خريف السيسي وخرفانه
وائل قنديل
لا تختلف أجواء القاهرة، هذه الأيام، عن أجواء سبتمبر 1981، إذ تتلاحق ضربات نظام يتحرك عشوائياً كثور هائج في مدينة من الزجاج، يقتل ويسجن ويصادر حياة الجميع، كي يستقر في السلطة، محاطاً بمجموعة من السفاحين، يمارسون أحط أنواع العنصرية تجاه من يعترض على فاشيتهم غير المسبوقة.
في الإعلام، ترتد مصر إلى زمن "وزارة الارشاد"، حيث يسلم المعنيون بالصحافة حريتهم وحرية الكلمة، كما تسلم الشياه رؤوسها للذبح، وبعد البيان الوضيع لأولئك الذين تاجروا طويلاً بقضية حرية الصحافة، لم يبق إلا أن يتم تسمية محمد حسنين هيكل وزيراً للإرشاد القومي، كما حدث عام 1964، وما بعدها من سنوات، كان الصحفيون فيها يحالون إلى العمل في متاجر الأحذية والألبسة.
ويدهشك، هنا، أن بعضاً ممن كانوا ضحايا لخريف السادات، في سبتمبر/ أيلول 1981، يمارسون في خريف السيسي دور الجلاد والقاتل والمخبر، في تجسيد نادر لتلك "السادومازوخية" التي تحدث عنها أستاذ الفلسفة، إمام عبد الفتاح إمام، في كتابه المهم "الطاغية"
يصيبك بالغم، مثلاً، أن محمد حسنين هيكل وزير إرشاد عبد الناصر والسادات، والذي كان أحد ضحايا خريف 1981، يبدو الآن مشرفاً وموجهاً ومرشداً أعلى لخريف 2014 الذي تتساقط معه كل أوراق ربيع الثورة المصرية، بل يتعدى الأمر ذلك للعمل بكل همة لقطع الأشجار.
النخبة التي تملقت ثورة يناير هي ذاتها التي تنشب مخالبها وأنيابها فيها الآن، خوفاً من الطاغية، أو طمعا في عطاياه، من دون أن يستشعر أحدهم عاراً، وهو ينقض على كل ما بشر به وزعم النضال من أجله.
وإذا كان "مونتسكيو" فيسلوف الثورة الفرنسية يعرف الطاغية بأنه "ذلك الذي يقطع الشجرة لكي يقطف ثمرة"، فإن ما يجري، الآن، ليس قطعاً للأشجار طلباً للثمار، بل طلبا للدمار والإبادة والحصول على أخشاب لإبقاء المحرقة مستعرة، تنتظر المعارضين والمعترضين.
وفي الحياة العامة، تتحول مصر إلى "قشلاق"، أو معسكر اعتقال ممتد بطولها وعرضها، ومن لا يرضى بالمعتقل، عليه أن يختار مكانه في المقابر الجماعية لنظام الإبادة الجماعية.
وبموجب فرمان الحاكم بأمر الخوف والجهل و"السادومازوخية" الخاص باعتبار مصر كلها منشأة عسكرية وليست دولة.
وبالتالي، يصبح الطريق إلى السجن عبر الجامعة والجامع ووسائل المواصلات وحوائط البنايات والشوارع أقرب كثيراً، وأسرع من الذهاب إليه بجريمة قتل أو سرقة واغتصاب.
وبمقتضى القانون الجديد، تصبح جامعة القاهرة مثلا منشأة عسكرية ورئيسها قائداً عسكرياً، التظاهر داخل الجامعة أو الهتاف ضد استبداد رئيسها يدخل في نطاق ارتكاب الجرائم العظمى، والمثول أمام القضاء العسكري.
ومن عجب أن العالم الذي يدّعي التحضر، ويحتفل بديمقراطية تونس، هو ذاته العالم الذي يصمت في تواطؤ على تلك المحرقة الدائرة في مصر، ملتهمة كل القيم التي بشروا بها.
إننا بصدد نظام تفوق على كل قصص الطغاة التي أوردها المفكر المصري، إمام عبد الفتاح إمام، في كتابه "الطاغية"، والذي يتحدث فيه عن النظام السياسي السيئ "يعمل على تدمير الإنسان، وتحطيم قيمه وكرامته، ليتم تحويل الشعب إلى جماجم وهياكل عظمية، تسير في الشارع منزوعة النخاع، شخصيات تافهة تطحنها مشاعر العجز والدونية واللاجدوى".
وأزعم أن على الذين وصفوا أنصار الرئيس المنتخب، محمد مرسي، بأنهم "خرفان" أن يتحسسوا فروتهم الآن.
لكن، هل حقاً لا جدوى؟
بكل تأكيد لا، وليس يناير ببعيد!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق