"فورين بوليسي": عندما تنفد أموال النفط
أسعار النفط والغاز تتراجع، لكن بعض الدول غير مستعدة لهذا الهبوط.
قال تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي" إنه من الجيد أن تكون فلاديمير بوتين في هذه الأيام. فالرئيس الروسي يمكنه هزَ معظم الدول الأوروبية دون خوف من العواقب، وذلك بفضل اعتمادها على الغاز الطبيعي لبلاده. وفي الوقت نفسه، فإن زبائن بوتين، يحلمون، على الأرجح، باليوم الذي يشفون غليلهم فيه.
ولكن عندما يتمكنون، في نهاية المطاف، من العيش بشكل مستقل عن موارده، فإن النفوذ الدولي لا يمكن أن يكون الشيء الوحيد الذي ينهار لروسيا والدول النفطية الأخرى.
ويقول كاتب التقرير إنه لا يتحدث عن هذا النوع من الاستقلال في مجال الطاقة الذي قد تكسب فيه الولايات المتحدة من خلال عمليات التكسير الهيدروليكي، أو البرازيل من خلال استغلال احتياطياتها النفطية في أعماق البحار، وإنما يتحدث عن اليوم الذي لا يُستخدم فيه النفط والغاز كوقود للمركبات وتدفئة المنازل.
بالنسبة للحكومات التي تعتمد على الإيرادات النفطية، مثل روسيا، فإنه يمكن أن يكون هذا بمثابة يوم الحساب. فالتقلبات الأخيرة في الطلب وأسعار النفط والغاز هي مجرد معاينة.
ويمكن القول إن التدفئة والسيارات هما من أكبر استخدامات البترول عرضة للتغير التكنولوجي في السنوات المقبلة. وإلى الآن، لا تزال الولايات المتحدة تستخدم حوالي ثلثي النفط من أجل التدفئة والبنزين.
والباقي يذهب لوقود الطائرات وغاز البروبين والبلاستيك والمنتجات الأخرى التي لن تُستبدل بالضرورة بالسيارات الكهربائية والألواح الشمسية وطاقة الرياح. ومع اعتماد طلب البنزين والغاز والنفط على انخفاض التدفئة، فإن أسعار النفط الخام والغاز الطبيعي ربما ستهبط أيضا.
ولكن بعد ذلك سوف تصبح المنتجات الأخرى القائمة على البترول أرخص، والناس سوف تشتري المزيد منها. وبطبيعة الحال، فإن الاقتصاديات الناشئة الأسرع نموا اليوم ستساهم في بعض الطلب كذلك.
ومع ذلك، فمن الإنصاف الافتراض أن الإيرادات من بيع النفط والغاز سوف تنخفض في غضون بضعة عقود في البلدان التي لا يُحتمل أن تجد الكثير في طريق بحثها على احتياطيات جديدة، مثل نيجيريا والمملكة العربية السعودية. وقد تعاني الصناعات الأخرى المرتبطة بالبترول، مثل الكيماويات والتكرير، كذلك.
ماذا سيعني ذلك بالنسبة لمستقبل الدول النفطية التي تعتمد كثير منها على عائدات النفط والغاز؟
قبل عامين، نشر صندوق النقد الدولي (IMF) ورقة عن الميزانية مع الصناعات الاستخراجية، وممَا جاء ورد فيها:
يعتمد 20 بلدا على البترول بما يعادل نصف عائدات حكوماتهم، في أقل تقدير، و10 أخرى ما بين النصف والربع. هذه الدول معرضة بشكل واضح للتغيرات الكبيرة في السعر والكمية من النفط والغاز التي قد تبيعها. ولكن أي منها سيواجه وقتا عصيبا؟
أحد العوامل التي ستؤثر فيهم هو تنويع اقتصادياتها. في البلدان التي يعدَ البترول هو المسؤول عن الكثير من الإيرادات ولكن ليس كثيرا بالنسبة للناتج الاقتصادي الكلي، هناك، على الأقل، إمكانية لتوسيع القاعدة الضريبية. وسوف تعتمد على عائدات تحصيل الضرائب عندما يتراجع النفط والغاز.
وفقا لتقديرات جُمعت من العام 2005 إلى 2007 من فريق تابع لجامعة يوهانس كيبلر في لينز، فإن اقتصاد الظل -أو السوق السوداء- قد يشكل أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي في نيجيريا، وأكثر من 40 في المائة في تشاد وروسيا وميانمار وساحل العاج.
والتعافي من تأثير تراجع إيرادات الحكومة سيكون صعبا بالنسبة لأي منها.
وعلاوة على ذلك، فإن العديد من البلدان التي تعتمد اعتمادا كبيرا على النفط لا تقوم بعمل كبير لتوفير الخدمات العامة حتى مع الإيرادات التي تحصل عليها.
الدول الخمس مع أضيق القواعد الضريبية، أربعة - تشاد وساحل العاج وميانمار ونيجيريا - رتبة في القاع 20 في المئة عالميا لفعالية الحكومة في المؤشرات العالمية لإدارة الحكم في البنك الدولي. كانت أسعار النفط والغاز الى الانخفاض بشكل حاد، فإن هذه البلدان قد ينهار بشكل جيد تماما.
أقل البلدان تنوعا في الوقت الحالي، مع 40 في المائة على الأقل من الناتج المحلي الإجمالي من النفط والغاز، هي جمهورية الكونغو والكويت وليبيا والسعودية والعراق والغابون وأنغولا وسلطنة عمان.
وبالنسبة لمعظم دول الخليج العربي، فهذا قد لا يكون مقلقا جدا، وذلك لأن صناديق الثروة السيادية وفيرة، بحيث تتيح لها بعض المجال للمناورة إذا تراجعت أسعار الطاقة.
* تركيع روسيا:
في مارس الماضي، كتب ابن رونالد ريغان، مايكل، مقالة على شكل رسالة موجهة إلى الرئيس الحالي باراك أوباما، يذكّره فيها بفعل والده، راوياً أن الرئيس الأسبق قد ذهب إلى السعوديين في الثمانينيات، وطلب منهم إغراق السوق. وقد أوصى ريغان الابن باعتماد إستراتيجية مماثلة ضد بوتين: "إن كان رئيسنا يريد جدياً أن يبتعد بوتين عن أوكرانيا، وأن يفكّر مرتين قبل أن يباشر بإعادة بناء الإمبراطورية السوفياتية، فعليه إتباع قاعدة ريغان. عليه أن يضيّق الخناق الاقتصادي على روسيا الأم، وأن يفلسها، إلى أن تصير عاجزة عن شراء ثيابها الداخلية".
صحيح أن تراجع الطلب نتيجة تباطؤ الاقتصاد العالمي يُفسّر الكثير من هبوط الأسعار، غير أنّ العرض الفائض المسجّل منذ ربيع العام الماضي له التأثير الأكبر.
وتفيد الإحصاءات بأن العرض العالمي للنفط خلال هذه الفترة فاق المعدل المسجل في العام السابق بهامش يراوح بين مليون ومليوني برميل يومياً. ووصل الفارق إلى أوجه في أيلول الماضي حين بلغ 2.8 مليون برميل نتيجة بيع السعودية كميات كبيرة للزبائن في مختلف الأقاليم بأسعار منخفضة دون 40 دولارا للبرميل.
ويرى بعض المحللين لهذا الوضع في السوق أن بعض منتجي النفط الكبار –تحديدا الولايات المتّحدة والسعودية– يريدون الضغط على المنتجين الآخرين، أبرزهم روسيا وإيران. وبما أن كلا من الرياض وواشنطن يمكنهما تحمل تراجع نسبي للأسعار، فإن هذا يبدو محتملا لكسر تأثير موسكو وطهران في أي محادثات قائمة أو حرب دائرة.
وأما عن كيفية تحمل السعودية عبء تراجع السعر، فيرجعه مهتمون إلى اعتمادها على الكمية الهائلة لإنتاجها وعلى احتياطياتها من العملات الأجنبية التي تصل إلى 750 مليار دولار.
أما الولايات المتّحدة، كما يقول المحلل نفسه، فقد أثمرت تقنياتها الجديدة لاستخراج النفط الصخري خلال العقد الماضي، فائضاً في الإنتاج، وقد أفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن إنتاج الولايات المتّحدة من الوقود الاحفوري بدأ بالارتفاع منذ عام 2009، وتسارعت الوتيرة في خمس سنوات ليبلغ المعدل 8.3 ملايين يومياً في النصف الأول من العام الجاري.
وأما روسيا، فرغم أن هذا البلد يُعدّ الأول عالميا في تصدير منتجات الطاقة، إلا أنّ مجموعة من العوامل أضحت تضيق عليه الخناق على المستويين المالي والنقدي تحديداً.
وفي هذا يرى المحلل أن هناك إجماعا بين المراقبين على أنّ العقوبات الاقتصادية التي تعززت تدريجاً منذ اجتياح أوكرانيا في بداية الصيف، بدأت تخصم من احتياطي العملات الأجنبية الذي تتمتع به روسيا والذي راكمته طوال العقد الماضي. حالياً يبلغ حائط الدفاع هذا 450 مليار دولار، مبلغ محترم يعكس موقع روسيا الطاقوي، غير أنّه لا ينفي أن أداء الروبل كان الأسوأ عالمياً خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
ويأتي تراجع أسعار النفط اليوم، ليزيد من الهموم المالية لموسكو التي تُعدّ لدفعات دسمة على دينها العام في هذا الموسم (كما في الربع الأخير من كلّ عام) والتي كانت قد صاغت توقعاتها الاقتصادية وخطت موازنتها بناءً على سعر للنفط عند 90 دولارا للبرميل بالحد الأدنى؛ في الأساس تعتمد روسيا على الموارد الأولية لتأمين نصف ميزانيتها السنوية.
تأثر إيران يبدو أخف نسبياً لكونها استفادت أخيراً من الانفراج الذي أحدثته المحادثات مع الولايات المتّحدة حول برنامجها النووي وتحرير مليارات الدولارات من أموالها المحجوزة. كذلك انتعشت نتيجة حصولها على المعدات التكنولوجية الأساسية لإعادة تأهيل قطاعات أساسية عانت الجفاء مع الغرب، أبرزها قطاع الطيران.
غير أنّ نار النفط لا تحرق فقط الروبل والريال والاقتصادين الإيراني والروسي، إذ قد يحدث تراجع الأسعار هناك تحولات في السوق الأميركية نفسها: عندما يتراجع سعر النفط تتأثر ميزانيات الشركات الصغيرة ما يفتح شهية الشركات العملاقة صوب الاستحواذ وتعزيز مكانتها السوقية.
* فرصة أسماك القرش النفطية:
بالاستناد إلى بيانات جمعتها وكالة "بلومبرغ"، وفقا لما أورده المحلل نفسه، فإن السقوط الحر الذي شهده سعر النفط أخيراً محا أكثر من 20 مليار دولار من القيمة السوقية لشركات منتجة للنفط تُعدّ أهدافاً محتملة لأسماك القرش النفطية.
من بين الشركات الكبرى المهتمة بابتلاع الأسماك الصغيرة أسماء مثل Chevron وExxonMobilوConoccoPhilips. وللتذكير، هذه الأسماء هي نفسها التي ترددت خلال اجتياح العراق عام 2003 وبعده، مع تكشف حجم العقود النفطية الهائلة التي وقعتها. وفعلياً، الشركة الأولى هي الأكثر نفوذاً لكون سيولتها المباشرة تبلغ 14 مليار دولار، وهو ضعف ما تملكه الشركة الثانية.
واللافت فيما تشهده السوق الأميركية هو أن الشركات المستهدفة هي نفسها التي كانت تُطوّر تقنيات التنقيب عن النفط الصخري، وهو المورد الذي أمن للولايات المتّحدة دفعاً في سوق الطاقة وعزّز من موقعها التفاوضي مع منتجي النفط، وبينهم السعودية نفسها.
أسعار النفط والغاز تتراجع، لكن بعض الدول غير مستعدة لهذا الهبوط.
قال تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي" إنه من الجيد أن تكون فلاديمير بوتين في هذه الأيام. فالرئيس الروسي يمكنه هزَ معظم الدول الأوروبية دون خوف من العواقب، وذلك بفضل اعتمادها على الغاز الطبيعي لبلاده. وفي الوقت نفسه، فإن زبائن بوتين، يحلمون، على الأرجح، باليوم الذي يشفون غليلهم فيه.
ولكن عندما يتمكنون، في نهاية المطاف، من العيش بشكل مستقل عن موارده، فإن النفوذ الدولي لا يمكن أن يكون الشيء الوحيد الذي ينهار لروسيا والدول النفطية الأخرى.
ويقول كاتب التقرير إنه لا يتحدث عن هذا النوع من الاستقلال في مجال الطاقة الذي قد تكسب فيه الولايات المتحدة من خلال عمليات التكسير الهيدروليكي، أو البرازيل من خلال استغلال احتياطياتها النفطية في أعماق البحار، وإنما يتحدث عن اليوم الذي لا يُستخدم فيه النفط والغاز كوقود للمركبات وتدفئة المنازل.
بالنسبة للحكومات التي تعتمد على الإيرادات النفطية، مثل روسيا، فإنه يمكن أن يكون هذا بمثابة يوم الحساب. فالتقلبات الأخيرة في الطلب وأسعار النفط والغاز هي مجرد معاينة.
ويمكن القول إن التدفئة والسيارات هما من أكبر استخدامات البترول عرضة للتغير التكنولوجي في السنوات المقبلة. وإلى الآن، لا تزال الولايات المتحدة تستخدم حوالي ثلثي النفط من أجل التدفئة والبنزين.
والباقي يذهب لوقود الطائرات وغاز البروبين والبلاستيك والمنتجات الأخرى التي لن تُستبدل بالضرورة بالسيارات الكهربائية والألواح الشمسية وطاقة الرياح. ومع اعتماد طلب البنزين والغاز والنفط على انخفاض التدفئة، فإن أسعار النفط الخام والغاز الطبيعي ربما ستهبط أيضا.
ولكن بعد ذلك سوف تصبح المنتجات الأخرى القائمة على البترول أرخص، والناس سوف تشتري المزيد منها. وبطبيعة الحال، فإن الاقتصاديات الناشئة الأسرع نموا اليوم ستساهم في بعض الطلب كذلك.
ومع ذلك، فمن الإنصاف الافتراض أن الإيرادات من بيع النفط والغاز سوف تنخفض في غضون بضعة عقود في البلدان التي لا يُحتمل أن تجد الكثير في طريق بحثها على احتياطيات جديدة، مثل نيجيريا والمملكة العربية السعودية. وقد تعاني الصناعات الأخرى المرتبطة بالبترول، مثل الكيماويات والتكرير، كذلك.
ماذا سيعني ذلك بالنسبة لمستقبل الدول النفطية التي تعتمد كثير منها على عائدات النفط والغاز؟
قبل عامين، نشر صندوق النقد الدولي (IMF) ورقة عن الميزانية مع الصناعات الاستخراجية، وممَا جاء ورد فيها:
يعتمد 20 بلدا على البترول بما يعادل نصف عائدات حكوماتهم، في أقل تقدير، و10 أخرى ما بين النصف والربع. هذه الدول معرضة بشكل واضح للتغيرات الكبيرة في السعر والكمية من النفط والغاز التي قد تبيعها. ولكن أي منها سيواجه وقتا عصيبا؟
أحد العوامل التي ستؤثر فيهم هو تنويع اقتصادياتها. في البلدان التي يعدَ البترول هو المسؤول عن الكثير من الإيرادات ولكن ليس كثيرا بالنسبة للناتج الاقتصادي الكلي، هناك، على الأقل، إمكانية لتوسيع القاعدة الضريبية. وسوف تعتمد على عائدات تحصيل الضرائب عندما يتراجع النفط والغاز.
وفقا لتقديرات جُمعت من العام 2005 إلى 2007 من فريق تابع لجامعة يوهانس كيبلر في لينز، فإن اقتصاد الظل -أو السوق السوداء- قد يشكل أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي في نيجيريا، وأكثر من 40 في المائة في تشاد وروسيا وميانمار وساحل العاج.
والتعافي من تأثير تراجع إيرادات الحكومة سيكون صعبا بالنسبة لأي منها.
وعلاوة على ذلك، فإن العديد من البلدان التي تعتمد اعتمادا كبيرا على النفط لا تقوم بعمل كبير لتوفير الخدمات العامة حتى مع الإيرادات التي تحصل عليها.
الدول الخمس مع أضيق القواعد الضريبية، أربعة - تشاد وساحل العاج وميانمار ونيجيريا - رتبة في القاع 20 في المئة عالميا لفعالية الحكومة في المؤشرات العالمية لإدارة الحكم في البنك الدولي. كانت أسعار النفط والغاز الى الانخفاض بشكل حاد، فإن هذه البلدان قد ينهار بشكل جيد تماما.
أقل البلدان تنوعا في الوقت الحالي، مع 40 في المائة على الأقل من الناتج المحلي الإجمالي من النفط والغاز، هي جمهورية الكونغو والكويت وليبيا والسعودية والعراق والغابون وأنغولا وسلطنة عمان.
وبالنسبة لمعظم دول الخليج العربي، فهذا قد لا يكون مقلقا جدا، وذلك لأن صناديق الثروة السيادية وفيرة، بحيث تتيح لها بعض المجال للمناورة إذا تراجعت أسعار الطاقة.
* تركيع روسيا:
في مارس الماضي، كتب ابن رونالد ريغان، مايكل، مقالة على شكل رسالة موجهة إلى الرئيس الحالي باراك أوباما، يذكّره فيها بفعل والده، راوياً أن الرئيس الأسبق قد ذهب إلى السعوديين في الثمانينيات، وطلب منهم إغراق السوق. وقد أوصى ريغان الابن باعتماد إستراتيجية مماثلة ضد بوتين: "إن كان رئيسنا يريد جدياً أن يبتعد بوتين عن أوكرانيا، وأن يفكّر مرتين قبل أن يباشر بإعادة بناء الإمبراطورية السوفياتية، فعليه إتباع قاعدة ريغان. عليه أن يضيّق الخناق الاقتصادي على روسيا الأم، وأن يفلسها، إلى أن تصير عاجزة عن شراء ثيابها الداخلية".
صحيح أن تراجع الطلب نتيجة تباطؤ الاقتصاد العالمي يُفسّر الكثير من هبوط الأسعار، غير أنّ العرض الفائض المسجّل منذ ربيع العام الماضي له التأثير الأكبر.
وتفيد الإحصاءات بأن العرض العالمي للنفط خلال هذه الفترة فاق المعدل المسجل في العام السابق بهامش يراوح بين مليون ومليوني برميل يومياً. ووصل الفارق إلى أوجه في أيلول الماضي حين بلغ 2.8 مليون برميل نتيجة بيع السعودية كميات كبيرة للزبائن في مختلف الأقاليم بأسعار منخفضة دون 40 دولارا للبرميل.
ويرى بعض المحللين لهذا الوضع في السوق أن بعض منتجي النفط الكبار –تحديدا الولايات المتّحدة والسعودية– يريدون الضغط على المنتجين الآخرين، أبرزهم روسيا وإيران. وبما أن كلا من الرياض وواشنطن يمكنهما تحمل تراجع نسبي للأسعار، فإن هذا يبدو محتملا لكسر تأثير موسكو وطهران في أي محادثات قائمة أو حرب دائرة.
وأما عن كيفية تحمل السعودية عبء تراجع السعر، فيرجعه مهتمون إلى اعتمادها على الكمية الهائلة لإنتاجها وعلى احتياطياتها من العملات الأجنبية التي تصل إلى 750 مليار دولار.
أما الولايات المتّحدة، كما يقول المحلل نفسه، فقد أثمرت تقنياتها الجديدة لاستخراج النفط الصخري خلال العقد الماضي، فائضاً في الإنتاج، وقد أفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن إنتاج الولايات المتّحدة من الوقود الاحفوري بدأ بالارتفاع منذ عام 2009، وتسارعت الوتيرة في خمس سنوات ليبلغ المعدل 8.3 ملايين يومياً في النصف الأول من العام الجاري.
وأما روسيا، فرغم أن هذا البلد يُعدّ الأول عالميا في تصدير منتجات الطاقة، إلا أنّ مجموعة من العوامل أضحت تضيق عليه الخناق على المستويين المالي والنقدي تحديداً.
وفي هذا يرى المحلل أن هناك إجماعا بين المراقبين على أنّ العقوبات الاقتصادية التي تعززت تدريجاً منذ اجتياح أوكرانيا في بداية الصيف، بدأت تخصم من احتياطي العملات الأجنبية الذي تتمتع به روسيا والذي راكمته طوال العقد الماضي. حالياً يبلغ حائط الدفاع هذا 450 مليار دولار، مبلغ محترم يعكس موقع روسيا الطاقوي، غير أنّه لا ينفي أن أداء الروبل كان الأسوأ عالمياً خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
ويأتي تراجع أسعار النفط اليوم، ليزيد من الهموم المالية لموسكو التي تُعدّ لدفعات دسمة على دينها العام في هذا الموسم (كما في الربع الأخير من كلّ عام) والتي كانت قد صاغت توقعاتها الاقتصادية وخطت موازنتها بناءً على سعر للنفط عند 90 دولارا للبرميل بالحد الأدنى؛ في الأساس تعتمد روسيا على الموارد الأولية لتأمين نصف ميزانيتها السنوية.
تأثر إيران يبدو أخف نسبياً لكونها استفادت أخيراً من الانفراج الذي أحدثته المحادثات مع الولايات المتّحدة حول برنامجها النووي وتحرير مليارات الدولارات من أموالها المحجوزة. كذلك انتعشت نتيجة حصولها على المعدات التكنولوجية الأساسية لإعادة تأهيل قطاعات أساسية عانت الجفاء مع الغرب، أبرزها قطاع الطيران.
غير أنّ نار النفط لا تحرق فقط الروبل والريال والاقتصادين الإيراني والروسي، إذ قد يحدث تراجع الأسعار هناك تحولات في السوق الأميركية نفسها: عندما يتراجع سعر النفط تتأثر ميزانيات الشركات الصغيرة ما يفتح شهية الشركات العملاقة صوب الاستحواذ وتعزيز مكانتها السوقية.
* فرصة أسماك القرش النفطية:
بالاستناد إلى بيانات جمعتها وكالة "بلومبرغ"، وفقا لما أورده المحلل نفسه، فإن السقوط الحر الذي شهده سعر النفط أخيراً محا أكثر من 20 مليار دولار من القيمة السوقية لشركات منتجة للنفط تُعدّ أهدافاً محتملة لأسماك القرش النفطية.
من بين الشركات الكبرى المهتمة بابتلاع الأسماك الصغيرة أسماء مثل Chevron وExxonMobilوConoccoPhilips. وللتذكير، هذه الأسماء هي نفسها التي ترددت خلال اجتياح العراق عام 2003 وبعده، مع تكشف حجم العقود النفطية الهائلة التي وقعتها. وفعلياً، الشركة الأولى هي الأكثر نفوذاً لكون سيولتها المباشرة تبلغ 14 مليار دولار، وهو ضعف ما تملكه الشركة الثانية.
واللافت فيما تشهده السوق الأميركية هو أن الشركات المستهدفة هي نفسها التي كانت تُطوّر تقنيات التنقيب عن النفط الصخري، وهو المورد الذي أمن للولايات المتّحدة دفعاً في سوق الطاقة وعزّز من موقعها التفاوضي مع منتجي النفط، وبينهم السعودية نفسها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق