الأربعاء، 1 أكتوبر 2014

ليبرالي ونصف.. ضد الإخوان مرتين

ليبرالي ونصف.. ضد الإخوان مرتين

 وائل قنديل

كان يوم جمعة.. وحين جاء وقت الصلاة، سألت شاباً من المشاركين في ندوة عن مسجد قريب، اخترت هذا الشاب تحديداً كونه قادماً من حركات إسلامية، وانتمى في وقت ما لجماعة الإخوان المسلمين ثم تركها، وبالتالي، تصورت أنه الشخص الأنسب لسؤال من هذا القبيل.
غير أن الشاب باغتني برد استنكاري مصحوبا بنصف ضحكة ساخرة "واضح أن حضرتك أخدت عني فكرة غلط"، حتى شعرت أني جرحت إحساس الشاب، أو سألته عن شيء مخل بالآداب العامة.
لم أنتبه إلى أن صاحبنا الخارج حديثاً من جلده مهموم بأن ينفض عن نفسه غبار انتماء سابق لتيار الإسلام السياسي، بعد انقلاب 30 يونيو/حزيران - 3 يوليو/تموز في مصر مع الاحترام لأصحاب نظرية أن 30 يونيو شيء و3 يوليو شيء آخر مكمل.
وهذا الشاب عينة من كثيرين من المنتمين لتيار الإسلام السياسي، الذين قرروا التعايش مع الانقلاب، اتقاء لغضبه، أو طمعاً في مساحة صغيرة على خشبة مسرحه، ومن هنا، تأتي حالة الإمعان في نفي أية صلة بجماعة الإخوان المسلمين، أو أي حركات إسلامية أخرى لا تعترف بالانقلاب، وتتمسك بما تراه شرعية لنظام الرئيس محمد مرسي وحكومته ومجالسه النيابية.
إن أحدا لا يصادر حق أحد في الاختلاف قلبا وقالبا مع التيار المتمسك بـ"الشرعية" أو تحميل جماعة الإخوان المسؤولية عن كل الكوارث الطبيعية، وغير الطبيعية، التي حلت بمصر وبالكوكب كله، غير أن هذا لا يمنعك من أن ترصد هذا الانسلاخ التام من الذات، والاغتسال الكامل من التاريخ الشخصي، والإنكار الكلي للجذور من قبل مجموعات تجد في إهانة الضحية والتمثيل بجثة القتيل -المخطئ لن تختلف- حلاً عبقرياً ومهرباً مجانياً من التورط في أي موقف محترم ضد انقلاب، لم يكن على نظام سياسي فقط، بل كان، أيضاً، ضد كل القيم الأخلاقية والمجتمعية المحترمة.
سالت مئات الأمتار المكعبة من الحبر في هجاء جماعة الإخوان، وتحميلها المسؤولية عن كارثة الانقلاب، وعبئت مئات الأمتار المربعة من مساحات الصحف والفضاء الإلكتروني بمقالات ودراسات، تطالب الإسلام السياسي بمراجعات ضرورية وإلزامية.. حسناً، كل هذا مقبول. لكن، ماذا عن مراجعات الأطراف الأخرى ممن حملوا الانقلاب على ظهورهم، وأجلسوه فوق جثة الثورة المصرية، بعضهم عن سذاجة وتقدير خاطئ للموقف، وأكثرهم عن انتهازية وبرجماتية وروح انتقامية، صورت لهم أنه بالإمكان أن يجدوا لهم مكاناً تحت شمس السلطة الجديدة؟
لقد أخطأ الإخوان، ومن معهم من قوى تنتمي إلى الإسلام السياسي، في تجربتهم السياسية، وقد نالوا ما لم يتعرض له فصيل آخر من إجرام منهجي اتخذ أشكالاً من الإقصاء والتمييز العنصري والإبادة الجماعية والحرمان من المواطنة والمحاكمات العبثية خارج إطار الدستور والقانون، ونفوا وشردوا.. لكن، يبدو أن كل هذا لا يكفي من وجهة نظر السادة الإسلاميين السابقين ممن اختاروا العيش في كنف الانقلاب، وعلى فتاته، وعلى هامشه، فما فتئوا يواصلون رياضة جلد الضحية، إمعانا في إنكار أية صلة سابقة به، وإثباتاً للولاء للنظام الجديد الذي جاء فوق جثته.
لكن، يبقى الأكثر إثارة للدهشة والشفقة معاً، أولئك المصابون بما سمّاه صديق قديم "عقدة كوفي عنان"، أو عقدة "ونصف"، وهي العقدة التي هيمنت على أداء كوفي عنان إبان توليه منصب السكرتير العام للأمم المتحدة، إذ أراد أن يثبت لهم أنه ليس أبيض فقط، بل أبيض ونصف. 
بعضهم يدّعي أنه "ليبرالي ونصف".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق