السيسي يبحث عن "حفتر" للثورة السورية
وائل قنديل
الوقائع تقول، بصوت مسموع، إن الطريق لإفساد الثورات العربية يبدأ من المعسكر الأميركي الصهيوني، ويمر بجامعة الدول العربية، ولا ينتهي عند جنرالات الانقلابات العسكرية.
عد بالذاكرة إلى الوراء، ستكتشف أن أول مسمار دق في نعش الثورة السورية -التي لا تزال تقاوم- جاء من ذلك المبنى الكئيب في ميدان التحرير بالقاهرة، مقر الجامعة، التي أخذت على عاتقها، منذ البداية، مهمة تحويل الثورة الشعبية إلى عملية إصلاحية، ومحاولة إذابة المد الثوري الهادر في حمض كبريتيك المفاوضات .
والحاصل أننا بصدد حقيقة ملموسة تقول إن الأمين العام للجامعة العربية، نبيل العربي، ظهر منحازاً لانقلاب السيسي، المحمول فوق ظهر ثورة مضادة في مصر، للإجهاز على ربيع يناير، ومن ثم من السذاجة توقع مسار مغاير حال دخول الجامعة على خط الثورة السورية هذه الأيام. والمدقق في الخبر الذي نشره موقعنا، أمس، عن منع السلطات المصرية دخول الأمين العام لائتلاف الثورة السورية، نصر الحريري، وعضو هيئته السياسية، خالد الناصر، وإعادتهما على الطائرة ذاتها التي حملتهما إلى مطار القاهرة، مع السماح لرئيس الائتلاف، السيد هادي البحرة، بالمرور، بناء على دعوة من الجامعة العربية، سيكون أمام احتمالين لا ثالث لهما:
الأول إن القاهرة ليست مجرد دولة مقر للجامعة، بل صاحبة ولاية ووصاية عليها، تفرض عليها أن تستقبل هذا وتمنع ذاك.
والاحتمال الثاني أن يكون المنع تم بناء على رغبة الجامعة العربية، وأنها طلبت من السلطات المصرية إغلاق الباب في وجه الضيفين وإعادتهما إلى حيث أتيا.
إن الخلط بين الجامعة العربية والحكومة المصرية بلغ حداً جعل الناس في التباس شديد، بشأن ذهاب وفد الائتلاف السوري للقاهرة، فمن ناحية، تروج وسائل إعلام تابعة لانقلاب السيسي أن مبادرة مصرية مطروحة للحل في سورية، ومن ناحية أخرى، تؤكد مصادر الائتلاف، مثل الدكتور أحمد طعمة، رئيس الحكومة المؤقتة، إن الزيارة كانت بدعوة من الجامعة العربية.
ومن المهم، هنا، التذكير بتصريحات نقلتها وكالة أنباء الأناضول، منذ فترة، عن السيد هيثم المالح، رئيس اللجنة القانونية في الائتلاف السوري، والتي قال فيها إن الائتلاف "لديه معلومات حول قيام القيادة المصرية بالتحري عن بعض الشخصيات المعارضة" السورية من أجل "إعداد مبادرة" لحل الأزمة"
وتقول لنا التجربة العملية إن السلطة المصرية تضطلع بدور الوكيل الحصري لإجهاض الربيع العربي ودفنه، كما فعلت في القاهرة، وتحاول أن تفعل الآن في ليبيا، وتشارك بالصمت على الانقلاب الطائفي في اليمن، وكل ذلك بتنسيق وتعاون مع الجامعة العربية التي تخلى أمينها العام، في لحظةٍ، عن دوره كلاعب إقليمي، إلى لاعب محلي في فريق السيسي.
في التجربة الليبية، لم يقف دور مصر الانقلابية بالتعاون مع الجامعة عند حدود الرعاية عن بعد، بل صار معلوماً من الاستراتيجية بالضرورة أن التدخل المصري في الحرب ضد الثورة الليبية تجاوز الإمداد بالمعدات والذخائر لجحافل الثورة المضادة، وقطع شوطاً أبعد من توجيه ضربات جوية مكثفة، إلى الانخراط في القتال على الأرض، من خلال إرسال قوات بشرية، تحارب في صفوف الثورة المضادة.
وبناء على ما سبق، لا بد أن يعي الأشقاء في الثورة السورية خطورة الاستجابة لمبادرات ملغومة من السلطة في مصر، تهدف إلى صناعة مشهد مماثل لما يدور على الأرض في ليبيا، وتبحث عن "حفاترة"، للقيام بمهمة قتل ثورةٍ قدمت أكثر من مائة وعشرين ألفا من الشهداء حتى الآن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق