شهادات استثمار قناة السويس .. رؤية شرعية
د. أشرف محمد دوابه
مستشار وخبير دولي في التمويل والاقتصاد الإسلامي
طرحت حكومة الإنقلاب في مصر شهادات استثمار قناة السويس من خلال أربعة بنوك ممثلة في بنوك الأهلى ومصر والقاهرة إلى جانب بنك قناة السويس، مع إسهام باقى البنوك فى عملية بيع الشهادات لصالح عملائها من خلال كتابة بياناتهم وإرسالها إلى أحد البنوك التى تطرح الشهادات وتحويل المبلغ. وقد تم طبع 6 ملايين شهادة استثمار بغرض جمع 60 مليار جنيه وهو المبلغ المطلوب لتمويل مشروع قناة السويس الجديدة.
وتم طرح تلك الشهادات – وفقا لتصريحات محافظ البنك المركزي هشام رامز- للاكتتاب للأفراد الطبيعيين والاعتباريين من الشركات بدون حد أقصى، دون مزاحمة من البنوك –كما قال- ولن يتم استرداد قيمة الشهادات بفئات 10 و100 جنيه إلا آخر المدة (بعد خمس سنوات) وسيتم صرف عائدها المحدد بنسبة 12 في المائة سنويا بشكل تراكمى أيضا فى نهاية مدة الشهادة، ويتم احتساب العائد السنوي اعتبارا من اليوم الثاني من شراء الشهادة.
مع السماح للقصر الشراء لنفسه حتى مبلغ 99 جنيهًا ، وسوف يسمح باسترداد قيمة الشهادات فئة الألف جنيه ومضاعفاتها بعد سنة من الشراء ويصرف عائدها كل 3 أشهر.
كما تتيح تلك الشهادات الاقتراض بضمانها بنسبة 90% من قيمتها.
وبالنسبة لشهادات الاستثمار بالدولار ، فقد تم إرجاء طرحها.
وقد تباري فقهاء السلطة وعملاء الشرطة في تزيين تلك الشهادات فقرر مجلس إدارة صندوق التكافل العاملين بالأزهر استثمار ربع مليار جنيه من رأس مال الصندوق في تلك الشهادات بناء علي طلب شيخ الأزهر، كما قرر مجلس إدارة صندوق التكافل الاجتماعي للعاملين بوزارة الأوقاف استثمار 400 مليون جنيه من رأس مال الصندوق في شراء تلك الشهادات، ووصفها مفتي العسكر علي جمعة بأنها صدقة جارية، كما وصفها (بالحلال) نصر فريد واصل وأحمد عمر هاشم وهم من أشهر من أباحوا الربا مع شيخ الأزهر السابق والحالي في فتوي سياسية مفضوحة فندتها في كتابي فوائد البنوك مبررات وتساؤلات في العام 2008.
وهكذا من وجب عليهم حراسة الشريعة طمس الله علي قلوبهم وعقولهم فلا يرون سوي الوقوع في الحرام بل وكبيرة من الكبائر لعن الله آكلها ومؤكلها وكاتبها وشاهديها وأعلن الحرب على آكليها وهي الربا الذي علي أساسه قامت تلك الشهادات إصدارا وتوزيعا لفائدة ثابتة ليس لها أدني صلة بنتيجة المشروع من ربح او خسارة، وقوام الاستثمار في الإسلام المشاركة في الغنم والغرم، الربح والخسارة.
لقد عرف العرب في الجاهلية الربا كما هو عليه عائد تلك الشهادات اليوم وهو الزيادة المستحقة للدائن على القرض أو الدين مقابل السماح للمدين بتأخير السداد وهو ربا النسيئة وهو نفسه ربا العباس بن عبد المطلب الذي ذكره النبي – صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع بقوله صلى الله عليه وسلم : «ألا وإن كل ربا في الجاهلية موضوع عنكم كله لكم رءوس أموالكم لاتظلمون ولاتظلمون، وأول ربا موضوع ربا العباس بن عبد المطلب كله"، وقد لخص ذلك الرازي في تفسيره: بقوله : «أما ربا النسيئة فهو الأمر الذي كان مشهورا متعارفا في الجاهلية، وذلك أنهم كانوا يدفعون المال على أن يأخذوا كل شهر قدرا معينا ويكون رأس المال باقيا ثم إذا حل الدين طالبوا المديون برأس المال، فإذا تعذر عليه الأداء زادوا في الحق والأجل، فهذا هو الربا الذي كانوا يتعاملون به في الجاهلية".
وقد أجمع علماء المسلمين المعاصرين على حرمة الفوائد المحددة سلفا ومنها فوائد شهادات الاستثمار ووصفوها بأنها ربا محرم، وهذا ما استقر عليه رأي مجمع البحوث الإسلامية في عام 1965م بإجماع علماء من 35 دولة إسلامية ، ورأي المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، ومجمع الفقه الإسلامي لمنظمة التعاون الإسلامي وتعاقدت المؤتمرات الفقهية بعد ذلك منها مؤتمرات عقدت بالرياض ومكة المكرمة والكويت والقاهرة واسطنبول والدوحة لتؤكد بالإجماع حرمة تلك الفوائد.
إن ما ردده علماء السلطة عن تلك الشهادات فهو نفس المنهج الذي سار عليه المفتي وشيخ الأزهر السابق الدكتور محمد سيد طنطاوي الذي حرم شهادات الاستثمار في ثلاث فتاوي بقوله : "شهادات الاستثمار ذات الفوائد المحددة زمنا ومقدارا داخلة في ربا الزيادة المحرم"، ثم طلق تلك الفتاوي بالثلاثة وتراجع عن فتاويه ليخرج بفتوى سياسية ذاكرا فيها أن : شهادات الاستثمار من الخير بنية المساعدة للدولة في تنمية مشروعاتها النافعة وهو معروف والدولة مطلوب منها أن تكافئ أبناءها العقلاء الأخيار على هذا المعروف.
وهو رأي يلفظه المنطق ويرفضه الشرع، فكيف يكون الحرام وهو الربا مكافأة بدلا من حث الدولة على التعامل بأساليب التمويل الإسلامية ومنها الصكوك الإسلامية التي باتت تتسم بالعالمية؟!.
كما أن قولهم لتبرير تلك الشهادات بأنه لا ربا بين الدولة ورعاياها قياسا على حالة العبد مع سيده، والولد مع والده، فإن هذا إدعاء لم يدل عليه دليل شرعي من كتاب أو سنة أو إجماع ، كما أن هذا القياس باطل فهو قياس مع الفارق، فليست الرعية بمنزلة العبد وليس حق الدولة في مال رعاياها كحق الوالد في مال ولده، كما أن الدولة التي يعهد إليها بتطبيق حكم الله وحراسة الشريعة وتمثل القدوة لرعاياها، كيف يباح لها الخروج على الشريعة، ومخالفة أحكام الله بأكل الربا ؟!
فهذا المنطق لا يقره عقل ولا شرع؛ لأن من أولى واجبات الدولة أن تمنع الربا لا أن تأكله كما قال ابن عباس - رضى الله عنهما -: «من كان مقيما على الربا لا ينـزع عنه فحق على إمام المسلمين أن يستتيبه فإن لم ينـزع وإلا ضرب عنقه" .
ولعل رأي شيخ الأزهر الأسبق الشيخ جاد الحق على جاد الحق بالنسبة لشهادات الاستثمار يكون نبراسا لمن يريد أن يعرف الحق ويلزمه حيث قال – رحمه الله- : "لما كان الوصف القانوني الصحيح لشهادات الاستثمار أنها قرض بفائدة، وكانت النصوص الشرعية في القرآن والسنة تقضى بأن الفائدة المحددة مقدما من باب ربا الزيادة المحرم، فإن فوائد تلك الشهادات وكذلك فوائد التوفير أو الإيداع بفائدة تدخل في نطاق ربا الزيادة لا يحل للمسلم الانتفاع به، أما القول بأن هذه الفائدة تعتبر مكافأة من ولى الأمر فإن هذا النظر غير وارد بالنسبة للشهادات ذات العائد المحدد مقدما لاسيما وقد وصف بأنه فائدة بواقع كذا في المائة".
كما كان رده -رحمه الله- قويا حينما وجه حديثه للذين يثيرون موضوعات قد حسمت واستبان فيها الحكم الشرعي في قضية الربا أن يكتبوا ويتداولوا في أمور لم تحسم بعد مذكرهم بقول الله تعالى : "فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم"النور/63، كما صدق فضيلة شيخ الأزهر الأسبق الشيخ محمود شلتوت حينما قال : "إن كل محاولة يراد بها إباحة ما حرم الله، أو تبرير ارتكابه بأي نوع من أنواع التبرير، بدافع المجاراة للأوضاع الحديثة أو الغربية، والانخلاع عن الشخصية الإسلامية، إنما هي جرأة على الله، وقول عليه بغير علم، وضعف في الدين، وتزلزل في اليقين ... وبمثل هذا يتحلل المسلمون من أحكام دينهم حكما بعد حكم، حتى لا يبقي لديهم ما يحفظ شخصيتهم الإسلامية، نعوذ بالله من الخذلان، ونسأله العصمة من الفتن".
فليفر كل مسلم من توريط نفسه في الوقوع في وحل الربا الذي لا ينتهي بخير، ويجعل من الإنسان حبيس الشيطان الذي يتخبطه حتى يهوي به في قاع جهنم ووقتها لن ينفعه فتوي عالم سلطة أو عميل شرطة.
مستشار وخبير دولي في التمويل والاقتصاد الإسلامي
المصدر: الجزيرة مباشر مصر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق