أردوغان يتساءل: هل أوباما حليف يمكن الوثوق به؟!
بقلم: بيريفان أوركوجلو
إعداد مجلة البيان
لقد أثر الصراع الدائر في سوريا بشكل كبير على الحياة في تركيا وجعلها صعبة جداً، بالإضافة إلى تأثيره على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. إن القرار الأخير الذي اتخذته الإدارة الأمريكية والذي يقضي بقيادة تحالف يهدف إلى خوض معركة ضد الدولة الاسلامية والتي جعلت تركيا في وضعٍ غير مستقر بسبب عدم استعدادها لهذا الوضع الجديد. إن عدم رغبة أنقره بالوقوف الى جانب المجتمع الدولي قد جعل حلفائها يتساءلون عن مدى ولاء الدولة التركية, فالبعض يظن أن تركيا لم تعد شريكاً يمكن الوثوق به, ويقدمون حجة تقول بأن تركيا تطعن حلفائها في حلف الناتو في الظهر وأن على واشنطن أن ترسل رسالة شديدة اللهجة للأتراك وذلك بطردها خارج حلف الناتو (أصبحت تركيا عضو في حلف الناتو منذ 1952 ولديها ثاني أكبر جيش في الحلف).
إن الذي لا يدركه الغربيون هو أن تركيا لديها شكوك متزايدة حول الولايات المتحدة, وبالنسبة للأتراك العاديين فإن الولايات المتحدة قد خسرت مصداقيتها لديهم منذ مدة طويلة وقبل اندلاع الأزمة في سوريا, والسبب يكمن في كون الولايات المتحدة أصبحت واضحة أكثر فيما يتعلق بسياستها في الشرق الأوسط وفيما يتعلق بالكيان الصهيوني والعراق على وجه التحديد. وبالرجوع إلى احدى الدراسات في عام 2003 وفي وقت قريب من الغزو الأمريكي للعراق آنذاك, فقد أشارت الدراسة الى أن 71% من الأتراك يعتقدون بأن الولايات المتحدة ربما ستهدد بلادهم يوما ما.
ومع ذلك و بالنسبة للحكومة التركية فإن نقطة التحول حدثت في شهر أغسطس من عام 2013 وذلك بعد أن قامت الحكومة السورية بالهجوم على حي الغوطة بدمشق مستخدمةً غاز الأعصاب حيث توقع المسئولون الأتراك أن تقوم إدارة أوباما بحملةٍ عسكريةٍ جويةٍ لمعاقبة الحكومة السورية لأنها تجاوزت الخطوط الحمراء التي رسمها الرئيس أوباما بنفسه في عام 2012م والمتعلقة باستخدام الأسلحة الكيميائية.
وكما قال وزير الدفاع الأمريكي السابق "ليون بانيتا" بأن الرئيس الأمريكي قد "تراجع وهذا يرسل رسالة مشوهة ليس فقط للأسد وللشعب السوري بل أيضا للعالم أجمع". إن أردوغان والذي كان يعتبر أسرة الأسد عائلةً صديقةً وكان يمضي معها فترات العطلة قبل الحرب الحالية, قد تغير الآن ووقف مع الغرب منذ أن بدأت الاضطرابات في سوريا. ربما فقد أردوغان صديقاً ولكنه لفترة من الزمن كان قادراً على التعويض بأن ينعم باهتمام صديق مفضل آخر يدعى باراك أوباما.
لم يمض على نظرة الرئيس الأمريكي باراك أوباما لأردوغان على أنه من بين القادة الخمسة الدوليين الذين يعتبرهم من أفضل أصدقائه فترة طويلة. لكن شهر العسل لم يستمر طويلاً, فنزعات أردوغان المتنامية قد دفعت الرئيس أوباما لينأى بنفسه عن رئيس الوزراء آنذاك والذي ضعف حديثه معه تدريجياً لأكثر من سنة, وبدلاً من ذلك فقد قام بإرسال نائبه جو بيدن كممثل له لكي يقوم بالتواصل مع القادة الأتراك وهي العلاقة التي قد فسدت بينهما أيضا.
لقد كان على بايدن أن يعتذر وبشكلٍ علنيٍ للأتراك، وذلك بعد تصريحاته الحمقاء بأن أردوغان قد اعترف بأن الدولة التركية قد سمحت لمقاتلي الدولة الاسلامية للمرور بحرية عبر حدودها. وبحسب ما أشار إليه جوبال راتمان وجون هادسون وبشكلٍ عادلٍ، فإن إدارة أوباما قامت مؤخراً بالكشف عن هدفها بأن تأخذ برأي العامة فيما يتعلق بتعاملها مع شركائها, وهذا الهدف قطعاً سيؤدي إلى تعقيد الأمور مع الدولة التركية.
لقد قام موقع زايتونج التركي الساخر مؤخراً بنشر محاكاة ساخرة قوية ومعبرة عن مشكلة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع إدارة أوباما. إن هذه المقالة الزائفة والكاذبة تصور شخصية خيالية لأردوغان وهو يشتكي من أن الأمريكان يأخذون فقط ولا يقدمون شيئا في المقابل: "لقد قلنا أن هناك من يعتبرنا حلفاء لأكثر من عقد من الزمان. عندما يطلب أوباما منَّا شيئا ما فإننا نسارع في تلبية طلبه ولكنه في الواقع لا يقدم لنا مساعدة على الإطلاق... إن أي رجل يعمل في مكتب محافظ واشنطن يعتبر مفيد لنا أكثر من أوباما في البيت الأبيض".
وبحسب ما يعتقده بعض النقاد فإن أنقره تؤمن بأن على الولايات المتحدة أن تعترف بالمأزق الذي ساعدت في خلقه في كل من سوريا والعراق. إن توجه أوباما بالبقاء خارج حلبة الصراع في سوريا والانسحاب الأمريكي الغير مقدر بشكلٍ صحيحٍ من العراق أدى إلى تفاقم المشاكل. ليس الأتراك وحدهم من ينتقدون السياسة السورية في إدارة الدولة فهناك أيضاً العديد من الأمريكان ممن يعتقدون بأن سياسات واشنطن الحذرة تؤدي إلى تدهور الأوضاع على الأرض الى الأسوأ.
يجد الرئيس أردوغان طرقاً جديدة وخلاقة لكي يستخدمها في انتقاد الغرب كل أسبوع. فقد قام بعمل عناوين رئيسيةٍ في الأيام القليلة الماضية حذر فيها الجمهور التركي من "لورنس عرب جديد" يعمل حالياً من أجل هدم وتخريب الشرق الأوسط. إن لورنس القديم الذي ساعد وبشكل معروف للجميع على إثارة القبائل العربية ضد الحكم العثماني خلال الحرب العالمية الأولى "كان بريطانياً يعمل جاسوساً خفية وكأنه عربي". وعلى العكس فإن أولئك الورس المتطوعين الجدد يعملون جواسيس متنكرين بمهن وأعمال كأن يكونوا صحفيين ورجال دين وكتاب وإرهابيين".
ولكن ربما يجعله أمراً يسيراً إلى حدٍ ما على نفسه فعندما تكون الأمور جيدة يكون من السهل أن تكون شريكاً موثوقاً فيه ولكن القيادة الحقيقية تعني أن تأخذ على عاتقك المسؤولية. وفي وسط هذه الفوضى الدائرة في سوريا والعراق فإنه من السهل أن تجد كبش فداءٍ وأن إدارة أوباما والحكومة التركية مازالتا تواصلان توجيه التهم واللوم إلى بعضهما البعض وهكذا.
إن النقاد في كلا الطرفين يطالبون بمعاقبة "حلفائهم الغير موثوق بهم".
وحتى الآن وبالرغم من أنه بات من الواضح أن مشاعر العطف والحب قد ظلَّت فترة طويلة حتى وصلت إلى الدرجة التي اختفت فيها من العلاقة بين الطرفين, فالزوجين تركيا وأمريكا لا يشعران بأنهما جاهزان بأن ينفصلان عن بعضهما البعض وبسرعة.
ربما آن الآوان لكي تقوم كلا الحكومتين بهجر لعبة اللوم والتوبيخ والإقلاع عنها والبدء بالعمل على إيجاد حلول بناءة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق