عفوا أوباما ، فأرودجان ليس أنور باشا
شريف عبد العزيز
حلف دولي ، فاق عدد دوله المشاركة فيه أكثر من خمسين دولة ـ بزعم كيري ـ هدفه المعلن القضاء على تنظيم الدولة " داعش" ، أما أهدافه الحقيقية أبعد وأكبر من ذلك بكثير ، فكل يوم يرتفع سقف الأهداف ويطفو على السطح هدف جديد لهذه الحملة الصليبية الأمريكية الجديدة على العالم الإسلامي ، يكون بمثابة القطع التي تتجمع من أجل تشكيل الملامح الرئيسية للصورة ، وآخر الأهداف ظهورا على بورتريه الحلف الصليبي هو
" أردوجان ورفاقه " .
فجأة ودون تمهيد أو تحضير مسبق تدفقت قوات داعش العسكرية على مدينة عين العرب (كوباني باللغة الكردية) والتي تقع على بعد نحو 160 كيلومترا عن محافظة حلب شمال غرب سوريا على الحدود السورية التركية. لتحتل المدينة الحدودية الهامة موقع الصدارة في وكالات الأنباء وتحليل الصحف داخليا وخارجيا .
وعين العرب عبارة عن قريتين متجاورتين (كانية عربان وكانية مرشد)، وتحوّلت مع مرور الوقت إلى مركز تحوّل في ما بعد إلى مدينة ألحقت بها نحو 440 قرية صغيرة، ويقطنها أكثر من ثلاثمائة ألف نسمة أغلبيتهم من الأكراد السنة ، وينتمي عدد كبير من سكانها إلى حزب العمال الكردستاني الشيوعي المعروف بعدائه للعرب وأيضا للإسلام والساعي لإقامة وطن قومي للأكراد ، وشارك كثير من أبنائها في المعارك التي خاضها الحزب في تركيا.وفي يناير2014 أقام الأكراد نظام "إدارة ذاتية" للمنطقة .
ومع اندلاع الأحداث والمعارك المرعبة في عين العرب توجهت الأنظار إلى تركيا التي أصبحت قبلة الدبلوماسيين الأمريكان والأممين من أجل حث الحكومة التركية على المشاركة في الحلف الدولي ضد داعش ، والزج بجنودها في معارك برية بالأراضي السورية ، وهو ما قوبل بالرفض الشديد من الحكومة التركية التي تدرك حساسية الموقف وتداعياته الخطيرة على المنطقة بأسرها ، فلماذا يرفض الأتراك التورط في الحرب البرية والوقوع في فخ عين العرب بسوريا ؟
الإجابة على ذلك تكمن في مدى فهم القيادة التركية لمعنى " الأمن القومي " الذي بات مهددا بقوة بسبب الحلف الصليبي الذي دشنه الأمريكان على المنطقة ، ومن ثم فإن للأتراك حساباتهم الخاصة ودوافعهم المتعلقة بالحفاظ على الأمن القومي من الأخطار المتصاعدة بسرعة وقوة ، ومتعلقات الأمن القومي في القضية من عدة زاويا أهمها :
1 ـ القضية الكردية ، وهي لب الموضوع ، وأم الأزمات الداخلية للحكومات التركية على مر العصور ، فالأكراد في تركيا يشكلون أكثر من خمس السكان ، ويتركزون بكثافة سكانية كبيرة في الجنوب الشرقي والغربي ، ولهم طموحات تاريخية في إقامة وطن قومي لهم ، وقد تنامي الشعور بالانفصال عندهم بعد النجاحات الكبيرة التي حققها أكراد العراق بفضل الدعم الأمريكي والإيراني والصهيوني الكبير في ذلك ،ويشعر القادة الأتراك أيضا بقلق بالغ إزاء زيادة الدعم الغربي للأكراد السوريين المطالبين بالحكم الذاتي، الذين يحاربون حاليا داعش في سوريا.
ذلك أن حزبهم الاتحاد الديمقراطي (PYD)، وجناحه المسلح: وحدات حماية الشعب(YPG)، ينتمي إلى حزب العمال الكردستاني (PKK)، وهي منظمة إرهابية محظورة خاضت حربا متقطعة ضد الدولة التركية لأكثر من 30 عاما. ويعتقد البعض في تركيا أن الأكراد يقاتلون داعش بدعم ضمني من نظام دمشق، حيث يأملون في انتزاع تنازلات سياسية تخدم مسعاه في إقلمة حكم ذاتي مستقل. نقلا عن مصادر حكومية فإن الأتراك يرون أن أمريكا تضعهم تحت ضغط هائل للاختيار بين داعش أو حزب العمال الشيوعي ، وكلاهما من وجهة النظر التركية خطر داهم على الأمن القومي التركي .
والتدخل التركي وفق المنظور الاستراتيجي التركي ربما تكون اللحظة التي انتظرتها تركيا طويلا من أجل وضع قدمها في سوريا ، فالظرف الدولي والإقليمي يوفر غطاء يشرع لها التدخل ، لإقامة منطقة حدودية عازلة أكثر من أي وقت مضى.
إذا أقدمت تركيا بالفعل على تدخلها، فلن يكون لحماية كوباني الكردية بقدر ما هو لاضعاف حزب الـ pyd الكردي، وابعاد ميليشيات الأكراد عن حدودها، ولن يكون لمحاربة «داعش» بقدر ما هو لتوجيه صفعة لنظام الأسد ودعم فصائل المعارضة له، بتوفير ملاذ آمن لهم داخل الأراضي السورية وخرق سيادة نظام دمشق بمنطقة عازلة عن صواريخه وطائراته ، وما أشبه عين العرب اليوم بالدامور اللبنانية عام 1976، يومها تدخل الجيش السوري بحجة الدفاع عن الموارنة الذين لم يكونوا حلفاءه، فعاد واصطدم بهم واغتال قادتهم، وهكذا فإن التدخل التركي ـ إن حصل ـ لن يكون لعيون الأكراد في عين العرب كوباني ، وكما نفذت الميليشيات المسيحية مجزرة في الكرنتينا لترد عليها قوات الحركة الوطنية والفلسطينيين بمجزرة في الدامور، فإن هجمات الميليشيات الكردية على القرى العربية منذ عام (وآخرها مجزرة أوقعت عشرين مدنيا عربيا ومن ضمنهم أطفال) ارتدت اليوم على الاكراد بهجمات «داعش» الذي تتحالف معه مجموعات عربية عشائرية من القرى العربية قرب كوباني، التي ارتكبت هي الأخرى مجازر وتجاوزات، أما المستفيد من هذا الصراع فهم الأتراك الذين منحهم صراع تنظيم الدولة وميليشيات الأكراد فرصة لموطئ قدم في سوريا.
2 ـ الأتراك يريدون التخلص أولا من الأسد قبل التخلص من داعش ، حيث يرونه السبب الحقيقي وراء كل مظاهر الارهاب القائمة في المنطقة ، وكل الباحثين الأتراك المقربين من مراكز اتخاذ القرار في الحكومة التركية يؤكدون أن سياسة حكومتهم تنصب على «معالجة عميقة لموضوع الإرهاب» بالقضاء على أسباب ظهوره المتمثلة في النظام، وهو ما أعلنه اردوغان نفسه قبل أيام، فهو ينظر للصراع في سوريا بعين تركية تعادي النظام قبل «داعش»، لا بعين أمريكية تعادي «داعش» أكثر من النظام، وهي نظرة تروق لثوار سوريا الذين استفزهم التدخل الدولي لضرب «داعش» دون الأسد ، ويصر أردوغان وداود أوغلو على أن الأولوية القصوى للتحالف ينبغي أن تكون الإطاحة بالأسد قبل تدمير داعش، وأن تركيا لن تعزز مشاركتها، بما في ذلك نشر القوات، إلا إذا كانت هناك "إستراتيجية شاملة" لاحتضان هذا الهدف. وأما إذا بقي الأسد، كما يقولون، فإن مجموعات متطرفة أخرى سوف تملأ الفراغ، ببساطة، إذا ومتى انهزمت داعش !!
3 ـ الأتراك يريدون إنشاء منطقة عازلة على الحدود السورية التركية لاستيعاب قرابة المليوني لاجئ سوري بالأراضي التركية والذين أرهقوا بشدة الميزانية التركية وكذلك الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الداخلية ، وكهدف مرحلي فإن إقامة منطقة عازلة سيريح تركيا من إعباء اللاجئين السوريين ، كما إن هذه المنطقة العازلة ستتيح للأتراك إعادة ترتيب ودعم فصائل المعارضة المسلحة الإسلامية المناوئة لـ"داعش"، التي ترتبط معها بعلاقات وطيدة، كأحرار الشام والتوحيد وصقور الشام، وحتى الفصائل المنضوية في هيئة أركان الجيش الحر، كفصيل جمال معروف .وأمريكا ترفض بشدة إنشاء المنطقة العازلة حتى لا يتأثر وضع حليفهم الوثيق ـ الأكراد ـ ويتعطل المشروع الأمريكي للفوضى في المنطقة والذي يمثل الأكراد بمطالبهم الانفصالية عموده الفقري ، ولكن تغيير الأوضاع ميدانيا وقرب سقوط عين العرب ربما يعجل بتنفيذ هذه المنطقة ، وقد جاءت موافقة الرئيس الفرنسي على الفكرة لتعطي زخما قويا لها ، وفي حال تمكنت فعلا تركيا من تحقيق خطتها بإقامة منطقة عازلة ستكون بذلك أولا قد منحت ثوار سوريا أول بقعة أرض سورية محررة تحظى بحماية جوية وبرية
4 ـ القيادة التركية الحالية لا تثق في الغرب مطلقا وتعي طبيعة وحجم وخطورة التهديدات المحيطة بها داخليا وإقليميا ودوليا ، فأردوجان ورفاقه يعلمون جيدا أنهم لأسباب متداخلة، أصبحوا بلا حلفاء في محيطهم، فالصهاينة يناصبونهم العداء ، وإيران تعتبرهم العائق الرئيسي أمام توسعهم الإقليمي الخطير ، وأكثر الدول العربية السنية لا ترتاح لمواقف أردوجان ودعمه السياسي للحركات الإسلامية، التي تلاحقها وتعمل على تصفيتها جذرياً ، والمثلث السنّي الذي كان يخطط أردوجان لتشكيله مع مصر وقطر قد تم إجهاضه بالانقلاب العسكري في مصر ، والضغط الإقليمي والدولي الرهيب على قطر ، والنظام التركي أصبح النظام الوحيد في المنطقة الذي لا يتعاطى مع الأوامر الأمريكية ولا يتماهي مع السياسة ذاتها في المنطقة ، فتركيا تحت حكم أردوجان قد أصبحت قوة الممانعة الوحيدة للاستراتيجيات والمخططات الأمريكية ، ومن ثم فإن أردوجان يتعامل بحذر بالغ مع المطالب الأمريكية التي تعتبر بمثابة أفخاخ متتالية للنيل من هذا النظام الممانع الوحيد في المنطقة .
فهناك إذن بواعث منطقية للقلق التركي حيال ما يجري تحضيره لتلك الدولة التي باتت تمثل فزعاً لدى صناع السياسة الغربية والإيرانية والروسية على حد سواء؛ فلا أحد منهم يريد أن يرى "الرجل المريض" قد تعافى، وبدأ في استرداد أملاكه .
تركيا تتطلع إلى السنوات المقبلة والفوضى التي سيخلفها كل ذلك العدوان الأمريكي والدولي على المنطقة باسم محاربة داعش والتي سيكون النظام والداخل التركي هو أول وأكبر المتضررين منه ، هذا هو السبب الذي من أجله تضع تركيا شروطًا على مشاركتها في المعركة ضد "الدولة"، إنها تحاول إقناع الولايات المتحدة وشركائها في التحالف العربي السني أنها ستكون قادرة على إدارة المنطقة، وبالتالي، وفقًا لأنقرة، فإن على الجميع أن يتوافق مع أولوياتها، بدءًا من القضاء على الحكومة العلوية المدعومة من إيران في سوريا، بإدارة سُنية ستسترشد بخطى أنقرة.
المشكل أن أوباما وحلفاءه يظنون أن أردوجان المسكون بأحلام وطموحات السلطنة العثمانية مثله مثل أنور باشا وزير الدفاع للدولة العثمانية أبان الحرب العالمية الأولى والذي قبل بتوريط الدولة العثمانية في حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل في نظير حفنة ليرات ذهبية دفعها إمبراطور ألمانيا له ، فكانت النتيجة وبال وخراب شامل للدولة العلية !!
فجأة ودون تمهيد أو تحضير مسبق تدفقت قوات داعش العسكرية على مدينة عين العرب (كوباني باللغة الكردية) والتي تقع على بعد نحو 160 كيلومترا عن محافظة حلب شمال غرب سوريا على الحدود السورية التركية. لتحتل المدينة الحدودية الهامة موقع الصدارة في وكالات الأنباء وتحليل الصحف داخليا وخارجيا .
وعين العرب عبارة عن قريتين متجاورتين (كانية عربان وكانية مرشد)، وتحوّلت مع مرور الوقت إلى مركز تحوّل في ما بعد إلى مدينة ألحقت بها نحو 440 قرية صغيرة، ويقطنها أكثر من ثلاثمائة ألف نسمة أغلبيتهم من الأكراد السنة ، وينتمي عدد كبير من سكانها إلى حزب العمال الكردستاني الشيوعي المعروف بعدائه للعرب وأيضا للإسلام والساعي لإقامة وطن قومي للأكراد ، وشارك كثير من أبنائها في المعارك التي خاضها الحزب في تركيا.وفي يناير2014 أقام الأكراد نظام "إدارة ذاتية" للمنطقة .
ومع اندلاع الأحداث والمعارك المرعبة في عين العرب توجهت الأنظار إلى تركيا التي أصبحت قبلة الدبلوماسيين الأمريكان والأممين من أجل حث الحكومة التركية على المشاركة في الحلف الدولي ضد داعش ، والزج بجنودها في معارك برية بالأراضي السورية ، وهو ما قوبل بالرفض الشديد من الحكومة التركية التي تدرك حساسية الموقف وتداعياته الخطيرة على المنطقة بأسرها ، فلماذا يرفض الأتراك التورط في الحرب البرية والوقوع في فخ عين العرب بسوريا ؟
الإجابة على ذلك تكمن في مدى فهم القيادة التركية لمعنى " الأمن القومي " الذي بات مهددا بقوة بسبب الحلف الصليبي الذي دشنه الأمريكان على المنطقة ، ومن ثم فإن للأتراك حساباتهم الخاصة ودوافعهم المتعلقة بالحفاظ على الأمن القومي من الأخطار المتصاعدة بسرعة وقوة ، ومتعلقات الأمن القومي في القضية من عدة زاويا أهمها :
1 ـ القضية الكردية ، وهي لب الموضوع ، وأم الأزمات الداخلية للحكومات التركية على مر العصور ، فالأكراد في تركيا يشكلون أكثر من خمس السكان ، ويتركزون بكثافة سكانية كبيرة في الجنوب الشرقي والغربي ، ولهم طموحات تاريخية في إقامة وطن قومي لهم ، وقد تنامي الشعور بالانفصال عندهم بعد النجاحات الكبيرة التي حققها أكراد العراق بفضل الدعم الأمريكي والإيراني والصهيوني الكبير في ذلك ،ويشعر القادة الأتراك أيضا بقلق بالغ إزاء زيادة الدعم الغربي للأكراد السوريين المطالبين بالحكم الذاتي، الذين يحاربون حاليا داعش في سوريا.
ذلك أن حزبهم الاتحاد الديمقراطي (PYD)، وجناحه المسلح: وحدات حماية الشعب(YPG)، ينتمي إلى حزب العمال الكردستاني (PKK)، وهي منظمة إرهابية محظورة خاضت حربا متقطعة ضد الدولة التركية لأكثر من 30 عاما. ويعتقد البعض في تركيا أن الأكراد يقاتلون داعش بدعم ضمني من نظام دمشق، حيث يأملون في انتزاع تنازلات سياسية تخدم مسعاه في إقلمة حكم ذاتي مستقل. نقلا عن مصادر حكومية فإن الأتراك يرون أن أمريكا تضعهم تحت ضغط هائل للاختيار بين داعش أو حزب العمال الشيوعي ، وكلاهما من وجهة النظر التركية خطر داهم على الأمن القومي التركي .
والتدخل التركي وفق المنظور الاستراتيجي التركي ربما تكون اللحظة التي انتظرتها تركيا طويلا من أجل وضع قدمها في سوريا ، فالظرف الدولي والإقليمي يوفر غطاء يشرع لها التدخل ، لإقامة منطقة حدودية عازلة أكثر من أي وقت مضى.
إذا أقدمت تركيا بالفعل على تدخلها، فلن يكون لحماية كوباني الكردية بقدر ما هو لاضعاف حزب الـ pyd الكردي، وابعاد ميليشيات الأكراد عن حدودها، ولن يكون لمحاربة «داعش» بقدر ما هو لتوجيه صفعة لنظام الأسد ودعم فصائل المعارضة له، بتوفير ملاذ آمن لهم داخل الأراضي السورية وخرق سيادة نظام دمشق بمنطقة عازلة عن صواريخه وطائراته ، وما أشبه عين العرب اليوم بالدامور اللبنانية عام 1976، يومها تدخل الجيش السوري بحجة الدفاع عن الموارنة الذين لم يكونوا حلفاءه، فعاد واصطدم بهم واغتال قادتهم، وهكذا فإن التدخل التركي ـ إن حصل ـ لن يكون لعيون الأكراد في عين العرب كوباني ، وكما نفذت الميليشيات المسيحية مجزرة في الكرنتينا لترد عليها قوات الحركة الوطنية والفلسطينيين بمجزرة في الدامور، فإن هجمات الميليشيات الكردية على القرى العربية منذ عام (وآخرها مجزرة أوقعت عشرين مدنيا عربيا ومن ضمنهم أطفال) ارتدت اليوم على الاكراد بهجمات «داعش» الذي تتحالف معه مجموعات عربية عشائرية من القرى العربية قرب كوباني، التي ارتكبت هي الأخرى مجازر وتجاوزات، أما المستفيد من هذا الصراع فهم الأتراك الذين منحهم صراع تنظيم الدولة وميليشيات الأكراد فرصة لموطئ قدم في سوريا.
2 ـ الأتراك يريدون التخلص أولا من الأسد قبل التخلص من داعش ، حيث يرونه السبب الحقيقي وراء كل مظاهر الارهاب القائمة في المنطقة ، وكل الباحثين الأتراك المقربين من مراكز اتخاذ القرار في الحكومة التركية يؤكدون أن سياسة حكومتهم تنصب على «معالجة عميقة لموضوع الإرهاب» بالقضاء على أسباب ظهوره المتمثلة في النظام، وهو ما أعلنه اردوغان نفسه قبل أيام، فهو ينظر للصراع في سوريا بعين تركية تعادي النظام قبل «داعش»، لا بعين أمريكية تعادي «داعش» أكثر من النظام، وهي نظرة تروق لثوار سوريا الذين استفزهم التدخل الدولي لضرب «داعش» دون الأسد ، ويصر أردوغان وداود أوغلو على أن الأولوية القصوى للتحالف ينبغي أن تكون الإطاحة بالأسد قبل تدمير داعش، وأن تركيا لن تعزز مشاركتها، بما في ذلك نشر القوات، إلا إذا كانت هناك "إستراتيجية شاملة" لاحتضان هذا الهدف. وأما إذا بقي الأسد، كما يقولون، فإن مجموعات متطرفة أخرى سوف تملأ الفراغ، ببساطة، إذا ومتى انهزمت داعش !!
3 ـ الأتراك يريدون إنشاء منطقة عازلة على الحدود السورية التركية لاستيعاب قرابة المليوني لاجئ سوري بالأراضي التركية والذين أرهقوا بشدة الميزانية التركية وكذلك الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الداخلية ، وكهدف مرحلي فإن إقامة منطقة عازلة سيريح تركيا من إعباء اللاجئين السوريين ، كما إن هذه المنطقة العازلة ستتيح للأتراك إعادة ترتيب ودعم فصائل المعارضة المسلحة الإسلامية المناوئة لـ"داعش"، التي ترتبط معها بعلاقات وطيدة، كأحرار الشام والتوحيد وصقور الشام، وحتى الفصائل المنضوية في هيئة أركان الجيش الحر، كفصيل جمال معروف .وأمريكا ترفض بشدة إنشاء المنطقة العازلة حتى لا يتأثر وضع حليفهم الوثيق ـ الأكراد ـ ويتعطل المشروع الأمريكي للفوضى في المنطقة والذي يمثل الأكراد بمطالبهم الانفصالية عموده الفقري ، ولكن تغيير الأوضاع ميدانيا وقرب سقوط عين العرب ربما يعجل بتنفيذ هذه المنطقة ، وقد جاءت موافقة الرئيس الفرنسي على الفكرة لتعطي زخما قويا لها ، وفي حال تمكنت فعلا تركيا من تحقيق خطتها بإقامة منطقة عازلة ستكون بذلك أولا قد منحت ثوار سوريا أول بقعة أرض سورية محررة تحظى بحماية جوية وبرية
4 ـ القيادة التركية الحالية لا تثق في الغرب مطلقا وتعي طبيعة وحجم وخطورة التهديدات المحيطة بها داخليا وإقليميا ودوليا ، فأردوجان ورفاقه يعلمون جيدا أنهم لأسباب متداخلة، أصبحوا بلا حلفاء في محيطهم، فالصهاينة يناصبونهم العداء ، وإيران تعتبرهم العائق الرئيسي أمام توسعهم الإقليمي الخطير ، وأكثر الدول العربية السنية لا ترتاح لمواقف أردوجان ودعمه السياسي للحركات الإسلامية، التي تلاحقها وتعمل على تصفيتها جذرياً ، والمثلث السنّي الذي كان يخطط أردوجان لتشكيله مع مصر وقطر قد تم إجهاضه بالانقلاب العسكري في مصر ، والضغط الإقليمي والدولي الرهيب على قطر ، والنظام التركي أصبح النظام الوحيد في المنطقة الذي لا يتعاطى مع الأوامر الأمريكية ولا يتماهي مع السياسة ذاتها في المنطقة ، فتركيا تحت حكم أردوجان قد أصبحت قوة الممانعة الوحيدة للاستراتيجيات والمخططات الأمريكية ، ومن ثم فإن أردوجان يتعامل بحذر بالغ مع المطالب الأمريكية التي تعتبر بمثابة أفخاخ متتالية للنيل من هذا النظام الممانع الوحيد في المنطقة .
فهناك إذن بواعث منطقية للقلق التركي حيال ما يجري تحضيره لتلك الدولة التي باتت تمثل فزعاً لدى صناع السياسة الغربية والإيرانية والروسية على حد سواء؛ فلا أحد منهم يريد أن يرى "الرجل المريض" قد تعافى، وبدأ في استرداد أملاكه .
تركيا تتطلع إلى السنوات المقبلة والفوضى التي سيخلفها كل ذلك العدوان الأمريكي والدولي على المنطقة باسم محاربة داعش والتي سيكون النظام والداخل التركي هو أول وأكبر المتضررين منه ، هذا هو السبب الذي من أجله تضع تركيا شروطًا على مشاركتها في المعركة ضد "الدولة"، إنها تحاول إقناع الولايات المتحدة وشركائها في التحالف العربي السني أنها ستكون قادرة على إدارة المنطقة، وبالتالي، وفقًا لأنقرة، فإن على الجميع أن يتوافق مع أولوياتها، بدءًا من القضاء على الحكومة العلوية المدعومة من إيران في سوريا، بإدارة سُنية ستسترشد بخطى أنقرة.
المشكل أن أوباما وحلفاءه يظنون أن أردوجان المسكون بأحلام وطموحات السلطنة العثمانية مثله مثل أنور باشا وزير الدفاع للدولة العثمانية أبان الحرب العالمية الأولى والذي قبل بتوريط الدولة العثمانية في حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل في نظير حفنة ليرات ذهبية دفعها إمبراطور ألمانيا له ، فكانت النتيجة وبال وخراب شامل للدولة العلية !!
فأردوجان لن يورط تركيا في حرب يكن أمنها القومي وسيادتها وإستقلاليتها هي أول ضحايا هذه الحرب ، لأنه يعي حجم الأخطار المحدقة بدولته ونظامه ، أو لأنه ببساطة ليس " أنور باشا " العصر .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق