الشريف علي بن الحسين… الملك-الوزير
عجائب وغرائب وتحولات السياسة العراقية في زمن التيه والفوضى الراهن والمستمر منذ عقود طويلة وتحديدا منذ مرحلة ما بعد الاحتلال الأميركي للعراق العام 2003، وما تبع ذلك من تطورات هي بمثابة تشوهات وندوب وحفر عميقة في الجسد العراقي، إنما هي تعبير عن حالة فظة من السوريالية الغرائبية، والتي تتحول أحيانا لملهاة في عمق المأساة!
وقد جاء اختيار حيدر العبادي لتشكيلته الحكومية الأخيرة التي أسماها حكومة التكنوقراط ليدعم هذا الواقع الميتافيزيقي، وسأركز على جانب معين من تلك التشكيلة وهو تسمية الراعي السابق لحركة الملكية الدستورية الشريف علي بن الحسين كوزير للخارجية بدلا من الكارثة إبراهيم الجعفري الذي شهدت الخارجية في عهده الطالح انهيارات مريعة بسبب تعصبه الطائفي وانحيازه الصريح لإيران وجماعتها، وبسبب مجموعة من العقد والأمراض النفسية الأخرى التي تميز سلوكه وأداءه العام!
قد يبدو من الوهلة الأولى أن اختيار العبادي للشريف علي بمثابة ضربة معلم! لكون شخصية الشريف الهادئة والمتوازنة تختلف اختلافا جذريا عن شخصية سلفه الجعفري السيكوباتية والمتأزمة والغارقة في بئر الطائفية الرثة! إضافة إلى المؤهلات الأكاديمية واللغوية والدبلوماسية الكارزمية، فالشريف علي رغم عدم امتلاكه لأي خبرة إدارية سوى عمله لفترة معينة كموظف في «بنك الكويت الوطني» فرع لندن، ولم يمارس أي منصب سابق في الدولة العراقية، ولا علاقة له بالعمل الدبلوماسي إلا أنه لا يختلف في القدرات والإمكانات عن سابقيه هوشيار زيباري أو إبراهيم الجعفري، سوى أنه على المستوى الشخصي والإنساني أفضل منهما بكثير.
ولكن على المستوى السياسي لا يمكن اعتبار الشريف علي من ضمن فئة وتصنيف التكنوقراط، بل النخب الاجتماعية فقط، فهو لا يمتلك من مواصفات التكنوقراط شيئا ولا إنجازات ميدانية له، بل أنه تخلى عن المطالبة بعرش العراق عبر إعادة الحكم الملكي الهاشمي الذي تم إسقاطه بوحشية دموية مروعة في 14 يوليو العام 1958 بعد أن سحلت جثة خاله المرحوم الشهيد عبد الاله بن علي الوصي السابق وعدد من جثث رجال الحكم الملكي في شوارع بغداد بطريقة همجية لا علاقة لها بدين ولا مذهب ولا أخلاق ولا إنسانية!
الشريف علي الذي غادر العراق وعمره عامان فقط لا غير، لا يتقن اللغة العربية بطريقة متقنة نظرا لنشأته الطويلة جدا في أوروبا وعدم اهتمامه بأمور السياسة وشجونها إلا بعد اختيار والده الراحل الشريف حسين له كمطالب بالعرش العام 1993 وتأسيس الحركة الملكية الدستورية التي لقيت استجابة شعبية في الخارج قبل أن تواجه بأن الواقع العراقي مختلف تماما عن عوالم الأحلام، ومن أن القوى الطائفية قد حفرت مواضعها بمساندة الغرب منذ زمن طويل، وإن حسابات الحقل العراقي لا تتطابق أبدا مع حسابات البيدر الغربي الإيراني.
الملكية الدستورية أضحت من الماضي وملفا مغلقا، وكما قال الراحل الملك فاروق الأول ملك مصر والسودان بأنه في نهاية المطاف لن يبقى سوى ملكة بريطانيا وملوك «الكوتشينه»!
في العراق المتعب لا مجال لأي ملكية سوى ملكية التخندق الطائفي ودستورية الاحتلال وأدواته، والشريف علي ارتضى أن يبيع الدعوة الملكية الدستورية بثمن بخس «ليتصاهر» مع أعتى الطائفيين وأشدهم عدوانية وخبثا وهو الفاشل نوري المالكي ويتحول للخدمة تحت إبطيه ضمن كتلة ما يسمى «دولة القانون» ليكون أحد مرشحيها في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، أي أن الملك الموعود تحول لتابع في مملكة الفساد الطائفي العراقية المنخورة حتى العظم، وتلاشت رياح وآمال وتصورات الدعوة الملكية الدستورية لمجرد أداة من أدوات الأحزاب الطائفية السقيمة المفلسة التي كانت تتعيش على أعطيات المخابرات السورية بعد أن نبذها الإيرانيون ذاتهم!
طبعا الخلطة العراقية عجيبة غريبة وهي لا تشابه أي خلطات سياسية أخرى، بقي أن نذكر أن الشريف علي بن الحسين مدين بحياته وحياة أسرته وأشقائه للمملكة العربية السعودية التي وفرت الحماية في سفارتها ببغداد أيام الملك الراحل سعود بن عبد العزيز لعائلة الشريف التي لجأت إليها مما منع أيدي الشارع العراقي الهائج وقتذاك من قتلهم وسحلهم وإبادتهم، وحيث بقت الأسرة المنكوبة في السفارة السعودية، حتى تم الاتفاق مع نظام عبد الكريم قاسم على ترحيلهم لمصر؛ لأن لهم أملاكا هناك، وأعتقد أن غاية العبادي من تعيين الشريف علي كوزير للخارجية هو رسالة صداقة لدول الخليج العربية ومحاولة لتحسين العلاقات؛ بسبب الطبيعة الشخصية والانتماء العائلي للشريف علي بن الحسين…
إنه الملك الذي رضي بالتحول لوزير…
فهل ينجح الشريف في إصلاح البيت الخارجي العراقي المتهدم؟
وهل ينجو من ضغوط الأحزاب الإيرانية؟
وهل يستطيع فعل شيء في عراق لا يمتلك من إرادته الوطنية الحرة شيئا؟
الجواب كارثي بكل تأكيد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق