"جالديران" جديدة في الأفق بين تركيا وإيران بعد 5 قرون من السلام
صلاح حسنين
يبدو أن التاريخ يعيد نفسه مرة ثانية ليضع تركيا - العثمانية الجديدة - في مواجهة إيران - الصفوية - وبعد مرور خمسة قرون علي آخر معركة مباشرة بين الدولتين علي أراضيهما يبدو أن طهران تسعي للثأر لنفسها من العثمانيين الذين ألحقوا بها هزيمة مذلة في عام 1514 عبر الأكراد.
ولئن كانت القضية الكردية هي جزء من الصراع العثماني الصفوي قبل خمسمائة عام فإنها قد تكون الشرارة التي تشعل جالديران جديدة بجانب قضايا أخري يبدو أن في صلبها السعي الإيراني للاستغلال الشيعة في كل مكان لإشعال الفتن في الإقليم.
معركة جالديران:
في عام 1514 وقعت أخر حرب مباشرة بين العثمانيين والصفويين انتهت بفوز الأتراك وهزيمة مذلة لإيران الأمر الذي أدي إلي توقيع معاهدة زهاب 1639 التي بمقتضاها تم الاعتراف بالحدود بين البلدين.
وكانت بداية الصراع بين الأتراك والصفوييين ترجع لقيام السلطان إسماعيل الصفوى إلى إعلان تشيع إيران في بدايات القرن السادس عشر وهى السنية في أغلبها وقتذاك، وذلك لتدعيم قدراتها الصراعية مع تركيا بالروافد المذهبية ولم يكتف الصفويون بتغيير المذهب فقط، بل ذهب خيالهم إلى أبعد من ذلك بكثير حتى وصل إلى رمزية العلم الإيراني وتصميمه عبر تبني "الشمس" و"الأسد" رمزاً لإيران وعلمها.
وكان اختيار الشاه الصفوى للشمس يرجع إلى هدف سياسي عميق، مفاده تطعيم التصادم الإقليمي والمذهبي بالبعد الرمزي أيضاً، فالشمس الفارسية كانت نقيضاً رمزياً وبصرياً للقمر الذي زين علم السلطنة العثمانية، ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم أصبح هناك بعد عقائدي للصراع على النفوذ في المنطقة بين الدولة الإيرانية الشيعية والدولة التركية السنية.
وبالتركيز علي القضية الكردية التي تهمنا في هذا المقال فإن نجد للمصادفة التاريخية أن معركة جالديران وقعت في منطقة تابعة لولاية وان شمالي كوردستان على الحدود مع شرقي كوردستان حيث كانت القضية الكردية في صلب الصراع
فبدخول الجيش العثماني مدينة تبريز ( شرق بحيرة أورمية ) عاصمة الدولة الصفوية آنذاك, حيث كان للمقاتلين الكورد السنّة ضمن الجيش الصفوي دوراً حاسماً في انتصار العثمانيين , حيث ساندوا العثمانيين السنّة ضد الصفويين الشيعة الذين كانوا يعاملونهم معاملة قاسية و يقتلون الشيوخ و الأئمة الكورد السنّة و ينشرون المذهب الشيعي ضمن الحاضنة الكوردية السنّية لديهم , إذ كان للكورد تجارب مؤلمة و قاسية من التعامل الصفوي المشبع بالقوة و البطش و الغدر معهم.
و كان آخرها قبل معركة جالديران , حيث أنّ أحد عشر أميراً من أمراء الكورد من بينهم الملك خليل (حاكم حصن كيف) وزوج أخت الشاه إسماعيل نفسه قد ذهبوا لبلدة خوي ( في شرقي كوردستان ) لتقديم الطاعة والخضوع للشاه إسماعيل الصفوي حين استلامه الحكم , فما كان منه إلا أن سجنهم جميعاً و عيّن حكاماً آخرين من حلفائه القزلباش مكانهم؟ وظلوا في السجن إلى أن جاءت الحملة العثمانية على الدولة الصفوية في معركة جالديران و دخولهم تبريز العاصمة و تحريرهم للسجناء بما فيهم أولئك الأمراء الكورد.
احتلال العراق وانتقال الصراع للحدود:
مثل احتلال العراق والسيطرة الإيرانية علي البلد العربي إلي امتداد الحدود الإيرانية مع أنقرة بصورة أكبر من السابق فقد كانت طهران تشترك مع تركيا في حدود تبلغ 499 كيلومتر ولكن اليوم ومع امتداد النفوذ الإيراني لبلدين كبيرين هما العراق وسوريا يبدو خطرا محدقا يهدد تركيا فالبلدين تشتركان مع تركيا بحدود تبلغ 331 كلم و822 كيلومتر علي الترتيب.
ولكن الخطر الإيراني الذي يهدد تركيا لم يقتصر علي ذلك بل امتد لدعم إيراني مباشر للمسلحين الأكراد الذين يهددون الداخل التركي ويقومون بعمليات إرهابية ضد الحكومة التركية في الداخل ويسعون بمساعدة أكراد سوريا إلي إقامة دولة لهم الأمر الذي يعتبره الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خطا أحمر.
أسس العلاقات التركية الإيرانية علي مدي 5 قرون:
يري المحلل السياسي التركي محمد زاهد جول أن هناك أسس للعلاقات التركية الإيرانية علي مدي سنوات طويلة ومن أهم هذه الأسس هي ألا تشكل أي دولة تهديداً سياسياً أو أمنياً للدولة الأخرى وكانت طهران دوما ساعية إلي عدم الصدام مع تركيا وكان الموقف من القضية السورية ووقوف كل واحدة منهما على طرف نقيض من الموقف الآخر يعتبر دليلاً مُهمّاً على أن المصالح التي تربط إيران بتركيا أكبر من أن تهزها المشاكل البينية مهما كانت، ولكن بشرط أن تكون خارج حدود كلتا الدولتين، ولا تؤثر على الأمن القومي لكلتا الدولتين؛ إيران وتركيا.
الانقلاب علي أسس العلاقات بدعم الأكراد:
علي مدي سنوات كانت أنقرة وطهران تدركان أن إقامة دولة كردية مستقلة في أي جزء من الأجزاء التي يقيم الأكراد فيها (العراق-إيران-تركيا-سوريا) ستنعكس لاحقا على بقية الدول وحدودها التي رسمتها الاتفاقيات الدولية فضلا عن بناها الاجتماعية والقومية، وعليه فإن التنسيق التركي الإيراني بهذا الخصوص كانت له قيمة إستراتيجية مهما اشتعلت الخلافات بينهما.
ولكن الأمر اختلف بعد سنوات من اشتعال الثورة السورية, حيث ظهرت بوضوح مصالح إيرانية تتفق مع مشروع كيان كردي شمال سوريا وظهر هذا في أن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي على صلة وثيقة وتعاون كامل مع بشار الأسد، الذي لا يمكن أن يقدم على مثل هذا التعاون مع الأكراد دون موافقة من إيران، إن لم يكن رجال إيران في سوريا هم الذين يقومون بدعم هذا التوجه الكردي لإقامة هذا الكيان الكردي، فمصالح إيران ستكون مع إقامة كيان كردي في سوريا من الناحية السياسية
وجاءت هذه التحركات الكردية مع تسريبات نقلتها الصحف التركية عن الاستخبارات التركية تفيد بوجود دلائل علي دعم طهران للمسلحين الأكراد في جبال قنديل ومدهم بالسلاح وهو الأمر الذي لم يخفيه بعض مسؤولي إيران الذين زعموا أن هذا الدعم موجه لمقاومة تنظيم داعش.
ويؤكد جول أن إيران دعمت بالمال والسلاح الأحزاب الكردية, بل والرجال أيضاً، وكل ذلك بهدف أن تكسب إيران الأحزاب الكردية إلى جانبها، سواء على صعيد الصراع في سوريا أو في المنطقة، وقد وقع حزب العمال الكردستاني في أعمال إرهابية على مستوى تركيا، بتحريض وضغوط من الحرس الثوري الإيراني، بحكم وجود الحزب السابق في جبال قنديل وشمال العراق، حيث للحرس الثوري الإيراني سطوة وجولة هناك، وبهذه الضغوط تمكنت إيران من شراء عدد من الأحزاب الكردية في سوريا والعراق لتعمل لمصلحتها أو تحت أوامرها ونفوذها وحربها الطائفية، التي لا مصلحة للأكراد منها إلا الوعود الكاذبة.
الدعم التركي لعاصفة الحزم والموقف من الطائفية في العراق:
كان الموقف التركي الداعم لعاصفة الحزم في اليمن مؤشرا علي تصاعد الخلافات بين البلدين لمرحلة متقدمة ولم يكن من الممكن فصل هذا الدعم التركي للموقف العربي دون قراءة المشهد الإقليمي والدولي فالدولة التركية رأت في الحاضنة العربية مساندا أساسيا لها لمواجهة المطامع الإيرانية في الإقليم والنفوذ الذي ستحظي به بعد الاتفاق النووي مع الدول الغربية إذ رأت تركيا أن طهران التي صارت تحاصرها عبر الحدود وتشعل الحروب الطائفية في دول الجوار لن تتوقف وأنها عازمة علي مصادرة الإقليم وإركاعه لنفوذها.
وقد استبقت الحكومة التركية موقفها الداعم لعاصفة الحزم بموقف مناهض لسياسية الحكومة الإيرانية الداعمة لنظام الحكم في العراق وانتقد الرئيس التركي أردوغان المساعي الإيرانية إلى الهيمنة على المنطقة وأكد أن هذا الأمر لم يعد يحتمل ودعا طهران إلى سحب قواتها من اليمن وسوريا والعراق وطالبها بتغيير عقليتها.
هذا الموقف التركي أدي إلي اشتعال حرب تصريحات بين البلدين فطهران وجدت تركيا جديدة ساعية للصدام معها لوقف مساعيها لمصادرة الإقليم كما أن التضامن التركي مع الموقف العربي في اليمن واحتمالات التدخل العسكري التركي شكل مرحلة متقدمة من الصراع يمكن أن تؤدي إلي قتال مباشر بين البلدين علي أراضي العرب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق