تاريخه الحديث، أطلق على كل منها اسم "الثورة".
للإجابة على هذا السؤال، نعود إلى ثلاثة أحداث كبرى مرّت على الشعب المصري في تاريخه الحديث، أطلق على كل منها اسم "الثورة".
الأول كان في نهايات القرن التاسع عشر، وهو ما عُرف بالحركة العرابية، أو الثورة العرابية. وفي الأدبيات الشعبية "هوجة عرابي"، عندما تحرك الأميرالاي أحمد عرابي، وزميله عبد العال حلمي، وغيرهما على رأس جندهم المصريين في 9 سبتمبر/ أيلول 1881، إلى ساحة قصر عابدين، لمطالبة الخديوي بإلغاء قرار ناظر الحربية، عثمان رفقي باشا، منع ترقية ضباط الصف المصريين إلى رتب الضباط (عرابي كان منهم)، وتعيين قادة شراكسة بدلاً من المصريين، ومعها مطالب وطنية أخرى. ونعرف جميعا ما آلت إليه ثورة عرابي التي بدأت تظاهرة عسكرية، وانتهت هوجة.
الحدث الثاني جرى بعد مرور 38 عاماً على تظاهرة عرابي، وذلك في 9 مارس/ آذار ١٩١٩، بعدما تقدم سعد زغلول، وصحبه عبد العزيز فهمي وعلي شعراوي وغيرهم، إلى المندوب السامي البريطاني في مصر، ومعهم توكيلات من أبناء الشعب المصري، نصّها: "قد أنبنا عنّا حضرات سعد زغلول و... في أن يسعوا، بالطرق السلمية المشروعة، حيثما وجدوا للسعي سبيلاً في استقلال مصر، تطبيقاً لمبادئ الحرية والعدل التي تنشر رايتها دولة بريطانيا العظمى"، ومع رفض المندوب السامي سفر الوفد المصري لحضور مؤتمر باريس، واصرار سعد زغلول و"الوفد" على طلبهم، جرى اعتقال سعد ونفيه في 8 مارس، فاندلعت تظاهرة وتلتها تظاهرات، وباقي التداعيات معروفة، حتى صدور تصريح 28 فبراير/ شباط 1922، باستقلال مصر المشروط بعد مفاوضات عدلي يكن وليس سعد زغلول، واصطلحنا على تسميتها ثورة 1919.
الحدث الكبير الثالث، ولعله الأخطر، فهو ما وقع في ٢٣ يوليو/ تموز ١٩٥٢، عندما استولى تنظيم الضباط الأحرار، برئاسة البكباشي جمال عبد الناصر، على قيادة الجيش المصري، وإصدار البيان الأول.
الحدث الثاني جرى بعد مرور 38 عاماً على تظاهرة عرابي، وذلك في 9 مارس/ آذار ١٩١٩، بعدما تقدم سعد زغلول، وصحبه عبد العزيز فهمي وعلي شعراوي وغيرهم، إلى المندوب السامي البريطاني في مصر، ومعهم توكيلات من أبناء الشعب المصري، نصّها: "قد أنبنا عنّا حضرات سعد زغلول و... في أن يسعوا، بالطرق السلمية المشروعة، حيثما وجدوا للسعي سبيلاً في استقلال مصر، تطبيقاً لمبادئ الحرية والعدل التي تنشر رايتها دولة بريطانيا العظمى"، ومع رفض المندوب السامي سفر الوفد المصري لحضور مؤتمر باريس، واصرار سعد زغلول و"الوفد" على طلبهم، جرى اعتقال سعد ونفيه في 8 مارس، فاندلعت تظاهرة وتلتها تظاهرات، وباقي التداعيات معروفة، حتى صدور تصريح 28 فبراير/ شباط 1922، باستقلال مصر المشروط بعد مفاوضات عدلي يكن وليس سعد زغلول، واصطلحنا على تسميتها ثورة 1919.
الحدث الكبير الثالث، ولعله الأخطر، فهو ما وقع في ٢٣ يوليو/ تموز ١٩٥٢، عندما استولى تنظيم الضباط الأحرار، برئاسة البكباشي جمال عبد الناصر، على قيادة الجيش المصري، وإصدار البيان الأول.
وللتذكرة فقط، تضمّن (الجيش تولى أمره إما جاهل أو خائن أو فاسد، فقد قمنا بتطهير أنفسنا. والجيش يعمل في ظل الدستور، مجرداً من أي غاية ... إلخ).
وكان البيان موقعاً باسم اللواء أركان حرب محمد نجيب، وتم تعريف ما جرى في البداية من الضباط الأحرار أنفسهم بأنه الحركة المباركة.
وما أن استمع الناس إلى البيان الأول، حتى خرجت تظاهرة، وأعقبتها تظاهرات، وكانت كلها، في البداية، مؤيدة للحركة المباركة لتطهير الجيش في ظل الدستور. ثم تداعت الأمور، وتحولت الحركة إلى ثورة يوليو، والباقي معروف على مدى 60 عاماً.
بعد هذه السياحة السريعة في تاريخ حركات التغيير في مصر الحديثة، نعود إلى ما جرى في 25 يناير، وما آلت إليه الأمور. هناك قوى عاتية تسعى إلى خلق صورة انطباعية وترسيخها في وعي أبناء شعب مصر أن ما جرى بدأ بتظاهرة شبابية، تحمل مطالب كان يمكن التعامل معها، وتفهّمها من النظام، بل حاول النظام ذلك وقتها.
بعد هذه السياحة السريعة في تاريخ حركات التغيير في مصر الحديثة، نعود إلى ما جرى في 25 يناير، وما آلت إليه الأمور. هناك قوى عاتية تسعى إلى خلق صورة انطباعية وترسيخها في وعي أبناء شعب مصر أن ما جرى بدأ بتظاهرة شبابية، تحمل مطالب كان يمكن التعامل معها، وتفهّمها من النظام، بل حاول النظام ذلك وقتها.
ولكن، سرعان ما انقضّت قوى الظلام المتمثلة في "الإخوان المسلمين" وحلفائهم في الداخل والخارج، على ذلك الحراك الشعبي، والذي لا يمكن، أيضاً، تنزيهه من بعض العملاء والمأجورين. إذن، هي تظاهرة.
ولكن، لأن الزمن قد تغيّر، ولأن فكرة الكلاكيت ثاني وثالت ورابع مرة لم تعد تصلح إلا في "السيما"!، فإن ما نجح فيه الخديوي توفيق والانجليز من تحويل حركة عرابي الثورية إلى مجرد هوجة، ونجاح الاحتلال في التصدي لحركة الشعب التي انطلقت في مارس/ آذار 1919 على مدى ثلاث سنوات، ثم احتوائها بتصريح 28 فبراير/ شباط 1922، الذي كرّس الملكية لأسرة محمد علي، واحتفظ للاحتلال بقواعده ونفوذه في مصر والسودان، ولا ما جرى في 1952، عندما تحولت الحركة المباركة لتنظيم الضباط الأحرار من تطهير الجيش من قياداته الفاسدة والخائنة والجاهلة، كما ورد في بيانها الأول، إلى ثورة يوليو التي أسست نظاماً سياسياً سلطوياً وشمولياً. ذلك كله لم يعد قابلاً للتكرار، لأن طلائع هذا الشعب خرجت في 25 يناير تطلب شيئاً مختلفاً تبلور سريعاً في الميدان: إسقاط النظام، وهو ما يعني بوضوح، ولأول مرة، أن الشعب المصري يريدها ثورة، وليست مجرد تظاهرة.
ولأن الثورة ليست انقلاباً، ولا تتحقق بالضربة القاضية، كما تصوّر بعضهم، ولكنها طريق قد يطول، يحتاج إلى نضال وصمود وإصرار، فإن ما جرى في 25 يناير لم يذهب هباءً، لأنه كان الميلاد الحقيقي لثورة الشعب.
ولكن، لأن الزمن قد تغيّر، ولأن فكرة الكلاكيت ثاني وثالت ورابع مرة لم تعد تصلح إلا في "السيما"!، فإن ما نجح فيه الخديوي توفيق والانجليز من تحويل حركة عرابي الثورية إلى مجرد هوجة، ونجاح الاحتلال في التصدي لحركة الشعب التي انطلقت في مارس/ آذار 1919 على مدى ثلاث سنوات، ثم احتوائها بتصريح 28 فبراير/ شباط 1922، الذي كرّس الملكية لأسرة محمد علي، واحتفظ للاحتلال بقواعده ونفوذه في مصر والسودان، ولا ما جرى في 1952، عندما تحولت الحركة المباركة لتنظيم الضباط الأحرار من تطهير الجيش من قياداته الفاسدة والخائنة والجاهلة، كما ورد في بيانها الأول، إلى ثورة يوليو التي أسست نظاماً سياسياً سلطوياً وشمولياً. ذلك كله لم يعد قابلاً للتكرار، لأن طلائع هذا الشعب خرجت في 25 يناير تطلب شيئاً مختلفاً تبلور سريعاً في الميدان: إسقاط النظام، وهو ما يعني بوضوح، ولأول مرة، أن الشعب المصري يريدها ثورة، وليست مجرد تظاهرة.
ولأن الثورة ليست انقلاباً، ولا تتحقق بالضربة القاضية، كما تصوّر بعضهم، ولكنها طريق قد يطول، يحتاج إلى نضال وصمود وإصرار، فإن ما جرى في 25 يناير لم يذهب هباءً، لأنه كان الميلاد الحقيقي لثورة الشعب.
نعم تتعرّض لموجات من المد والجزر، لكنها ستستمر، وحتماً ستنتصر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق