الأحد، 2 فبراير 2014

الذين يقولون للناس "ثرواتكم .. حقوقكم" ليسوا "أعداء الوطن"


الذين يقولون للناس 
"ثرواتكم .. حقوقكم" ليسوا "أعداء الوطن"

سلطان الجميري
من هم أعداء الوطن في نظر عامة الناس؟ من يعيد صياغة وتشكيل الأعداء في ذهنية الإنسان البسيط! هل بالإمكان مقاومة صناع الصورة؟

قبل محاولة إجابة السؤال: هل نحن متورطون بصورة "أعداء" .. صاغها وأخرجها غيرنا! لم نكلف أنفسنا عناء التحقق من صدقها بعد!

تجربة الإنسان وإطلاعه بلاشك جزء من فهم واستيعاب هذه الصورة ! لكن ماذا عن الإنسان البسيط ....رهين الإعلام والتلفاز ..أو رهين الجهل!

قبل أكثر من ٢٥ سنة، عالجت السينما المصرية، هذه القضية في واحد من أروع الأفلام .. أدعو المصريين أن يشاهدوه مرة أخرى اليوم، بل وكل عربي.

أدعو كاتب الفلم نفسه أن يعيد مشاهدته ، إذ يبدو أن السنين الطويلة أنسته تلك الرسائل التي أيقظت المصريين في هذا الفلم لحقيقة "صورة الأعداء".

الفلم هو "البريء"، وهو يسلط الضوء على واحدة من أبرز الإجابات على سؤال: كيف للإنسان البسيط أن يتحول لآلة قمع في يد السلطة تحت ذريعة "عدو الوطن".

تدور أحداث الفلم حول قصة الشاب الريفي البسيط "أحمد سبع الليل"، الذي تم تجنيده وإرساله للحراسة في إحدى المعتقلات السياسية المعزولة في الصحراء.

أحمد سبع الليل، لا يقرأ ولا يكتب، يتم إقناعه وتدريبه بأن هؤلاء المعتقلين السياسيين هم "أعداء الوطن"، والواقع أنهم مجموعة من المثقفين والناشطين.

يرى أحمد بأم عينه المعاملة السيئة وطريقة الأكل وتعذيب السجناء .. لكن قلبه لا يرق لذلك المشهد، بل يقترح بسذاجة أن يتم قتل هؤلاء "الأعداء"!

حين حاول أحد السجناء الهرب، لحق به أحمد بكل إخلاص .. وخنقه إلى أن مات، وكان الهارب "كاتب وناشط" يحاول الفكاك، ويقول: "أنت مش فاهم حاجه".

"عدو الوطن" في ذهن أحمد سبع الليل، هو ذلك العدو الذي رسمته له السلطة .. هو لا يعرف الحقيقة ولم يكلف نفسه البحث عنها .. واكتفى بالإعلام..

أطلقت الكلاب على الطلاب داخل السيارة في فناء المعتقل، ونزلوا وتلقاهم الحراس بالضرب والعنف .. وتفاجأ أحمد سبع الليل بجاره "حسين وهدان"..

استمر أحمد في عمله، إلى أن جيء يوم بمجموعة من الطلاب الناشطين للمعتقل من أجل تعذيبهم..تم إخبار الحراس وتجهيزهم بالعصي لضرب "أعداء الوطن"!

"حسين وهدان" شاب متعلم ومثقف وصديق قديم لأحمد سبع الليل في نفس القرية، توقف أحمد عن الضرب وقال لزملائه: هذا أعرفه..دا مش عدو للوطن أبداً.

استيقظ قلب "أحمد سبع الليل" ورفض طاعة الأوامر..وأدخل السجن مع صاحبه ،،وهناك فهم الحكاية ..هؤلاء ليسوا أعداء للوطن ،، هؤلاء يريدون له الخلاص.

هذا الفلم اجتمع لأجله وزراء الداخلية والدفاع والثقافة في عام ١٩٨٦، ورفضوا بثه والسماح به دون تقطيعه وحذف العديد من المشاهد فيه..

لم يبث كاملا إلا بعد ١٩ سنة، ونهاية الفلم هي بحد ذاتها .. جبارة ومخيفة ،،، لأن أحمد سبع الليل قرر أن أعداء الوطن هم جنود الطاغوت وقتلهم!

لخص النقاد الفلم بقولهم "قمع الحرية بجهل الأبرياء"! كيف يمكن للسلطة أن تقمع الناس بجهل الأبرياء الطيبين؟ كيف تقنعهم بأن هؤلاء "أعداء الوطن".

ماذا لو غيرنا في السيناريو قليلا: ماذا لو لم ير أحمد سبع الليل جاره وصديقه "حسين وهدان"! هل كان سيصحو ضميره ليسأل نفسه: من أعداء الوطن؟

الذين ينقذون البلد من الغرق ليسو "أعداء" الذين يقولون للناس "ثرواتكم .. حقوقكم" ليسوا "أعداء".. الذين يناضلون لأجل "الحريات" ليسوا "أعداء".

إن مسؤولية الوطنيين الحقيقيين مقاومة ذلك الإعلام الذي يعبث بتشكيل صور "الأعداء".. مسؤوليتهم الاقتراب من الناس وكشف غطاء صاحب الكميرا ومنتج الصورة.

على الناس أن تداوم في طرح أسئلتها: هل سرق السجين؟ هل قتل المناضل؟ أم قال لنا: ثرواتكم تبعثر، وبلدكم ينهار، ويد القامع تفري في الأخيار.

يقول الكواكبي: "المستبد إنسان، والإنسان أكثر ما يألف الغنم والكلاب، فالمستبد يود أن تكون رعيته كالغنم ذلا وطاعة، وكالكلاب تذللا وتملقا".

من حيل المستبد أن يربط مصلحة "الإنسان البسيط" بصورة "الأعداء" الذي يصنعهم، لذلك يقال أحيانا بدلا من أعداء الوطن.. يريد تدمير مصالحكم.

حين يقال لك عن ابن وطنك "عدو" اسألهم: لماذا سجنتموه؟ واتبعها بسؤال: أين حقي؟ كررها عليهم: "أين حقي"، سيجعلون منك العدو٢، لتعرف أنهم يكذبون.

ومن حيل المستبد، تحويل مشكلاته بينه وبين الناس إلى بين الناس ببعضهم ..ويجد في "الطائفية" ملاذاً يخفف عليه، ضعوها جانبا واسألوه: أين حقي؟

ينقل الكاتب ممدوح عدوان مشهدا من أحد أفلام الكابوي..وذلك أثناء التحقيق مع إنسان ارتكب جريمة قتل،، فيسأله القاضي: لماذا أطلقت عليه النار؟

فيجيبه: لأنه شتم المسيح! فيقول القاضي: ولكنك لست متدينا بحيث تدافع عن المسيح، فيجيب: صحيح يا سيدي، ولكنه حين شتم المسيح كان يقصد أن يهينني!

كان "سيبون ويل" يعرف السلطة بقوله: "السلطة هي القدرة على تحويل الكائن الحي إلى جثمان، ومن ثم إلى لا شيء"، لكنه يبدو أنه تعريف قديم ،،

والآن السلطة تعني: القدرة على تحويل الأبرياء والطيبين إلى أدوات قمع لتشكيل مجتمع يقمع نفسه! والمطر هو الوطني الذي يغسلهم ويعيد لهم آدميتهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق