الثلاثاء، 21 أكتوبر 2014

عشرة أسباب مرعبة !!

عشرة أسباب مرعبة !!


شريف عبد العزيز
كل المواقف الكبرى في تاريخ البشرية قادت إليها ثورات، لكنْ لم تتمخض عن كلالثورات مواقف كبرى،وأغلب الثورات بدأت بشرارة أوقدها أناس بعضهم لايعرفون معنى الثورة.كما لم تكن كل الثورات عفوية، إذ منها ما كان حصيلة تأطير وتخطيط ويستندإلى نظرية وأيديولوجية .إنها ثورات أفراد ضد جماعات وثورات جماعات ضد مجتمعات وثورات مجتمعات ضد أقليات، مستضعَفين ضد طغاة ،حدث هذا منذ غابرالأزمان وما يزال يتكرر اليوم في أزمنة وأمكنة غير متشابهة وتكاد تكونمتناقضة، منها ما كان فاتحة تاريخ جديد، حيث ما بعدها قطيعة مع ماقبلها، ومنها ما كان وظل خارج منطق التاريخ، مر كوقع الزر على الرمل لميترك صدى، ومنها ما كان دمويا وعنيفا وقاسيا، ومنها أيضا ما كان سلسا وسلميا وهادئا .





ولكن ظل القاسم المشترك الأعظم بين كل هذه الثورات عبر التاريخ ؛ الشباب وطلبة الجامعة الذين كانوا على الدوام كلمة السر في نجاح الثورات أو فشلها ، استمراريتها أو وأدها . فمن الجامعة المصرية في الثلاثينيات إلى ماي في فرنسا في الستينيات ، إلى عموم أوروبا في السبعينات ، إلى تنتامين في الصين في الثمانينيات ، وانتهاء بهونج كونج والقاهرة والأزهر في 2014 .

قتل وسحل واعتقال وفصل ، هذا هو ملخص العام الدراسي الماضي في الجامعات المصرية عامة وجامعة الأزهر خاصة ، ورغم أقصى درجات التهديد والوعيد ، إلا أن القمع لم يكن كافيا لوقف ثورة الطلاب ضد الظلم والقهر ومصادرة الحريات ، فأخذت سلطة مصر الجديدة في استحداث إجراءات قمعية جديدة منها: إلغاء الأنشطة الطلابية ، وتأجيل للدراسة ، وإغلاق العديد من المدن الجامعية ، تحصين أسوار الجامعات بأسوار شديدة التحصين أشد ارتفاعا وحصانة من أسوار جوانتامو وأبي غريب وربما من الجدار العازل الذي بناه الصهاينة على الحدود مع قطاع غزة ، تهديد بالفصل المباشر دون تحقيق أو استئناف أو اعتراض لكل من تسول له نفسه انتقاد الزعيم القائد الملهم فريد عصره ودرة زمانه .

وآخر الطوام استجلاب واحدة من أشرس الشركات المتخصصة في تجارة القمع والتنكيل ، والمرتبطة بمنظومة أمنية واستخباراتية عالمية، لتحتل الجامعات المصرية، باسم حمايتها من تخريب الطلاب ، وتمارس أفعالا مع الطلاب والأساتذة، لا تختلف كثيرا عن ممارسات قوات الاحتلال ضد أصحاب الأرض.

ورغم كل هذه الاستعدادت الأمنية والاستخباراتية والقمعية الرهيبة إلا إن الرد الطلابي جاء بصورة ساحقة وغير متوقعة ، إذ تم تحطيم كل الإجراءات القمعية والأمنية في يوم واحد وبصورة حاسمة جعلت ال60 مليون جنيه قيمة العقد المبرم بين وزارة التعليم العالي وشركة " فالكون " مجرد حبر على ورق . هذا الحراك الطلابي الحاسم أفقد قوات الأمن صوابها فجاء الرد الانقلابي كاشفا عن مدى التخوف من انتفاضة طلبة الجامعة ، فقد دخلت قوات الأمن بعدة تشكيلات قتالية إلى حرم الجامعة في القاهرة والاسكندرية والزقازيق في اليوم الثالث الدراسي لتعتقل وتصيب وتسحل وتهين آلاف الطلبة والأساتذة تحت سمع وبصر العالم بأسره .

فلماذا كل هذا الخوف من الحراك الطلابي ؟ وهل فعلا الطلبة يمثلون مصدر تهديد حقيقي على أمن واستقرار وسلامة سلطة الانقلاب ؟
الجامعة المصرية منذ نشأتها في أوائل القرن المنصرم وهي مشهورة بنشاطها السياسي الفاعل في الساحة المصرية ، وحتى من قبل نشاتها والطلبة يلعبون دورا سياسيا مؤثرا حتى أنهم لم يكتفوا بالانخراط في العمل السياسي فحسب ولكن دخلوا في تشكيلات ثورية وحزبية شبه مسلحة ، فمن ينسي تنظيم القمصان الزرق لحزب الوفد ، والخضر للأحرار الدستوريين ، وطليعة الشباب للاخوان المسلمين . بالجملة كان للشباب دور مؤثر وكبير في المشهد السياسي

ومع الاطاحة بالملكية وقيام الجمهورية ، وبعد الاطاحة بمحمد نجيب ، حرص عبد الناصر على وأد الحركة الطلابية بإخضاع الجامعة للسيطرة الأمنية ، فمنذ بدأ التعليم الجامعي عام 1908 وحتى 1954 لم يكن هناك شيء اسمه سيطرة أمنية على الجامعة، ومن منتصف الخمسينيات حتى عام 1971 عادت الجامعات إلى قبضة الحرس، حتى تم إلغاؤه مرة أخرى عام 71، ليعود أكثر سيطرة وشراسة منذ 1981 وحتى الآن.

وليس ذلك بمستغرب على عبد الناصر فقد ألغى الأحزاب السياسية وحل كل التنظيمات والتشكيلات الفاعلة في الحياة المصرية بدعوى أنها خطر على استقرار البلاد وأمنه القومي ـ تشابهت قلوبهم ـ ولكن لم تمنع القبضة الحديدية للناصريين من ثورة الطلبة العارمة سنة 1967 في أعقاب الهزيمة الساحقة من الصهاينة ، وهذه الثورة دفعت عبد الناصر لمزيد من الحريات للطلبة داخل الجامعة ، تمت ترجمتها في برنامج عمل إصلاحى عُرف باسم «بيان 30 مارس».

وهلك عبد الناصر وجاء السادات ليعطي الطلبة حرية كبيرة أراد من ورائها توظيف حراكه السياسي ضد بقايا الحكم الناصري والاتجاهات اليسارية التي كانت وقتها تجتاح العالم بأسره خاصة بعد ثورة ماي في فرنسا سنة 1968 .

وفى عامى 1971، 1972 قامت الحركة الطلابية المصرية (من الإخوان إلى اليسار الماركسى ومن التيار الناصرى إلى شباب الجماعات الإسلامية الأخرى ) بتظاهرات كبرى تطالب بإعداد البلاد إعداداً جدياً للحرب مع «العدو» الإسرائيلى.

في سنة 1977 قام طلبة الجامعة بثورة عارمة ضد السادات بسبب ارتفاع الأسعار ، وقد أجبرت هذه الثورة السادات على خفض الأسعار والاستجابة لطلبات الشباب . ثم كان الحراك الطلابي في 1979 ضد اتفاقية كامب دايفيد وهو الحراك الذي جابهه السادات بالقوة فتم اعتقال المئات وإلغاء النشاط الطلابي ، ومع تصاعد وتيرته أعاد السادات الأمن إلى الجامعة مثل سلفه وذلك سنة 1981 وهي السنة التي اغتيل فيها . وظل الأمن مسيطرا على الجامعات حتى قيام ثورة 2011 المجيدة وبعدها خرج الأمن من الجامعة ولم يعد إلا على ظهر دبابات الانقلاب العسكري . بالجملة أي حراك ثوري حدث في مصر منذ قرن مضى يشعله ويتصدره ويقوده طلاب الجامعة .

16 شهر مضت على الحراك الثوري ضد انقلاب 3 يوليو ، والأحداث اليومية والفعاليات الأسبوعية تكشف عن حقيقة واضحة وضوح الشمس ؛ الطلبة هم جسد الثورة وعينها التي لا تنام وقلبها النابض وعقلها المفكر ، وأصبح طلبة الجامعات هم عقدة الانقلاب الذي انقطعت به السبل وأعيته الحيل في مواجهة حالة الغضب الثوري المتنامي عند الطلبة ، واتضح بجلاء أن الطلبة قد أصبحوا الرقم الأصعب في مسألة إعاقة تمكين الانقلاب ،
وذلك لأسباب عشرة مرعبة :
1 ـ الشباب يمثلون الآن القطاع الأكبر وربما الأوحد المقاوم للنظام الانقلابي ، وعمادهم طلبة الجامعات عموما والأزهر خصوصا ، والفعاليات المضادة للانقلاب سواء في أيام الدراسة أو الإجازة يقودها طلبة الجامعة والشباب عامة .

2 ـ الطلبة لا يخضعون لنفس الضغوط والجواذب التي تعيق سير غيرهم واستمراريته في العمل الثوري ، فهم متحررون من ثقلة الأرض ومثبطاتها ومسئولياتها ، من مال ووظيفة وأسرة وزوجة وولد ، وبالتالي لا يملك الانقلاب مؤثرات حقيقية عليهم سوى الاعتقال أو القتل ، وكلاهما أمر يزيد الطلاب صمودا وإصرارا على مواصلة الكفاح .

3 ــ الطلبة لا يقبلون اي صورة من صور المساومات والصفقات ، وهم ينفون باستمرار الخبث بين صفوفهم ، ومن يقع منهم فريسة إغراءات العسكر سرعان ما ينكشف أمره ويهي شأنه مثلما حدث مع رئيس اتحاد الطلبة محمد بدران الذي استقطبه الانقلاب إلى صفه ، فطرده الطلبة من صفوفهم وفصلوه من منصبه ، ولم يعد له دور ولا ذكر .

4 ــ الطلبة أبدوا صمودا فريدا أمام قمع العسكر ووحشيته ، فلا القتل أو الاعتقال أو الفصل فتّ في عضدهم وأوقف مسيرتهم ، وبالتالي لابد أن يخضع النظام لطلباتهم لأن كل وسائل القهر والاخضاع قد استنفذت .

5 ـــ
الطلبة هم أقرب شرائح المجتمع قبولا لفكرة الصدام المسلح ، وأسرع الناس تخليا عن السلمية ، ولذلك نجد أن ثمة تناميا كبيرا في نسبة المعجبين والمؤيدين لتنظيم الدولة الإسلامية " داعش " في صفوف طلبة الجامعة ، ولو واصل الانقلاب تحديهم ورفع وتيرة القمع معهم ستكون النتائج وخيمة للغاية على استقرار الانقلاب وأمن البلاد كلها .

6 ـ الطلبة أبدوا مناعة عالية تجاه فنون اللذة ومشاريع الاحتواء التي حاول الانقلاب بثها بين صفوفهم عن طريق وسائل الإعلام من مسابقات ومسلسلات وأفلام وبرامج ورحلات وعروض.

7 ـ الكتلة الثورية للطلبة ما زالت محتفظة بتماسكها ونواتها الحرحة قوية وصلبة ، وتكسب زخما جديدا كل يوم بسبب وحشية الانقلاب واخفاقاته الاقتصادية والاجتماعية المتتالية وفشله في حل أزمات البلاد .

8 ـ الطلبة في الجامعات أكثر تحررا من قيود التنظيمات والجماعات والتصنيفات وأقل تمسكا بالأيديولوجيات ، وهم أكثر استعدادا للتعاون مع المخالف ما دام الهدف متفق عليه بين الجميع ، ورصيد التجربة التاريخي خاصة في السبعينيات عندما تعاون الإسلاميون مع اليساريين خير دليل على هذا الانفتاح والتعاون .

9 ـ الطلبة هم أكثر شرائح المجتمع وعيا بطبيعية الموقف السياسي ، واكثرها علما وانفتاحا على العالم وتواصلا مع الخرج والداخل عبر وسائط التواصل ، وهم أكثر الشرائح مناعة وحصانة من حملات التضليل الإعلامية الشرسة التي تواصل أذرع الانقلاب قصفها على أدمغة المصريين منذ أكثر من عامين ، ومن يتابع الخطاب التكريهي البغيض لأذرع الانقلاب اليوم يجدها تشن الغارات القاسية على طلبة الجامعة حتى وصل الأمر للمطالبة بإلغاء الدراسة الجامعية لعام أو عامين حتى يهدأ الحراك الطلابي .

10 ـ الطلبة كانوا أكثر الفئات المجتمعية رفضا لنظام مبارك القمعي ، وكراهية للدولة البوليسية وأدواتها الانتقامية ، لذلك فهم لم يصبروا على ما اعتبروه خرقا ولو بسيطا لميثاق الثورة وأهدافها من الرئيس محمد مرسي ، وبالتالي فهم لن يصبروا أبدا مهما كان القمع عاتيا والقهر دمويا على ما يقوم بها الانقلابيون الآن .

لذلك كله فطلبة الجامعة هم الخطر الأكبر والعقدة التي يبدو أن لا حل لها بالنسبة للانقلاب ، فالانقلابيون لن يستطيعوا أن يحتووا الحراك الطلابي إلا بتقديم تنازلات مؤلمة والرجوع للخلف عدة خطوات ، من عينة إخراج الأمن من الجامعات وإلغاء قانون التظاهر ، وإلغاء اللائحة الطلابية الجديدة التي رفضتها كل اتحادات الطلبة في ال 17 جامعة مصرية ، والافراج عن الطلبة المعتقلين ، والانقلابيون لا يجيدون لغة الحوار أو فن الاحتواء لأن غرور القوة أعماهم وأفقدهم البصيرة ، وهم مصرون على مواصلة القمع ورفع وتيرته ، فهم لا يجدون سوى القتل والقمع والظلم ، وهو ما يحمل نذير شؤم للجميع في مصر وفي مقدمتهم سلطة الانقلاب نفسها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق